طلب الرزق في البحر، مهنة ما دونها العديد من المخاطر، لكن أغربها أسماك فتاكة تأكل شباك الصيادين ومعها الحبال والأسماك، ظاهرة ليست بعيدة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي الذي ترك مهمة حصار الصيادين لأسماكه الفتاكة..


 مرفأ الصيادين في مدينة صيدا، حكاية تاريخ وحاضر، حيث لا زالت السفن تبحر كل يوم ومعها العيون شاخصة الى البحر والشباك الممزقة التي زادت مشاكل الصيادين، فيما الهموم لا تعد ولا تحصى..

 مشاكل لم تستطع النيل من مهنة صناعة السفن في المدينة، التي تتكامل مع صيد الأسماك، لكنها أصبحت حكراً على 3 محال فيها، فيما سوق الأسماك الطازج يتعرّض لمنافسة كبيرة، ومعه الصيادين، من الأسماك المستوردة التي يزداد الاقبال عليها بفعل ضيق الحال والواقع الاقتصادي..

 «لـواء صيدا والجنوب» زار ميناء الصيادين في صيدا وعاد بهذه الانطباعات..

 أسماك فتاكة!
 على طول الشاطئ الصيداوي وتحديداً في ميناء الصيادين، تنتشر السفن ومعها الشباك التي تنتظر الرزق، لكن المهنة تحمل الكثير من الأسرار ومعها المعاناة المستمرة.

 معاناة الصيادين، أمر أكثر من بديهي في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة، لكن المعاناة تخفي بين ثناياها الكثير من الأسرار في مدينة صيدا، حيث تتجاوز الحدود العادية، ففي الوقت الذي يشير فيه جمال سنبل الى أن الرزق يقل خلال فصل الشتاء بسبب ارتفاع الموج وعدم تمكن الصيادين من الابحار لطلب الرزق، فإنه يوضح في الوقت نفسه عن ظاهرة جديدة، وهو الذي خبر البحر منذ 35 عاماً بأن هناك بعض الأنواع من الأسماك تقوم بتمزيق الشباك، الأمر الذي يضر بمعيشة الصيادين، وهذه السمكة يُطلق عليها أسم «الدبيقة»، وهي من النوع الفتاك.

 حديث عابر لذلك الصياد الذي كان منهمكاً في اصلاح شباكه داخل مركبه، قادنا الى صياد آخر يدعى حسن شعبان، الذي كان يعمل الى جوار شقيقه أحمد في اصلاح الشباك أيضاً، مشهد بدا طبيعياً للوهلة الأولى، حيث يغتنم الصيادون الطقس المشمس للقيام باصلاح شباكهم، لكن الحديث عن السمكة الفتاكة كان محور الاهتمام أيضاً.

 وقال: إن الثروة السمكية في البحر أصبحت ضعيفة، لأن سمكة «النفيخ» أو التي يُطلق عليها أيضاً أسم «الدبيقة» تقوم بقص الشباك، وهي تتكاثر مثل الجراد، وهذه السمكة بدأ ظهورها بعد حرب العام 2006 ونعتقد أن العدو الإسرائيلي هو من قام بزرعها في البحر، لأنه تم القاء العديد من البراميل في البحر، واعتقدنا بداية أن فيها مواداً سامة، ولكن يبدو أن العدو الإسرائيلي قام بزرع هذه السمكة في البحر كي تعيش في مياهنا، وهذه الأسماك تأكل الشباك وفي نفس الوقت الأسماك، فلا يمر شهر إلا ونضطر الى استبدال الشباك، التي تكلف كل قطعة منها 100 دولار أميركي، ونحن نستخدم أكثر من 30 قطعة، أي ما يوازي 3 آلاف دولار، وهذه الشباك التي أمامنا تم شراؤها في أيلول الماضي، أي إننا كل شهرين نحتاج الى شباك جديدة، وهذا الأمر يضر بمهنة الصيادين.

 حل مبتكر ولكن!
 وأضاف: هذه السمكة ليس لها حل، وهي تعيش في جميع الأعماق وبكميات هائلة، فعند وضع الشباك تقوم بأكل الأسماك وحتى الحبال والفلين، وهي تنتشر كالجراد في النهار، كأنها من آكلي لحوم البشر، والغريب في الأمر أن ثمن هذه الوجبة من الأسماك في اليابان أكثر من 30 أو 40 دولارا، ولكن جلدها مسم، لذلك نحن لا نستهلكها في بلادنا، لذلك نطلب من وزارة الزراعة أن تساعدنا على تصدير هذه الأسماك الى اليابان، حيث نتمكن من خلال صيدها بتقليل الكميات الموجودة في البحر، ولكن للأسف لا أحد يسأل عنا.

 وختم شعبان: هناك بعض الصيادين يقومون أيضاً باستخدام شباك صغيرة الفتحات لا تتعدى الـ 3 ميلة، الأمر الذي يضر بالثروة السمكية، فنأمل من وزارة الزراعة أن تقوم بدور فاعل في الرقابة، والنقابة تسعى لعلاج ذلك لكن لا نلقى تجاوباً من الدولة.

