النظريات المفسرة للاكتئاب :

        هناك خطان أساسيان للنظريات المفسرة للاكتئاب هما خط التفسيرات البيولوجية والثاني هو نظريات علم النفس المفسرة لاكتئاب ، ووفقاً لهذه التفسيرات يتبنى أصحاب كل منظور منحى علاجي يتفق ورؤيتهم النظرية للمفهوم والأسباب التي تقف وراء حدوث الاضطراب ، والجدير بالذكر في البداية أنه لا يمكن القول بأن نظرية واحدة بعينها هي الصحيحة في تفسير الاكتئاب بل أنه التكامل ما بين أكثر من توجه قد يضيف فهماً أفضل وأعمق وبالتالي تقديم علاج أنجح لمرضى الاضطرابات الاكتئابية .

 

وفيما يلي عرض موجز للتوجهات النظرية المختلفة :

1 – التفسير الكيميائي الحيوي (1) والتفسير العصبي الغدي (2) :

        ركز بعض العلماء على دور الناقلات العصبية (3) في الإصابة بالاضطرابات المزاجية ، وكانت أو النظريات في هذا الشأن خاصة بمادة الكاتيوكلامين (4) حيث وجدت دراسـة سكيلد كراون " Schildkrout , 1965 " دليلاً يؤكد أن النقص النسبي للنورابنفرين (5) وهي أحد الكاتيوكلامينات تسبب الاكتئاب ، بينما تؤدي الزيادة فيه إلى حدوث الهوس .

 

        كما وجدت دراسات عديدة أن النورابنفرين يلعب دوراً في الإصابة بالاضطرابات المزاجية (6) (Op.Cit) أحد الناقلات العصبية الأخرى التي عنيت بها الدراسات هي السرتونين ، فقد قام برانج وآخرين "Prange et al, 1979" بدراسة تأثير عيوب النقل المركزي للسيرتونين وارتباطه يظهر أعراض اضطراب ثاني القطب ، وأيدت نتائج الدراسة هذا التفسير (Op.Cit) وتنتهمي هذه الناقلات العصبية على مجموعة الأمينات الأحادية والتي يفترض أن لها دور رئيسي في ظهور أعراض الاضطرابات المزاجية .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Biochemicae .

(2) Neuroendo Crine .

(3) Neurotransmiters .

(4) Catecholamine .

(5) Norepinphrine .

(6) Mood Disorders .

2 – التفسير الفرويدي للاكتئاب :

        يرى الفريد يون أن الفرد المهيأ للاكتئاب جمد على مرحلة يتوقف فيها تقديره لذاته على الإشباع الخارجي من الآخرين أو أن شعوره بالذنب ينكص به إلى هذه المرحلة حيث يصبح في حاجة للإشباع الخارجي ، فإذا لم يتم إشباع حاجاته النرجسية يصبح تقديره لذاته في خطر ويكون حينئذ على استعداد ذلك للقيام بأي عمل ليرغم الآخرين على أن يشركوه في مصادر قوتهم ، ويؤدي جمود هؤلاء الأفراد على مرحلة طفلية إلى مقابلة الاحباط بالعنف ، ويؤدي بهـم جمودهم على المرحلة الفمية للوصول إلى ما يريدون بالخضوع والذل وهكذا يجدون أنفسهم في صراع بين أسلوب العنف وأسلوب الخضوع ، والاكتئاب العصابي يمثل محاولات يائسة لإرغام مصادر الإشباع الخارجية على أن تكون طوع يد المريض بينما الاكتئاب الذهاني يمثل الفقدان التام لهذه المصادر .

