بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القاضــي والطفــل  !!

 

 عرف القاضي الجنائي بصرامته .. وعدم التهاون في دقائق الأمور .. وقد تمايز بين القضاة بالحدة والتصلب في فرض أوامره .. ولأنه لا يمنح الفرصة لمن يحاول أو يجادل فإن الجميع الذين يتعاملون في القضايا يتحاشونه .. ويفضلون التعامل مع الآخرين من القضاة .. وتلك قصة لأسرة صغيرة من أب وأم وولد وبنت .. الولد في عمر العاشر من السنوات .. والبنت تصغره بسنتين .. توجهت الأسرة في عصر يوم جميل بسيارتها  إلى بلدة ريفية لقضاء فترة أجازة قصيرة .. وفي الطريق لتلك القرية التي تقع بعيداً عن المدينة بعد مساحات عريضة من المزارع والحقول لاحظت الأسرة أن أحدهم يقف بجانب الطريق ويشير إليهم بالتوقف  ..  وكان الرجل يحمل معه حقيبة كبيرة ..  وبحسن نية أوقف الأب السيارة  .. ثم تقدم الرجل بأدب وطلب منهم في رجاء أن يأخذوه معهم إلى القرية .. ولكن كان الولد لماحاً بطبيعته  فقد لاحظ أن الرجل متردد في أقواله .. وقد بدأت علامات الخوف في وجه ذلك الرجل .. وتلك ملاحظات لم يتنبه لها الآخرون .. فوافق الأب أن يصطحب الرجل معهم .. فطلب من ابنه أن يركب في الخلف مع والدته وأخته .. وطلب من الرجل أن يضع الحقيبة في صندوق السيارة بعد أن سلمه المفتاح ..  ثم طلب منه أن يركب معه في المقدمة .. ففعل الرجل بما أشار به الأب ..  ثم تحركت السيارة بهم جميعاً .. وبعد أن ساروا لمدة ساعة كاملة لاحظ الجميع أن هناك وعلى مسافة بعيدة إشارات ضوئية كثيفة في نهاية الأفق من الطريق الذي يسيرون عليه .. وفجأة طلب الرجل من الأب أن يتوقف .. ثم وسوس في أذن الأب مدعياً بأنه يريد أن يقضي حاجته  ..  وتفهم الأب الظروف بحسن نية .. وسمح للرجل بالنزول ..  وفتح الرجل باب السيارة ثم ابتعد واختفى في حقول كثيفة من الذرة الشامية العالية  .. ثم طال انتظارهم ولم يظهر الرجل مرة أخرى .. ولم يحاولوا تجاهله ويواصلون المشوار لأنهم يعتقدون بأن الرجل لا بد أن يعود وخاصة وحقيبته في صندوق السيارة .. ومرت الدقائق ولم يظهر الرجل .. ثم أخذت تلك الأنوار البعيدة تقترب منهم .. وفي لحظات كان هناك رتل من سيارات الشرطة والنجدة .. والتي أحاطت بهم في لحظات .. ثم نزل منها ضابط أمن كبير .. وبدأ في استجواب الأب وعن سبب توقفهم هناك .. فبدأ الأب يشرح  له القصة .. ولكن الضابط لم يقتنع بأقوال الأب .. فطلب منه إبراز الأوراق الثبوتية .. وبحسن نية أيضاً فتح الأب العلبة الأمامية التي تتواجد فيها تلك الأوراق .. ولدهشته لم يجد تلك الأوراق .. وبالرغم من أنه متأكد بأنه وضعها هناك .. مما زاد في تشكك الضابط أكثر فأكثر ..  وفوراً أمرهم بالنزول من السيارة .. ثم أمر رجاله بتفتيش السيارة .. فنزل رتل من رجال الأمن وبدأوا يفتشون السيارة ثم طلبوا من الأب أن يفتح الصندوق الخلفي .. وبمجرد أن فتح أحد رجال الأمن الصندوق الخلفي حتى قفز أحد الكلاب البوليسية التي كانت ترافق الفرقة بسرعة شديدة وبعصبية ..  ثم وثب فوق حقيبة الرجل .. فطلب الضابط من الأب أن يفتح تلك الحقيبة .. وبالرغم من محاولات الأب أن يشرح له بأن تلك الحقيبة لا تخصه إلا أن الضابط أمر بكسر أقفال الحقيبة ..  وكانت المفاجأة أن الحقيبة كانت مليئة بكميات كبيرة من المخدرات العالية الجودة .. وتلك ما كانت تبحث عنه تلك الفرقة الأمنية التي تلقت خبر تهريبها ثم بدأت تترقب مسارها .. وأخيراً تمكنت من الحصول عليها .. وفوراً تم اعتقال الأب وأسرته .. ومصادرة تلك المخدرات لزوم الأدلة الثبوتية .. ووضعت الأسرة في الحبس لحين التحري .. وفي الصباح أحضر الأب دون الآخرين لمكتب المتحري مع الحقيبة ذات الصيت .. ثم في تواجد قاضي تحري والضابط تم فتح الحقيبة .. وكانت الدهشة التي ألجمت لسان الأب بأنهم بعد إفراغ المخدرات من الحقيبة وجدوا تحتها كامل الأوراق الثبوتية للأب .. مما لم يدع أي مجال للشك بأن الأب متورط في الأمر .. ولم يستطع الأب أن يبرر تواجد تلك الأوراق في حقيبة المخدرات .. وبالتالي تم حبس الأب للمحاكمة .. مع إطلاق سراح باقي أفراد الأسرة ..  

