بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصــــة قصيــــرة  )

ابــن حــور البحــر   !!

هي أسطورة نوبية قديمة .. كانت تداول بألسن القدامى .. أما حظ الأجيال الحالية منها فهو عدم المبالاة بالأساطير .. وهي أجيال تعودت السخرية العميقة من شطحات الماضي .. حتى كان ذات يوم أيقظت فيه الصدفة اهتمام شاب نوبي .. وهو ذلك الشاب ( سـاتي ) .. الذي تعود التجوال في ركام الماضي .. وفي ذلك اليوم ساقته أقدامه الشقية إلى غرفة الأجداد .. تلك الغرفة المنسية المهمشة .. فيها وجد الكثير والكثير من إرث الماضي .. حيث المسلوب والمنهوب من أملاك الملائكة .. بجانب المسروق والمنهوب من أملاك الشياطين .. وجد في تلك الغرفة ما لا يخطر على قلب بشر .. فيها طبول غريبة الشكل مقيدة بسلاسل مع الأوتاد .. وفيها صولجانات من الذهب الخالص مائلة تكاد تلامس الأرض من الكبت والجوع .. وفيها أحصنة مجمدة شهباء ضامرة الظهور والأرداف .. تعلو ظهورها بساط من سروج مرصعة بالزبرجد والزمرد والحرير.. أحصنة متلهفة في نظراتها .. تكاد تنطلق لو نالت جرعات من نفحات الروح .. وهنالك الكثير والكثير من إرث الماضي في تلك الغرفة العتيقة .. وقد تعمد الشيخ ( صالح ) أن يمنع الزوار والمتطفلين من الاقتراب من تلك الغرفة لسنوات عديدة حتى وافاه الأجل المحتوم .. وهو الوحيد الذي كان يدري بمحتويات الغرفة وأسرارها .. ولكنه لم يتمكن من تكميم الأفواه التي كانت تتداول الأسطورة من حين لحين .. وهي تلك الأسطورة التي نالت الكثير من التكهنات والاجتهادات .

                   يقال أن الشيخ ( صالح ) كان يمر بجوار النيل ذات يوم بعد أن صلى صلاة الفجر بقليل .. ثم وجد في الماء غلاماَ صغيراَ تتقاذفه الأمواج وكاد أن يهلك .. قام بإنقاذ الطفل فورا .. وهو يتعجب من الأمر .. طفل رضيع ما زال على قيد الحياة يجتهد ويتشبث بالحياة .. فأخذه إلى الدار والعشيرة .. ثم تجمع أهل الفريق وبحثوا طويلاَ عن مصدر الطفل ولم ينجحوا .. وأخيرا على مضض قرروا جميعاَ بأن يقوم الشيخ ( صالح ) برعايته وتربيته .. وكان للشيخ ( صالح ) طفل بنفس عمر الطفل اللقيط .. وهو الطفل ( عمار ) ..  فجمع الطفلين في مهد واحد .. ثم اختار للطفل اللقيط اسما يتفاءل به من الأخطار وهو اسم : ( محفوظ ) .. نشأ الطفلان ( عمار ومحفوظ ) معاَ كالتوأمين .. يلعبان سويا ويمرحان سوياَ .. حتى بلغا السابعة من العمر .. وعندها قرر الأهل ختان الطفلين .. وختان الأطفال في السابعة من العمر كانت عادة سائدة في تلك الأزمان .. وهي مناسبة كانت هامة وكبيرة لدى النوبة .. حيث كان لا بد من تلك المراسيم الاحتفالية العديدة التي تصاحب تلك المناسبة .. ومنها ( الجرتك ) حيث كان لا بد من توشح الأطفال بزينة الحرير والذهب .. وكذلك مراسيم الاحتفالات بيوم الحناء .. ثم السيرة ( الزفة ) وهي تشكل مظهراَ استعراضيا كبيرا حيث التجوال في الطرقات بصحبة المعازف والطبول والرقصات .. وتلك ( الزفة ) كانت لا بد لها أن تمر على النيل مهما كانت الظروف رغبة في التبرك .. وتلك اعتقادات كانت سائدة في تلك الأزمان .. ولكن في الغالب يتدخل الشيطان عند الجد ليوجد تلك الفواصل التي تغم .. وهي نفوس الناس التي تبدي وتظهر الإنصاف بالخداع والزيف .. كما تخفي مكامن التحقير والإضغان في الأعماق .. وإلا فكيف رضيت تلك النفوس أن تفرق بين طفل وطفل ؟؟ .. فذاك ( عمار ) كان حظه الاهتمام البالغ من الأهل والعشيرة في كل خطوة من خطوات المراسيم .. بينما أن الطفل ( محفوظ ) كان يمثل ذلك العائل الذي يجبر الناس على القطرات من الحسنات على مضض .. وظهر ذلك جلياَ يوم ( الجرتك ) حيث كان حظ الطفل ( عمار ) من الذهب والحرير أوفر من حظ أخيه ( محفوظ ) الذي كان لا ينال إلا البواقي التي كانت تفيض عن حاجة الطفل ( عمار ) .. وهو ( عمار ) الذي توشح بالأشكال والألوان من الذهب والحرير .. بينما أن الطفل ( محفوظ ) كان حظه القليل من ذلك الذهب والحرير .. وفي كل المراسيم لم يكن الإنصاف هو الديدن الذي يجمع الطفلين بالمعيار السليم .. حتى كان يوم ( الزفة الكبرى ) .. وفي ذلك اليوم تم تجهيز حصان بكامل الزينة والفخفخة .. وذلك خصيصاَ للطفل ( عمار ) .. بينما أن الطفل ( محفوظ ) كان حظه فقط ذلك الحمار العجوز بزينة متواضعة للغاية .

