مفهوم وأهداف عملية إعادة الهيكلة
د/نجيب عبد الغني إبراهيم**
لقد شهد العالم في الفترة الأخيرة بعض التغييرات الجذرية التى أثرت علي جميع المنظمات سواء كانت منظمات انتاجية أو خدمية ، والتى من أهمها انتشار فكر وفلسفة الاتجاه نحو العالمية ، والخصخصة ، وحرية التجارة، واتجاه بعض المنظمات والمؤسسات الكبيرة نحو الاندماج لتكوين تكتلات اقتصادية عالمية عملاقة، فضلاً عن التطورات التكنولوجية المتلاحقة ، مما أدى إلى اتجاه معظم الحكومات إلى تطوير منظماتها وشركاتها سواء بإعادة هيكلتها أو بخصخصتها ، أو بدمج بعضها مع بعض لتكوين كيانات كبيرة قادرة على المنافسة ، وتحسين مسارها وتوجيهها نحو التفوق والنجاح .
أولا: مفهوم إعادة الهيكلة : ـ
يتمثل مفهوم إعادة الهيكلة Restructuring فى أنها عبارة عن عملية إعادة النظر بصورة جذرية فى الشكل الكلى للمنظمة وممارستها ووظائفها وادارتها بغرض تحسين آداؤها ، من خلال تشخيص موقفها وإصلاح جوانب القصور أو الخلل أو الضعف الموجود بها وتقوية جوانب القوة ، والتغلب علي التهديدات الخارجية وانتهاز الفرص للاستفادة منها ، مما يدفع المنظمة إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية ( مثل الربحية ، والعائد على الاستثمار، والوضع التنافسي ، والتطور التكنولوجى ، والانتاجية ، ...الخ ) وتعظيم قيمتها أمام الملاك أو الراغبين في امتلاكها .
وقد بدأ الاهتمام بعمليات إعادة هيكلة الشركات Corporate Restructuring منذ ثمانينيات القرن الماضى ، وقد استمرت وتطورت تلك العمليات مع تطور حركة التجارة العالمية، ولذا أصبح مفهوم إعادة الهيكلة يفرض نفسه على الفكر المالي والإدارى والاقتصادى ، ويعتبر من أهم المفاهيم الإدارية التي ظهرت لمساعدة وتطوير جميع المنظمات لمواجهة مخاطر المستقبل .
لقد استخدم مفهوم إعادة الهيكلة ( restructuring ) كمصطلح فى بداية التسعينات من القرن العشرين ، لوصف طريقة تحقيق التحسينات التى لم يسبق لها مثيل فى الآداء ، من خلال التغيير الذى يتم بصورة غير دورية ، وجوهر المفهوم يكمن فى البحث عن طريق أفضل لتقديم الخدمات الادارية عن طريق إعادة هيكلة الإدارة .
وبالتالى يشير مفهوم إعادة الهيكلة إلى العمليات والجهود الهادفة إلى تحسين آداء الجهاز الإدارى، من خلال اعادة النظر فى الهياكل التنظيمية ، من حيث توزيع الاختصاصات بين الوحدات المختلفة، ونمط العلاقات والاتصالات فيما بينهما ، بهدف الحد من تداخل الاختصاصات والحيلولة دون الازدواجية فى العمل ، وتحقيقا لدرجة أكبر من التعاون والتجانس فيما بينها .
ثانيا – تعريف عملية اعادة الهيكلة :-
وقد عرفت إعادة الهيكلة بأنها عملية تغيير مخططة تسعي لأحداث نتائج محددة وتسير وفقاً لبرنامج زمني محكم ويتم ذلك من خلال تغيير في السياسات والهياكل والإجراءات ونظم العمل وبالشكل الذي يؤدي إلى تغيير وتطوير في سلوك البشر ويرفع من فعالية المنظمة .
وإعادة الهيكلة هى عبارة عن إعادة النظر بصورة جذرية فى الشكل الكلى للمنظمة وممارستها ، مما يعنى رفض الشكل الحالى والبحث عن شكل جديد للمنظمة يتضمن رؤية واستراتيجية المنظمة وهيكلها التنظيمى وشكل الملكية فيها ، ووظائفها والموارد البشرية ومنتجاتها وخدماتها وطرق وأساليب ادارتها .
وقد عرفها Edger F.Huse بأنها "عملية تغيير مخططة تسعى لإحداث نتائج محددة وتسير وفقاً لبرنامج زمني محكم ويتم ذلك من خلال تغيير في السياسات والهياكل والإجراءات ونظم العمل وبالشكل الذي يؤدى إلى تغيير وتطوير في سلوك البشر ويرفع من فاعلية المنظمة .
كما عرفها Mark Raymond بأنها عبارة عن " إعادة التصميم الجذري للعمليات وذلك لتحقيق تحسينات في مقاييس الآداء الحاسمة والتي تشمل التكلفة والجودة والخدمة .
وبصفة عامة فإن إعادة الهيكلة تمثل قرار استراتيجى من الإدارة العليا للمنظمة ، يهدف إلى جعلها أكثر ربحية أو لتصبح متوافقة بصورة أفضل مع المتغيرات البيئية المحيطة بها ، ولذا يقصد بإعادة الهيكلة بصفة عامة ، اتخاذ مجموعه من الإجراءات المنهجية المخططة التى تسعى إلى التدخل من أجل إعادة تصويب الهياكل الفكرية والتنظيمية والبشرية والمالية والفنية والتسويقية للمنظمة بما يؤدى إلى تحسين الآداء كميا ونوعيا , وإعادة هيكلة الشركة بصورة بسيطة هى تنظيم واستغلال عناصر الشركة المختلفة ، وتطوير إطار وأهداف العمل بها ، بهدف تحسين الآداء واستغلال الفرص الاستراتيجية الجديدة ، لكسب ميزة تنافسية ، وخلق قيمة ومنفعة ، وكذا اكتساب المصداقية فى الاسواق .
ويعرفها بعض الباحثين بأنها إعادة ترتيب أو تغيير للوحدات التنظيمية خاصة الكبيرة منها سواء بالتوسع أو الانكماش ( أى دمج ، تفكيك ، إلغاء ) وغالبا ما يصاحبها تقليص حجم العمالة وبما يؤدى إلى تحسين آداء المنظمة نظراً لانخفاض التكلفة .
كما يطلق عليها بتقليص أو تصحيح الحجم أو تقليل المستويات بتقليل حجم المؤسسة من حيث عدد العاملين – الموارد البشرية - أو عدد الاقسام والوحدات وعدد المستويات فى الهيكل التنظيمى بالمؤسسة والغرض من وراء ذلك تحسين كل من الكفاءة والفعالية .
ويرى البعض أن عملية إعادة الهيكلة تعتبر وسيلة رئيسية لتحقيق و رفع كفاءة الآداء وإزالة القيود التي تحد من الانتاجية ، من خلال إحداث تغييرات جذرية فعالة في الأوضاع والأساليب والمفاهيم الإدارية السائدة ، وفي كل ما يرتبط بها ويتفاعل معها من عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية ، للوصول الأمثل لحسن إدارة وترشيد استخدام الموارد البشرية المتاحة ، ورفع معدلات الكفاءة والفعالية والانتاجية في الوحدات الإدارية المختلفة.
كما يرى البعض أن إعادة الهيكلة تهدف إلى تحسين الآداء بصورة ملموسة ، وتطوير القدرات التنافسية من خلال تغيير المنظمة وتغيير سلوك أفرادها من خلال الابعاد الآتية :ــــ
-إعادة الهيكلة المالية من خلال هندسة الأصول وإعادة هيكلة الخصوم بالإضافة إلى تغيير شكل الملكية .