               ثم كان يوم الجلسة الأولى .. وأمام ذلك القاضي الصارم .. وقبل بداية الجلسة دخلت الأم مع بنتها في قاعة المحكمة .. أما الولد فقد تأخر قليلاً عنهم .. وأخذ يتجول في الصالات الخارجية للمحاكم .. ثم وقف فجأة في ذهول شديد وقد بدأت سيقانه تتراجف .. لأنه رأي ذلك الرجل صاحب الحقيبة يلبس الزى الرسمي لضابط أمن ويقف أمامه رتل من رجال الأمن ويتلقون أوامر منه .. ولم  يلاحظ  الرجل تواجد الولد .. فدخل الولد قاعة المحكمة وهو لا يصدق ما يجري .. وأراد أن يشرح الأمر لأمه ولكن ذلك القاضي الصارم زجره وأمره بالسكوت .. ثم تليت  القضية وطلب القاضي من الأب الإقرار بجريمته .. وأنه لا داعي للمماطلة .. وبالرغم من إنكار الأب الشديد أمر القاضي بتحويل القضية إلى المحكمة العليا بتهمة الترويج  ..  وهي جريمة عقوبتها الإعدام .. فوقف الولد فجأة وبدأ يصيح بصوت عالي بأنه رأي الرجل .. وأن الرجل هناك ..  ولكن لم يأخذ أحد بأقواله .. بل أمر القاضي الصارم بإخراج ذلك الولد المشاغب من قاعة المحكمة فوراً .. فدخل رجلان من رجال البوليس وسحبوا الولد وهو يقاومهم بشدة وهو يصرخ ويشرح لهم ويشير بأصابعه إلى خارج القاعة  .. إلا أن أحداً لم يهتم بمحاولاته ..  ثم أنه وجد نفسه فجأة خارج صالات المحاكم مع إنذار نهائي من رجلي الأمن .. أما القاضي فأمر بتأجيل القضية مع حبس الأب بدون إي إفراج بضمانات ..  ثم خرج القاضي من القاعة ..

                وفي تلك الليلة حدث أمر عجيب وغريب في بيت القاضي الصارم .. فعند منتصف الليل استيقظ القاضي مذعوراً من نومه .. لأنه فجأة فتح عينيه ليجد ذلك الصبي يقف أمامه في غرفة نومه .. ولم يصدق عينه في بادئ الأمر .. ولكنه تيقن من ذلك .. وبدأ يسأل نفسه .. كيف دخل ذلك الولد أ في سكن القضاة وهي محاطة برجال الأمن .. ثم كيف استطاع أن يدخل في داره وهناك إجراءات أمنية مشددة وحراسة .. ثم أخيراً كيف استطاع أن يصل لغرفة نومه .. وذلك من خصوصياته التي لا يتجرأ أحد من أفراد أسرته أن يتعداها ..  ثم نظر للولد فوجد في عينيه صرامة وإصرار في أبداء رأيه .. فقام القاضي وجلس فوق سريرة .. ثم سأل الولد قائلا : هل أنت ذلك الولد اليوم في المحكمة .. فأجاب الولد بالإيماء  .. ثم قال له ما الذي دفعك لتحضر لغرفة نومي ؟؟ فأجابه الولد قائلاً : لأنك لم تعطني الفرصة في قاعة المحكمة  ..  ولم تحاول حتى سماع قولي .. وكان لا بد أن أصل إليك لتسمع كلامي .. عند ذلك أدرك القاضي أن هناك أمراً يحدث وفي أهمية كبيرة .. فطلب من الصبي أن يبدأ في سرد القصة .. فكان له ذلك .. فبدأ الولد في سرد الحكاية من البداية للنهاية .. فجلس القاضي بعد ذلك لفترة من الزمن وهو يطأطئ رأسه إلى الأرض  ودون أن ينطق بكلمة  .. ثم رفع رأسه وطلب من الولد أن يناوله الهاتف .. واتصل بأحدهم وطلب منه تحويل كل الأوراق الثبوتية في تلك الحقيبة إلى قسم البصمات .. وطلب منه أن يكون الأمر في غاية  السرية .. ثم طلب من الولد أن يأتي للمحكمة مع أمه وأخته في الصباح الباكر .. فخرج الولد من غرفة النوم ثم اختفى في الظلام ..

                        وفي الصباح وعند الموعد المحدد حضر تيم من القضاة .. ثم أمروا جميع ضباط الأمن أن يقفوا في صف طويل دون استثناء ..  ثم أحضروا أولاً البنت الصغيرة وطلبوا منها أن تتعرف على الرجل من بين الضباط .. فمرت أمام الجميع ثم أشارت لذلك الرجل .. ثم تم إحضار الأم وبنفس الطريقة تعرفت على الرجل .. ثم جاء دور الولد الذي أيضاً تعرف على الرجل .. ثم بعد ذلك تم اعتقال ذلك الضابط الذي أنكر الأمر في البداية ثم بعد محاولات كثيرة أقر بالجريمة .. وهكذا تم إنقاذ حياة الأب من حبل المشنقة بفضل شجاعة وإصرار ذلك الصبي المقدام .!!

 

ــــــــــــ  
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد         

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 948 مشاهدة
نشرت فى 3 مايو 2011 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

806,791