بسم الله الرحمن الرحيم
قصــة أصحـاب المــروج !!
صوتك ما زال بعيداً يا كروان .. والليل بدأ يزحف بظلام .. والوادي بدأ يفقد الإشارات والعلامات .. لأن أشعة الشمس فضلت التواري خلف الغمام .. والوادي قصته في قصة أصحاب كانوا ذات يوم .. وهم أصحاب ذلك الوادي الذي تماثل مساحته أكثر من أربعمائة كيلومتر مربع .. ذلك الوادي الذي يتوشح عادة بالمروج الخضراء في مواسم الأمطار .. وبالعصافير الجميلة المتنوعة .. وهم جماعة كانت من قبيلة ذات عرق أصيل .. دون خلط أو امتزاج بدماء دخيلة .. عرفوا بالتعاضد والتعاون فيما بينهم .. والموقع يقع في حافة لصحراء عربية مشهورة .. والتاريخ الأول لبداية القصة في عام 1917 .. والعالم في خضم حرب كونية أولى .. وهناك دول أنهكت ودول ما زالت تحارب وأخرى بدأت تستسلم .. والروابط والقوانين أصبحت في عالم تعيش الفوضى بالمعنى .. والمعايير أصبحت بتحالفات غير منطقية .. حيث أن المتاح إما تكون مع جانب لتدخل في زمرة الأصدقاء .. أو أن تكون مع جانب آخر لتدخل في زمرة الأعداء .. والمسميات تكون حيث تكون مسرح الانتماء .. فالعدو هو دائماً في الجانب الآخر من موقع الانتماء .. جماعة المروج كانت تعدادها تقريباً أكثر من عشرة ألف نسمة .. رجالاً ونساءً وأطفالاً .. وكالعادة أجبرت كغيرها ودخلت في عالم الحرب حيث كانت الضغوط من دول التحالف من أجل التجنيد لصالح الفرقاء المتحاربين .. وفي ذات ليلة من عام 1917 اجتمع زعماء جماعة المروج الخضراء للتشاور فيما بينها لتجنيب الجماعة من ويلات الحرب .. وهم يعلمون جيداً أن الحرب لمصلحة أصحابها الذين يخوضونها .. أما أصحاب المروج فليست لهم أية مصلحة في الوقوف مع جانب من الجوانب المتحاربة .. ولذلك خطط شيوخ وحكماء الجماعة بالخروج بالقوم من ساحة المروج .. والاختفاء في مكان مجهول لحين انتهاء الحرب .. وأثناء تشاورهم وتخطيطهم وتحركاتهم .. استطاعت أعين الجواسيس لدول الحرب أن تكشف مخططاتهم .. وجاءت لديهم الأنباء بأن المروج أصبحت محاطة ومراقبة بالكامل من قبل دول تعاني نقصاً في أعدادها من الجند .. ولا بد أن تدفع جماعة المروج الخضراء ضريبة مفروضة من الأنفس كما هو الحال مع الكثير من مناطق العالم .. فركزت تلك الدول حصارها على مناطق المروج الخضراء .. وخاصة من ناحية الصحراء العربية .. حيث أن أكبر الاحتمالات كانت تؤكد أن تلك الجماعة قد تلجأ إليها .. ثم لم تنتظر تلك القوات كثيراً ولكنها عاجلت بشن غزوة دائرية لكل مناطق المروج الخضراء .. ووصلت أنباء التحرك للشيوخ .. وفعلا تحركت قوات دولية واكتسحت الوادي من الجوانب الأربعة .. وبنظام التمشيط شبراً بشبر .. وسارت تلك القوات إلى عمق الوادي والتقت كلها في وسط الوادي .. ولكن من غرائب وأسرار تلك الحرب التي ظلت في عالم المجهول والاستفهام أن تلك القوات لم تجداً ولا شخصاً واحداً من جماعة المروج الخضراء .. والمؤلفة من أكثر من عشرة ألف شخص مع كامل ممتلكاتها من الأنعام والخيام !! .. وكأن الأرض فتحت فوهةً وأخذت الجميع دون أن تترك أثراً .. واختفاء جماعة المروج ظل قائماً منذ الحرب العالمية الأولى وحتى تاريخ اليوم .. فلا أحد يعرف كيف اختفوا وإلى أين !! .
أما أنت يا كروان فقد عرفت السر .. وقد عشت الأحداث .. وعرفت خبايا الليالي .. وكم وكم لك من ليال كنت تنادي وتحذر .. ترى الأمور بمجهرك وتنادي بالسر لأهل الوادي .. وهم يعرفون الشفرة .. ثم كانوا ينتظرون الإشارات .. وأنت يا كروان كنت وفياً فلم تكل ولم تمل يوماً .. وما زلت عند عهدك .
أما التاريخ الثاني لمجريات القصة فقد حدث في ذات ليلة لعام 2010 عندما كان أحدهم يجلس في موقع ما بأطراف ذلك الوادي ( وادي المروج الخضراء ) .. بعد أن تعطلت سيارته .. فأوقفها جانب الطريق منتظراً أي قادم قد ينقذه .. ولكنه بدلا ًمن ذلك لمح مجموعة من شبان أربعة اقتربوا إليه بحذر شديد .. وكانوا ملثمين .. ولما اقتربوا منه كانت هيئتهم وملابسهم من طراز قديم وبدائية في النسج والخياطة .. ومظهرهم يدل على أنهم في مراحل بدائية من عصور التاريخ .. وكانوا مندهشين جداً من السيارة المتعطلة .. وكأنها وحش لم يروا مثلها من قبل .. ثم تقدموا إليه بحذر شديد .. ثم سألوه سؤالاً لم يتوقعه أحد !! فكان السؤال هو ( هل الحرب الكونية انتهت بين النمسا وصربيا !! ) وهل القوات الدولية مازالت تتواجد في الوادي ؟؟ .. فتعجب منهم فسألهم من أنتم وبعد تردد شديد أجابوا قائلين نحن ( من جماعة المروج الخضراء ) وما زلنا في المخبأ !! .. فلم يصدق الرجل أذنه وكان قد سمع كثيراً قصة أصحاب المروج .. ولكنه لم يكن يتوقع أن يكون الأمر جدياَ .. ثم بعد لحظة ظهرت أضواء لسيارة قادمة من بعيد .. وفجأة أختفي الأربعة من الموقع وكأن الأرض قد ابتلعتهم .. فألتفت يميناً وشمالاً وشرقاَ وغرباً فلم يجد أحد !! .. ثم بدأ يسمع صوت الكروان يقترب رويداً ورويداً .. وفي صيحات حادة تشق عباب الصحراء .. والصيحة تنبؤ بأن الأمن ما زال مفقوداً في وادي الكروان .. والشك ما زال يلتف حول أعناق سكان المروج الخضراء . أما وقد عاشوا بعيدين من أحداث قد توالت بعد ذلك وهم في هوامش من الحياة .. فهناك كم من الأمور جرت في الأرض من حروب كونية وغير كونية .. وحروب أخرى ودمار !! .. وهناك اليوم في الساحة من هم أخبث من نمسا وصربيا . وقد كان الحق مع كروان عرف طبائع البشر أكثر من البشر.. فظل ينادي في غياهب الليل ويحذر .
ــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسي محمد أحمد
ساحة النقاش