بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

الدنيا عندما تقلب ظهر المجـن !!

الحياة تغري حين تدور دائرتها .. فهي تتمثل في تلك القصور والأصحاب والحشم والخدم والنفر .. ثم المواكبة الحثيثة بالأنشطة والأعمال التي تحرك الحقول والبساتين والمصانع والمتاجر .. الأطماع فيها تماثل الرغبة في انتزاع العاج من عمالقة الأفيال .. والآمال فيها تعانق أعناق الديمومة حتى يوم القيامة .. والصيت فيها مرغوب بالقدر الذي يفوق الشعلة إبهاراً فوق قمم الجبال .. وألوان الحياة نسيج من طموحات لا تعرف المستحيل أبداً .. فهي تلك السباقات .. وهي تلك النداءات أبد الدهور والأيام .. أنشطة تلح وتطرق الآذان بإصرار .. وتلك الإملاءات لا تعرف التخاذل والانهزام .. صولات وجولات لأنفس لا تكل ولا تمل من طلب الدنيا بالحلال أو بالحرام .. تفني جل حياتها في مغامرات الهرج والمرج .. وتركض خلف الدنيا وكأنها قد تمكنت من إخضاع الدنيا لمشيئتها إلى الأبد .. ركض وهمة وملاحقة .. ثم حقول وزروع وضروع .. تسايرها الدنيا بالاخضرار الزائف المطلي بطلاء الخداع .. حقول تبهر الأعين بمقادير سعتها ومساحاتها .. وتجلب الإعجاب بألوان محتوياتها .. حيث نخيل وعنب ورمان وفاكهة وأبا .. أنفس تهدر الأنفاس في تعمير الخراب .. سباق وملاحقة مشوبة باللهث خلف السراب .. أنفس تنسى حقيقة الموت المترصد بالمرصاد .. تعمل للدنيا أبداً ولا تعمل لحظة للآخرة .. تحدوها الآمال تلو الآمال التي تغلفها الديمومة والاستدامة .. همها الأول والأخير هو استبعاد الدنيا وتعميرها .. ولو علمت الحقيقة يقيناً فإن إعمار الدنيا مؤقتة وليست دائمة .. وذلك الاخضرار الذي يعجب الزراع قد يكون زائفاً .. وكل جولات الإثراء بالأنشطة والمرافق والمتاجر هي في النهاية زائلة .. وكلها مغريات قد تعجب الإنسان المعدم .. ذلك الإنسان الذي يقف خارج الأحداث والمسرح ويقول ( يا ليت لنا مثل حظ قارون ) .. وقد يبتلى ذلك المبهور بنوع من الحسد ثم الإعجاب والأمنيات .. حيث يوسوس له الشيطان قائلاً : ( ما أظن أن تبيد هذه أبداً ! ) .. ولكن إذا تمعن الحكيم العاقل فإن الإفراط في تناول الدنيا يمثل غفلة كبرى في مسار الإنسان .. وهؤلاء الغارقون في متاهات الدنيا وحلاوتها ينسون دائماً رسالة الإنسان في الحياة .. وهي الرسالة التي تقول : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .. وهي الغاية الأساسية من التواجد في الحياة .. ولو أدركوا تلك الحقيقة ما بذلوا الجهد كل الجهد في تعمير دنيا زائلة .. وإذا كان لا بد من تعمير الدنيا وملاحقة مباهجها فعلى هؤلاء أن يعملوا للدنيا وللآخرة .. ويعملون بالنصيحة التي تقول : ( أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) .. ولا يجوز ذلك التسويف المبطن بالغفلة المفرطة .. حيث النسيان لهادم اللذات .. وهو ذلك الموت المتربص بالمرصاد .. وإذا جاء ذلك الموت فالأمر يعني نهاية البذل والجهد والعطاء .. حيث الخراب بعد العمران والإعمار .. وهو الموت هادم اللذات الذي لا يتأخر أبداً عن الميعاد .. ففي لحظات معدودة يتجلى لينزع اللقمة من الفم ويقول للصاحب : ( ذاك حدك من الزاد فوق الأرض !) .. كما يقول لساكن القصر : ( كفاك ترفاً وبذخاً وقد حان الوقت لتسكن القبر دون القصر ) .. وتلك خاتمة في عمر الإنسان إذا وقعت تمثل النهاية الكبرى .. حيث تنهار فيها تلك الطموحات وطول الأمل في مباهج الدنيا .. كما تنهار فيها مظاهر الاخضرار والزروع والضروع باليبوس والجدب والقحط .. وتتبدل بعدها قوة البنيان والعمران تصدعا وتقادماً وانهياراً .. وتأتي عليها لحظات في عمر الأزمان لتسكنها الأشباح .. خاوية من معالم الحياة .. لا خدم ولا حشم ولا أهل ولا صيحات يبذلها أهل الشأن .. مجرد مظاهر من الركام والغبار والخراب .. فتلك بومة تعشش في أركانها وهي حزينة تفتقد الأنيس وتشتكي من قوة الصمت في المكان .. وتلك جرذان تتخذ المسالك أنفاقاً بين الجدران .. تصول وتجول بين أركانها دون اكتراث بالمآل .. وذاك غراب أسود أقحم ينعق فوق قمم الأبراج وكأنه يسخر من غفلة صاحب العمران .. كم كان في غفلة يصول ويجول وكأن الموت مقتول بيده في مواجهة ولقاء !.. وتلك البساتين والحقول والمروج تنهار نشافاً ويبوسا .. ثمً تصبح جرداء قاحلة كأن لم يزرعها يوماً بنو الإنسان .. والأعجب في مصير وأحوال صاحب الجاه والهيلمان !.. حيث تتبدل المكانة وتشتكي من سوء المآل .. فهو الذي يتوسد في القبر حجراً ولا يتوسد وسادة من ناعم الحرير .. يرقد في قبره معدما وفقيراً رغم أنه صاحب الأموال !.. وتلك الأجواء من حوله تنوء بالوحدة والوحشة حيث تخلو من الخدم والحشم والنفر .. ولو أجتهد منادياً ينادي بالجاه لما تمكن من النداء .. ولو تمكن وأسمع لما نفعوه في شيء .. ومازال يواجه بالسؤال : ( أين رصيدك من الأعمال ؟؟ ) .. ( لقد بذلت من أجل دنياك ولم تبذل من أجل آخرتك بصالح الأعمال ) .. وقد خانتك الدنيا في نهاية المطاف وجازتك بالنسيان والنكران .. أما عملك في الدنيا فهو ذلك الشحيح الضعيف الواهن الذي لا ينفعك عند الميزان .

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 199 مشاهدة
نشرت فى 9 يونيو 2018 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

807,119