بسم الله الرحمن الرحيم
الهـروب مـن غابـة الصمـت !!
عطاء التمني جرح يتوغل في العمـق .. وطعنات الكبرياء مؤلمة قاتلة للكبد .. والسكوت على الدموع المنهمرة غلظة توحي بالهزل دون الجـد .. ومذاق الإنكار والجحود نافذ كالحنظل في الحلق .. ورضوخ القلب للويلات إخلاص متخاذل يبلغ الحد .. والخضوع لشرعة الأمر الواقع مهانة وإذلال .. والتنازل عن المكانة إسقاط للهيبة والأهلية .. وانحناء الهامة للأرض مذلة تجرح الشموخ والعـز .. والدرهم من معاني التقدير والاعتبار خير من قنطار التصدق والإحسان .. والتماهي هو ذاك دثـار من زجاج لا يحجب خفايـا السرائر والقلب .. والمظاهر لا تبطل العلل التي تكمن في الجوف .. والأصل من الأصالة والزيف من صنع الكـف .. فذاك التبر يكتسب المكانة بجوهر الصدق في الأصل .. والفخار يلمع حين يطلى بماء الذهب بنوايا الهزل .. ثم يلبس الزيف وشاحاَ وما زال العمق يوصف بالعيب .. والناس تعلم الأسرار ثم تمسك عن البوح .. لأن الحياء سماحة وجدل يمنع التجريح بالقـول .. ومن يستخدم المعول لكشف الأسرار يفقد المعول والأسرار ما زالت تدفق كالسيل .. والتمويه تلك طبقات من أغطية تخفي المحاسن كما تخفي الشوائب من أجل الستر .. والذي ينقب في المستور يمشي فوق رمال متحركة .. ثم لا يجد الثبات حتى يبلغ صخور الصدق .. بعدها تلك السيرة التي تجرح أهل المشاعر بالقدح والذم .. وعندها تبكي تلك الأنفس التي تتوارى خلف سياج السـتر .. ومن يتمعن في تلك الأغطية يجد الحكمة في معاني الشواهد فوق القبر .. نعمة تحجب الأسرار وقد رحلت عن الدنيا دون الكشف والنبش .. ولو تفادى الناس ما يعكر الصفاء لتكاملت محاسن الأخلاق بقيمة الصبر .. ولتعانقت القلوب في بوتقة تخلو من الغـدر .. ولكن هي نزعة الشر في الشيطان حين يأمر الناس بقذف الأحجار في النهر .. فإذا بالنهر يفقد الصبر ثم يكشف المستور لتطفو في السطح شوائب العكر .. تجليات غير مطلوبة وغير مرغوبة ولكن هي تلك المعهودة في مسالك الإنس .. وما كان يضير أحداَ لو أن السماحة سادت في بساط المحبة دون غل يجلب الهـم .. وما كان يضير أحداَ لو أن الأمور تركت على علاتها دون الغور في دهاليز التجريح والغـم .. وتلك حكمة عالية حين يقال : ( من كان بغير خطيئة فليرم الآخرين بالحجر ) .. عندها تمسك تلك الكفوف خجلاَ وحياءَ لأن الأسرار لا تخلو من آثار الخدش .. وتلك الأسرار في حياة الناس غابة من أشجار الصمت .. والكل يرجف وجلاَ حين يقترب الدخلاء من حاجب السـتر .. وقد تفلت الأسرار من أكنانها وحينها يكون القذف بالقذف والرد بالرد .. ثم تلك الشوائب المتلاحقة التي تدهن الواجهات بدهان الزيف والعيب .. فذاك وقور يتكشف فهو في العمق يلبس وشاح التحقير .. وذاك حقير يتكشف وهو في العمق يلبس وشاح التوقير .. والحكمة تقتضي أن يهرب العاقل في حال الإفشاء من غابة الصمت نهاراَ دون أن ينتظر الليل .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش