أيهما أولى، تحرير الوطن
أم الانتصار للعقيدة أو الحزب أو الطائفة؟!
إن استقلال الوطن الذي يؤويني ويطعمني ويحميني مصلحة عليا، وعندما يكون الوطن محتلا، مهانا، فإنّ الأولوية المطلقة برأينا، تكون للدفاع عنه.. دون المساس بالعقيدة الشخصية ولا التنازل عن المبدأ..
الاختلاف في الرأي نعمة إذا وجد الحوار البناء على أساس مصالح الوطن العليا والقواسم المشتركة، ولم يكن تكريسا للأنانية الساذجة والاحتكار الغبي والمصلحة الشخصية أو الطائفية الضيّقة..
ومقاومة الأعداء الغزاة والوقوف بكل الوسائل في وجههم ودحرهم وتطهير تراب الوطن من دنس نعالهم، واجب على كل مواطن، مسلم وغير مسلم، وهو شرف لكل مقاوم ما بعده شرف..
ولا يسمِّي الدفاعَ عن حرية الوطن وعزته "إرهابا" إلا عدوٌّ خبيث أو عميلٌ خائن.
وإذا كان الجهاد في الإسلام فرض عين، فهو في الحياة عامة ومنذ غابر التاريخ، فطرة جَبل الله عليها خلقه؛ كل مخلوقات الله لا تتأخر لحظة عن شرف الكفاح في سبيل حريتها وكرامتها...حتى الحيوان الأعجم يستبسل في الذود عن حياضه، ودعني لا أقول الأسد أو النمر.. بل حتى النحلة والنملة...
وهذا الوطن العربي الكبير، كم هو غنيّ بأديانه وعقائده وأحزابه وتوجهاته..
فأي قوّة أعظم من أن تضع تلك المجتمعات العربية والأطياف والتيارات المختلفة، نصب عينها، تحرير الوطن في أولوياتها، ويصبح تحرير الوطن بذلك، قاسمَها المشترك!!...
وأي ضعف وأيّ وهَن يصيب الجميع واحدا واحدا، القوي قبل الضعيف، حين تتشتت تلك الأطراف المختلفة، وتتضارب القوى الوطنية، ويُقصي بعضُها البعضَ الآخر أو يلغيهه، ويصبح الوطن، كما هو حالنا الآن، بحيرة إقصاء وإلغاء متبادلين، يتساقط في غياهبها الجميع ويغرق!!...
عندما تكاتف الإخوة الفلسطينيون وشدّوا أزر بعضهم البعض واجتمعت قواهم المختلفة على إسرائيل، استطاعت يدهم الموحّدة "القصيرة" (مقارنة بالآلة العسكرية الأمريكية الصهيونية الغربية)، أن تمتدّ إلى إسرائيل وأعوانها وضربها الضربة الموجعة بعد الأخرى حيثما أرادت وأينما توجهت، وفي أيّ مكان في العالم... ولم يتجرأ أحدٌ من الأعداء حينها، على وصفها بالإرهاب بل كان الأعداء أنفسهم، كما الأصدقاء، يحترمون تلك المقاومة الباسلة باعتبارها حقا مشروعا، وما أكثر ما استجابوا لمطالبها صاغرين ...
أما في أيامنا هذه، بعد أن تمسّك من تمسّك بموقفه وتوجّهه، وبعد أن اعتصم من اعتصم بعقيدته أو مذهبه، وبعد أن تأمرك أو تأيرن أو تصهين، من تأمرك أو تأيرن أو تصهين.. ها هم اليهود يعيثون فسادا في الأرض، ويعبثون بكل مقدس، وما من يد ترتفع في وجوههم، وما من رادع، بسبب ما بلغه الفلسطينيون والعرب عموما من تشرذم وتناحر وتنافر، لم ير له التاريخ نظيرا..
إنّ في حرية الوطن وكرامته حرية كل مواطن وكرامته، مهما يكن توجهه أو فئته أو عقيدته، وفي عزّة الوطن ومناعته عزة كل فرد وعزّة عقيدته ومناعتها...
وعلى هذه الحرية والكرامة والعزة والمناعة فليتنافس المتنافسون...
ساحة النقاش