يمثل الانخفاض الذي يصيب الغطاء المرجاني في بعض المناطق التي تنشط فيها السياحة احد التأثيرات السلبية للتنمية السياحية غير المتوازنة و المفتقرة الى التخطيط المحكم و الدقيق , فتترك الكثير من الآثار السلبية المباشرة و غير المباشرة على البيئة الطبيعية عموما , و البيئة البحرية و الساحلية المتمتعة بالخصائص الايكولوجية المتميزة على وجه الخصوص , و على المدى القصير او البعيد . و تنجم عن : -
اولا : عمليات الحفر و الردم داخل او بالقرب من الشعاب المرجانية في سبيل تهيئة المساحات الضرورية لأنشاء الفنادق و المنتجعات و القرى السياحية و المطاعم و الكازينوهات و مراسي اليخوت و مراكز الغوص و الرياضات البحرية الاخرى و غيرها من المشاريع , كما حصل في جزر هيرون و غرين و فريزر و لايدي ايليوت و غرين كيبل المرجانية في الحاجز المرجاني الكبير في استراليا . و ايضا في الغردقة و سفاجا بمصر حيث اشارت دراسة صادرة عن ( الهيئة القومية للثروة السمكية ) الى ان ( 4 ) ملايين م3 من الشعاب المرجانية بقيمة ( 12 ) مليار دولار امريكي قد تم تدميرها جراء الانشطة السياحية غير المدروسة بعناية و بالنتيجة ترتبت على السياحة بمنطقة البحر الاحمر خسائر جمة قدرت ب ( 595 – 850 ) مليون جنيه اي ( 0.2 – 1.3 % ) من الناتج المحلي الاجمالي بسبب تراجع البيئة البحرية . كما اشار تقرير المستشار البيئي لمحافظة البحر الاحمر الى ان الشعب المرجانية المردومة بالمنطقة بحاجة الى ( 100 ) عام لتعيد تكوينها من جديد و ان تصليح المتر المكعب الواحد منها سيكلف خزينة الدولة نحو( 300 ) جنيه .
ثانيا : تقطيع و ازالة الاجزاء الجميلة و المتميزة من الشعاب المرجانية و ابعادها من وسطها الطبيعي ليصار الى المتاجرة بها و بيعها كهدايا تذكارية الى السواح , او لتدخل ضمن ديكورات الحدائق و المسابح الفاخرة و الشلالات و المساقط المائية الاصطناعية و الشاليهات . مع امكانية تعرض الانواع النادرة منها للنهب و السلب بغرض المتاجرة غير المشروعة كما يحدث في سواحل ( القالة ) الجزائرية رغم صدور مرسوم خاص يحظر صيدها و المتاجرة بها و قد تمكنت سلطات الكمارك المختصة فيها من حجز و مصادرة ( 600 ) كغم من المرجان النادر عام 2005 وحده بقيمة ( 50 ) مليار سنتيمن و ( 55 ) كغم عام 2007 بسعر ( 14 ) مليون سنتيمن للكيلو غرام الواحد . و قبلها في مدينة ( طبرقة ) التونسية المجاورة رغم صدور مرسوم بحظر استخراج المرجان حتى عام 2015 و بالنتيجة تأثرت الثروة السمكية في المنطقة حد الانعدام خصوصا بالنسبة للاسماك التي كانت تتغذى على يرقات حيوان نجم البحر الشوكي الذي يعرف باستهلاكه الشديد للشعاب المرجانية كمصدر رئيسي في نظامه الغذائي .
ثالثا : مد و توسيع الشواطىء بنقل الرمال و الحجارة و مختلف المواد الغريبة اليها و صب مادة الاسمنت فوق الشعاب المرجانية لتستوعب اكبرعدد ممكن من المشاريع السياحية .
رابعا : تحطيم و تكسير و فصل اجزاء كبيرة من الشعاب المرجانية جراء نشاطات الزوارق و اليخوت و السفن السياحية و غيرها, كما فعلت السفينة الصينية ( شين ننغ 1 ) ليلة 12 نيسان 2010 في الحاجز المرجاني الكبير باوستراليا. و تشير احدى الدراسات الى ان رسو سفينة سياحية واحدة في منطقة مكتظة بالشعاب المرجانية لمدة يوم واحد فقط ستتسبب بتدمير مساحة منها تعادل مساحة ملعب حديث لكرة القدم .
خامسا : تلوث البحر بسبب مياه الصرف الصحي و الفضلات الناشئة عن المشاريع و السفن السياحية في غياب ادارة فعالة للبيئة, و التي تحفز على نمو غير طبيعي للطحالب الداخلة في النظام الغذائي للشعاب المرجانية , و تتسبب في تغطية اجزاء منها فتحول دون اتمامها لعملية التمثيل الضوئي الضرورية للنمو بطريقة طبيعية . علما بأن ( 77 % ) من النفايات الناجمة عن السفن هي من السفن السياحية و الفنادق العائمة .
سادسا : عمليات الردم الواسعة و التحطيم الجائر للشعاب المرجانية , الناجمة عن توسيع و انشاء القرى و التجمعات السكانية العشوائية من قبل جماعات من المجتمعات المحلية في المناطق القريبة من المشاريع السياحية كما حدث في بالي باندونيسيا , و في جامايكا التي بنيت فيها مبان سياحية على بعد امتار فقط من العلامة المائية العالية وعلى نحو عشوائي و غير مدروس فاستقطبت مجاميع الاهالي و شجعتهم على الاستيطان بالقرب منها سعيا للارتزاق فظهرت المستوطنات و التجمعات السكانية العشوائية , و بالنتيجة تأثر المنتج السياحي فيها و المعتمد بالاساس على النظم الطبيعية المرتبطة بالشعاب المرجانية فيما يخص الحشائش البحرية و الاسماك و الطحالب و اشجار ( المانغروف) و غيرها .
و تشير المصادر العلمية المختلفة الى ان الشعاب المرجانية تشغل ( 660000 ) كلم2 من مجموع مساحات المحيطات و البحار في العالم و بنسبة ( 0.2 % ) وهي نتاج ( 50 ) مليون سنة من التطور و النمو . و توجد منطقة بحرية بين المحيط الهادي و المحيط الهندي تسمى ( مثلث المرجان ) او ( الامازون البحري ) تحتوي وحدها ( 53 % ) من الشعاب المرجانية في العالم و ( 75 % ) من اجناس المرجان , و قد تعهدت ( 6 ) بلدان في المنطقة عام 2009 بحمايتها . و ان ( 8 % ) من سكان العالم يعيشون ضمن مساحة ( 100 ) كلم من الشعاب المرجانية و ان ( 22 % ) من النظم الايكولوجية المرجانية في العالم مهددة بالتلوث في الوقت الحاضر . و ان ( 20 % ) من المرجان في العالم قد دمر على مدى الاعوام ال ( 20 ) الماضية و ( 70 % ) منها معرض للزوال لعدة اسباب , و منها الانشطة البشرية المتعددة التي باتت تهدد ( 58 % ) من الشعاب المرجانية على كوكبنا . و ان المحيط الهادي بين هاواي و اندونيسيا الزاخر بالنشاطات السياحية قد فقد من الغطاء المرجاني ما نسبته ( 25 % ) في غضون الاعوام ال ( 25 ) المنصرمة , و بمعدل ( 1 % ) سنويا و هو بذلك يفقد احد اهم عناصر الجذب السياحي و احد مكونات المنتج السياحي فيه . كما اشار احد النقارير الصادرة عن ( الشبكة العالمية لمراقبة الشعاب المرجانية ) الى انخفاض مساحة الشعاب المرجانية في منطقة الكاريبي بنسبة ( 80 % ) على مدى الاعوام ال ( 30 ) الماضية . و هناك دراسة تقول بامكانية انقراض الشعاب المرجانية تماما من على كوكبنا بحلول عام 2100 للحموضة الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة المحيطات بسبب انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون و غيرها.