الأمر نفسه طالب به الصياد بلال بوجي البالغ من العمر 36 عاماً، حيث كان يهم بالإبحار لطلب الرزق، أوضح «أنه يعمل في هذه المهنة منذ عمر التاسعة وقد ورثها عن والده، والحمد لله لا نواجه الكثير من المشاكل، لكن عندما يرتفع الموج فإننا لا نستطيع المغامرة، وفي نفس الوقت تمتلئ الشباك بالأوساخ وبعض الخشب، وربما ذلك سببه الرصيف البحري الذي يتم تشييده حالياً، وكنا في السابق نعاني من مشاكل النفايات التي كان الموج يقذفها بالمياه من جبل النفايات، ولكن هذا الأمر خفّ بسبب الحاجر البحري».

 وقال: للأسف فإن الدولة لا «تتطلع فينا»، وكل ما نطلبه منها هو مزيد من المراقبة للصيادين الذين يستخدمون الشباك «الضيقة»، أي صغيرة الفتحات، والتي تضر بالثروة السمكية، لأن الشباك التي تمتاز بفتحات أكبر تحافظ على الأسماك الصغيرة، وهذا ما نريده من الدولة أن تراقب شباك الصيادين.

 سوق الأسماك
 طلب الرزق بشق غمار البحر، يتكامل مع بيعه في سوق الأسماك الطازج داخل الميناء، لكن ذلك الأمر دونه الكثير من المصاعب، حيث يشير محمود شاهين الى «أنه يعمل في هذا المجال منذ 13 عاماً، ويقوم بشراء الأسماك من الصيادين بواسطة المزاج، ومن ثم يقوم ببيعه بالمفرّق الى الزبائن، ورغم توافر الأسماك نجد أن الاقبال من قبل الناس قليل جداً بسبب ضيق الحال والواقع الاقتصادي الذي لا يخفى على أحد، حيث يشتري الناس من الأسماك من البسطات التي تبيع الأسماك المثلجة، لكن السمك الطازج يقل الاقبال عليه، وتتوافر لدينا العديد من الأسماك وقد يصل سعر الكيلو الواحد الى 50 ألف ليرة، ولكن هناك أسماك أخرى سعر الكيلو منها 2000 ليرة لبنانية، وذلك حسب نوعها، الأمر الذي يعني أنه بإمكان أي شخص أن يشتري السمك الطازج، لكن المنافسة من قبل الأسماك المستوردة تؤثر على طلب السمك المحلي الطازج.

 صناعة السفن
 أما صناعة السفن، فما زالت تحافظ على رونقها واتقانها في مدينة صيدا، ولكن عدد مزاوليها لا يزد عن أصابع اليد الواحدة.

وكان المعلم كامل توما عطية منهمكاً بعمله في هذه المهنة التي ورثها عن والده، ومعه ناجي عنتر، حيث أشار الأخير إلى «أنه يعمل في المهنة منذ 20 عاماً، وأن هذه المهنة مستمرة طالما هناك طلب للسمك، وهي تعتمد على الصناعة اليدوية، كونها حرفة يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وتتطلب اتقاناً كبيراً، لأن أي خلل في الصناعة قد يودي بحياة من يركبها، وهناك العديد من التصاميم والأنواع، وكل منها تستطيع الابحار الى الأماكن البعيدة، خصوصاً أن موج البحر يتلاشى كلما زاد العمق، وصناعة كل سفينة تستغرق ما بين الشهر أو الشهرين، وذلك حسب الحجم».

 أما عن العاملين في هذا المجال، فيشير المعلم كامل توما عطية الى «أنه يعمل في هذه المهنة في ميناء مدينة صيدا، إضافة إليه كل من العقاد وسنبل، والطلب على صناعة السفن يجعلها مهنة مربحة، لكن المعاناة الوحيدة هي مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، حيث لا يمكن نشر الخشب في ظل استمرار انقطاعه، إضافة الى الأخشاب الجيدة التي يجب أن تصنع منها السفن، لذلك نستخدم أنواعاً أخرى من الأخشاب، وكل ذلك يعتمد على ما يستطيع الزبائن دفعه، وهناك 3 أحجام للسفن، الصغيرة وطولها 5 أمتار والمتوسطة طولها 8 أمتار والكبيرة طولها 15 متراً، وتكاليف صناعة أي سفينة صغيرة تزيد عن 3 آلاف دولار، ويستطيع الصياد استرداد ما دفعه على سفينته بفترة قصيرة.

 مهنة تبدو مربحة، لكن ازدياد مشاكل الصيادين ربما يضر بها في المستقبل، فيما زيادة منافسة الأسماك المثلجة تؤرق هي الأخرى تجار الأسماك أيضاً.

أعدته للنشر/ دالياعمر

المصدر: جريده اللواء
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 281 مشاهدة
نشرت فى 30 نوفمبر 2012 بواسطة PRelations

الإدارة العامة للعلاقات العامة إحدى الإدارات العامة التابعة للمدير التنفيذى لجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية

PRelations
تحت إشراف مدير عام الإدارة العامة للعلاقات العامة (دكتوره/ أمانى إسماعيل) »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

595,181