قبل أن تهب رياح الجنوب
بقلم : عبـد الفتـاح نـيـازي
هل سمع المصريون يوما عن اندلاع أعمال عنف في منطقة النوبة المصرية ؟
هل نقلت وكالات الأنباء يوما خبرا أو صورا عن اقتتال بين أهل النوبة والسلطات المصرية ؟ هل أنكر أهل النوبة يوما مصريتهم أو عبروا عن كراهيتهم لإخوانهم من أهل مصر ؟
هذه التساؤلات قفزت إلى عقلي فجأة بمجرد قراءتي لخبر أسود عن تشكيل حركة مسلحة من أبناء النوبة الطيبين المسالمين أطلقوا عليها اسم (كَتَّالَة) ، وإذا لم أكن مخطئا فإن هذا الاسم يعني (المقاتلون) ، وهي إشارة في منتهى الخطورة تعبر عن التحول العنيف في الشخصية المصرية المعروفة بالتسامح والسلمية ..
وإذا كانت الحركة ـ التي أعلنت في بداية تشكيلها عن استعدادها للكفاح المسلح والانفصال بالنوبة عن حكم جماعة الإخوان المسلمين ـ قد أعلنت أيضا أن أعضاء الحركة ليسوا فوضويين ، وأن كل مايريدونه هو عدم تعرض النوبة وأهلها للإهانة والتهميش ، وقررت الاكتفاء في المرحلة الراهنة بالنضال السلمي لإسقاط نظام الحكم الحالي في إطار حركة "تمـرد" ، مؤكدة على لسان المدير التنفيذي أسامة فاروق أنه طالما هناك حل سلمي فلا حاجة إلى الحلول المسلحة وأن اللجوء لاستخدام السلاح هو حل أخير لن يكون بعده مجال للحوار ..
والعجيب والمريب هو الصمت المطبق الذي يلوذ به رئيس البلاد وحكومته إزاء مايجري داخليا وخارجيا ؛ فلا موقف يبديه تجاه أبناء سيناء الكرام رغم خطورة الموقف هناك ، ولا تكليف لأحد من حكومته بمحاولة احتواء الموقف المتفجر في الجنوب بين أبناء النوبة الأفاضل ، ولا تصريح يذر الرماد في العيون يرد على خريطة مصر المعلنة في كل مكان وقد اقتطع منها مثلث حلايب وشلاتين ..
ليس أدل على التوهان الذي يعانيه اللانظام الكاتم على أنفاسنا من إعلان حركة (كَتَّالَة) أنها سترسل وفدا شعبيا لمقابلة الجالية المصرية ، و (النوبية) ??? والمسئولين فى إثيوبيا ، للتفاوض حول إمكانية وقف بناء السد وضمان حصة مصر من مياه نهر النيل ..
وليس أدل على هشاشة اللانظام أقوى من جمع ملايين التوقيعات من مواطني مصر لسحب الثقة من الرئيس المنتخب ؟
لا أظن أحدا أسعد اليوم بما يجري على أرض مصر من أبناء الكيان الصهيوني وأتباعهم من أبناء العم سام ..
ولكن ...
ورغم قتامة الصورة وما يظلل الأجواء من مخاوف ؛ فهناك لاشك أمل كبير في أبناء أمتنا الأوفياء العقلاء المسالمين الذين يحرصون كل الحرص على أمن هذا البلد الكريم ، وهم مستعدون لحماية وحدته بأرواحهم ودمائهم ، وقناعتي كاملة وتامة أن مصر ستظل متماسكة كما كانت على مر العصور ، لن تشذ عنها حبة رمل واحدة في الشرق أو الغرب أو الجنوب ..
أيها العقلاء دعونا نوحد كلمتنا ولتنتخب كل حركة تعمل من أجل التغيير وكل طائفة وفئة من أبناء مصر الذين يعانون من الظلم والتهميش من يمثلها لحضور مؤتمر شعبي موسع يسبقه لقاء على مستوى القيادات العليا ، يكون الهدف الأسمى للمؤتمر التأكيد على وحدة أبناء مصر وأراضيها ، ورفض سياسات اللانظام الحالي ، والاجتماع على كلمة سواء حول كل مايهم هذا البلد داخليا وخارجيا ..
وإذا قدر لهذا المؤتمر النجاح فأرجو أن تنبثق عنه لجان تمثل كل أبناء مصر يمكنها التحدث مع العالم الخارجي وإرسال بعثاتها لحل المعضلات التي تهدد أمننا القومي بدلا من التحرك الفردي لجماعة أوفصيل ..
مع أمل أخير أتعلق به وتتوق إليه نفسي أن يأخذ رئيس البلاد المنتخب المبادأة الصادقة بالدعوة والتبني لهذا المؤتمر الوطني الشعبي ، لتعود للأمة وحدتها ، وإنني على ثقة كاملة وقناعة تامة أنه لو فعل هذا فسوف يلتف الشعب الطيب الكريم المعطاء حوله ويرفعونه فوق الرؤوس ، وسيكتب اسمه في سجل التاريخ بأحرف من ذهب كأول رئيس مدني منتخب استطاع لم شمل الأمة ورأب الصدع وإنقاذ السفينة من الغرق ..
وإلى لقاء قريب إن شاء ربنا وقدر وكان في العمر بقية ..