كلمة الحق .. سلاح

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آل بيته وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم يبعثون، وبعد
 
إن للكلمة أثرا عظيما في النفس البشرية،فهي في قوتهاتفوق السلاح المادي، فالسلاح مهما بلغت قوته يظل قاصرا على إخضاع الأجساد والجوارح في أفعالها وحركاتها، عاجزا عن إخضاع العقول والنفوس في تفكيرها وأحاسيسها.
 
لقد أعلا الإسلام من شأن كلمة الحق، وجعلها من أعظم الجهادوأفضله، فقد روى أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه،أن النبي عليه السلام قال: "ألا لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (رواه أحمد)، وذلك لما فيها من جرأة في موطن الخطر، ويترتب عليها تضحية بالنفس، وهي لذلك نادرة قل من ينهض لها، كما أن فضلها يعود لنفعها من نشر العدل وبسط الخير والذي يتعدى الأفراد ليشمل الأمة، وهو مايستحق التضحية بالنفس. إلا أن هذه التضحية نفسها ليست "خسارة" للقائم بها كمايظن البعض، بل إن صاحب الكلمة هو الفائز الأكبر، إن كلفته كلمة الحق في سبيل الله حياته، فقد بشره الرسول عليه السلام بمرتبة لا يبلغها إلا قليل من الآخرين، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" (رواه الحاكم).
 
ولذا لم يكن غريبا أن يخشى الطغاة في كل زمان ومكان من كلمة الحق، ويدأبواعلى كبتها ومنع وصولها لآذان الناس،خطابة كانت أم كتابة، ويحرصون على تشويه صورة دعاتها أو تعريضهم للمحن والإغراءات. ومع ارتقاء وعي الشعوب وتطور وسائل الاتصال والمعرفة نرى النظم السياسية في العالم جميعها ـ الديمقراطية والملكية والعسكرية ـ تطور من وسائلها وأساليبها لمواجهة كلمة الحق، سواء كانت فكرة أو انتقادا أو رأيا، فتمنعها تارة وتحرف معناهاتارة أخرى خشية أن تنتشر فتؤثر في وعي عامة الناس، أو في أوساط مؤثرة في المجتمع، كالمفكرين أو التجار أو العسكريين أو السياسيين، وتتحول بعدها إلى رأي عام يغير نظرة الناس أو سلوكهم تجاه السلطة أو نظام المجتمع أو الحكام، ما من شأنه أن يفقد النظام شرعيته وتفقد السلطة الحاكمة سندها.وعلى المدى البعيد يتحول هذا الوعي إلى طاقة كامنةتنتظر العمل تحت قيادة تسير بها نحو التغيير.
 
وإذا أريد للكلمة أن تلقى قبولا في قلوب الناس وعقولهم فلا بد أن يصاحبها أو يتبعها أفعال تعكس صدق قائلها وإيمانه بما يقول، وتجسدما يدعو له من معان وقيم وتصورات في واقع الحياة المادية، فتنقلها من صورة في ذهن السامع إلى حركة يبصرها الناس ويحسونها، فيتأثرون بما تحمله من قيم التضحية والتفاني والإيثار، وتبعث فيهم الامل على تحقيقها في نفوسهم وإيجادها في واقع حياتهم، فيكتب الله لهذه الكلمات الفعالة أن تحدث هزة فكريةفي عقول الخاملين، وخفقة أمل في قلوب اليائسين.ويتوقف تأثير الكلمة على مدى قوتها وصدقها، أي مطابقتها للواقع الذي يحسه الناس أو يتصورونه، وما في ثناياها من معان بلغت دقتها في وصف الأشياء مبلغا جعلها تلامس حس السامع أو القارىء فتهزه هزا لا يقوى معه على المقاومة أو المكابرة، وتسوقه إلى الحق أسيرا لما في نفسه من الصدق. ومن هنا كانت "الكلمة" و"الحق" متلازمتان لا تنفصلان في الواقع  والشرع والتاريخ.يقول سيد قطب،رحمه الله، في تفسيره: "إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها. ولن يؤمن إنسان بما يقول إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيما واقعيا لما ينطق.. عندئذ يؤمن الناس، ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق.. إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها؛ وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها.. إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من حياة"

المصدر: موقع نوافذ -- فادي عبد اللطيف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 25 أكتوبر 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

902,453

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.