بسم الله الرحمن الرحيم
( قصة ) الالتــزام والضميـر ؟.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يكلم نفسه في العمق دون مجاهرة .. فظاهره سكوت ووجوم وكأنه على راحة بال .. أما داخله فهناك حرب تشتعل وحوار وجدال وأخذ ورد .. وغرفة الضمير خلف حاجب صدره معزولة للأصوات إلا فلتات من وقت لأخر .. فيها أنات وفيها آهات وفيها كلمات غير مفصحة المعاني .. فجأة سأله الذي يجلس بجواره عن عبارات رددها لسانه دون مناسبة تقتضيها الحاجة .. فتعجب من سؤاله لأن تلك الكلمات كانت تداول في العمق مع الضمير !! فكيف انفلتت من السرية والخصوصية لتكون معروضة للمسامع .. فتنصل منها متعمداً .. وادعى بأنها ليست له .. وأنها ربما صدى أصوات لآخرين .. فنظر إليه السائل في دهشة ثم ابتعد عنه في حيرة وتردد .. عند ذلك أدرك أن الأمور بدأت تأخذ مساراً غير مسار الخصوصية لتكون متاحة للآخرين .. وأن الضمير بدأ يفقد السيطرة على أضابير الأسرار .. والحكاية بدأت تتقارب من حالات الجنون .
والقصة كانت ذات يوم من الأيام .. قصة مثل قصص تجري عادةً أحداثها في أي مكان في العالم .. بين قلوب يافعة تدعي في حينها الصدق والوفاء والإخلاص .. وفي ساعة غفلة من تقلبات الدنيا ومجريات الظروف كان هناك قسم وحلف بالله تحت إصرار قلبين لشاب وشابة بأن يكون المصير معاً في عش زوجية سعيدة تجمعهم حتى حافة القبر .. وأن التعهد كان مقروناً بأغلظ التأكيدات بأن لا يخون أحد الآخر في اختيار بديل آخر .. أما هو فقد كان في حينه متيقناً من تعهداته وقسمه بالله بأنه لن يخالف تلك العهود .. أما هي فقد كانت أكثر صدقاً ووفاءً .. فالتزمت بإصرار شديد للغاية .. وخاصة بعد سفر رفيق المستقبل لإكمال دراسات عليا في الخارج .. حيث رفضت أكثر من عشرات الشباب الذين تقدموا لخطبتها .. تحت أسباب واهية تخدع بها أهلها في الظاهر .. أما في الأعماق فهي كانت تعني برفضهم الصدق والالتزام بتعهداتها .
ومضت الأيام وأخذت المقادير بمجرياتها .. وهناك في بلاد الغربة بدأ يحس بتحولات في الضمير .. وبتغيرات في المزاج .. ثم رويداً رويداً بدأ يفكر في التنصل من تعهداته .. وكان يسمع عنها بأنها رفضت من تقدموا لخطبتها .. ولكنه كان يتمنى في أعماقه لو أنها قبلت بهم حتى يكون في حل من ضميره .. وأكثر من ذلك حتى يكون في حل من تعهداته .. ولكنها لم تفعل .. وكانت وفية للغاية والتزمت .. تاركة الكرة في ملعبه ليأخذ القرار في النهاية .. ثم عاد لوطنه بعد أن أكمل المهمة الدراسية .. وعلمت بعودته وانتظرته بفارق الصبر لتلتقي به .. ولكنه لم يفعل فكانت الصدمة الأولى لها .. ثم مرت الشهور والأيام دون أن يتقدم لخطبتها بموجب التعهدات والالتزامات .. فصبرت على مضض .. وأخيراً كانت الصدمة الكبرى عندما علمت بأنه تقدم لخطبة أخرى .. وعند ذلك كان يمثل الخنجر الذي يطعن قلباً بريئاً .. فهناك ظبية قتلتها براءة النفس والصدق والإخلاص دون ذنب يقال .. وذنبها أنها كانت من الملائكة ولم تعرف صحبة الشيطان .. أما هو فكانت معركته مع ضميره الذي أوجد في داخله حرباً وكلاماً وحواراَ ونقاشاً في السر والعلن حتى بدأ الناس يشكون في سلامة عقله .. يسكت ويجتهد في أن يتهرب من السيرة فيجد نفسه ترفع عليه عصا التوبيخ وتصفه بالخائن الغادر .. وإذا حاول أن يبرر فعلته فلا يجد علامات تبرر الفعلة الشنيعة .. وإذا حاول الاعتذار لها فلا يملك ذلك المقام الذي يجعله يقف أمامها رافعاً الرأس تحت شعار الرجل صاحب الكلمة . وهو لا يملك ذاك المقام . فهي إذن ليست سعيدة لأنها طعنت من الخلف بطعنات قاتلة للغاية .. أما هو فأكثر تعاسة لأنه رجل يحس في أعماقه بأنه يفقد المعنى ويفقد الشهامة . فنراه على حافة الإفلاس في الأخلاق .. ونراه على حافة الجنون بكثرة عتاب الضمير له والحديث مع النفس .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش