بسم الله الرحمن الرحيم
عفــوا يــا هــذا !!
تحدثت عن هؤلاء وهؤلاء .. زمرة من الغوغاء أشملتهم في جوقة الأنبياء .. ولكن الحق يقال .. فالفطاحل ليس بهؤلاء وليس بهؤلاء .. وذلك مجرد اجتهاد منك وأنت الصادق الأمين .. والاجتهاد دائماَ يقبل الصواب ويقبل العثرة .. وقد مرت بنا التجارب كثيراَ .. وعشنا الأيام في مراحل الرجال الأقوياء الأوفياء الأصفياء .. كثرة من الرجال الأشاوس الذين مروا بأبواب التاريخ .. كانوا بذلك المقام وكانوا بذلك الاحترام .. كانوا يملئون الأعين بقوة الشكيمة والعزيمة والعطاء .. وحين تقع الأخطاء الجسيمة كانت تلك الأكف تضرب الطاولات بضربة الأسود الهائجة فتتناثر الطاولات في الهواء .. غيرةَ وغضباَ على المصالح القومية .. رجال كانوا يعرفون قدسية المواقف العالية .. ولا يميلون الهامات لحظة في مجاراة المهازل والأهواء .. كانوا يلبسون العزيمة جلباباَ ويضعون المصالح العامة فوق المصالح الخاصة .. فالضعيف قبل ذلك القوي .. والمعوز قبل ذلك الثري .. والمظلوم قبل ذلك الظالم .. والجائع قبل ذلك المتخم .. كانوا لا ينامون الليالي وبالجوار أعين تبكي .. ولا يغضون الأبصار حين تقع أعينهم على حال من الأحوال المعوجة .. ولا يمرون مرور الكرام وفي الساحات أصوات الجياع .. لا فرق لديهم بين فاقد يفقد الفلس وبين مالك يملك القدس .. ولا فرق لديهم بين صاحب يملك الجاه وبين صاحب يملك الشاه .. إنما تتساوى لديهم الناس كأسنان المشط .. يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .. رجال يذكرون طوعاَ حين يذكر التاريخ .. وتضرب بهم الأمثال في كيفية القدوة الحسنة .. أحدهم حكم بلداَ لما يشارف ستة عشرة عاماَ وحين رحل من الدنيا كان لا يملك بيتاَ ولا أرضاَ .. ولكنه كان يملك المآثر الفاضلة في مواقف الرجال .. مات فقيراَ ولم يسلب حقاَ من حقوق العامة .. كما لم يسلب حقاَ من حقوق الفقراء أو الأغنياء .. وكان في إمكانه أن يفعل ذلك .. أما هؤلاء وهؤلاء فحدث ولا حرج .. والمثال يجري في الكثير من البلاد .. فالهامات توحي بالقوام والصلاح .. والحقائق تؤكد المفاسد والمهالك .. يراؤون الناس بالسيرة الحسنة في حين أن الأسرار تطفح بالقبائح .. أن يسرق الفقير المعوز قد يجاري المنطق والعقل .. ولكن أن يسرق الحارس الأمين فهو ذلك المبالغ في الحد !! .. والسيرة لا تتوقف عند حد الواحد أو الاثنين ولكن تتعدى لتكون بالمئات والمئات !! .. والحال يتطابق في شتى البلاد وفي شتى المجتمعات .. تلك النخب التي تمرح في حدائق النهب والسلب .. ثم تشهد الصلاة مع الجماعة !! .. أمر بمخول العقول ويحير الألباب .. كما يفوق كثيراَ احتمالات التخيل والتصديق !! .. ومع ذلك فهي تلك السواقط الدامغة بالأدلة والبراهين .. ثم يأتي من يمدح هؤلاء وهؤلاء بالمآثر ومحاسن الأعمال !! .. ذلك المديح الذي يسقط عند حائط الحقائق .. حائط الرجال الأبطال .. حيث المواقف الجريئة الشجاعة دون تلك الخلفيات الخسيسة الدنيئة .. ودون تلك الأسرار التي تلطخ السيرة والمسيرة .
ـــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش