بسم الله الرحمن الرحيم
( قصــة قصيــرة )
( قصـة ) أنـامـل غضـة تمســح الدمــوع !!
سواحل القلب جدب يشتكي ويتوشح بركام الجفاف .. محنة من يفقد الرطب في الرمضاء .. وتلك الصفائح الحامية تمشي فوقها أقدام حافية .. ولو تحولت الأقدام إلى ناحية متجنباَ الويلات فهناك في الجوانب أسنان الأشواك الحادة .. فالبقاء في نفس المسار جدل يعني الموت .. والانتقال من المسار يعني الأقسى والأشد في الموت .. ولو تفشت حالة البؤس في الأركان والساحات تعتادها الناس ثم تدعي أنها لا تبالي .. رغم أنها في قمة المبالاة .. والجريرة قد تكون واردة من سواحل الآخرين تلك البعيدة .. وحينها تقول الأنفس تلك سنة الحياة في تعاملات البعض من الخبثاء .. ولكن تكون الآلام قاسية إذا طعنت يد الفصيل عين الأصيل .. والفصيل هو الابن والأصيل هو الأب .. ذلك المجتهد الذي يقدم البذرة ليوجد الحياة لإنسان آخر من فصائل البشر .. وإيجاد الحياة قيمة عالية لا تثمن بثمن مهما كانت قوة العروض .. ثم لا يكتفي الأصل بنزوة الإيجاد إنما يتكفل بالأصيل .. ويواجه كل الصعاب والمشاق في مشاوير النماء .. وهو دائماَ يؤثر على الذات لتكون الحياة رغدة لفلذات الأكباد .. ويصبر ويصابر حتى يقوي عضد الفصيل ويكسب تمام الجسم والحواس .. ويجاري السنين والشهور والأيام في إكمال مشوار الواجب في إيجاد إنسان بكينونة خاصة يملك قرار نفسه ذات يوم .. وتلك هي وظيفة الأصل الأساسية في مسيرة البشر .. تضحية عالية عظيمة بفطرة ربانية مكنونة في الذات مقرونة بمحبة الأبوة العجيبة .
جلس شيخ كهل عند قارعة الطريق واليد تسأل الناس .. تلك اليد التي تكسوها التجاعيد .. وتلك التجاعيد تمثل خريطة تحكي كفاحاَ طويلاَ دءوباَ في مسيرة الحياة .. وصورة ذلك الشيخ وأمثاله أصبحت عادية في حياة الناس اليوم .. والمجتمعات تعج بالكثير من تلك الصور .. فالعشرات والعشرات من الكهول وكبار السن رجالاَ ونساءَ يجلسون على الطرقات والأرصفة وهم يمدون الأيدي ويسألون الناس باستحياء كبير .. ولكن تعودت الناس أن ترى تلك الصور عادية فتمر عليها مرار الكرام دون مبالاة .. وتكرار الصورة جعلت الأمر من البديهيات التي لا تلفت النظر كثيراَ .. والظاهرة أصبحت تشكل ضمناَ صورة من صور الأضابير التقليدية في مجتمعات اليوم .. ولكن الحقيقة وراء كل شيخ من هؤلاء قصة طويلة تحتاج لوقفات ووقفات .. وفي تلك اللحظة كانت سريرة الشيخ تحدث الذات .. وهو كالعادة في كثير الحالات يعود للذات ويحادث النفس في العمق .. ثم يراجع خطوات حياته مراراَ وتكراراَ لعله يقف على الحقيقة التي أوصلته لتلك المرحلة البائسة في نهاية المطاف .. وهو كما يعتقد قد أدى الواجب على الوجه الأكمل في تربية ونماء ذلك الفصيل .. وقام بإكمال المشوار تجاهه على الوجه الأكمل كما يظن ويعتقد .. والفصيل وحيد قلبه وفلذة كبده حيث لم ينجب سواه .. وما زال قلب الشيخ يكن محبة عجيبة لفصيله رغم ذاك العقوق .. ثم يراجع الأحداث في خياله مرات ومرات .. والعقوق نكران عظيم يتجسد فوق كل قياسات الجحود .. والزمن يتقلب بالأحوال ليكون القوي ضعيفاَ ويكون الضعيف قوياَ .. سافرت أيام عمره نحو النهايات .. واشتكت أوصاله من كثرة الجهاد .. ومال بدنه جانباَ مؤكداَ بأنه يحتاج سنداَ .. و المعروف أن سند الأصول هي الفصول .. دارت الأيام به دائرة الحياة .. تلك الدائرة التي تهلك الجبال بعوامل التعرية والاستهلاك .. حيث وهن العظم واشتعل الرأس شيباَ حتى صار في أشد الحوجة للآخرين .. فنظر في كل الاتجاهات ولم يجد سنداَ يليق بحاله إلا ذلك الفصيل .. فآوى إليه على مضض رغم الأحقية المفروضة على الفصيل بالرحم والواجب .. والإنسان عادة عزيز النفس لا يحب أن تكون نفسه عالة على الآخرين .. والآخرون هنا يمثلون الفصيل وأهله .. الذين تنكروا وتنصلوا عن واجب يفترض .. فأشبعوه ويلات الملام .. فتلك زوجة الابن أبت أن توجد الوفاق أو الصبر لمرحلة قصيرة تعني انتظار أجل قد يكون قريباَ .. فتحايلت بمكر النساء حتى أوجدت الشقاق بين الأصيل والفصيل .. وذات يوم كانت الطامة حيث أمرته بالخروج من الدار في حضرة الفصيل الذي تعاطف صريحاَ مع الزوجة .. طردوه ثم رموا أغراضه في الشارع من خلفه .. لم يصدق الأمر في بداية الحدث .. ولكنه تيقن أن ذاك المصير هو المصير المحتوم .. ومنذ تلك اللحظة مشى في ذلك الدرب المجهول حيث يفترش الأرض بساطاَ ويلتحف السماء غطاءَ .. ثم يتخذ الأرصفة ملجئاَ ليقتاد من أيد الناس الرحماء .. وفي تلك اللحظة المريرة وهو في خضم الذكريات القاسية المؤلمة ويفكر في مصيره المجهول جرت دموع ساخنة فوق خدوده دون أن يتنبه لذلك .. وفي تلك اللحظة الحزينة المؤلمة كانت هناك طفلة صغيرة تمر بالجوار برفقة والدتها التي كانت تمسك بيدها .. فانتزعت الطفلة يدها من يد أمها بقوة ثم ركضت نحو الشيخ الكهل وأخرجت منديل ورقة من جيبها ثم مسحت به دموع الشيخ الكهل .. وهي ترتب على أكتافه بأناملها الغضة علامة مواساة وتصبير .. أبتسم الشيخ لها وقبلها في جبينها .. واللحظة كانت موضع دهشة واستغراب من الأم والمارة الذين راقبوا المشهد في ذهول عجيب .. فهناك في الأرض ما زالت قلوب هي تلك الصافية البريئة التي تمثل المضغة النبيلة القادمة من رياض الملائكة .
ــــــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش