بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصــــة قصيـــرة )

صــدق المجــذوب ذلك المـــرة  !

الصباح الباكر جمع القوم في مجلس العمدة .. هم العشيرة وأبناء العمومة .. والأنفس تعودت ذلك اللقاء .. حيث القيل والقال وحيث أحداث الأمس واليوم والغد .. يتناولون ما طاب من الأحاديث .. ولا تخلو السيرة من شئون وقضايا القرية .. أحاديث تخلط الجد بالمزح الذي ينعش الأجواء .. ثم التحول من عالم الواقع للتطرق لعالم الأحلام والرؤية في المنام ..  وذلك الصباح لم يخرج عن المألوف .. حيث الأخذ والرد بين الفئة القليلة التي تمكنت من الحضور حتى تلك الساعة .. وكالعادة كان المجذوب في مقدمة الحضور الذين قدسوا التبكير .. وهو أول من بادر في سرد أحلامه ورؤيته في تلك الليلة . ثم أكمل قصته بنوع من الجدية الغير معهودة .. غير أن المجلس لم يعطي لرؤية وأحلام المجذوب ذلك القدر من الاهتمام .. بل تحول المجلس عشوائياَ في تناول مواضيع أخرى تهم القرية .. ثم فجأة دخل المجلس عباس .. ذلك القادم المتلهف .. كان يتعجل السلام ليروي حدثاَ طارئاَ بشغف شديد .. رفع صوته عاليا منذراَ ومبشراَ بأنه رأى في المنام في تلك الليلة حلماَ عجيباَ .. ولم يتمهل ولكنه بدأ يسرد أحداث حلمه في تلك الليلة .. ولكن الحيرة عمت وجوه الناس حين تكلم عباس .. وهو قد فرض نفسه متحدثاَ عن الأحلام في المنام وقد نسئ أنه في حضرة المجذوب .. البطل صاحب قصص الأحلام والأضغاث .. تكلم عباس عن ذلك الحلم الغريب العجيب الذي شاهده في المنام في تلك الليلة .. وكلما واصل عباس في سرد حكايته كلما ازدادت الدهشة والحيرة في عيون الواجدين بالمجلس .. كيف يعقل ذلك وعباس قد قدم للمجلس قبل لحظات .. ولم يكن حاضراَ حين سرد وأكمل المجذوب روايته عن المنام في تلك الليلة  .. تطابق رواية وقصة عجيبة .. نفس الرواية ونفس الكلمات ونفس الأحداث ونفس الحروف .. فبدأت الشكوك تطوف في أذهان السامعين .. والكل يسأل في الأعماق هل يعقل أن تتطابق أحلام رجلين في المنام ؟!! .. بنفس الأحداث وبنفس السيرة والمنوال ؟!! .. وذلك المجلس تعود أن يستمع لأحلام المجذوب كثيراَ .. ذلك المخبول الذي يعشق الأحلام والرؤية والأضغاث .. والذي كان يدعي أحياناَ بأنه من زمرة الأولياء الصالحين .. كما كان يدعي بأن أحلامه في المنام لا بد أن تطابق الواقع في حياة الناس .. ومع ذلك فإن التجارب أثبتت أن أحلامه كانت تصنف ضمن أضغاث الأحلام التي تنتهي بالنسيان .. ولم يحدث يوماَ أن مجريات الواقع تطابقت مع أحلام المجذوب َ .. ولكن هنا قد أختلف الأمر حين تدخل عباس طرفاَ ليوجد الجديد في ساحة الأحلام والأضغاث  .. ويوجد حالة من الإرباك في المجريات العادية السائدة  .. ذلك الإرباك الذي لم تكن أسبابه أحداث الحلم في حد ذاتها .. ولكن ذلك الإرباك الناجم عن اتفاق الرجلين في الحلم المشترك .. وعباس لم يكن يوماَ ذلك المتطرف المدعي .. الذي يطلب الشأن أو المقام أو يدعي المنافسة  ..  وهو دائما كان في زمرة المجموعة التي تستمع لأحلام المجذوب من قبل .. وكان يمرر سيرة أحلام المجذوب عادية مثله ومثل الآخرين .. وقد نخطأ الظن حين نفترض النسيان في عباس وقد تجاهل تواجد المجذوب في المجلس  ..  