سالم جحا.... عودة البطل الشعبي
انتظم سالم مع بقية الثوار في الدفاع عن مدينة مصراتة، المحاصرة الا من البحر لأكثر من ستة شهور. سالم جحا كقائد ميداني، سخّر كل الفنون الحربية التي يعرفها، في قيادته لثوار وشباب مصراتة من اجل الدفاع وايصال المساعدات
علي المبروك
ليبيا - «قبل يومين ضاع مني فلاش ميموري، أطلب من العقيد سالم جحا أن يبحث عنه، احتاج إلى مساعدة العقيد سالم!». هذا ما كتبه أحد شباب مدينة مصراتة على الفيس بوك، مشيراً الى المكانة التي وصل إليها العقيد سالم جحا، والمسؤوليات التي يشغلها في المدينة، حيث ما من مشكلة، صغيرة أو كبيرة، إلا استُدعي سالم جحا لحلها. فبكلمة منه تهدأ النفوس وتطيب الخواطر.
تقول سيرته الذاتية إنه تخرج من الكلية العسكرية برتبة ضابط وتدرج في الجيش الليبي عندما كانت هناك بقايا جيش، قبل أن ينهكه القذافي في مغامراته المجنونة، ليفسد عقيدته ويتخلص من العدد الأكبر من ضباطه الوطنيين، الذين لا يزال ولاؤهم خالصاً لوجه الوطن. من بقي من الضباط، ومن بينهم سالم جحا، وضعوا في المعسكرات، كمشرفين على برامج الخدمة الوطنية (خدمة العلم)، حيث يفقد الشاب الليبي كرامته وبشريته في دورات عسكرية لا تنمي فيه إلا كره الوطن وكره العسكرية، وكره الذود عن الوطن وسلامته، في عملية ممنهجة من قبل القذافي، ليبقى أمنه وأمن عائلته في يد الكتائب الأمنية التي شكلها ووضع أبناءه على رأسها، ليضمن ولاءها التام له.
كل من عرف سالم جحا من دفعات الخدمة العسكرية في ذلك الوقت شهد له بالاستقامة والوطنية واحترام الشباب الذين ساقهم القدر للتدرب في هذه الدورات، فلم يسمح لهم بالتوظيف إذا لم يقدموا ما يفيد تأديتهم للخدمة العسكرية، وكل من عرفه عن قرب وعاشره تحدث عن حسه الوطني وثقافته العالية، وتدينه الفطري، وقربه من الشباب، وخصوصاً أنه من ضمن الشخصيات البارزة في نادي المدينة الأول، نادي السويحلي الرياضي.
وهو، بالمناسبة، ينتمي إلى أسرة السويحلي العريقة، التي عرفت بتاريخها في الجهاد الليبي، فكان منها المجاهد القائد رمضان السويحلي، مؤسس الجمهورية الطرابلسية، وسعدون وابراهيم السويحلي، لذلك لم يكن غريباً على سالم أن ينضم إلى الانتفاضة الليبية منذ أيامها الأولى، وأذكر كيف كوّن، هو ومن معه من ضباط الجيش الوطنيين، الخلية الأولى للدفاع عن مصراتة، كما أذكر حديثه عن ضرورة حماية المدينة. فالقذافي لن يترك مصراتة بعدما أعلنت الثورة والتمرد عليه. وعند أول اشتباك مع كتائب القذافي في معركة المطار، وبعدما حقق الثوار أول انتصاراتهم بأسلحتهم البسيطة في ذلك الوقت، بكى سالم من شدة فرحه بصمود الشباب الذين معه، وقال «هيهات منّا الذلة، نحن سنموت دفاعاً عن مصراتة وعن ليبيا».
انتظم سالم مع بقية الثوار في الدفاع عن مدينة مصراتة، بعدما حاصرتها الكتائب من كل الجهات، ولم يبق لها الا البحر سبيلاً وحيداً للاتصال بالعالم، ومنه وصلت المساعدات الإنسانية والعسكرية لمدينة مصراتة، المحاصرة لأكثر من ستة شهور. سالم جحا كقائد ميداني، سخّر كل الفنون الحربية التي يعرفها، في قيادته لثوار وشباب مصراتة وهم يصدون كتائب القذافي، التي لم تدخر جهداً ولا سلاحاً في هجمتها على مصراتة، حتى تحقق النصر وتحررت لتحرر المدن المجاورة، وليؤدي ثوارها الدور الأكبر في تحرير العاصمة طرابلس وباقي المدن الليبية.
العقيد سالم أعاد بسلوكه قصة البطل الشعبي الذي كثيراً ما صادفنا في تراثنا الليبي والعربي. حمل من الصفات الخلقية ما أكسبه احترام الجميع في مصراتة وفي كل ليبيا، بتواضعه وبعده عن الأضواء وعمله في صمت، بل وتقدمه المعارك، ومشاركته الفعلية للثوار، لا بالتخطيط فحسب، بل كان أيضاً مقاتلاً صلباً وعنيداً كبقية الثوار في معركة التحرير.
عندما جاء رئيس المجلس الانتقالي إلى مصراتة، تحدث سالم جحا باسم ثوار مصراتة عن المصالحة الوطنية، وعن سلاح الثوار، وقال «إن من يتوجسون خيفة من سلاح الثوار الذين خرجوا وقالوا لا للطاغية، يجب أن يطمئنوا، إن هؤلاء الشباب لا مطامح لهم، وسيندمجون في الجسد المدني بعد انتهاء التحرير، وعلى الساسة أن لا يستغلوا جهود هؤلاء الشباب، نعم للكفاءات ولا للولاءات، لا للقبلية ولا للجهوية». وتابع: «قلت لرفاقي من الثوار من زملاء نادي السويحلي: وصيتي إن مت أن نرجع بعد النصر إلى مقرنا الرئيسي، أي إلى نشاطنا الأول كأعضاء في النادي، بعيداً عن السلاح والمناصب وغيرها».
اختير سالم جحا رئيساً لاتحاد الثوار في مدينة مصراتة، وعند التجديد لأعضاء المكتب التنفيذي (الحكومة)، أشيع أن أعضاء المجلس الوطني الانتقالي عن مدينة مصراتة طلبوا أن يكون لهم أكثر من وزارة، نظراً لما قدمته المدينة في سبيل التخلص من الطاغية، فخرج سالم حجا ليقول للجميع بحكمة الثائر النقي، «ثوار مصراتة سند للشرعية ولا يمكن أن يكونوا ورقة ضاغطة على المجلس في اتخاذه لقراراته، بخصوص توزيع الحقائب الوزارية. لا يمكن لأهل مدينة مصراتة أن يتاجروا بدماء شهدائهم، ونتمنى من كفاءات المدينة أن يتبرعوا بحقائبهم لباقي مدن ليبيا خلال الفترة الانتقالية».
http://www.youtube.com/watch?v=n7pDO_Un-lE
لم يجمع الثوار على شخصية في هذه الثورة كما أجمعوا على هذا الرجل. حظي سالم جحا بقبول الناس وحبهم، لمطابقة قوله فعله، فعندما كان البعض يتسابق للظهور في الفضائيات ليدلي بتصريحات في ما يعنيه وما لا يعنيه، في ما يفهمه وما لا يفهمه، كان سالم يقوم بدوه القيادي كما يجب، على جبهات القتال، وذلك كله جعله اليوم مرشحاً بجدارة ليتولى منصب رئيس أركان الجيش الوطني الليبي.
ساحة النقاش