 

        ويمثل الاكتئاب الذهانى أو (ذهان الاكتئاب) عند الفرويديين جموداً على المرحلة الفمية ، لهذا كان من أعراض هذا المرض الامتناع عن الأكل أو الشراهة فيه ، وكثيراً ما ينقص المريض بهذا المرض إلى أوجه النشاط التي تتميز بها هذه المرحلة كمص الأصابع وكثيراً ما تحتوي تخيلاتهم على أفراد أو أعضاء من أفراد آكلوها ، ويمثل جمودهم على هذه المرحلة الحاجة العنيفة للحب ومحاولة التأثير على الآخرين لاستعادة تقديرهم .

 

        ويمثل الاكتئاب ضعفاً من الأنا الأعلى للأنا إذا تعامل الأنا الأعلى الأنا بالطريقة التي كان يرغب مريض لا شعورياً معاملة مصادر الإشباع المفقودة .

 

        ويشير الفرويديون بذلك أن مجموعة الاكتئاب تمثل عملية رد فعل لفقدان مصادر الإشباع الطفلى وتمثل محاولات لاستعادة هذه المصادر وتمنع بالتالي فيضان الأنا بالاندفاعات الغريزية التي لم يتم إشباعها بفقدان مصادر الإشباع ، لذا تبدو أعراض مظاهر العدوان والإنكار والشعور بالذنب والعار والإسقاط والتقمص والإدمان ، فالاكتئاب كسلوك محاولة الاحتفاظ بالأنا بتكاملها وتقليل من الشعور بالذنب عن طريق الألم ، وتقليل من العداوة بالانسحاب ، وتحريك الآخرين ومحاولة السيطرة عليهم ، فالفشل في الطفولة في تكوين توحدات إيجابية للأنا تقوم على علاقات طيبة بالموضوع تهيئ الفرد للانقباض .

النظريات القديمة المفسرة للاكتئاب : Early Theories

        لقد أتى وصف الاكتئاب في معظم التقارير الطبية القديمة ، ففي عام أربعمائة قبل الميلاد قدم هيبقراط مقالة عن المالينخوليا Melancholia وهو المصطلح القديم للاكتئاب ، وأشار إلى أن الاكتئاب مرض عقلي مثل الصرع والهوس وجنون العظمة .

 

        وقد بين ارسطو (عام 370 قبل الميلاد) إلى أن المالينخوليا موجودة عند كل المفكرين والشعراء والفنانين والحكام ، ويتسم مرضى المالينخوليا  كما أشار أرتوس (عام 80 بعد الميلاد) بمجموعة من الخصائص النفسية الآتية : القلق والحزن والمعاناة من الأرق وقلة النوم والشعور بالرعب والفزع والرغبة في الموت .

 

        وقد أشار فلكس بلاتر " Felix Platter " في أواخر عام 1500 إلى أن المالينخوليا نوع من الاغتراب العقلي الذي يؤدي إلى الحزن والخوف ، كما يرى أن خصائص الفزع والرعب من الأحداث غير المرئية هي عبارة عن السبب الرئيسي الشائع المرتبط بهذا المرض .

 

        ويعتبر كرابلين " Kraepelin " عام 1921 أول من فـرق بين العديد من الأمراض مثل الهوس ، والمالينخوليا ، وقد استطاع أن يميز الجنون الاكتئابي – الهوس عن بقية الأمراض الأخرى ، كما أوضح كرابلين أن هذا المرض وراثي ، وبالرغم من أنه زواج بين الهوس والاكتئاب إلا أهما لا يحدثان معاً ، فالاكتئاب عرضى منفصل تماماً عن الهوس .

 

النظرية النفسية – الديناميكية : Psychodynamic Theories

        أشار كارل أبراهام " Karl Abraham, 1961 " إلى أن البغض والضغينة هي من أهم المشاعر السائدة عند الفرد المكتئب ، ونظراً لأن مشاعر البغض والحقد والكراهية غير مقبولة عند الفرد لذا يحاول أن يكتب مثل هذه المشاعر ثم يسقطها ، ويشعر الفرد بالبغض والكراهية من قبل الآخرين ثم يأتي بعد ذلك الاعتقاد بأنه منبوذ بسبب نقائضه وعيوبة الفطرية ومن ثم يصبح مكتئباً ، ولقد وجـد أبراهام من خلال دراساته العديد من الدلائل على العدائية المكبوتة في أحلام المكتئبين الإجرامية ، كما أنهم يحاولون الانتقام من الآخرين ، ولا يحاول المرضى بالاكتئاب أن يعزون دفاعاتهم العنيفة إلى الحزن ولكن إلى عيوبهم الشخصية ، وهم يعانون من الشعور بالذنب ويحاولون دائماً إرضاء ميل اللاشعور إلى أفكار الحياة  ، وبذلك يرى أبتاع هذه النظرية أن الاكتئاب ينتج عن كبت الكراهية في العقل الباطن أو اللاوعى .

النظرية المعرفية :

        لقد اختلف بيك " Beck. 1967 " مع وجهة النظر العامة التي وصفت الاكتئاب بأنه اضطراب عاطفي (1) ولم تضع فى الاعتبار المظاهر المعرفية الواضحة للاكتئاب مثل الشعور باليأس (2) والشعور بالعجز (3) ، وقد أكد بك أن الإدراك يؤدي إلى المعرفة والانفعال عند الأفراد العاديين والاكتئابيين أيضاً ، وبخلاف الادراكات المعرفية العادية نجد أن الادراكات المعرفية للفرد المكتئب تسيطر عليها العمليات المفرطة في الحساسية (4) والمحتوى ، وهذه الادراكات المعرفية تحدد الاستجابة العاطفية (5) في الاكتئاب .

 

        وقد قام بيك باختبار محتوى الفكر الشديد الحساسية (6) للمكتئبين وقد اكتشف من خلال ذلك مفاهيم مشوهة وغير حقيقية يعاني منها الفرد المكتئب ، وقد ظهرا أيضاً من خلال التداعيات الحرة (7) للمرضى (المكتئبين مجموعة من الخصائص الإدراكية السالبة مثل احترام الذات المنخفض Low Self Regard ، الحرمان Deprivation وفقدان الذات Selfloss ، ولوم الذات Self- Blame ، والهروب من الواقع بالاستغراق في الخيال ، ومطالب الذات Self – Demands ، ولميول الرغبات الانتحارية Suicidal Wishes وتكون كل من هذه الادراكات مشوهة وغير حقيقية لأن المرضى بالاكتئاب يميلون إلى المبالغة في تضخيم أخطائهم والعوائق التي تعترض مسارهم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Affective Disorder .

(2) Hopelessnes .

(3) Helplessness .

(4) Idiosyncratic Processes .

(5) Affective Response .

(6) Idiosyncratic .

(7) Associations .

دور الشذوذ النيروفسيولوجي :

        سمة دراسات عديدة من قبل الباحثين في محاولات للكشف عن دور الشذوذ النيروفسيولوجي كسبب من أسباب حدوث الاضطرابات المزاجية ، حيث قام الباحثين بدراسة اضطراب الإيقاع البيولوجي وهو المعروف باسم اضطراب النوم حيث أشاروا إلى أن الجسم البشري له دورة منتظمة ثابتة يومية تحدث بين حالات اليقظة وحالات النوم .

 

        كما أشاروا أن الإفرازات الغدية العصبية لها تأثير كبير في هذه الدورة وفي درجة حرارة الجسم ، كما أن هذه الدورة متصلة مع دورة الضوء على مدار الليل والنهار حيث أن الأفراد المكتئبين يظهرون اضطراب في عناصر هذه الدورة ، وعلى أساس ذلك افترض الباحثين أن الاكتئاب قد يمثل اضطراب التنظيم الطبيعي لدورة اليقظة والنوم ، كما أشارت دراسات لرسام المخ الكهربائي وجود شذوذ ملحوظ لدى مرضى الاكتئاب في قياس النشاط الكهربائي بالمخ .