وربما تعمد عباس بذلك التجاهل .. أو ربما تسرع في السرد ليسبق المجذوب في ذلك الصباح .. ولكنه في المحصلة سرد السيرة كاملة بحذافيرها .. والحيرة أكملت مشوارها حين استمع المجذوب لرواية عباس دون اعتراض أو اندهاش ! .. بل أكثر من ذلك فإنه كان يؤم برأسه عند كل كلمة من عباس .. وكأنه يؤكد رواية عباس ويقول للمجلس ألم أقل لكم ذلك من قبل .. وحين انتهى عباس من رواية حلمه في المنام رفع رأسه ونظر في وجوه الجالسين وهو يطلب تفسيراَ لذلك الحلم العجيب .. ذلك الحلم الذي جاء بجديد يخالف أحلام وأضغاث المجذوب في الساق .. وأحداث الحلم تدور حول رجل يقف في المنام خارج القرية وينادي بالصوت العالي طالباَ من أهل القرية أن يغادروها فوراَ .. وإلا فإن زاحفاَ عنيفاَ بغير أرجل وآكلاَ شرساَ بغير أسنان وباطشاَ قوياَ بغير أيد وكاسحاَ مدمراَ بغير عدة ومعدات سوف يجتاح القرية ..  بعدها يذهب الزاحف بأدران الماضي ليوجد أدران الحاضر !! .. والرجل في المنام كان يكرر تلك الكلمات ثلاثة مرات قبل أن يختفي ويصحو النائم .. ذلك الحلم تحدث به المجذوب قبل لحظات من حضور عباس للمجلس ..  ثم جاء عباس ليسرد نفس الحلم بحذافيره دون نقص أو زيادة ..  غشيت المجلس حالة من الإرباك والسكون لبعض الوقت .. واجتهد الكل في تفكيره لإيجاد ذلك التوافق المنطقي الذي يجمع الرجلين في ساحة حلم واحد  .. والأنفس الداخلية بدأت تحدث نفسها وتتكهن .. فمنهم من يظن أن المجذوب وعباس قد اتفقا على سرد تلك الرواية من قبل بالكيفية التي جرت .. ومنهم من يظن أن المجذوب التقى بعباس في صباح ذلك اليوم قبل الحضور للمجلس .. ولكن حين رأي عباس الحيرة والوجوم في وجوه الجالسين بدأ يستفسر عن الأمر .. ولما قيل له أن المجذوب قد روى نفس الحلم والرؤية قبل مجيئه بلحظات أقسم بالله بأنه لم يعرف ذلك .. كما أقسم بالله بأنه لم يلتقي بالمجذوب من قبل يومين .. وهنا زادت الحيرة والدهشة في نفوس الحاضرين .. وبدأت النفوس تأخذ سيرة الرؤية والحلم بنوع من الجدية الغير معهودة .. ولكن لم يتوصل أحد لذلك السر الكبير الذي جمع الحلم في الرجلين .. ومع مرور الأيام بدأت آثار الحلم تتلاشى .. كما بدأ البعض ينسى  قصة ذلك الحلم في المنام .. ثم رويداَ رويداَ تم حفظ ذلك الحلم ضمن أضابير أحلام مجذوب السابقة .. وفي ذات ليلة مظلمة كالحة استيقظ الناس في القرية عند منتصف الليل جراء صوت جهور يزمجر خارج القرية .. كان الصوت عاليا ومجهولاَ .. قادماَ من ظلام الوادي المجهول البعيد .. غير محدود الهوية والوجهة ..  تحير الناس في القرية فلم يعهدوا مثل ذلك الصوت من قبل .. وفي حيرة بدئوا يترقبون الشرق ثم الغرب ثم الجنوب والشمال .. ولكن لم تملهم الحيرة كثيراَ بل كانت دقائق قليلة حين اجتاحت كامل القرية سيول عارمة جارفة قاتلة .. قادمة من الوديان البعيدة خلف الجبال .. غطت السيول كامل القرية في ثواني قليلة .. ثم أخذت معها كل معالم القرية إلى المجهول والظلام  .. وقد جرفت معها الأحياء والجمادات .. وفي دقائق قليلة كانت القرية ممسوحة غير موجودة في الوجود .. ثم ترهلت وتخاذلت قوة السيول في دقائق معدودة .. واختفت معالم بطشها بعد أن تركت خلفها كمية من الطمي الراكض الثقيل والبعض من جذوع الأشجار .. أما سكان القرية فالقلة منهم اجتهدت ونالت النجاة .. ورحل الكثيرون في زمرة السيول العارمة ..  وفيهم ذلك المجذوب صاحب الأحلام وفيهم عباس وفيهم مجموعة من رواد المجلس .  

ـــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
 

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 356 مشاهدة
نشرت فى 14 يونيو 2014 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

764,540