بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

authentication required

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصـــة قصيـــرة )

مـــن غرائــب الصــدف !!

الكل في مركب الصمت .. والكل يكتفي بالملامح .. ولا يجتهد أحد في سبر الأغوار .. وهي نفوس الناس تلك الخجولة .. التي تجتهد دائماَ لتكون خلف السياج .. تخفي وتقدس أسرارها .. تلك الحواجز الفطرية التي تحجب الصراحة .. وتمنع سريرة الآخرين من التجوال .. ذلك التجوال الذي قد يجلب الانشراح .. كما تمنع نوايا الاقتراب .. إلا أن القلوب والوجوه قد تتآلف بحكم التواجد بالجوار .. ورغم تلك المنابع التي قد تتباين أصلا وفصلاَ فإن الضرورة قد تجمع فئات من الناس في الرقعة الواحدة .. لتكتسب الساحات صفة التآلف والتسامح والتعارف .. وعندها تجري نوع من المراسيم خلف خطوط الأدب والمسافات .. مجموعة من البشر تلتقي مع بعضها بحكم الجيرة والظروف .. ثم تلك الضروريات التي تجمع البين في الطرقات والمتاجر .. أو في دور العبادة والمساجد والمدارس وخلافها .. وعندها تبدو الوجوه مألوفة لأهل البقعة الواحدة بذلك القدر .. ومع كل ذلك فهي تتعامل مع بعضها خلف سياج الحيطة والحذر .. وقد يتجمل البعض بسماحة التحية والسلام عند اللقاء .. أما البعض الآخر فقد يبخل تعمدا أو تجاهلاَ ثم يمسك عن تلك المراسيم الإنسانية رغم أنها خفيفة ويسيرة !.. وعندها يدخل البعض في فرضيات الصالح أو الطالح .. وتلك مجرد تكهنات تقبل الصواب والخطأ .. وعادة يكتفي سكان المناطق بالملامح .. فيعرف الشاب بأنه يسكن تلك الناحية .. والآخر يسكن تلك الناحية .. وتلك الفتاة تسكن تلك الناصية .. والأخرى تسكن تلك الزاوية .. وتدور دوائر الحياة بوتيرة التكرار .. وعندها تتواجه الوجوه كثيراَ في المرافق والطرقات .. مجرد لحظات تفرضها الظروف والمصادفات .. ولكن مع مرور الأزمان فإن تلك الأشكال والوجوه تبدو مألوفة لدى البعض .. حيث تفرضها موجبات الدوام والتكرار .. كما تفرضها كثرة اللمحات .. ضرورات تكسبها التجمعات رغم فواصل الأعراف والتقاليد التي تمنع التعمق والاقتراب .. وهي ظروف الحياة التي تجمع الناس في بوتقة المعية رغم الموانع والمحاذير .. ثم تقترب المسميات والمصطلحات أكثر فأكثر .. فيقال ذاك ابن الحتة .. وذاك ابن الجيران .. وذاك ابن المنطقة .. وذاك ابن الشارع .. وذاك ابن القرية .. وقد تتجرأ الألسن وتتجرد أحيانا لتقول : تلك بنت الجيران  .. وتـلك بنت الحتة .. مجرد إشارات من الألسن دون الأسماء .. وفي مرحلة من المراحل قد تتعمق الصلات بالقدر الذي يعرف الأسماء .. ولكن في المجتمعات المحافظة فإن التقاليد تبيح فقط بإشهار أسماء الذكور ولا تبيح بإشهار أسماء الإناث !!.. وذكر أسماء الإناث إشارة قد لا تجد القبول والاستحسان ! .. فهي إشارة تعد شاردة عن حدود الأدب .. وقد تجلب الظنون وتجلب ما ليس في الحسبان .. حيث الأعراف والتقاليد التي تبيح الصراحة في شئون الذكور والتحفظ في شئون الإناث .. مجتمعات تعمل ألف حساب وحساب عند استخدام  ( تاء التأنيث ) .. وفي تلك المجتمعات لا يمكن الإشارة صراحة بأن فلانـة صديقة دون حرج .. ولكن يمكن الإشارة بأن فلان وفلان وعشرات من الأصدقاء .. فتاء التأنيث جدل يمثل عيباَ في المجتمعات المحافظة .. ولا يمثل عيبا في تلك المجتمعات التي مزقت أوراقها منذ زمان .. ويقع العجب والحيرة حينما يلتقي أفراد المجتمعات المتناقضة مع بعضها .. وعندها يجتهد البعض لمعرفة مناسك الآخرين .. فذلك القادم من متاهات الإفلات والانفلات قد يسأل ذلك المحافظ ابن المجتمعات المحافظة سؤالاَ مقرونا بالدهشة والعجب : ( كيف تتزوج بفتاة أنت لم تشاهدها من قبل في حياتك ،، وهل نظرت لزوجتك قبل الزواج بها  ؟؟ ) .. فيجيب هذا بالنفي .. ثم يفيد بأن للأحوال مناسكاَ وطقوساَ تقضيها أوامر شرع الله .. وأن تلك المناسك والطقوس تتطلب نوعا من المهارة والفراسة .. وتلك النظرات للمرأة قبل الزواج يها محرمة شرعا .. ولاختيار الزوجة في المجتمعات المحافظة لا بد من خطوات مسبوقة .. حيث لابد أن تتوافر جملة من الوسائل والأعين والوسطاء .. وتلك المواصفات المطلوبة يجب أن تنقل عبر الآخرين .. وفي ذلك دور للأخوات .. ودور للأمهات والخالات والعمات .. ثم دور للجارات صديقات الأمهات والأخوات .. وإذا اقتضى الأمر هنالك دور لصديقات الصديقات .. مجموعة فاضلة لا بد أن تتقاسم في نقل المعلومات حتى تجمع الرأسين بالحلال .. أسباب ومسببات تتفاعل سوياَ حتى يتطابق الحدث بالقدر المقدر الذي يوافق الكتاب في الأزل .