 

نظرية تعلم العجز (النظرية الموقفية) :

        ظهرت هذه النظرية على يد العالم سليجمان 1975م ، وتشير هذه النظرية في تفسيرها للاكتئاب إلى أن مواجهة الفرد لأحداث كرب ومشقة مستمرة تؤدي إلى اللامبالاة والانسحاب وعدم الاستجابة ومن ثم الإحساس باليأس والعجز وعدم الحيلة ويتبع ذلك أعراضه الأخرى ، وبنيت هذه النظرية على أساس نظرية التعلم في الحيوانات وما يحدث لها عند تعرضها لمنبهات حزن شديدة ومشقة تثير العجز .

 

        كذلك يرى أصحاب نموذج العجز المتعلم (1) أن الطريقة التي يعزوا بها الفرد أسباب عجزه يمكن أن تحدد مدى معاناته للاكتئاب ، وقد ميزوا بين ثلاث أنواع من أساليب عزو السببية :

1 – العزو الداخلي (2) :

        وهو درجة حكم الفرد على النواتج السالبة بأنها ناتجة عن عوامل داخلية وهو ماله أثره المباشر على شعوره بالاكتئاب بدرجة عادة يصاحبها تقدير منخفض لذاته .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Learned Helplessness .

(2) Internal Attribution .

2 – العزو الثابت (1) :

        هو الدرجة التي بها هذه النواتج السالبة من المتوقع أن تستمر في المستقبل وهو ما يحدد مدى أزمان الاكتئاب .

 

3 – العزو العام (2) :

        هو الدرجة التي بها هذه النواتج السالبة من المتوقع أن تعمم على المواقف الأخرى في حياته وهو يحدد مدى عمومية الاكتئاب .

وبناء على هذه النظرية فإن الفرد الذي يعزو الأحداث السالبة أو الفشل إلى أسباب داخلية وثابتة وعامة ويفسر الأحداث الإيجابية أو النجاح إلى أسباب خارجية وغير ثابتة وخاصة (كنتيجة للتحريف غير المنطقي أو غير الواقعي) يكون عرضة للشعور بالعجز وبالتالي الاكتئاب .

نظرية التعلم الاجتماعي " لوينسون وآخرون " :

        تستمد هذه النظرية من خلال الاتجاه العام " لنظرية التعلم الاجتماعي " ويتضح في هذه النظرية أن الاكتئاب يرتبط بالانخفاض في معدلات التفاعلات السارة والارتفاع في التفاعلات غير السارة بين الفرد والبيئة .

 

        وأن ظهور الاكتئاب والتعزيز يعدو ظاهرتان مرتبطتان حتى لا يتمخض عن سلوك الأفراد المكتئبين المستوى الكافي من التعزيز الإيجابي الذي يؤدي بهم إلى الاحتفاظ بهذا السلوك وعلى هذا يواجهون صعوبة في بدء أو تدعيم سلوكهم ويحدث انقلاب لهم من الإيجابية إلى السلبية الشديدة وينتج عن ذلك الحالة المزاجية القلق مع شعور الفرد المستمر بعدم الارتياح والانخفاض في الروح المعنوية والسيطرة والنظرة السوداوية للحياة أي يظهر على الشخص المظهر الأساسي للاكتئاب .

 

        ويعزو ذلك ثلاثة أسباب عامة تفسر ممارسة الفرد لمعدلات منخفضة من التعزيز الإيجابي أو إحساسه بمعدل مرتفع من العقاب وهي :

-                تعلم الفرد المكتئب نماذج من الاستجابات غير المتوافقة التي يمكن إزالة تعلمها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Stable Attribution .

(2) Global Attribution .

-                قد ينقص الفرد مهارات الحصول على المعززات الإيجابية المتاحة أو الفاعلية في التغلب على الأحداث المؤذية .

-                أن يكون لدى البيئة المباشرة للفرد معززات إيجابية قليلة متاحة أو مظاهر كثيرة من العقاب .

