الفريق التابع لمركز الباشورة في فوج اطفاء بيروت
ندى أمين الاعور
لمست لمس اليد اقتحام الفوج التابع لمركز الباشورة في فوج اطفاء بيروت للموت من اجل انقاذ حياتي يوم السبت المنصرم بتاريخ الخامس عشر من هذا الشهر بعد نشوب حريق هائل في البناء التي اقطنه في بيروت. والذي اثلج قلبي ان وطني لا يزال صامدا بالرغم من الفساد الافقي والعمودي الذي يعاني منهما منذ ان نال استقلاله وحتى هذه اللحظة. وهنا لا بد من القول بأن احد السياسييين في لبنان قد اعترف مرة في مقابلة اعلامية انه هو ايضا نخره الفساد ليتعامل مع الامور بما يناسب مصالحه الشخصية وانه لو كانت هناك محاسبة لكان هو وبقية الطاقم السياسي قيد المحاكمة والمحاسبة وخارج اطار الحكم.
اما في مقابلة اعلامية اخرى فاعتبرانّ منظومة الفساد الحالية توسّعت، كمّاً ونوعاً، قياساً الى الماضي ليكمل "ونحن أصبحنا نترحّم على طبقة الفاسدين القديمة التي كانت أكثر رقيّاً وأقلّ نهماً في السابق، بينما يبدو أنّ النماذج الحالية شهيتها مفتوحة ولا تعرف أن تقف عند حدّ، مضيفاً: "كم يبدو سليم الخوري بريئاً امام حيتان الفساد التي تلتهم الاخضر واليابس." (سليم الخوري كان شقيق رئيس الجمهورية اللبنانية الاول و كان يدعى بالسلطان سليم في اغاني فنان الشعب عمر الزعني الذي سجن اكثر من مرة في ذلك الحين).
بالاضافة الى مرضي الفساد والطائفية الذي يعاني منهما السياسيين في لبنان منذ القدم فعدد كبير من المواطنين يعانون من هذه الامراض ايضا. وهنا لعل افضل مثال ملموس اقدمه لكم هو حال الجيران في البناء الذي اسكنه في بيروت. فهؤلاء المواطنين اللبنانيين ينتسبون الى طوائف مختلفة وبعضهم من المتعصبين المقربين للزعماء الذين يحكمون البلد ويقومون بالوسائط لدى المحاكم والشرطة المختصة بالدفاع عن حقوق جميع افراد الشعب لتبرئة ازلامهم من اي عمل مشين قد يقومون به لايذاء الاخرين. اننا نعاني كجيران من قيام البعض بسرقة الكهرباء والماء مثلا بشكل علني ذلك لأنهم يعتبرون قدرتهم على القيام بذلك بطولة شرعية لا مثيل لها. وانتصارا على الطوائف الاخرى التي كانت ولا تزال تعيش كابوس الحرب الاهلية في لبنان. فكراهية "فرّق تسد" تحكمنا عوضا عن المحبة التي كانت تجمع اجدادنا اللذين كانوا يتعاونون على تسهيل شتى امور الحياة اليومية لبعضهم البعض ومن هنا جاءت اغنية "على دلعونا" مثلا كي تذكرنا بأخلاق وانسانية اللبناني قديما.
هنا لا بد لي من أن اوضح للقارئ انني انتمي الى المجموعة التي تقف الى جانب الرفيق والصديق المهندس البيئي والصناعي والناشط السياسي والاجتماعي زياد ابي شاكر. وقد كان من ضمن 39 مرشحا في دائرة بيروت الاولى في الانتخابات النيابية المنصرمة ليحصل على 3142 ناخبا وناخبة ويحل في المرتبة السادسة من حيث كمية الاصوات بين كافة المرشحين. ولا بد من الاشارة ان زياد قد تفوّق في ذلك على عدد من النواب الذين يكررون حمل القابهم منذ زمن طويل.
ساهم كافة مؤيدي زياد وانا منهم في حملة انتخابية فريدة من نوعها اسمها "ممكن" وهنا ارجو العودة الى مقالاتي الموجودة في قسم "مقالات" على هذه الصفحة للمزيد من الايضاح:
- "رائد الممكن" المقال الذي نشر بتاريخ 2 أيار 2022
- "قراءة في نتيجة الانتخابات النيابية في لبنان" الذي نشر بتاريخ 18ايار 2022
- "تساؤلات حول مستقبل الوضع في لبنان" الذي نشر بتاريخ 25 حزيران 2022
- "ممكن" المقال الذي نشر بتارخ 28 حزيران 2022
- "الفساد في المجتمعات العربية" الذي نشر بتاريخ 10 تشرين الثاني 2022
اما الفيديو الذي نشره زياد من خلال بودكاست "ممكن" بعد ان لم يتمكن من الحصول على مقعد نيابي ليشكر من خلاله كافة ناخبي منطقة بيروت الاولى الموجودين في دبي وباريس ولندن ومونريال وليعد الشعب اللبناني بأن بودكاست "ممكن" لن يتوقف عن متابعة ما كان يقوم به لأننا لا زلنا نملك عددا كبيرا من الملفات التي نريد معالجتها من خلال استضافة عدد كبير من الشخصيات الهامة المهملة من قبل الاعلام ذلك كي نصل الى حلول لمشاكلهم من الممكن لنا تنفيذها.
