يشهد العالم نمواً متسارعاً في المعطيات المعرفية والثقافية والمعلوماتية، وتعد الحكومة الالكترونية إحدى أهم وابرز الواجهات المعاصرة للتقنية المعلوماتية المسئولة عن النمو الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة.
وتتعدد تعريفات الحكومة الإلكترونية، لتعدَد الأبعاد التقنية، والإدارية، والتجارية والاجتماعية التي تؤثر عليها. حيث تعرفها الأمم المتحدة بأنها: "استخدام الإنترنت والشبكة العالمية العريضة، لإرسال معلومات وخدمات الحكومة للمواطنين". أما منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية تعرفها بأنها:" استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخصوصا الإنترنت للوصول إلى حكومات أفضل". وإذا حاولنا جمع هذه التعاريف واستخلاص النقاط المشتركة بينها، يمكننا تعريف الحكومة الإلكترونية بأنها: "استخدام التكنولوجيا وتقنية المعلومات، لدعم الأعمال الحكومية والتفاعل مع المواطنين، بغية تقديم هذه الخدمات بطريقة سهلة عبر الوسائل الإلكترونية وأدوات التكنولوجيا، وأهمها الإنترنت، والتقنيات الجديدة للاتصال".
وتتمثل أهداف الحكومة الالكترونية فيمل يلى: تقديم خدمات أفضل، وتقليل التكاليف الحكومية، ورفع مستوى رضا المستفيدين عن الخدمات التي تقدم لهم، وتقليل الوقت المستغرق في حصول المستفيد على الخدمة التي يحتاج إليها، وتقديم بيانات دقيقة وفي الوقت المناسب حسب الحاجة.
ومنذ فترة ليست بالقصيرة تنبهت بعض الدول النامية ومنها العربية إلى ما يمكن أن تحققه من مكاسب وإنجازات إذا ما سارعت إلى ملاحقة تلك التطورات في هذا المجال كوسيلة متطورة لتحقيق غاياتها المستقبلية، وسعيا لتحقيق هذا الهدف فإن الحكومات ركزت جهودها في توفير كافة المقومات اللازمة سواء على صعيد متطلبات البنية الأساسية أو تأهيل الكوادر الوطنية القادرة على إدخال التكنولوجيا المتقدمة، وبما يتناسب مع ظروف الدولة، فضلا عن شفافية المعلومات وعرضها أمام المواطنين بحيث يمكن التعرف باستمرار على الاتجاهات الحكومية سواء في مجال تقديم الخدمات الحكومية أو في الأقسام الحكومية المتعلقة بخدمات المواطنين.
هناك من يعتقد أن ثمة مخاطر عديدة ناجمة عن تطبيقات الحكومة الالكترونية على الأيدي العاملة. غير أن العديد من الباحثين يعتقدون أن العكس هو الصحيح. فمن خلال التجارب العالمية اتضح أن تطبيق الحكومة الالكترونية لا يشكل خطراً على الأيدي العاملة بقدر ما يعمل على إعادة توزيعها وهيكلتها، لأنها ستؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية وجوهرية في المفهوم الإداري والفني للموظف العام وفي عملية اختيار الموظفين وتعيينهم.
جدير بالذكر أن هناك مجموعة من العقبات التي تواجه تطبيق الحكومة الالكترونية ومن أبرزها الأمية الالكترونية، والحاجز الرقمي، وعدم كفاءة البيئة التحتية للاتصالات والمعلومات، هذا إلى جانب عدم مواكبة التشريعات والنظم الإدارية للمستجدات وضعف الوعي العام بأهمية ومزايا تطبيقات الحكومة الالكترونية؛ الأمر الذى يتطلب العمل الجاد في محاور عديدة ترتبط بالبنية التحتية والكوادر البشرية والتطبيقات والخدمات الالكترونية، بالإضافة إلى تطوير القوانين والتشريعات لخلق مناخ ملائم للاستثمار والأعمال في مجال تقنية الاتصالات والمعلومات.
كما أن التعاون والتفاعل وتبادل الخبرات على المستوى العالمي يساعد أيضا على تطوير بنية مجتمع المعلومات ورفعه إلى مستويات عالية ويساهم ذلك في إطلاق صناعة مدنية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات مع ضرورة الاستفادة من المزايا والإمكانيات الاقتصادية والتعليمية لكل دولة عربية.
من هذا نستخلص أن المفهوم العام للحكومة الإلكترونية يقتضي المزج الكامل بين استراتيجية تنفيذ المهام والمسئوليات القائمة على الحكومة واستراتيجية تكنولوجيا المعلومات واتجاهاتها العالمية الحالية والمستقبلية عند وضع السياسات العامة للدولة، واتخاذ الأساليب الإلكترونية منهجا رئيسا لآليات تنفيذ تلك السياسات والإشراف عليها، وبهذا تتكون البنية الأساسية التي تتيح للمجتمع فرصة الانتقال إلى مزيد من التقدم بالاعتماد على الوسائل الرقمية الإلكترونية.
خلاصة القول يعتمد نجاح مفهوم الحكومة الالكترونية على محورين:
الأول: مدى جاهزية القطاعات الحكومية لتقديم الخدمات إلكترونياً، ويتأتى ذلك من خلال توفير البنية التحتية اللازمة لذلك من خلال تحديث قطاعات الدولة وتدعيمها بأحدث ما توصلت إليه تقنيات الاتصالات والمعلومات للمساعدة في تقديم الخدمات الحكومية إلكترونياً.
الثاني: نشر المعارف والخبرات في المجالات المرتبطة بتقديم الخدمات الحكومية إلكترونيا، وتعميق المفاهيم والخبرات التي تساعد مديري تقنية المعلومات في القطاعات الحكومية في تطبيق مفاهيم الحكومة الالكترونية وتطبيقاتها من جانب، والتوعية لتعريف المجتمع بمزايا التحول إلى المجتمع الرقمي وكيفية الاستفادة من الخدمات الالكترونية من جانب آخر.