-                حدوث انخفاض للتأثير الإيجابي للأحداث المعززة أو ارتفاع للتأثير السلبي للأحداث التي تنطوي على العقوبة .

-                 

التفسير البافلوفي :

        يرجع هذا التفسير إلى العالم الروسي " بروتويوبوف Protopopov " والذي اهتم بدراسة هذا المرض دراسة واقعية ، ويرى هذا العالم أن هناك أعراضاً جسمانية واضحة لهذا المرض توجد سواء في حالة الاكتئاب أو الهوس مما يجعل هاتين الحالتين مظهرين لمرض واحد وهذه الأعراض هي اتساع حدقة العين ، سرعة النبض ، الإمساك ، فقدان المريض لوزنه منذ بداية المرض ، وكثيراً ما يتوقف الحيض عند النساء أثناء نوبات المرض ، ويعزو هذه الأعراض لتأثير الجهاز السمبثاوي ، ويصاحب المرض ارتفاع في ضغط الدم ويعتبر ذلك حالة وظيفية للجهاز السمبثاوي .

 

        والغرض الذي يقدمه برتوبوبوف هو تكوين بؤرة للاستثارة في طبقات ما تحت القشرة (الهيبوثلاموس) تؤدي على حدة كل الأفعال المنعكسة التي تمر خلال طبقات ما تحت القشرة ، وقد أدت بحوثه إلى زيادة حساسية المرض بالهوس والاكتئاب للمنبهات الكهربية والحرارية والبرودة ، إذ يشعر المرضى باحساسات غير سارة في الجسم ولا يمكنهم التحكم إراديا في مثل هذه المنبهات ، والتحكم الإرادي في منبعه يبعث على اللم وهو في العادة من وظيفة القشرة وفشل المرض في التحكم في هذه المنبهات يشير إلى أن القشرة قد فقدت وظيفتها التنظيمية ، ولما كان للهيبوثلاموس وظيفتها في تنظيم العمليات الجسمانية وعمليات التمثيل الغذائي فزيادة استثارة هذه المنطقة عند هؤلاء المرضى يشير إلى زيادة التمثيل الغذائي عندهم مما يؤدي على زيادة فقدان النشاط ويلاحظ عادة أن المريض يفقد عادة أثناء المرض ما بين 15.10 كيلو جرام ويزيد إفراز السكر في دم المريض .

        وبينت دراسة تكوين الفعال المنعكسة الشرطية في هؤلاء المرضى أنه يمكن تكوينها بسهولة سواء في حالة الهوس أو في حالات الاكتئاب ، وتوجد صعوبة في محاولة إزالة هذه الأفعال أو التدريب على التميز بينهما ، وتسود عمليات الاستثارة في حالة الهوس بينما تسود عمليات الكف في حالات الاكتئاب .

 

التفسير الخاص لنظرية الارتباط الشرطي للاكتئاب :

        يرجع ظهور هذه النظرية إلى العالم الروسي بافلوف الذي اشار إلى أن سبب الاكتئاب يرجع إلى الارتباط الشديد بين الصدمات التي يتعرض لها الإنسان في طفولته ، والآثار الناتجة عن تكرار المواقف والتجارب المؤلمة كالفشل والحرمان ، والإهمال والاحتقار والتهديد والصد والرفض ، حيث ينشط ذلك تطبع المزاج النفسي في مسارات لا بد أن تؤدي في النهاية إلى الإصابة بالاكتئاب  ، وعندما يصبح الفرد عرضه لأي استثارة في مراحل النضج والبلوغ لهذه المواقف والتجارب المؤلمة وخاصة عندما تكون التجارب الجديدة على درجة كبيرة من التشابه والمماثلة بين التجارب القديمة ، فإن الآلام النفسية القديمة تطفو على السطح على هيئة اكتئاب مهما تباعدت المسافة الزمنية بين أسباب الماضي ونتائج الحاضر .