https://youtu.be/x7Jg0O6VS2o?si=SIzCBxO7A4lsKpOS
لبنان اليوم يعاني دولة وشعبا من ضائقة مالية كبيرة فكافة موظفي القطاع العام لا يتلقون اجرا كافيا لسد حاجاتهم اليومية. بالرغم من ذلك لا يزال موظفي الاطفاء يقومون بواجباتهم يوميا معرضين حياتهم للخطر وعلى اكمل وجه. فأنا اسكن الطابق السابع من البناء الذي تعرض للحريق وطبعا انني اقوم باستخدام الدرج للوصول الى بيتي لأن لبنان يعاني من ازمة كهرباء منذ سنين ولا يمكن لي استخدام المصعد الكهربائي الا لمدة ساعتين في اليوم قد تمدنا خلالها الدولة بالكهرباء بشكل غير مبرمج. فقد نحصل على هذه النعمة اما ليلا او نهارا ولا نستطيع تخمين التوقيت. فهي مفاجأة سارة لنا عندما نتمكن من استخدام المصعد فقط لا غير.
استيقظت صباح يوم السبت المذكور فشعرت بوهن غريب عندما وقفت على قدمّي لاتوجه من غرفتي الى الحمّام لكن ما ان وصلت الى خارج الباب حتى رأيت من شباك الغرفة المجاورة نارا رهيبة تطال السماء. عدت الى غرفتي وفتحت الشباك ثم ادرت مروحة وجهتها الى وجهي وجلست على تختى قبالتها. امسكت الهاتف الجوال واتصلت بشقيقي الذي كان في هولندا فسألني اذا كنت استطيع النزول الى اسفل البناء فأجبته بالنفي. سألني اذا كان رجال الاطفاء قد وصلوا فقلت له بأنني لا اعلم. اقفل شقيقي الخط وطلب من زوجته الموجودة في بيروت كي تسرع الى انقاذي. وهكذا كان اذ وصلت زوجة اخي بسرعة كي تخبر رجال الاطفاء بوجودي بمفردي في الطابق السابع.
قبل وصول زوجة شقيقي الى المكان كانت ظلمة رهيبة من جراء دخان الكاربون مونوكسايد قد غطت منزلي واصبحت عيناي تحرقان بشكل مخيف بالاضافة الى زيادة الوهن والاعياء في جسدي بشكل مضني. خلع رجال الاطفاء باب البيت وهم يرتدون اقنعة الاوكسيجين واخذوا ينادون اين انتي؟ اجبتهم بصوت ضعيف "انا هنا" فوصلو اليّ وأنا على آخر رمق من الحياة ليضعوا قناع الاوكسيجين على رأسي وعلموني طريقة التنفس من خلاله. ثم عاين احدهم شرفة المنزل فوجد ان الريح تهب بشكل جيد وان الهواء خارجا لا تظهر عليه علامات الثلوت بشكل واضح. عاد الى غرفتي ليحملني بيديه كما تحمل الأم طفلها فعلا صوتي بالصراخ لأن الالم في جسدي تعاظم عندما حملني. اخرج لي زميله كرسيا اجلسوني عليه فبدأت باستراد نوعا من الصحة والوعي قليلا قليلا. لاحظت وجود عددا كبيرا من الشباب حولي وكان الجميع يهتم بي اهتماما بالغا. كانت زوجة أخي لا تزال تنتظرني في اسفل البناء كي تصطحبني معها فطلبتني على الهاتف لكنني لم اتمكن من الاجابة بشكل واضح مما اقلقها كثيرا. تناول احد الشبان الهاتف من يدي وطمأنها انهم الى جانبي الآن ولن يتركوني بمفردي ابدا مهما مر من الوقت. ما ان سمعته حتى تمكنت من اخذ نفس عميق فطلبت اليه ارجاع الهاتف اليّ كي اكلمها. جملة واحدة خرجت من فمي وهي: "ابنائي الى جانبي اطمئني".