و تكمن الاهمية السياحية للشعاب المرجانية في كونها من المغريات السياحية ( المشوقات السياحية ) التي تجذب السواح من مختلف الفئات لغناها بالنظم الايكولوجية المختلفة , فيسعون اليها سباحة و غوصا بعد ارتداء قناع و انبوب الغوص , و من خلال الانضمام الى نزهات على ظهر قوارب شبيهة بالغواصة و يتفرجون عليها من خلال القيعان الزجاجية الموجودة في بعض المراكب او النزول الى مراصد تحت الماء او الاقتراب من الاماكن التي يكون المرجان فيها مكشوفا . كما ترتبط الشعاب المرجانية بعدة انماط من السياحة و بمختلف انواع الهوايات و الرياضات المائية المشوقة . ففي جزر المالديف مثلا , تمارس رياضة الغوص بنسبة ( 60% ) عند السواح الزوار . وهي عامرة بمواقع الغوص الموصلة بالمنتجعات مباشرة , او عن طريق رحلات السفاري البحرية على المراكب السياحية بالنسبة للبعيدة منها . كذلك الامر في مناطق الشعاب المرجانية بين جزيرتي ( ريدانغ ) و ( تيومان ) في ماليزيا و التي تستقطب سنويا اكثر من نصف مليون سائح من مختلف البلدان و يشكل الغوص فيها ( 60 – 90 % ) من مجمل النشاطات السياحية . و قد اضطرت السلطات السياحية فيها الى غلق ( 9 ) مواقع غوص من اصل ( 83 ) حتى نهاية شهر تشرين الاول 2010 كي تمنح تلك الشعاب فرصة تجديد نفسها على نحو طبيعي بعيدا عن الانشطة السياحية و في مقدمتها الغوص بعد اصابتها بالابيضاض بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه في المنطقة و غيرها من الاسباب .
و ايضا عند الحاجز المرجاني الكبير المتكون من ( 900 ) جزيرة و الممتد لاكثر من ( 2600 ) كلم و بمساحة ( 3444400 ) كلم2 قبالة سواحل ( كوينزلاند ) شمال شرق استراليا و هو اعظم تكوين مرجاني في العالم و فيه نحو ( 2900 ) نوع من المرجان و ( 1500 ) نوع من الاسماك من مختلف الصنوف بالاضافة الى ( 400 ) نوع من الحيوانات الرخوية و ( 200 ) نوع من الطيور , حيث ييمم شطره نحو ( مليون ) سائح في السنة ينفقون اكثر من ( 4 ) مليارات دولار في مختلف اوجه السياحة المرتبطة بهذا المعلم الطبيعي العظيم مثل السباحة و ركوب الامواج و الغوص و الصيد و مراقبة الطبيعة و ركوب الزوارق و التصوير .
كما يدخل المرجان في صناعة المنتجات الحرفية السياحية التي ينتجها الافراد و الاسر من المجتمعات المحلية القريبة فتدرعليهم النقود و تحسن مستواهم المعيشي و توفر لهم فرص عمل عديدة من خلال الاشتغال بمهام الدلالة و الارشاد . وتقول احدى المنشورات العائدة الى ( جماعة نيتشر كونسير فانسي ) المعنية بالبيئة ان الشعاب المرجانية تدر سنويا مليارات الدولارات عبر الانشطة السياحية و الصيد . و للمرجان استخدامات طبية و دوائية , فهو يدخل في صناعة الكثير من انواع العقاقير و الادوية المستخدمة في علاج السرطان ( سرطان الجلد و الدم ) و داء نقص المناعة المكتسب ( الايدز ) و امراض القلب و غيرها كثيرة , و يستخدم في ترميم العظام و معالجة الكسور في الاطراف و العمود الفقري و الفكين و في صناعة الاجزاء العظمية التالفة لوجود عنصر الكاليسيوم فيه .
كما للشعاب المرجانية اهمية كبرى في تصديها لثوران البحار و حماية الشواطىء و الحياة القائمة عليها , و يؤدي زوالها الى نتائج وخيمة تضطر معها الحكومات الى صرف مبالغ طائلة على الحواجز الصناعية , لتحل محل الشعاب المرجانية . كما في جمهورية مصر العربية , فقد خرجت احدى الدراسات الحديثة بنتائج تفيد بان اقامة الحواجز الصناعية الضرورية على الساحل في الغردقة و سفاجا سيكلف الخزينة نحو ( 1.3 ) مليار دولار على اساس ( 12.5 ) مليون دولار لكل ( 1 كلم ) .