نظرية التهيؤ (الاستعداد للاكتئاب) :

        قامت هذه النظرية على يد كل من العالم " براون وهاريس " وقدموا تفسيرات مقبولة للاكتئـاب حيث أنهم أشاروا إلى أهمية ظهور عوامل التهيؤ كسبب أساسي في ظهور الاكتئاب ، ويشير براون وهاريس إلى بعض الأسـباب التي تكمن ظهور الاكتئاب وهي :

1-         فقدان الأم قبل سن الحادية عشر .

2-         التعرض لأحداث حياتية مؤلمة حديثة .

3-         البطالة أو وظيفة مؤقتة .

4-         ظهور عوامل التهيؤ .

5-         وجود ثلاث أو أكثر من الأطفال وعمرهم أقل من أربعة عشر عاماً .

6-         غياب الإحساس العاطفي الدافئ مع الزوج أو علاقة أخرى دافئة تساند الفرد اجتماعياً .

 

تفسير مدرسة الذات :

        يرى أصحاب مدرسة الذات أن المريض بالاكتئاب يعاني من وجود فكرة عن نفسه يشعر معها بالضيعة ، وهذه الفكرة أكثر مما تحتمله ذاته فيحاول جاهداً اتخاذ عدة سبل والقيام بأوجه نشاط يثبت لنفسه أنه أحسن مما يشعر وكثيراً ما ينجح في ذلك ويستمر هروبه من مواجهة نفسية ومن مشكلته ، فإذا انهارت إمكانياته الجسمانية والصحية أحس بضعفه وحقارة فكرته عن نفسه وبذلك يجرد من سلاحه الذي كان يواجه به شعوره بالنقص والضعف فيعتريه الاكتئاب ، فإذا ما مرت مرحلة الاكتئاب عاود نشاطه ليمر بمرحلة هوس تتمثل في نشاط زائد ليقنع نفسه بأنه ليس كما يحس ويشعر ، وهكذا تتناوب مراحل الهوس والاكتئاب والأساس فيها انحطاط فكرة المرء عن نفسه وعجزه عن مواجهة ذلك .

 

تفسير النظرية الأحادية :

        قامت هذه النظرية على يد رائدها العالم أوبرى لويس ، حيث تؤمن هذه النظرية بوحدة الأمراض الوجدانية ، ويشير أوبرى إلى أن الاكتئاب مرض يزخر بأعراض مختلفة ، تتباين في الكم وليس في الكيف ، وأنه لا يوجد ما يسمى بالاكتئاب النفسي أو العصابى الخارجي مستقلاً عن الاكتئاب الذهانى أو الداخلي ، وأن الفارق الوحيد بينهما هو تعقيد وشدة الأعراض الإكلينيكية وأنه لا يوجد الآن ما يثبت فسيولوجياً وبيولوجياً اختلاف هذين النوعين من المرض ، وأن الاكتئاب الداخلي أحياناً ما تسببه عوامل خارجية ، وكذلك كثيراً ما تكون مسببات الاكتئاب النفسي الخارجي ضعيفة وأضاف لويس أن القلق النفسي ما هو إلا أحد مظاهر الاكتئاب ، ولا يصح فصله عن الاضطرابات الوجدانية بل يجب مناقشته مع هذه الأمراض .

 

النظرية الثنائية وتفسيرها للاكتئاب :

        يشير أحمد عكاشة 1998 ، إلى أن معظم أطباء النفس في هذه النظرية يعتقدون أن الاكتئاب نوعان :

النوع الأول وهو : الاكتئاب الداخلي أو العقلي أو الذهانى .

النوع الثاني وينقسم إلى :

-                الاكتئاب الخارجي أو النفسي أو العصابى أو التفاعلي .

-                الاكتئاب الخليط بين النوعين .

