<!--

 كثرة الضرائب تقلل الضرائب

د.عبد الكريم أحمد قندوز

 

 دعونا في البداية نستذكر بعض المفاهيم الأساسية وخاصة مبدأ "الضريبة تقتل الضريبة" أو ما يسمى بلغة الاقتصاد "أثر لافر" والذي ينسب إلى الاقتصاد الأمريكي آرثر لافر.

ما هو منحنى و أثر لافر (Laffer Curve)؟

اعتبر لافر (وهو اقتصادي ليبرالي ينتمي إلى اتجاه اقتصاديات العرض) أن الارتفاع السريع لمعدلات الضغط الضريبي - أي الوزن الضريبي - تدفع قطاع العائلات وقطاع الأعمال إلى التقليل من وقت العمل على حساب الوقت المخصص للراحة.

المنحنى أعلاه  يشرح ذلك:

عندما يكون معدل الضريبة في المستوى(م1)، كما في الشكل ، فان الحصيلة الضريبية تكون عند أعظم قيمة لها (أ) .

  إذا تم تجاوز هذا المعدل و انتقلنا من المعدل (م1) إلى المعدل الأكبر (م2)، فان الحصيلة الضريبية تنخفض من (أ) إلى (ب).

في مواجهة زيادة الاقتطاعات الإجبارية (الضرائب والمخصصات الاجتماعية)، فإن المستثمرين يتخلون عن الاستثمار وذلك لأن الجزء الأكبر من الأرباح المحققة سيتم اقتطاعه في شكل ضرائب. وهنا يبدأ النشاط بالتراجع وكذلك الحال بالنسبة للأعمال (المقاولات) (عمل أقل، دخل أقل) إلى الحد الذي يجعل الدولة تجبي ضرائب أقل مما كانت عليه قبل الزيادة في معدلات الضرائب.

على العكس من ذلك، فإن تخفيض الضرائب، تؤدي إلى تشجيع النشطين والمقاولين على الاستثمار للحصول على أرباح أكبر، خاصة أن هذه الأرباح ستكون أقل تعرضا للضرائب. هذه الزيادة المطردة في الأنشطة سوف تخلق ثروات جديدة يستفيد منها كل الذين ساهموا فيها بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة (الأجراء، المقرضون، المساهمون، المؤسسات، الإدارات...). ومنه سيتم بعث النمو من جديد. ومع زيادة الإنفاق الحكومي وكذلك الإيرادات، فإن الدولة تستطيع في هذه الحالة بشكل عام الحصول على قيمة أكبر من الحصيلة الضريبية عن تلك التي كانت تحصل عليها قبل التخفيض في الضرائب.

منحنى لافر إذن ما هو إلا إطار تحليلي، يعتمد أساسا على بديهية حقيقية، هذه البديهية تقوم على أن الأفراد مستعدون للعمل  أكثر عند زيادة دخولهم الحقيقية.

لقد أدرك ابن خلدون منذ القدم أن التوسع في الضريبة يمكن أن يؤدي إلى ترك بعض الأنشطة الاقتصادية، وهذا ما يغري الحكام برفع المعدلات لجبر ما نقص من الحصيلة، وهكذا "لا تزال العملة في نقص ومقدار الوزائع والوظائف في زيادة لما يعتقدونه من جبر الجملة بها إلى أن ينتقص العمران بذهاب الآمال".

وهذه الفكرة التي أشار إليها ابن خلدون  هي نفسها  التي أثبت من خلالها لافر الأثر الذي ينسب إليه والتي مفادها أنه عند رفع معدلات الضريبة فإن ذلك يؤدي إلى تحريض قطاع الأعمال وحتى العائلات على تخفيض وقت العمل واستبداله بوقت الراحة وسبب ذلك ببساطة - كما أشرنا سابقاً- هو  أن الأفراد إذا رأوا أنهم يحولون معظم أرباحهم إلى الدولة فإنهم يفضلون التوقف عن العمل.

إن مبدأ (الضريبة تقتل الضريبة) -الذي أشار إليه ابن خلدون- هو ما جعل الرئيس الأمريكي رونالد ريجان يعتمد فكرة تخفيض معدلات الضريبة لتحفيز النمو الاقتصادي، وتبعا لذلك جاء قانونا الإصلاح الضريبي لسنتي 1982 و 1986 وقد أثبتت هذه الفكرة صحتها من خلال النتائج الايجابية التي حققها الاقتصاد الأمريكي آنذاك. ولعل هذه نقطة أخرى تثبت عبقرية هذا الرجل وإمكانية تطبيق أفكاره زماننا هذا، ولا شك أننا - المسلمين- أولى بتطبيقها.

PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

عدد زيارات الموقع

818,208

ابحث