-إعادة هيكلة المنشأة ككل من خلال مراجعة ادارية شاملة لأنشطة المنظمة المالية والتسويقية والتكنولوجية والبشرية بهدف رفع كفاءة المنظمة وتحسين قدرتها التنافسية .
-إعادة هيكلة الإدارة وتطويرها من خلال تطوير استراتيجية للمنشأة وتطبيق هذه الاستراتيجية ومراقبتها ، بالإضافة إلى تطوير المهارات بالتدريب .
- تطوير أسلوب التعامل والتكيف مع البيئة من خلال نموذج محدد خاصة بيئة الصناعة التى تعمل فيها المنظمة.
<!--[endif]-->ويرى الكاتب أن إعادة الهيكلة يمكن النظر إليها بمفهوم أكثر شمولية ، بحيث يمكن استخدام مفهوم إعادة الهيكلة لتغيير هيكل الافكار والخطط والاستراتيجيات والعمليات والأنشطة والأساليب والطرق التى تستخدم وتؤثر فى درجة تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة ، مما يجعلها قادرة على منافسة المنظمات العالمية الناجحة ، لأنها تمثل نقطة التحول إلى وضع آخر أفضل من الوضع القائم حالياً .
وقد يرى البعض أن إعادة هيكلة المنظمة يمكن أن تتم فى الحالات الآتية : -
- تصغير المنظمة وتقليل عدد العاملين بها .
- استعادة التوازن الديناميكى بين عناصر المنظمة.
-بناء استراتيجية لاختراق السوق .
- التحول إلى التوجه بالعملاء ورغباتهم .
-تنمية استراتيجية لإغلاق السوق في وجه المنافسين المحتملين.
- التوجه نحو السوق العالمى.
وقد يرى البعض الآخر أن عملية إعادة الهيكلة قد تأخذ صيغا عديدة واشكالا مختلفة حسب ظروف كل دولة والمركز التنافسى لها واهميتها فى الاقتصاد العالمى ، ومن امثلة الأشكال المختلفة لإعادة الهيكلة ما يلى : ـ
-دعوة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى إلى تحويل الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق – والتخلص من القطاع العام بالكامل أو جزئيا ، وهذا ما حدث فى مصر وبعض دول العالم لافساح المجال من خلال الخصخصة والبيع للاجانب لعولمة الاقتصاد .
-التوسع فى المعونات والمساعدات الدولية لمساندة عمليات الخصخصة وتمليك الاجانب للشركات المحلية وإعادة هيكلتها وتجهيزها للعولمة ولصالح الاقتصاد العالمى .
-السماح للأجانب لتملك الأراضى والعقارات والاستثمار العقارى والفندقة والسياحة ، وإعادة الهيكلة هنا تتم بمطالبة الدولة بتعديل القوانين والتشريعات بما يدعم هذا التوجه .
-السماح للبنوك الأجنبية والتوسع فى البنوك المشتركة لتجهيز القطاع المصرفى والمالى للاندلاع داخل بوتقة الاقتصاد العالمى والعولمة ، وهذا نوع من أنواع إعادة هيكلة المؤسسات المالية .
-الدعوة إلى الاندماجات بين الشركات والتملك فى جميع القطاعات كالبنوك وشركات التأمين وشركات الادوية والطيران والصناعة والبترول وغيرها ، كلها اشكال من إعادة الهيكلة لصالح الأطراف الخارجية
-تعتبر جميع صيغ الخصخصة اشكالا من اشكال إعادة الهيكلة مثال ذلك بيع الشركة لمستثمر رئيسى Anchor Inverstor ، أو بيع جزء من الشركة أو خصخصة جزء اخر أو الدخول فى مشروع مشترك أو البيع المؤقت وحق الامتياز ، كلها اشكالا من إعادة الهيكلة .
