بسم الله الرحمن الرحيم
ممارسـات تنــوء بالتناقضـات !!
في ساحة الفضائل يفني الشيخ جل عمره وهو ينادي بالفضيلة وينادي بحسن الخصال .. وهناك في ساحات الأشرار من يمتطي عرش الفساد ومن حوله الأعوان الذين يفسدون ولا يصلحون .. والناس تعودت في هذا العصر أن تأخذ الأحوال من قبيـل العادة والروتين .. فيرى البعض أن ذاك الشيخ محق في وعظه ثم لا يبالي بالعبـر .. كما يرى أن هؤلاء الحمقى محقون في إفسادهم ثم لا يبالي بالعبر .. وتلك نظرة متخاذلة في إنسان العصر .. وهي نظرة تجلب الاستغراب والاندهاش .. وكأن الناس قد فقدت غيرتها وشهامتها بحكم العادة السائدة في زمن فيه الناس لا تتعامل بالجدية اللازمة .. فالشيخ ينادي بتحريم الربا وبتحريم الرشوة وبتحريم السرقة وبتحريم أخذ المال العام بغير حق وبتحريم كل حرام بينه الشرع والعقيدة .. ولكن تلك المحارم في عالم المفاسد تمثل العدة الضرورية .. وتمثل الأساس وتمثل النواة الفعالة في سلوكياتهم .. فهي من مقومات الإفساد التي تشكل مصدر قوتهم ومنبع سلطتهم .. وتلك الساحات هي لأهلها الذين يتصفون بانفرادية في الخصوصية .. ورغم عيوبها ومفاسدها الواضحة كوضوح الشمس في كبد السماء إلا أنها تمثل المستحيل الغير متاح لكل من هب ودب .. فهي عزيزة لا ينال المعية فيها إلا أهل موصفات خاصة .. ويركض خلفها الكثير من البشر حتى يكونوا من أهلها .. ولكن لا تكون متاحة إلا لمن يملك الحظ العظيم بمعيار ولغة هذا العصر .. حيث خاصية الزمرة المتمتعة في الدنيا على حساب الفضائل والأخلاقيات .. تلك الزمرة التي تعيش حياة الترف والبذخ والإسراف .. وفي متناولها كل شئ تشتهيه الأنفس من المتاع والممتلكات .. ومن مضحكات الأحوال فإن الطلب هنا اكبر من العرض .. أما ساحة ذلك الشيخ الجليل فنجدها متواضعة بذلك القدر الذي يليق بالتزهد عن الدونيات .. كما أنها متاحة مرتاحة في أي وقت لمن يريد الانتماء إليها .. فيرتادها من يشاء ويمتنع عنها من يشاء .. ومن المضحكات أن العرض هنا أكبر كثيراَ من الطلب .. وبالتالي فإن ساحة الشيخ يتواجد فيها من يصدق النية كما يتواجد فيها من هو مغلوب على أمره ولم يجد سانحة في ساحة الأشرار .. ولسان حال البعض منهم يقول لو أتيح لنا المجال مع زمرة الأشرار ما تواجدنا هنا .. جرأة بالتصريح يفرضها مفهوم هذا العصر بين الناس .. ولا يشكل ذلك عيباَ في أدبيات هذا الزمن .. ولا يشكل ذلك عجباَ في حدود الممارسات التي جبلت عليها الناس بحكم العادة والظواهر الشائعة في عالم اليوم .. حيث اللامبالاة بالمثاليات والفضائل كلياَ .. أو عدم الاكتراث بالأحوال خيراَ أو شراَ .. ولكن الأمر يستجلب العجب والدهشة عندما يحدث من فئة من شيوخ أفاضل .. فبالرغم من أن الأغلبية من الشيوخ بفضل الله يلتزمون بالمصداقية في الوعظ والإرشاد وهم جادون في المسعى .. ولا يريدون بذلك إلا وجه الله .. إلا أن هناك قلة من الشيوخ يتهافتون للالتحاق بساحات الأشرار .. ولسان حالهم يقول لو أن هؤلاء المفسدين أتاحوا لنا المجال معهم لأوجدنا لهم المبررات الكافية التي تبيح الربا والرشوة والكثير من المحرمات بملحقات من إفتاء التحايل .. وقد رأينا الكثير من تلك الإفتاءات العجيبة الصارخة الخارجة عن الأصول الدينية .. تلك الإفتاءات التي فيها كل معالم العجب والاستغراب .. أرادوا بها كسب مودة أهل الفساد .. ولم يريدوا بذلك وجه الله مما تسقطهم من الحسابات .. فيجري في هؤلاء الشيوخ الذين يتسلقون جدار المفاسد للمنفعة الذاتية ذلك المثل الذي يقول ( إذا سكرنا معهم حللوا وإذا سكرنا من دونهم حرموا ) .. فهؤلاء الشيوخ قلة يشوهون صور أخلاقية ما كانت لها أن تكون .. ومفهوم هذا العصر قد يبرر تصرفات بعض العامة من الناس بالركض خلف الدنيا ومفاسدها ولكن لا يبرر إطلاقاَ تصرفات أمثال هؤلاء الشيوخ .. وسقوط ثمرة في حفرة نار ليس كسقوط شجرة بثمارها في أصل الجحيم .
ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش