بسم الله الرحمن الرحيم
( قصـة ) بئـــر الشيطـــان !!
يا شقي .. يا خزانة الأحزان لن تكون لك راحة بال بعد اليوم وبعد حصيلة المآل .. وأنت يدك ملطخة بملصقات الأدران .. وهي التي أوسعت وأسرفت في الموبقات بذلك القدر من الإسراف .. وأوجعت الناس لسعة وتجريحاَ .. وشاركت بهمـة في حفر آبار الشقاء .. فلو أفنيت باقي عمرك في البكاء والدموع والنحيب ما نالتك ولا طالتك لحظة هناء أو ساعة ضحكة .. وما لامست قلبك نطفة راحة تبعد الأحزان عنك وتبرد تلك الحمم التي تفور في أعماقك .. هل تذكر الماضي يوم كنت لا تبالي ؟؟ .. وكانت الدنيا لديك مجرد لعبة ومزحة ؟؟ .. وقد التقيت بالدنيا وكأنها خالصة لك دون الناس .. وعبثت فيها يميناَ وشمالاَ دون رادع يعني الضمير أو وازع يكنى بالأخلاق .. واتخذت الخطوات بجرأة لا مثيل لها .. وكأنك المعصوم من ويلات الأقدار والمصائر .. تتعاطى كل أنواع التجريح والتنكيل بالناس .. والظن منك كان يقيناَ بأنك تملك الحصانة من بلايا الأقدر فلا تطالك .. وكنت تظن أن أمطار النوازل إذا نزلت سوف تتخطاك ولا تصيبك بمثقال .. بل كنت تظن أن الأقدار ترمي بأوجاعها فقط على من هم سواك .. وجهلت وتجاهلت بأنك نفر من البشر ..يصيبك ما يصيب الناس .. ونسيت وتناسيت بأنك إنسان في جملة خلق يصاب كما يصاب الآخرون .. فوضعت يدك فوق يد الشيطان لتصول وتجول كما تشاء .. ومن سخرية الأقدار في بعض الأحيان أن السهام قد ترتد لتصيب مطلقها في المقتل .. وأن زارع الشرور قد يأكل من ثمار يده حصاداَ بمرارة الحنظل .. نراك اليوم في حالة من الوجوم والصمت المهيب .. وتحيطك الحسرة الشديدة والندامة الكبرى فتبكي بحرقة .. ولا تريحك ما تجود به عينيك من دموع .. تلك الدموع التي لا تطفي سطوة الآهات والأنات النافذة من عمق الوجدان .. ويصدق فيك قول الأعرابي ( يداك أوكتا وفوك نفخ ) .
كان الاجتهاد منك دوماَ المشاطرة مع شلة الشيطان .. تلك الزمرة الخارجة عن حدود العيب والعار .. والتي تجرأت مراراَ وتكراراَ بالخوض في الملذات والشهوات .. ومارست بجرأة كل ممنوع وحرام .. تتفاخر أفرادها بأنها ما علمت بكبيرة من كبائر الإثم والفواحش وإلا قد مشى في مشوارها .. وأنت يا هـذا كنت فرداَ في رفقة الأشرار .. بل كنت نشطاَ تقود الفئات وتدير الاتجاهات .. وكنت تأتي بالجديد من أفكار الموبقات لتنال الثناء والتصفيق من الآخرين .. أسرفت كثيراَ وأنت تسعى في تجريح النقاء أينما تواجد .. وكنت تتعمد في تشويه صور الصالحين ليكونوا تحت عبث الشيطان .. تلك الزمرة العاصية كثيراَ ما جاهرت بالمعاصي وهتكت وشوهت واجهات الأشراف من الناس الأبرياء .. وحطمت زجاج العفة والشرف لعائلات نبيلة شريفة في غفلة من الأعين .. وابتعدت كثيراَ عن دروب الأخلاق والأعراف .. تلك الزمرة ملئت الأرض فحشاَ وجوراَ حتى فاحت سيرتها بين الناس .. وفي ذات يوم جادت أفكارها بالجديد من وسائل الإفساد .. وإلحاح الغاية ذهب بهم إلى فكرة الشيطان .. حيث اجمعوا على إيجاد وكر يغطي تلك الموبقات والفواحش .. فاستأجروا داراَ ليكون الستار المتاح في ارتكاب الكبائر .. وبعد أن تمت الفكرة وصارت واقعاَ أصبح الوكر الجديد مقراَ نشطاَ لزمرة الشيطان .. تنتشر أفرادها بين أبرياء الناس في المدينة ليكونوا الضحايا التي تفقد عزها وعرضها في محراب الوكر الجديد .. كانوا يصولون ويجولون في الشوارع والأحياء ويتربصون بالفئات الصالحة من الناس لاستدراجهم إلى ساحة الوكر .. كانت ترد إلى الوكر نفوس بريئة بالفطرة تنقاد إليه بالحيل والمكر .. ومتى ما تعتبت تلك النفوس البريئة باب الوكر تكون قد فقدت سياج العفة والشرف والعرض .. لتخرج منه بعد ذلك وهي في مذلة وبهامات ساقطة مائلة إلى الأرض باستحياء .. وطالت جولات أفراد الزمرة الذين كانوا ينطلقون في المدينة كل حسب وجهته وحسب رغبته ليأتي إلى الوكر بالجديد المتاح من الصيد .. ودامت سيرة أهل الوكر في أحوال الفساد والفواحش والموبقات لسنوات وسنوات دون أخطار تحد من نشاطهم .. أو دون رقابة يفضح أسرار الوكر الموبق .. حتى جاء ذلك اليوم المرير وقد دارت الدائرة عليهم .
الأمر بين أفراد الوكر أصبح نشطاَ بمنـوال النحل .. ذاك يدخل بصيده وينفرد في غرفة من الغرف .. ثم يأتي الآخر بصيده ويتخذ غرفة أخرى .. وثالث ورابع وخامس .. وقد يلتقون مصادفة عند الأبواب داخلين أو خارجين ومعهم أبرياء الصيد من الضحايا .. ولكن كانوا لا يكترثون ولا يبالون بأحوال البعض في مراحل القنص أو لحظات المعصية .. والكل يجتهد في حقله بالكيفية التي يراها .. كما أن الفرد فيهم كان محقاَ في ممارسة كل أنواع المعاصي والموبقات حسب المزاج الذي يمليه نوع البلية .. وفقط اللقاء بينهم كان عند الاجتهاد في تسديد القسط المستحق من إيجار الوكر .
حتى جاء ذلك اليوم العصيب في سيرتك أيها الشقي في درب المعاصي والفواحش .. كانت لك السوابق في جولات الحيل والمكر والاستدراج .. وقد اكتسب المهارة العالية مع مرور الأيام في عمليات الخداع والمكر والاستدراج .. وهناك الآخرون في الزمرة هم أيضاَ فيهم من يملك المهارة والشطارة والخداع .. وكان للأقدار في ذلك اليوم قول وفصل غير تلك المجريات التي طالت وجرت لسنوات وسنوات .. فدائماً هناك الإمهال الذي يسبق الحساب والعقاب .. وفي ذلك اليوم كعادتك تجرأت في دروب الإفساد واستدرجت تلك المراهقة البريئة لوكر الفساد .. ثم نلت منها مرادك .. وتركت تلك الصغيرة البريئة التي هتكت عرضها لتبكي بحرقة شديدة .. وعندما أزعجتك الضحية البريئة بكثرة بكاءها هممت بإخراجها وإبعادها من ساحة الوكر .. وعند باب الوكر كانت المفاجأة الكبرى العجيبة الخطيرة القاتلة .. حيث كان هناك في نفس اللحظة صاحبك في زمرة الوكر يخرج بأختك الصغيرة وهي تبكي بحرقة شديدة .. وصاحبك بنفس المنوال يحاول التخلص منها .. وهو لا يدري بأنها أختك !! .. وفي تلك اللحظة الكالحة القاتمة أظلمت الدنيا أمام عينيك وتمنيت بأن أمك لم تلدك .. وتمنيت لو أن الأرض غاصت بك واختفيت أنت من معالمها .. كانت لحظات خاسرة مهلكة فاضحة في حياتك .. اختلطت فيها معالم دموع الأرحام بمعالم دموع السوابق والفواحش .. نظرت إليك أختك الصغيرة وهي تبكي بحرقة عن أحوالها وكبريائها .. ثم نظرت إليك مرة أخرى في حيرة شديدة وهي تراك تمسك في يدك بريئة أخرى مجروحة الكبرياء .. فعلمت بأسرارك وعلمت بأسراها .. وقد شربت تلك الصغيرة البريئة من ماء البئر التي حفرتها بيدك .. وجرت عليها المشاوير التي جرت على الأخريات من أبرياء بنات الناس .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش