اديث في الأدب الشعبي

الثقة وحسن الجوار.. قصص وأبيات

   كانت الحياة الاجتماعية في الجزيرة العربية قبل وحدة أجزائها، الوطنية ضربا من الخوف والأمن، أمن الأنفس والمال، فالقرية والبادية أنظارهما معلقة بالسماء ترجو المطر، والمدينة تتطلع إلى ما يجلب من عطاء الصحراء أو ما تأتي به السفن التجارية، فيعيش الناس حالات من الترقب والقلق. وكان شهر رمضان بشير خير للأسر متوسطة الحال أن يؤمن أربابها كسوة العيد وذبيحة العيد، وبشير خير للفقراء الذين يلتمس أهل الخير في هذا الشهر الأجر والثواب لما ينفقون من صدقة او زكاة أو صلة رحم. وملابس العام تؤمن في هذا الشهر.

وقد يقدم رمضان قبل موسم الحصاد فيقلق أرباب الأسر لضيق ذات اليد فيركنون إلى الاستدانة من التجار الذين يجدون في هذا الوقت موسما لتحسين أحوالهم التجارية، فلا يجدون محيصاً من الخضوع للاستدانة والا بارت تجارتهم وتأخروا عن سداد ديونهم لتجار المدن.

وكانت الثقة شرطا يتقنه التجار قبل بدء مشروعاتهم التجارية فيعطونها لعملائهم وسواهم ممن يجدون في نظراتهم الصدق أو يتحرجون من ردهم.

ويحكى أن بدويا من نواحي ينبع قدم إليها لامتيار مؤونة وملابس لأسرته، وذهب إلى تاجر لم تكن بينهما معرفة سابقة، فذكر للتاجر طلباته وأنه ربما لا تغطي نقوده ثمن مشترياته ولكنه سيقوم بالسداد دون ابطاء فوافق التاجر ونقده الرجل بعض الثمن ودون الباقي في سجل المدينين، ولما سأله عن اسمه قال له: اكتب عرعور بن ملحة. وعاد البدوي إلى دياره مثقلة جماله بما تحمل.

الشعراء فخروا بحماية الجار والمحافظة على ماله وعرضه

ولم يكن اسم الرجل عرعور بن ملحة، ولكن البدوي خجل من أن يقال أنه استدان. ولم يكن الموسم مسعفا للبدوي أن يسدد دينه حسب توقعه، وظل قلقا، ومثله التاجر الذي لم يترك بدويا إلا وسأله عن عرعور بن ملحة فيجيب عرعور وملحة جبلان في ديار جهينة فيزداد قنوطا لاعطاء ثقته من لا يستحقها، ويأساً من سداد الدين.

وما ان أقبل العيد حتى جاء البدوي شاكراً ومقدراً جميل التاجر ومقدماً له هدية وسداد دينه. ذهل التاجر وقال:

- انت رعروع بن لحمة؟

- عرعور بن ملحة.

ورغم ما كان يحدث من اضطراب في الأمن الاجتماعي، وما يحكى عن غدر المضطرين إلا أن الثقة كانت من ملامح المعاملات التجارية في الماضي لأن الناس يحرصون على حسن الخلق والذكر الحسن.

ومما يروى أيضاً أن بدويا مر بظرف مماثل فطلب التاجر منه ضمانا للسداد فما كان من البدوي إلا أن سحب بعض شعيرات من لحيته ودفعها للتاجر طالبا منه الاحتفاظ بها حتى يوم السداد. ولما طالت غيبة البدوي أخذ التاجر يذكر قصته معه لمعارفه فمنهم من نصحه بالاحتفاظ بالشعرات وقليل من سخر منه وقال له: خلها تنفعك.

وبعد شهور قدم البدوي لسداد الدين واستعادة شعراته فتم له ذلك. وهذه رموز تخذها من كانوا قبلنا وفاء بالمعاملات الحسنة.

وكان لرجل يدعى ضيف الله اليمني جار يدعى عطية يعمل في صناعة الخناجر والسكاكين ويصلح ما تلف منها ومن السيوف وغيرها من الأدوات. وفي يوم من الأيام طلب عطية من ضيف الله قرضاً فاعتذر إليه، وأضمرها عطية في نفسه. وبعد أيام احتاج ضيف الله إلى خوصة وهي آلة حادة وخفيف حملها فتوجه بطلبه إلى عطية قائلا:

يا صاحبي يا عطية سو لي خوصة كما الموس

أقطع بها في اللحم و تكسر العظم الصليبِ

مُدْرجْ قَراها و مرهف حدها و تقطّع الروس

إن قيل: من هو صنعها؟ قلت:سواها صحيبي

ولكن عطية تذكر اعتذار ضيف الله عن القرض فقال:

والله يا ابو سعيّد ما خبرنا شي مدسوس

والا أسوِّيه قبل الشمس اشعتها تغيبِ

والناس ما تخلق المعدوم أو تشريه بفلوس

وانته خبرت العلوم ان كان في المعنى طبيبِ

وفاءً بالعهد.. بدوي يرهن شعيرات من لحيته لضمان سداد دينه

أدرك ضيف الله مصدر الاعتذار وفهم المعنى وانصرف متمثلا بأبيات هجائية لمن يصحب مثل عطية. ولكن عطية يجيبه قائلا:

الصاحب الي يبي من صاحبه و يروح ملّوس

عساه عند المرض يطيب والاّ ما يطيبِ

والناس ماهم سوى مثل الحبال جداد و مروس

واخر كما الحايل اللي ما يجي منها حليب

ونعود إلى الشاعر ضيف اليمني فقد جمع الجوار بينه وبين آخر لم يكن مراعيا لواجب الجوار. فاضطر ضيف الله إلى الاستئذان من جاره والرحيل إلى جوار يرعى حق الجيرة، فطوى بيته وحمله على إبله وانتقل إلى مكان آخر، وهذه من فضائل بيوت الشعر إذا ضاق بأهلها المقام طووها وانتحوا دياراً أرق هواء وأطيب مقاماً، ولكن اليمني تألم لحادثة جاره فقال:

ولّيت يا بختي اللي ما تلقيني في الأصحاب

وليت يا بختي اللي ما تهيّي لي كمايه

أحسب صحيبي معي في كل راي و كل هنداب

و اثر صحيبني يدارجني على سرقة حذايه

أدرا و اداري صحيبي لو بدا لي فيه مضراب

أدرا ورا صاحبي لو كان في ضلعان سايه

ما احسبك يا صاحبي تسطى على تقطيع الاحباب

انا سمعتك ولكن ما توزّمني خطايه

الله ولا الصاحب اللي صحبته تمشي كما الداب

يمشي كما الداب لا ما طب في وسط البناية

وحق الجوار مما تحث السنة النبوية على أدائه، واحتل من أخلاق العرب والمسلمين مكانة رفيعة، فكان أمن الجوار من أثمن الفضائل، وما زال الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يوم القيامة مهما نشاهد اليوم من غربة في الجوار. ومما قيل في ذلك:

الجار جار ولا عن الجار مذخور

ولا خير في جار قصر حق جاره

الجار حقه عند الأجواد مشهور

طيب الكلام و حشمته و اعتباره

الجار جار و مكرم الجار ماجور

بالدين و الدنيا كسبها تجارة

الجار حقه عند الاسلام منشور

و أوصى عليه المصطفى باختياره

الجار جار و لو مشى الجار بالجور

احفظ وقارك لا عثر في وقاره

وقال الشاعر العنزي يتحسر لفراق جيرانه:

قلت البكا ماهو على البعد و القرب

أبكي عليهم يوم هم فارقوني

عن دربنا ياليت ما جا لهم درب

ولا هلت العبرة عليهم عيوني

احترام الجوار وتعزيز حقوقه ظاهرة بارزة في حياة القبائل وغيرهم ولعل في حياة بدو الجزيرة العربية معالم جديرة بالدراسة.

المصدر: http://www.alriyadh.com/953253 جريدة الرياض
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 182 مشاهدة
نشرت فى 17 يوليو 2014 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

901,741

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.