بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خواطـر ليـلة في قـلب الصحـراء ؟!!

            العرض جرى في ليلة خرجت عن المألوف .. حيث البداية عندما تململ ذلك اليوم الذي أراد الرحيل .. والعلامات بدأت حين مالت الشمس نحو الغروب  .. تلك الشمس صاحبة العرش التي فقدت هيبتها وسطوتها .. وقد تحولت لحلقة جافة جوفاء حمراء تفقد الأضواء .. تجرجر خلفها شفقاً يغطي الأجزاء في غرب السماء .. ذلك الشفق الذي يتمسك بذيل الشمس بعناد ولا يريد الفكاك .. وأصوات النهار رغم قلتها وندرتها في تلك الصحراء بدأت تتلاشى عن المسامع .. وكأنها تلاحق الشمس في الاختفاء .. ثم تجلت مظاهر الصمت عندما تخاذلت تلك العصافير التي تجمعت فوق شجرة يتيمة كانت تثرثر وتتشاجر بغباء .. ولكن رويداً بدأت تخاف الظلام ثم أخذت في الاستسلام .. ولحقتها في الصمت أصوات مخلوقات أخرى هي تلك الشحيحة في الصحراء .. فتلك تصفية في مسار الصمت تجتاح دبيب الأرض والطيور وما ندر من همهمة البشر .. فقد خشعت الأصوات خاضعة لجبروت الظلام .. وكتمت مصادر الضوضاء مجبرةَ لتنزوي في أوكارها  .. هي ليلة في قلب صحراء أحتكر الصمت فيها ذلك النطاق الغير معقول .. صمت يحاكي ساحة الموتى حيث منتهى الخضوع  .. وكأننا نجتاز باحة كوكب غير مأهول .. والصمت هو ذلك السالب العجيب الذي يخيف المتطفلين من أمثالنا على حرمة الصحراء لأول مرة ..  وحين يتمكن الصمت فإنه يرسل القشعريرة في الأبدان .. والذي يحير كيف تسكت الصحراء وهي تلك السعة الرحبة من أرض تفوق حدود التصور والمعقول .. ثم فيها تلك الآفاق الشاسعة التي لا تملك النهايات .. والتي تتراءى على العمق البعيد الغارق في كنف المجهول .. ولا ترى العين فيها إلا راجمات الشيطان من شهب في كبد السماء البعيدة ..  والظلام يصر بان يصبغ كل المعالم بالسواد .. حتى تتساوى الألوان في خلطة العتمة مقترنة بسحر الاختفاء عن العيون .. وكأن الليل يقول للمخلوقات أنا هنا ملك العرش ولا يوجد غيري في المكان والزمان  .
              بدأت الهواجس تلعب بعقلي .. وتلك آهـة عميقة يصدرها الصدر مقترنا َبلوم وعتاب .. والسؤال بدأ يلح في النفس ما الذي دعاك لتبتعد عن السواحل لتمتطي القواحل ..  وتلك خطوة ما كانت محسوبة حين تحول المسار ليكون في عمق الصحراء .. ولكن للأقدار أحكامها .. واللوم جدل لا يفيد حين يجري المسطر المكتوب .. وحتى إذا تجردت النفس عن حوبة الأعذار وأرادت الصيحة العالية فتلك صيحة تجلب السخرية .. ولن يستقبلها إلا نفر من الجن يسخر من جاهل لا يقدس صمت الصحراء .. فهنا المقام بالصمت وليس بالنداء والبكاء  .. وكل مخلوق في عمق الصحراء يحترم الصمت ويلملم أطرافه في خشية ثم يؤثر الانزواء ..  وأنا بدوري احترمت سلطة الصحراء ولملمت أطرافي تحت غطاء خفيف لا يفي كغطاء  .. وقد بدا الليل يفقد بواقي الدفء لشمس ميتة منذ ساعات  .. ويرسل بدلاً عنها نسمةً باردة .. ثم تعدت النسمة مرحلة المسمى لتكون ريحاً ضاغطاَ يمثل ذلك البرد القارص الذي يطعن النخاع  .. وتلك ميزة يصر بها ليل الصحراء ليخالف النهار .. توقفت عن السير عندما بدأت فطرة النوم تلح بإصرار .. لأفترش الأرض فراشاَ هو ذلك القاسي كقسوة الصحراء .. نتوءات دقيقة كالأوتاد تحارب الجسد أينما لامست .. والجسد لا يبالي كثيراَ فتلك الوخزات من أهون الشرور ..  والنفس في خيبة تنسى وتتوق لزاد دسم من طعام .. وتلك أمنية مستحيلة وبعيدة المنال .. ولو كانت تدري فإن الطلب الوحيد المتاح هنا في الصحراء هو تعجل الليل بالرحيل .. فتلك هي الأمنية الوحيدة المسموحة بها .. واصلت بنات الجوع في صيحاتها ولما يئست استسلمت وسكتت .. أما العيون فقد عجزت عن ملاحقة الصمت والجوع فأسدلت ستار الأجفان لتنام في حوبة من الأوهام .. ولكن ليلتي في تلك الصحراء كانت مشوبة بمظاهر اليأس والاضطراب حيث أبى أن يمنح النوم ذلك القدر الكافي من الساعات .. فاستيقظت بعد ساعات قليلة لنكون هنالك من جديد ..  فإذا بالليل ما زال واثقاَ الخطى يمشي ملكاً .. ظالم الحسن شهي الكبرياء .. عبق السحر كأنفاس الربى .. وقد تقدم خطوة نحو الثلث الأخير .. وأنا أراغب الأحوال من حولي فإذا من بعيد ملامح ابن آوى يقترب حثيثاَ ..  ففرح القلب كثيراَ برفيق قد يطرد الوحشة والوحدة .. وتلك معية تذهب المعاناة وتجلب السمر ..  وعندما هممت لمناجاته أشار إلى بالتزام الصمت لأنه يطارد فريسةً .. فتمثلت لقراره .. ولكن الفريسة ذلك الفار الصغير كان قد علم بالكارثة فاختفى فجأة تحت الأرض .. ووقف الثعلب هنالك متحسراً .. ثم التفت لناحيتي وكأنه يقول ما الذي أتى بك أيها الشقي لعمق الصحراء .. فقلت له تلك قصة أخرى لا يتيح المجال في سردها  ..  فأنا في محنة أحوال وأنت في مهمة قنص واصطياد .. ولكن مجرد اللقاء بكم يسعدني حيث أنا هنا في غرفة صمت أواجه فيها الوحشة والإنفراد .. فقال عجيب أمر ذلك الإنسان حتى في رحب الصحراء وسعتها يشتكي من ضيق الأحوال !!  .. فقلت له السعة والرحب لدينا في طيب النفس والمقام وليس في سعة المساحات  .. والنفوس إذا طابت تسعد حتى في ضيق المقلتين .. وإذا اشتكت فتشتكي حتى في سعة المشرقين .. فأبتسم الثعلب بخبث ومكر وأبتعد ولسان حاله يقول : لو تحاشى الإنسان جدل الفلسفة وجدل المعاني الواهيـة لوجد الدنيا توافق مـزاجه أيما رحـل وأينما حـل  .. ولكنه هو ذلك الإنسان مفطوم على التذمر والشكوى .     

ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

 

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1035 مشاهدة
نشرت فى 31 يوليو 2014 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

764,638