مر قليلا من الوقت ليسألني أحد ابنائي عن اسمي وسني فاستطعت الاجابة. ثم طلب مني رقم هاتفي الجوال فشرد نظري ولم اتمكن من نطق اي كلمة. قام احد الابناء الاخرين بطلب رقمه الهاتفي من هاتفي الخاص فسجل الرقم ليقول لي: ارجو ان تتصلي بي لدى تعرضك لأي مضاعفات فعليّ العودة الى الطابق السادس الملتهب بحرارة عالية جدا كي اساعد على تبريده. واضب الابناء على نقلي من مكان الى آخر بحسب تقلب مجرى الهواء وبحسب تنقل امكنة الظل على الشرفة. ولم يتركوني يمفردي الا بعد نظافة المنزل من الكاربون مونوكسايد وبعد استطاعتي التحدث اليهم والمشي بمفردي بشكل طبيعي.
تمكنت من استعادة قواي بعد استحمامي لأكثر من مرة كي انظف انفي وبقية جسدي من "الشحتار" الاسود الذي كان يغلفني. عاد انفي وجلدي الى التنفس بشكل طبيعي فتمكنت من القيام بالرياضة الروحية التي امارسها منذ عشرات السنوات كالتأمل واليوغا والريكي وسواها ....فأصبحت بحال جيدة سمحت لي بتناول الطعام وشرب الماء والقهوة والعصير الطبيعي.
جاء اكبر اشقائي وهو طبيب جرّاح عصر ذلك اليوم ليصطحبني الى قريتنا قرنايل من اجل ان امضي وقتا كافيا في جو نظيف كي يتمكن جسمي من التخلص من كافة الملوثات التي عششت بداخله. تمكنت من ضبضبة بعض اغراضي وحملها نزولا على الدرج لملاقاته. لا ازال في الجبل ولا يزال انفي يزيل "المواد السوداء والدماء المتخثرة في الرئين" لكنني اشعر بالطاقة الايجابية تعود الى جسدي بشكل سريع.
بعد وصولي الى قرنايل بيوم واحد تذكرت ان هناك رقما هاتفيا لشاب لا اعرف اسمه محفوظا على هاتفي. فقمت بتسجيل الرقم واعطيته اسم "ابني الحبيب" وتركت له رسالة صوتية على الواتس اب كي اؤكد له انني لن اتمكن من رد الجميل له ولرفاقه مهما فعلت. وسألته عن اسمه وأسماء رفاقة لأنني اريد كتابة مقال عنهم في صفحتي على الانترنت.
https://kenanaonline.com/Nadamine
ففرح وأكد لي انه ورفاقه لم يقوموا الا بواجبهم الاخلاقي والديني والانساني. واضاف ان اهمية عملهم هو في ابعاد الضرر عن اي انسان خاصة اذا كان هناك ارواح مهددة. فهم على اتم الاستعداد للتضحية بأرواحهم من اجل انقاذ ارواح الاخرين.
ثم أخبرني ان اسمه الرقيب موسى حيدر رئيس فريق فوج الاطفاء الذي باشر الى الحضور بسرعة للقيام باطفاء الحريق واسعاف المصابين. وان اسماء اعضاء فريقه مصطفى منصور، محمد دياب، نبيه قبلان، وشربل مقصود. ومما اثلج صدري انه اكد لي بشعوره الصادق انني فعلا أما له ولرفاقه.
بعد ان تناقل الرقيب موسي الرسائل الصوتية بيني وبينه مع رفاقه اتصل بي النقيب فادي مزبودي رئيس مركز الباشورة في فوج اطفاء بيروت بعد ان سمع حديثي عبر الواتس اب. فهنئني بالسلامة وأكد لي انهم قاموا بأقل الواجب لأن فوج الاطفاء في لبنان قد انوجد لخدمة المواطن خاصة خلال هذا الظلام الدامس الذي يغطي الوطن في هذا الوقت. فهم يتمنون ان يستطيعوا اضاءة قبس صغير من النور وشكرني على لفتتي الانسانية التي جعلت الشباب يشعرون بأهمية ما يقومون به في زمن لم يعد يقدّر به الا قلة قليلة ما يفعلون.
Moumken Playlist:
https://www.youtube.com/playlist?list=PLjwjwCUzxvHQ9bpRs-5-vF8L7ZxZb0s07
للمزيد من معرفة ما يقوم به رجال الاطفاء وما الثمن الذي يدفعونة مع تردي الاوضاع السياسية الاقتصادية الاجتماعية الخدماتية والاخلاقية في لبنان، من الواجب ان تتضمّن قائمة ممكن مقابلة جديدة مع احد الاخصائيين في شؤونهم قريبا.