            اسم الإشارة مجرد حرف ( السين ) .. ذلك الحرف الذي يعشق المجهول بقدر عجيب .. وحسابات الجبر تنوء بمجاهل ذلك السين والصاد ! .. وفي عرف التلاميذ والطلاب فإن ذلك الحرف يشكل المعضلة في أغلب الأحيان .. فالسين تارة يعادل الصفر وتارة يعادل الألف !.. وطالما أبى ذلك الحرف أن يتواضع يوما ويفصح بالمكنون .. فهو دائما ذلك الولهان الذي يعشق التلوين .. لقد جلست تلك الفتاة في غرفتها وأمامها شاشة الحاسوب .. وتعودت أن تبحر في مواقع التواصل والدردشات في الشبكة العنكبوتية .. وعندها تجد نفسها حرة طليقة تتجول حول العالم كيف تشاء .. رغم أنها محبوسة في غرفتها .. وتلك سانحة من فضائل هذا العصر الذي يخدع الكثيرين من البسطاء .. ويوجد الممنوع والمحذور عند عقر الديار .. ويسحب البساط خلسة من تحت الأقدام .. سانحة تمكن المستحيل وتزيل سياج الحياء والاستحياء .. والفتاة كانت ماهرة بذلك القدر في سجالات الأشقياء .. تتجول في حقول الآخرين بحرية متى وكيف تشاء .. وفي ذلك كانت تختبئ تحت قناع ذلك الاسم المجهول .. حيث مجهول ( السين ) .. وقد اشتهرت بين الناس في المواقع باسم ( ملكة السين ) .. ملكة جريئة في سجالاتها .. لا تخشى موانع الحياء ولا تقف عند حدود الأدب .. شخصية نمطية تخالف الواقع كثيراَ .. فتلك الفتاة في طبيعتها وسجيتها خجولة ومتواضعة للغاية .. فهي في حقيقتها لا تملك الشجاعة الكافية لمواجهة اللفظ باللفظ والكلمة بالكلمة .. كما أنها لا تجيد المراوغة بالمراوغة .. ولكنها في عالم الحاسوب تتحول إلى شيطانة مريدة .. تتعمد الإثارة حتى تفتح القلوب .. وتثير الحروف حتى توجد الجدل .. تعرف نوايا الآخرين من الأسطر .. وإذا اقتضى الأمر تخرس الخبثاء عند اللزوم .. فهي تلك الإنسانة اللبقة اللطيفة في مواسم .. والشرسة المقاتلة في مواسم أخرى .. حتى كان ذات يوم ذلك الصدام عبر الحروف بشخص من الأشخاص .. كان يلاحقها منذ زمان .. وهي كانت لا تبالي به كثيراَ .. وأخيرا قررت أن تضع حداَ لتلك السيرة .. فأرادت أن تعرف حقيقة ذلك الشخص .. من هو ذلك الإنسان ؟؟ .. هل هو شاب أم كبير في السن ؟؟ .. وفي أي قارة من قارات العالم يتواجد ؟؟ .. ولأية دولة ينتمي ؟؟ .. وهل هو يتعامل من منطلقات الخداع تحت اسم من الأسماء المستعارة أم هو يصدق في ذلك الاسم ؟؟.. وحتى تجد الإجابة لتلك التساؤلات فتحت الفتاة قدراَ من المنافذ والمرونة .. فبدأت تسايره وتجاريه بالحروف حتى تعرف مكمن الأسرار .. فأخفضت له جناح الرضا .. وأبدت له تلك المرونة التي تعني الميل بالقلب .. وأقامت جسور الثقة في النوايا .. فأطمئن قلب الشاب لتلك الخطوات .. وبدأ يفصح لها الكثير والكثير من الوله والهيام .. وأخيرا طلبت منه المزيد من المعلومات .. عن أصله وفصله .. وعن مكان تواجده فوق وجه الأرض في هذا العالم .. فكانت المفاجأة الأولى عندما أخبرها باسم وطنه فإذا بالوطن هو نفس الوطن الذي تنتمي إليه ! .. فاندهشت لذلك الأمر .. ثم طلبت منه أن يحدد اسم المدينة التي يتواجد فيها .. فإذا به يذكر نفس المدينة التي تتواجد فيها !!.. ثم توالت المفاجئات تلو المفاجئات .. حيث كانت الفتاة تسأل وكان الشاب يجيب .. فإذا بالشاب يسكن في نفس المنطقة !!.. ثم يسكن في نفس العمارة !! .. ثم يسكن في نفس الدور !! .. ثم كانت المفاجأة الكبرى والأخيرة عندما علمت بأن باب شقة الشاب يلاصق باب شقتها !! .. وعندها قامت من مجلسها بعد أن أغلقت الحاسوب .. ثم رقدت في سريرها وهي تتعجب .. فإذن هو ذلك الشاب الخجول ابن الجار بالجار !! .. فيا لها من صدفة غريبة !! .

ـــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

 

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 386 مشاهدة
نشرت فى 11 فبراير 2016 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

801,095