يكاد يجمع علماء النفس على أنه يمكن تفسير معظم أنماط السلوك الإنساني من خلال إحدى المكونات الدافعية الهامة وهى الحاجة أو الدافع للإنجاز .
فيرى علماء النفس أن الدافع للإنجاز ليس من الشروط الضرورية لبدء التعلم والعمل فحسب ، بل إنه ضروري للاحتفاظ باهتمام الفرد وزيادة جهده ، بحيث يؤدى إلى تركيز الانتباه وتأخير الشعور بالتعب فيزيد الإنتاج ، كما أن الدافع للإنجاز يكون مصدر هام من مصادر التحصيل الدراسي لدى الطلاب ، فقد يغير الدافع طالباً فاشلاً فيجعله متفوقاً ، وقد يكون الافتقار للدافع سبباً وراء رسوب طالب آخر ، بينما يجعل الدافع طالباً ثالث يؤدى عمله بنجاح .
ويرجع مفهوم الدافع للإنجاز من الناحية التاريخية إلى " ألفرد أدلر Adller " الذى أشار إلى أن الحاجة للإنجاز دافع تعويضي مستمد من خبرات الطفولة ، كما أن " كيرت ليفين Levin " الذى عرض هذا المصطلح فى ضوء تناوله لمفهوم الطموح وذلك قبل استخدام مورى للمصطلح (الحاجة للإنجاز) .
ولقد برز مفهوم الدافعية للإنجاز خلال العقود الثلاثة الماضية وفرض نفسه على الساحة العلمية ، وتراكم حوله عدد كبير من الدراسات التى حللته ودرست علاقته ببعض المفاهيم الأخرى .
وكما يرى " Waslow , 1954 " أن دافـع الإنجاز يعد مكوناً أساسياً فى سعى الفرد تجاه تحقيق ذاته حيث يشعر الإنسان بتحقيق ذاته من خلال ما ينجز ، وفيما يحققه من أهداف وحيث يعتبر تحقيق الذات أرقى مستويات الدافعية الإنسانية لتحقيق ما لديه من إمكانيات ، لتغدو حقيقة واقعة ، وفقاً لنموذج ماسلو للدافعية .
ويشير محمد شلبى (1985) أن الدافعية للإنجاز قد لقيت اهتماماً كبيراً من علماء النفس عما حظيت به الدوافع الإنسانية الأخرى ، ويرجع ذلك إلى أن إشباع الدافع للإنجاز لدى الفرد ربما حقق إشباعاً لرغبات أخرى ، فالحصول على درجات مرتفعة فى المدرسة ربما ساعد الفرد على إشباع حياته للقبول الاجتماعى وتعاطف الآخرين وتجنب العقاب وينعكس ذلك على حياة الجماعة .
والفرد المنجز هو مصدر ثروة المجتمعات وهو وحده القادر على أن يوظف الأرض من أجل بناء الحضارة ، وهو القادر على السيطرة على البيئة الفيزيقية والاجتماعية ، فهو الذى يستطيع التغلب على العقبات ويصرح بإلحاح على النهوض بالأعمال الصعبة ويكافح من أجل تحقيق ذاته ويسعى لبلوغ معايير الامتياز .
وتعد دافعية الإنجاز مظهر من مظاهر تطور الدوافع الغريزية وبمثابة دليل قوى على تعديل السلوك ، فالحاجة للإنجاز تبرز الطاقة الكامنة للنجاح .
وقد أكد هذا " ماكيلاند Mccleland , 1962 " وغيره من العلماء والباحثين الذين اهتموا بالدافع للإنجاز ، انطلاقاً من أنه يشكل ضرورة لأحداث النمو فى ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، والتى تتمثل فى زيادة معدل الإنتاج ، وحسن إدارة الأعمال ، وإحساس الفرد بالنجاح فى مجال عمله ، وكل ما من شأنه أن يساعد على النمو الإنساني بشكل سليم ، والنمو الاقتصادي الذى يمثل عصب الحياة فى عالمنا المعاصر ، الأمر الذى جعل الدافع للإنجاز عاملاً هاماً من عوامل نمو الشخصية ، لما له من ارتباط بكثير من أنواع السلوك المنجز ، الذى يجعل الفرد أكثر إحساساً بوجوده ، ويدفعه لتحقيق ذاته ، خاصة ، وأن طبيعة الحياة فى هذه الأيام تتطلب مزيداً من ذوى دافعية الإنجاز المرتفعة الذين يسهمون فى مسايرة تقدم مجتمعهم وتطوره التكنولوجى .
وقد برهنت العديد من البحوث على أن الإنجاز لا يتخذ شكلاً أو نمطاً محدداً فى الثقافات المختلفة بل يختلف من ثقافة إلى أخرى ومن ثقافة فرعية إلى ثقافة فرعية أخرى ، كما أصبح من المهم معرفة العوامل الثقافية التى تسهم فى تشكيل نمط الدافعية للإنجاز ، وتكشف عن السياق الملائم لإثارة الدافعية عند الأفراد فى المجتمعات العربية ، والظروف المحددة لاستثارة السلوك الإنجازى لدى هؤلاء الأفراد ، ومعرفة ما هى الخصال (الخصائص) التى يتسم بها الفرد المنجز فى الثقافة العربية وما هى المثيرات الملائمة للدافعية للإنجاز .
وبذلك يعد الدافع للإنجاز هو المحرك الأساسي لنمو وتطور الجوانب الإنسانية الأساسية التى تساعد على ازدهار المجتمعات .
ساحة النقاش