 

النظرية السلوكية وتفسيرها للاكتئاب :

        أهتم السلوكيون بدراسة هذا المرض من خلال وجهة نظرهم حيث تنبت البذرة الأولى للاكتئاب عندهم ، وكما يعتقدون حيث يرى يونجرن " Youngren, 1980 " أن الحماية الزائدة من قبل الأم تساعد على غرس البذرة الأولى لويلات الاكتئاب ، ويشير يونجرن أن الاكتئاب يظهر كاستجابة لمثير بغيض أو نقص في التدعيم الاجتماعي ، إذ أن القاعدة التي تنطلق منها نظريات التعلم الاجتماعي تعتمد على المهارات الاجتماعية والقدرة على اكتساب التدعيم الإيجابي خلال العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي المتبادل بين الأشخاص .

 

        ودرس يونجرن العلاقة بين الاكتئاب وبعض المشكلات السلوكية حيث قارن عينة من المكتئبين بأخرى سوية من حيث السلوك اللفظي الثنائي ، وكانت الملامح الأساسية للمكتئبين أنهم الأضعف من حيث المهارات الاجتماعية ، وكان تقدير المكتئبين لأنفسهم سلبياً ، كما بلورت الدراسات ووجهات نظر السلوكيين الملامح الأساسية أيضاً للمكتئبين حيث انخفاض التدعيم الإيجابي لهم من قبل الآخرين وخاصة الأسرة ، مما قد يكون محصلة ذلك الشعور بالبؤس وعدم الارتياح مع نقص تقديرهم لقيمة الذات مع شعور المكتئبين بالذنب المختلط بالشعور بالإرهاق الشديد ، ويغلب عليهم أيضاً العزلة الاجتماعية والنفسية مع الشكوى المتكررة من الآلام الحسية وانخفاض سلوك الأداء .

 

        ويضيف السلوكيون ، منهم ليونسون " Lewinsohn, 1982 " إلى أن التدعيم الاجتماعي قد تتحدد أبعاده ومعدله محصلة لكيفية التفاعل بين الفرد وبيئته العامة أيضا ، ويرى أن نشوء حالات البؤس والآلام والشقاء الذي يدركه ويحسه الاكتئابي يرجع إلى إما لنقص في التدعيم الاجتماعي أو محصلة لزيادة العقاب الذي لا يتلاءم مع الحدث ، وقد يتم نقص التدعيم وانخفاض معدله محصلة لإحدى هذه العوامل أو جميعها .

-                انخفاض معدل التدعيم للأحداث المرتبطة بالسلوك ارتباطاً شرطياً أو انخفاض فعالية التدعيم .

-                افتقار الفرد للمهارات الاجتماعية اللازمة لإتمام التعلم الشرطي .

-      الأحداث المكروهة أو العقوبة الشديدة غير المناسبة للحدث ونواتجه قد تلعب دوراً في حدوث الاستجابة الاكتئابية وخاصة عند تكرار الأحداث بمعدل مرتفع أو عندما تشتد حساسية الأفراد لهذه الأحداث المكروهة أو عندما لا تتوفر لدى الفرد المهارات اللازمة التي بواسطتها يمكن التغلب على الأحداث المكروهة أو انهائها .

 

ومن الدراسات الهامة التي أوضحت بعض العوامل التي تساعد على الإصابة بالاكتئاب ما أشارت إليه دراسة برون " Brown, 1975 " :

1-         مدى التفاعل للعلاقات الشخصية بين الآخرين وطبيعة هذه العلاقات .

2-         فقدان الأم سواء بالموت أو الانفصال في سنوات الطفولة .

3-         عدم الحصول على العمل المنتظم .

 

ويشير السلوكيون عن بعض العوامل التي ترتبط بالاكتئاب :

1-         الآثار المختلفة لخبرات النجاح والفشل وعلاقتهما بتقدير الذات .

2-   تحريف الإدراك حيث الشخص المكتئب يعجز عن إدماج الخبرات الناجحة التي تتعارض مع نظرته السلبية تجاه ذاته .

