بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصـة ) قريــة الطــلاسـم   !!

هنالك في حافة القرية حيث يقف حائراَ مترقباَ .. يقترب خلسة من الناس ثم ينصت لما يقال .. ويتعمد الإسناد إلى حائط الشك وهو يفقد اليقين .. كما يتجنب النظرات المباشرة من أعين المارة بالجوار .. وهو ذلك المتخفي في أقنعة تخفي الهوية والملامح .. جاء عائداَ يسابق الصبح بقليل يتقدم الشمس في البزوغ والإفصاح .. والشمس كالعادة تملك الجرأة في ذلك الإفصاح أما هو فكان يتوارى خلف الظلام .. كان يتعمد الحيطة والحذر الشديد وهو يقترب من حافة القرية .. ومن هنالك أخذ يترقب المجريات بشغف عجيب .. جرت المجريات العجيبة في تلك القرية عند منتصف الليل .. وكان هو ذلك الهارب منها تحت غطاء الليل حين كانت المطاردة والصيحات .. لحظات أربكت هدوء وسكون تلك القرية الآمنة المطمئنة .. الصرخة الحادة القوية التي شقت عباب الليل وأيقظت معظم الناس في القرية .. وبما أنها كانت الأولى من نوعها فقد أوجدت الهلع والخوف الشديد في النفوس الهادئة المسالمة .. صرخة تعدت قدسية الصمت المعهود في ليالي تلك القرية ..  لتمثل الجديد المخيف في عالم لم يجرب الحدث من قبل .. البعض من أهل القرية استيقظ فجأة في هلع شديد ثم أخذ يهرول كالمجنون دون أن يحدد الوجهة ..  ليعود إلى مرقده مرة أخرى وهو يخلط بين الحقيقة والخيال .. والبعض الآخر وقف في قلب داره يلبي الصيحة بصيحة مماثلة .. حتى كادت القرية أن تمثل حقلاً من الصيحات في الفضاء .. والبعض الآخر أخذ يركض في أزقة وممرات القرية بعشوائية مفرطة  .. ودون أهداف معلومة توجه المسار .. والكل كان يتصرف في عجالة بمحض إيحاء مجهول .. وهو يملك فقط تلك النية في نجدة صاحبة الصرخة المجهولة .. فتلك الصيحة الحادة أربكت الحسابات وأوجدت حالة من الفوضى في القرية حيث أختلط الحابل بالنابل .. تلك الصيحة المجهولة المفاجئة التي أدخلت القرية في حالة من الذعر والخوف والإرباك  .. والكل في القرية في تلك اللحظات كان يدرك أن حدثاَ ما قد وقع بفعل مجهول يمتطي الظلام .. دون أن يدرك الحقيقة ودون أن يدرك مصدر الحدث .. وفي دقائق معدودة شهدت أزقة وممرات القرية نوعياَ من الربكة والفوضى .. حيث الجماعات والأفراد التي كانت تحمل المشاعل والعصي في الأيدي كما تحمل ألفاَ وألفاَ من علامات الاستفهام .. الكبار والصغار .. النساء والرجال .. والكل يتجه صوب الآخر مستفسراَ وموضحاَ يطلب الإجابات .. والكل يسأل في حيرة من أين جاءت تلك الصرخة المرعبة  ؟؟ .. وما كانت أسبابها ؟؟ .. ومن هي تلك المرأة التي  قامت بإشعالها  ؟؟ .. وفي أية جهة من جهات القرية جرت فيها تلك الصرخة القاتلة ؟؟ ..  ومن العجيب الأعجب أن تلك الاستفسارات كانت لا تجد الإجابات الشافية من أحد .. وضاع كل الاستفسارات دون أية جدوى ودون إجابات يشفي الغليل  .. وتجمع الناس هنا وهناك في حلقات والكل فيها يجتهد في إيجاد تفسير لتلك الطلاسم .. وأصبحت تلك الصرخة القوية المهلكة التي أيقظت أهل القرية سراَ من الأسرار التي تركت خلفها الكثير من علامات الاستفهام .. ثم تطورت التكهنات لتأخذ مساراَ من الاجتهادات والمؤلفات .. وظهر الكثير من الفرضيات الظالمة التي تتهم البعض في الأسرار والأعراض هنا وهناك  .. قالت أحداهن أن الصرخة كانت شبيهة لصوت فلانة بنت فلان .. ولكن أكدت المعلومات أن فلانة لم تكن في القرية في تلك الليلة .. بل سافرت لأقربائها في قرية مجاورة .. فجرت الاجتهادات والرميات من هنا وهناك .. والكل يدلو بدلوه ثم يأتي بفرية من صنع الخيال .. حتى ملئت الساحات بالعشرات من القصص التي نالت حظها من التأليف الفوري والآني .. وبالرغم من تلك الرميات والتكهنات فإنها لم تشفي في إزالة الغموض والأسرار .. أما هو فكان يشكل طرفاَ مؤثراَ في أسرار تلك الليلة  .. وقد عاد لحافة القرية يتلصص الأنباء من بعيد لبعيد .. وهنالك آخرون يلتقون معه في الحدث القاتل الذي احدث الضجة ورجت القرية .
       هي تلك العفيفة التي رمتها الألسن ظلماَ بجرم الخطيئة .. وخطيئتها أنها أخفت شرعية الزواج عن الملأ .. وظنت أن الحقائق سوف تتحمل الصبر تحت الغطاء لحين الوقت المناسب .. ولكن ذلك الجنين في أحشاءها لم يحسب حساب الزمن الذي يغطي الأسرار .. إنما كان ينمو يوما بعد يوم حتى بدأت الأسرار تتحدث عن نفسها .. وحينها كشفت الأعين الحقيقة .. وقالوا لقد جاءت بمنكر يجلب الأوحال والسمعة الكالحة لأهلها .. وحين حاوروها أنكرت تهمة الخطيئة .. وقالت أنها تحمل في أحشاءها الثمرة الحلال .. وتملك الأدلة والبراهين التي تثب البراءة .. وقصتها أنها يتيمة الأبوين .. وهي تعيش في كنف أهلها الذين منعوا خيارها في ذلك المتقدم الذي جاء من قرية مجاورة يطلب يدها .. وهي الأرملة التي مات زوجها قبل سنة تقريباَ .. ولكن جاء القرار من أهلها قاطعاً بأنهم لا يريدون سيرة ذلك المتقدم إطلاقاَ .. فهو ينتمي لأسرة بينها وبينهم حروب ثأرية لسنوات طويلة .. ومع ذلك كان إصرارها في مشوار التحدي للأهل  .. ولما عجزت عن إقناع الأسرة بالحوار والمنطق أخذت قرارها بالمضي في الأمر حتى النهاية .. ومهما كانت العواقب .. وقد تمكنت من إمالة بعض الأفراد في أسرتها .. وفي قرية المتقدم تم عقد قرانها بصورة شرعية توافق الكتاب والسنة .. ولكنها كانت صورة مختصرة حيث المأذون والشهود وبعض الأفراد الذي شهدوا مراسيم الزواج .. وهي ظنت أنها نالت مرامها حيث أن الأهل أصبحوا أمام الأمر الواقع .. وأنها سوف تضعهم أمام الواقع اليقين عندما يحين الوقت المناسب .. ولكنها أخطأت المسافات في الجرأة .. كما أخطأت في تقدير العواقب .. فرموها بالخطيئة الكبيرة .. ودبروا لها المكيدة في تلك الليلة العجيبة التي شاهدتها القرية .. أما هي فكانت تحس في أعماقها بأن أمراً على وشك الحدوث .. فأرسلت إلى زوجها تخبره بخطورة الموقف .. وطلبت منه الحضور فوراَ لأخذها من تلك القرية الظالم أهلها ..  وفي تلك الليلة اجتمعت المكائد من القريتين ..  دخلت مجموعة من أهل زوجها القرية في جوف الليل دون أن يلاحظهم أحد .. ومكثت قريبة من دارها لحين قدوم الوقت المناسب ..  كما خططت مجموعة من أهلها بتدبير خطة تنهي حياتها دون أن تقف أعين القرية على حقيقة المجريات .. فأحضروا في كيس أفعى سامة .. ثم دخلوا عليها في غرفتها وهي نائمة .. فأحست بهم وقامت مذعورة وحينها أطلقوا الأفعى في سريرها فصرخت صرخة داوية هزت أركان القرية .. فهربت المجموعة التي أحضرت الأفعى .. كما هربت الأفعى في لحظات .. وعندها دخلت عليها مجموعة أهل زوجها وبسرعة شديدة استدركوا حقيقة المجريات .. فأخذوها بسرعة شديدة وهربوا بها بعيداَ عن تلك القرية التي دخلت في حالة من الهستريا والإرباك الشديد .. وفي لحظات معدودة اختفت من الساحات صاحبة الصرخة المدوية .. كما اختفى الدخلاء الذين جاءوا في صمت شديد ثم رحلوا في صمت شديد .. وبقيت في الساحات بواقي الأسرار التي لا تفصح شيئاَ .. ولكنها أوجدت من أرحامها الكثير والكثير من التكهنات والفرضيات .. أما صاحبنا فقد كان في رفقة المجموعة التي جاءت لإنقاذها .. ثم طلب منه أن يعود لتلك القرية ومعرفة المستجدات فيها . والحيرة ما زالت تلازم الكثيرين .. تلازم تلك المجموعة المدبرة الغادرة  .. كما تلازم الأفعى وتلازم أهـل القرية . 

ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 217 مشاهدة
نشرت فى 27 مايو 2014 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

782,687