ثالثا: أهداف عملية إعادة الهيكلة :-
تهدف عملية اعادة الهيكلة الى تحقيق بعض او كل الاهداف الآتية :-
(1)تحسين آداء المنظمات بصورة ملموسة وتطوير القدرات التنافسية وذلك من خلال تغيير بناء المنظمة وتغيير سلوك أفرادها .
(2)التخلص من العمالة الفائضة عن الحاجة ، أو المترتبة على السياسات السابقة للمنظمة وذلك بتشجيع التقاعد المبكر ، والغاء الوظائف الشاغرة .
(3)إعادة النظر في مفهوم الوظائف داخل المنظمة وتغليب منطق الخدمة والعائد فيها على منطق السلطة والسيادة ، وإحداث تغيير جذري في آداء العمليات الإدارية ، وكذا إعادة النظر في العلاقات التنظيمية والإنسانية بما يتوافق مع التغيير في الجوانب الفنية والتقنية .
(4)تخفيض النفقات والتكاليف , وذلك عن طريق إلغاء أو تقليل الإدارات المزدوجة في الآداء والمهام والأهداف حتى تتحقق الفعالية والكفاءة الإدارية .
(5)توحيد السياسات العامة للمنظمة , وذلك عن طريق دمج المؤسسات التي لها مصالح متضاربة ومتنافسة تحت إدارة منظمة أو جهاز إداري واحد , مما يعمل على رفع مستوى الكفاءة والفعالية داخل المنظمة.
(6)تحقيق المرونة في الهياكل التنظيمية مع سرعة الاستجابة للمتغيرات البيئية المحيطة بالمنشأة والوصول إلى مستوى مناسب من اللامركزية فى اتخاذ القرارات وكذا تفويض الصلاحيات داخل المنشأة.
(7)تعظيم القيمة السوقية للمنظمة , وذلك من خلال تحديد الفرص الإستراتيجية والتشغيلية لتحديد القيمة المحتملة في ظل التطوير الداخلي والخارجي ثم تحديد الفرص التي تم اقتناصها واستغلالها الاستغلال الأمثل للوصول للقيمة الحقيقية للمنشأة .
(8)تجهيز المنظمة للاندماج أو للخصخصة سواء ببيعها لمستثمر رئيسى أو بطرحها بالبورصة .
(9)تخصيص بعض النشاطات بالمنظمة وإدارتها بالأسلوب التجاري لرفع كفاءتها وتعظيم العائد منها .
(10)عندما تفشل المنظمة فى تحقيق أهدافها على مر الزمن ، بالرغم من تمتعها بقدرات متميزة .
(11)عندما تصبح من المنافسين الضعفاء فى المجال الذى تعمل فيه .
(12)عندما تعانى من من انعدام الكفاءة وانخفاض الربحية وتدهور معنويات العاملين والضغط من قبل أصحاب الأسهم لتحسين الآداء .
(13)عندما تفشل فى الاستفادة من الفرص الخارجية أو تقليل التهديدات الخارجية إلى ادنى حد ممكن ، أو للاستفادة من نقاط القوة الداخلية والتغلب على نقاط الضعف الداخلية.
(14)عندما تنمو بسرعة كبيرة مما يستدعى ضرورة إعادة الهيكلة الداخلية للحفاظ على معدلات النمو المحققة.
(15)عند حدوث تطور تكنولوجي مع وجود الحاجة لإحلال التكنولوجيا المتقدمة محل التكنولوحيا المستخدمة.
(16)عند وجود مشكلات متعلقة بكفاءة الإدارة وحسن أو سوء تصرفاتها أو نزاهتها .
(17)عند حدوث مشكلات متعلقة بالتدفقات النقدية الواردة والصادرة وعدم التوازن بينهما .
(18)عند انخفاض فائض العمليات الجارية وعدم مناسبة معدل العائد السنوي على رأس المال المستثمر .
** كاتب المقال: خبير في إعادة الهيكلة ومدير عام الجودة بشركة مصر لتأمينات الحياة