         خرجت ( الزفة ) من الدار بمصاحبة الزغاريد والطبول والأغاني .. في المقدمة كان ركب الحصان الذي يمتطيه ( عمار ) ومن خلفه ركب الحمار الذي كان يمتطيه ( محفوظ ) .. يحيط بهما الأهل والعشيرة بالمؤخرة والجوانب .. مرت ( الزفة ) بطرقات القرية حتى بلغت مشارف النيل .. ولكن عند بلوغ حافة النيل حدثت معجزة عجيبة للغاية .. حيث انطلق الحمار الذي يمتطيه الطفل ( محفوظ ) نحو المياه .. ثم غاص فجأة في أعماق النيل .. حدث الأمر فجأة والناس في ذهول شديد .. أختفي الطفل ( محفوظ ) عن الساحة والأنظار .. وغاب حتى ظن الناس أنه قد هلك .. ولكن بعد ساعة من الوقت انشق النهر فجأة ثم خرجت منه ( زفة هائلة ) .. فإذا بالطفل ( محفوظ ) في مقدمة ( الزفة ) وهو في زينة كاملة من الذهب والحرير والفضة والألماس .. وبثياب حريرية مزركشة ناعمة .. يمتطي صهوة حصان أشهب جميل المظهر .. ومن حوله زرافات من الحوريات الجميلات .. ثم رتل من الصولجانات الطائعة المخيرة غير المسيرة .. وهي مرصعة بالذهب والفضة .. يعقبها رتل من الطبول الطائعة التي تمشي على أقدامها بهواها .. وهي تعزف أروع الأنغام والألحان .. ثم تليها  باقات من الأزهار التي تفوح عبقا وعطراَ .. هالة من المظاهر الباهرة العجيبة التي أطفأت هيبة ومظهر ( الزفة ) الأولى .. ثم فجأة بسماحة عالية تقرب الطفل ( محفوظ ) من ركب أخيه ( عمار ) .. ثم قام بتوحيد الزفتين في زفة واحدة فخمة الأصداء .. وبعد ذلك الحدث العجيب تمت مراسيم الختان .. وبقيت أهل البحر مع أهل الأرض حتى انتهت أيام الاحتفالات .. ثم رجعت الحوريات للنهر مرة أخرى .. بينما بقيت الحصين والطبول والصولجانات والأزهار مقيدة وأسيرة تحت فروض الشيخ ( صالح ) .. الذي جعل الغرفة سجناَ ومعقلاَ لتلك المعطيات العجيبة الحزينة لسنوات وسنوات .. وتلك هي الأسطورة النوبية التي تقول أن الطبول قد هربت شاردة بأرجلها نحو النهر ذات يوم عندما فك أسرها ذلك الشاب النوبي ( ساتي ) .

ــــــ

الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 332 مشاهدة
نشرت فى 31 أكتوبر 2016 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

801,096