بينما ظل النفط «الذهب الأسود» أهم مصدر للطاقة وأكثرها استهلاكا لعشرات السنين، يبدى العالم حاليا اهتماما كبيرا بالوقود الحيوى كأحد مصادر الطاقة المتجددة، خاصة المستخرج من الطحالب «الذهب الأخضر»، للحصول على طاقة نظيفة.
وبعد تجارب وأبحاث استغرقت سنوات ، دخلت مصر مرحلة إنتاج الوقود الحيوى من الطحالب، حيث نجح علماء المركز القومى للبحوث ، خاصة المتخصصين فى مجال بيولوجيا المياه والكيمياء الحيوية ، فى التوصل إلى استخراج الوقود الحيوى «البيوديزل» من الطحالب ، بالإضافة إلى استخراجات أخرى تفيد الصحة والهواء.
ورغم الفوائد التى ستعود على مصر من تلك التحارب ، إلا أن نتائجها ما زالت حبيسة المعامل ، وينتظر العلماء العاملون على تلك الاكتشافات مرحلة التطبيق الصناعى ، التى تحتاج لإمكانات مادية كبيرة.
وأجرت «الشروق» زيارة ميدانية للمركز القومى للبحوث بمنطقة بين السرايات، حيث توجد مواسير زجاجية أعلى سطح المركز ، تتربى فيها طحالب «الدونيله سلاين» المستخرجة من بحيرة البردويل ، وذلك للوقوف على اكتشافات العلماء من «الذهب الأخضر» للمستقبل.
وقال كبير الباحثين فى هذا المجال الدكتور فاروق كامل الباز أستاذ الكيمياء الحيوية النباتية الذى يعمل منذ سنوات على هذه الطحالب ، إن مصر لا تستورد تلك الطحالب ولكن يتم استخراجها من بحيرة البردويل ، موضحا أنه تم إنتاج الوقود الحيوى «البيوديزل» منها، ورغم أن التكلفة الإنتاجية لذلك عالية ، إلا أن إنتاج المنتجات الصيدلية والغذائية والتجميلية من الطحالب يغطى تلك التكلفة ، وأشار إلى أن الطائرات ستستخدم «البيوديزل» فى وقودها بنسبة 20% بدءا من عام 2020 وفقا لقرار مؤتمر المناخ العالمى، وذلك لتقليل نسبة العوادم وتلوث الغلاف الجوى ، للعمل على الحد من ثقب الأوزون.
وكشف الباز عن تركيب وحدة لإنتاج الطحالب هى الأولى فى مصر والدول العربية والأفريقية ــ بسعة 4 آلاف لتر، مضيفا أن الخلية الواحدة تنتج ملايين الخلايا التى لا ترى إلا عن طريق الميكروسكوب ، حيث تنتج كل خلية واحدة أخرى كل 3 ساعات ، ويتم التحكم فى نوع الخلية حتى نصل لاستخراج زيت الجيتروفا المستخدم فى الوقود الحيوى.
وأشارت الدكتورة جميلة حسين أستاذ بيولوجيا المياه بالمركز القومى للبحوث، إلى أن 10 باحثين وعلماء بالمركز قطعوا شوطا كبيرا فى عالم الطحالب استغرق سنوات ، حتى وصلوا إلى مرحلة الوقود الحيوى واستخراج الزيت من الطحالب ، بالإضافة إلى منتجات أخرى ، مضيفة أنه تم استخراج سلالة من الطحالب تعالج فيروس سى بنسبة 90%، وتساهم فى تخفيض معدلات السكر والزهايمر وضبط وزن الجسم ، وتم التغلب على التكلفة الاقتصادية لتلك الأبحاث باستخراج مستخلصات أخرى من الطحالب تغطى تكلفة إنتاج الوقود الحيوى وهى البيتاكاروتين.
وأوضحت حسين أن «البيوديزل» يتميز بأنه طاقة نظيفة، ولا يحتاج لأى تغيير فى موتور السيارات عند خلطه مع مصادر أخرى للطاقة كالديزل العادى، مؤكدة أنه اقتصادى ويوفر الكثير من المال.
ويعد التطبيق الصناعى أكبر عقبة تواجه الباحثين بعد الاكتشافات العلمية للطحالب ، وأشار الدكتور الباز إلى أن ذلك يحتاج إلى إمكانات مادية كبيرة ومساحات أرض واسعة لإنشاء مزارع للطحالب لاستخراج الوقود الحيوى، فضلا عن إنشاء آلية تدخل مصر عالم الوقود الحيوى ، وأكدت الدكتورة جميلة حسين أن التكلفة المالية لإنشاء هذه المزارع مرتفعة وتحتاج لإمكانات دولة، لافتة إلى أن الاستخراجات الأخرى من الطحالب غطت تلك التكلفة بعد دراسات الجدوى التى تم إعدادها، نظرا لصعوبة دخول المستثمرين هذا المجال.
ورأت حسين ضروة وجود منظومة لإنتاج الطحالب واستخراج منتج دوائى بعقلية مصرية ، كاشفة عن زيارات لمسئولى عدة شركات فى مقدمتهم «مصر للطيران» لمدهم بالوقود الحيوى ، وأكدت أن المركز القومى للبحوث جهة بحثية وإنتاجه ليس للاستهلاك، والتطبيق الميدانى يحتاج لإمكانات كبيرة ليس فى استطاعة المركز القيام بها.
وبحسب الدكتورة جميلة حسين فإن التجارب العملية أثبتت تنقية مياه الصرف الصحى بعد تمريرها فى مزرعة طحالب ، حيث تتغذى على ثانى أكسيد الكربون والشوائب الأخرى، مضيفة أنه يتم تنقية مياه الصرف لتكون صالحة للتدوير فى الزراعات الغذائية، بعد تمريرها فى بحيرات متتالية على 3 مراحل (البكتيريا الهوائية ، واللاهوائية ، والطحالب) ، وأشارت إلى تطبيق ذلك فى محطة صرف منطقة زنين بالجيزة ، حيث تم إنشاء مزرعة للطحالب بعمق 3 أمتار يتم فيها أكسدة مياه الصرف الصحى ، لتصبح نقية وصالحة للزراعات التى تدخل جسم الإنسان.
وأضافت حسين أن التطبيق الصناعى للعمل فى مجال الطحالب بالمياه العذبة يواجه مشكلة كبيرة ، إلا أن علماء المركز استمروا فى البحث حتى وصلوا لإنتاج الطحالب فى المياه المالحة ، والتى تفيد مجال الاستزراع السمكي ، حيث تكون الطحالب مكونا أساسيا يساعد على نجاح المزارع السمكية بإنشاء بحيرات للطحالب لتغذية الأسماك وتنقية مياه المزارع.
وتابعت: «الطحالب تساهم أيضا فى الحد من التلوث، حيث تم تجربة تمرير أبخرة مصانع الأسمدة المليئة بثانى أكسيد الكربون، عبر أنابيب فى مزارع للطحالب لتنقية تلك الأبخرة ، التى تعد غذاء طبيعيا للطحالب ، كما يتم استخدامها بعد الاستخراجات الحيوية فى مصانع الأدوية ومنتجات تجميل الجلد وكعلف للحيوانات».