3-   تحريف الذاكرة حيث يكثر نسيان المعلومات الإيجابية لدى الفرد المكتئب والتي ترتبط باللذة والسرور والفرح ، كما يقل نسيان المعلومات السالبة المرتبطة بالحزن والألم .

4-         التوقعات السلبية حيث يغلب على المكتئب مشاعر التشاؤم وتقييم الذات .

 

        فالفكرة الرئيسية عند أصحاب النظرية السلوكية عن الاكتئاب هي أنه يحدث نتيجة لتشكيلة من العوامل التي تتضمن انخفاض تفاعلات الفرد مع بيئته المؤدية إلى نتائج إيجابية للفرد أو زيادة معدل الخبرات السيئة والتي تكون بمثابة عقاب للفرد .

 

        ويتفق أحمد عبد الخالق ، ونجيب الصبوة 1996 ، مع ما تفترضه النظرية السلوكية حيث يقرران أن البيئة الخارجية بمفهومها الشامل (طبيعية واجتماعية وحضارية) لها تأثير إيجابي على الإنسان ، وكذلك تأثير سلبي واعتماداً على ذلك فإن الأنشطة التي يقوم بها الفرد أو تلك التي يوفرها له الآخرون تكون ذات طبيعة سارة تجلب الفرح والسعادة إلى نفس الإنسان ، أما الأحداث التي تثير المشقة والمعاناة فإنها تؤدي على القلق والتوتر ثم إلى الاكتئاب .

تعقيب :

        يشير ناجى داود إسحاقلا إلى أنه من خلال استعراض النظريات المختلفة ووجهات النظر المتعددة المفسرة للاكتئاب يمكننا أن نلخص هذه الاتجاهات المفسرة للاكتئاب في الآتي :

1-         اتجاه يركز على أهمية دور كل من العوامل الوراثية والبيولوجية والبيئية في تفسيرها للاكتئاب .

2-         اتجاه ينظر على الاكتئاب باعتباره رد فعل لفقدان مصادر الإشباع الطفلى .

3-   اتجاه ينظر على الاكتئاب باعتباره نتيجة لنقص في التدعيم الاجتماعي أو محصلة لزيادة العقاب لا يتلاءم مع الحدث .

4-         اتجاه يفسر الاكتئاب في ضوء بعض الأحداث المحزنة والمؤلمة والمحبطة التي تعتري الفرد فجأة .

5-   كما يرجع البعض الاكتئاب إلى أنه يحدث نتيجة لتشكيلة من العوامل التي تتضمن انخفاض تفاعلات الفرد مع بيئته المؤدية إلى نتائج إيجابية للفرد وزيادة معدل الخبرات السيئة والتي تكون بمثابة عقاب للفرد .

 

وأخيراً  يحدث الإكتئاب كنتيجة لمجموعة من العوامل المركبة والمعقدة المتصلة المتتابعة التي تعتري الفرد منذ ولادته وحتى إصابته بهذا الاضطراب ، بالإضافة إلى دور كل من العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية والبيولوجية التي لا يمكن إغفالها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 5

المصدر: جزء من دراسة للباحث ناجى داود إسحاق
Nagydaoud

مع اطيب امنياتى بحياة سعيدة بناءة من اجل نهضة مصر

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 5661 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2011 بواسطة Nagydaoud

ساحة النقاش

دكتورناجى داود إسحاق السيد

Nagydaoud
هدف الموقع نشر ثقافة الارشاد النفسى والتربوى لدى الجميع من خلال تنمية مهارات سيكولوجيا التعامل مع الاخرين ، للوصول إلى جودة نوعية فى الحياة مما ينعكس على جودة العملية التعليمية مما يساهم فى تحقيق الجودة الشاملة فى شتى المجالات للارتقاء بوطننا الحبيب ، للتواصل والاستفسارات موبايل 01276238769 // 01281600291 /[email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

662,294