كما تعتبر الشعاب المرجانية من انسب الاوساط الطبيعية لنمو و ازدهار الكثير من الكائنات البحرية و في مقدمتها الاسماك ( 4000 فصيلة و 700 نوع من السمك في مصر ) . ففي مصر على سبيل المثال بلغ الانتاج السنوي من اسماك الشعاب المرجانية في الغردقة و سفاجا عام 1984 نحو ( 960 ) طنا بقيمة ( 9.6 ) ملايين جنيه مصري حسب احدى الاحصائيات الصادرة عن الهيئة المصرية للثروة السمكية . و قد حصلت فيه الكثير من الفقودات خلال الاعوام التالية جراء تراجع مساحات الشعاب المرجانية في المنطقة قدرت ب ( 460 ) طنا عام 2009 و بقيمة ( 4.1 ) ملايين جنيه .
و من نماذج التأثير السلبي للسياحة على الشعاب المرجانية : -
حالة جزر المالديف المرجانية و عددها ( 26 ) جزيرة كبيرة في الجنوب الغربي من سريلانكا بالاضافة الى ( 1192 ) جزيرة مرجانية صغيرة المساحات . و فيها ( 60 ) منتجع سياحي يتمركز معظمها في جزر ( آري ) و ( مارلاي الشمالية ) و ( و مارلاي الجنوبية ) . وقد تراجعت فيها الشعب المرجانية بشكل واضح . و بالذات في عام 1998 لتأثرها بظاهرة ارتفاع درجة حرارة المياه لمدة ( 14 ) يوما و فقدانها لالوانها الجميلة في ظل تزايد الانشطة السياحية . و حالة منطقة ( كانكون ) بالمكسيك و بالذات في مدينة ( تشيتاليس ) السياحية و التي بدأ النشاط السياحي فيها بألانتشار منذ الستينات من القرن الماضي , فاكتظت بالفنادق و مختلف المشاريع السياحية التي لم تفلح في ادارة مياه الصرف الصحي الناجمة عنها كما يجب فغدت المياه المحيطة بها عكرة كريهة الرائحة , تسبح فيها التماسيح فقط .
وحالة الشواطىء المصرية التي تضررت الشعاب المرجانية فيها بنسبة ( 30 % ) وبالذات شواطىء محافظة جنوب سيناء التي ينمو فيها اكثر من ( 220 ) نوعا من المرجان , و منها ( البوريت ) و ال ( اكروبورا ). و ذلك بفعل الصيد الجائر و التسريبات النفطية و الانشطة السياحية غيرالمتوازنة .
و حالة جزيرة ( سانت مارتن ) في البنغال على الجانب الجنوبي من بنغلادش التي كانت تستقبل بين ( 3000 – 7000 ) سائح يوميا , و الغنية ب ( 66 ) نوعا من المرجان و ( 234 ) نوعا من الاسماك منها ( 89 ) نوعا مرتبطا بالشعاب المرجانية بالاضافة الى ( 186 ) نوعا من الرخويات و المحار و سبعة انواع من السرطانات و تسعة انواع من شوكيات الجلد و خمسة انواع من القنافذ البحرية و خيار البحر و غيرها كثيرة بالاضافة الى انواع عديدة من النباتات و في مقدمتها اشجار المانغروف. وقد حصل تراجع في اعداد السياح الهائلة هذه بسبب تلوث المياه و تقلص مساحات الشعاب المرجانية فيها و فقدانها للتنوع البيولوجي على نحو ملحوظ .
و حالة ارخبيل ( بالاو ) الامريكي في اوقيانيا و التابع لجزر كارولين بمساحة ( 488 ) كلم 2 و الزاخر بالفنادق و المنتجعات و ملاعب الغولف و المرافق الترفيهية فقد تضرر فيه المرجان كثيرا بسبب تنامي ظاهرة تعدين الصخور المرجانية للحصول على مواد البناء و وقوع الكثير من حوادث جنوح السفن فيه ( 4 حوادث في عام 2005 فقط )
اعدته للنشر : م/ نادية حمد


