خذوا حذركم

الحمد لله الذي أمرَ بأخذ الحذر عبادَهُ المؤمنين، وأوجب التعاون على البر والتقوى على سائر المسلمين، وقرر أن حفظ الأنفس والأموال والأعراض من أعظم مقاصد هذا الدين، وحكمَ باللعن وحبوط العمل على من تعاون مع المجرمين، أو تستر على المعتدين المفسدين.

والصلاة والسلام على من حكم أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله.

عباد الله!

الحذر صفة حميدة، وخصلة ضرورية، لا يستغنى عنها أحد في سائر الأحوال، وفي حال الفتن واختلاط الأمور وتوقع المحذور تتأكد وتجب من أجل السلامة في الدين والدنيا، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعاً} [النساء:71].

هذا تحذير عام لجميع المؤمنين أنه في حال الخوف وترقب الأخطار أن عليهم أن يحذروا، ويتخذوا من الأسباب المادية والمعنوية ما يدفع عنهم تلك الأخطار، ويقيهم من مكائد ومؤامرات أعدائهم، وهذه الآية في سياق الصراع مع الأعداء الظاهرين، وقال سبحانه وتعالى محذراً من صنف آخر من الأعداء يتسترون بالإسلام، ويتظاهرون بأنهم من المؤمنين ومعهم، وهم يعملون كل ما فيه ضرهم، وإفشال أمرهم، وتنفيذ مآرب عدوهم، وهم المنافقون الذين يُحْسِنون الكلام ويتظاهرون بما يخدع المؤمنين، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4]، فأكد عداوتهم وأمر بالحذر منهم.

ونحن أيها الإخوة نعيش هذه الفتنة التي لم تعد خافية على أحد، وقد استُخدمت فيها جميعُ وسائل الحرب من أسلحة حربية، وآلة إعلامية، ومخططات استخبارية، ودخل على الخط عصابات الموت والتدمير، وشلل المرتزقة الذين قست قلوبهم، ونزعت منها الرحمة والشفقة، بل خلت من كل معاني الخير والإيمان، فهي تقتل بغير هدف، وتدمر لإرضاء أرباب نعمتها، وتتلذذ بالتعذيب والتخريب كما تتلذذ بالشهوات الطبيعية، هذه العصابات لم تعد عنا ببعيد، بل قد حطت رحالها في أرضنا، وجاست خلال ديارنا، واتخذت مواقعها مزودة بكل ما تحتاج إليه من وسائل التخريب والتدمير كما تقوله بعض المصادر.

هذه العصابات لا شك أن تواجدها ليس عفوياً، فهي ربما تخطط للتخريب، ربما تستهدف المرافق الحيوية، قد تقوم بتعطيل الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه واتصالات وغيرها. والواجب علينا أن نحذر ونحتاط لأنفسنا وبلادنا ومجتمعنا، وأن نقف موقف رجل واحد في وجه كل من يريد بنا وببلادنا وأهلنا السوء، علينا أن نتجاوزَ كلَّ أسباب الفرقة والخلاف والتنازع، علينا أن لا ينشغل بعضنا ببعض، وهذه الأخطار محدقة بنا، يجب أن نصفيَ أنفسنا، ونرص صفوفنا، وننسى ضغائننا وأحقادنا، ونكون على الوصف الذي يحبه الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] نحن لا ندعو إلى القتال، وإنما نريد أن نؤكد أن الله يحب وحدة الصف، وجمع الكلمة، ونبذ الفرقة والخلاف؛ لأن الجدار المحكم البناء يصعب سقوطه، ويصعب حتى دق الوتد والمسمار في عرضه، بينما الجدار المتصدع المتشقق عُرضةً لذلك كله، وكذلك المجتمع إذا وحد كلمته، وصفى نفسه، وأزال الضغائن من صدره؛ صعب على أي متربص به أن ينال منه مراده.

عباد الله!

علينا أن نتنافس في المعروف، ونتسابق إلى المعالي، ونغار ممن زاد علينا في فعل الخير، وتحمل المسؤولية، وبذل النفس والنفيس، لا ننظر إلى أهل السفالة، ولا نقيس أنفسنا بالمتخلفين عن الركب، والراضين لأنفسهم بالدون.

إن الراغبين في الأجر والثواب، والساعين إلى الفضائل، والمنافسين في المكرمات، لا يصدهم عن ذلك الكسالى وأرباب الهمم الدنيئة والنفوس الخائرة العاجزة، وخصوصاً في الأوقات العصيبة التي تحتاج فيها الأمة إلى أبنائها وشبابها، تحتاج إلى أهل النخوة والشهامة من رجالها.

عباد الله!

سبق أن تحدثنا عن الحراسات الليلية، واللجان الشعبية، وأن وجودها كان له أثر كبير وطيب في نفوس الناس؛ حيث جلب لهم الأمان، وأشعرهم بالطمأنينة، وأكد لهم أن شبابهم على قدر المسؤولية؛ مما يحقق آمالهم ويجعلهم آمنين على مستقبلهم، كما قال الشاعر:

إذا القوم قالوا من فتىً خلتُ أنني *** عُنيتُ فلم أكسل ولم أتبلدِ

ولكن طول المدة واستمرار الأمن والأمان؛ جعل كثيراً من الشباب يمل ويسئم من تلك الحراسات، وبدأ الفتور وتلاحقَ الناس في التقاعس والتأخر والضجر، ونحن نقدر ذلك كله، ونعرف طبائع النفوس.

ولكننا اليوم وقد سمعتم الأخبار المزعجة والمستجدات المؤذنة بالخطر؛ نجد أنفسنا مضطرين للنداء إلى كافة الشباب بأن يعودوا إلى مزاولة تلك الحراسات، والقيام بخدمة أنفسهم وأهليهم، والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم وأموالهم من كل خطر قد يتهدد أي شيء من ذلك.

فعلى كل شاب، بل على كل رجل أن يستشعر المسؤولية، وأن يقدر الأمر حق قدره، وأن يعتبر أن الأمر يعنيه دون غيره، فهو عندما يقوم بذلك الواجب، إنما يقوم به لأجل نفسه وأسرته وجيرانه، فلو لم يقم معه أحد لما كان له عذر في ترك ذلك، كيف والناس كلهم يتعاونون إن شاء الله؟!

عباد الله!

وإذا كان هناك سلبيات وقصور فيما مضى فينبغي أن نتداركَ الأمر، ونتلافى القصور، ونستفيد من دروس الماضي، وعلى كل من له ملاحظات أو اقتراحات أن يقدمها للجنة العليا للحراسات، وعلى تلك اللجنة أن تستمعَ لكل من لديه شكوى أو ملاحظة أو مقترح، وأن تتفاعلَ معه للوصول إلى الحلول الضامنة لاستمرار العمل على أحسن الوجوه، وعلى الجميع أن يحتسبَ الأجر والثواب من الله، لا يبغي به جزاء ولا شكوراً من أحد.

وإن العمل على تأمين الأنفس والأعراض والأموال من أفضل الأعمال وأشرف الخصال، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ من خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبِيلِ اللَّهِ» [رواه الترمذي وغيره عن ابن عباس]، فإذا حسن القصد، وخلصت النية، فليبشر من ساهم في تلك الحراسات بالأجر العظيم، والجزاء الكريم في الدنيا والآخرة.

عباد الله!

في الوقت الذي يحذِّر العلماءُ والعقلاء من عصابات الإفساد والسلب والنهب والتخريب، ويحثون أبناءهم الشباب على التصدي لها باليقظة والحراسات والسهر والقيام بما يقدرون عليه لإفشال مخططاتها، فإنهم في ذات الوقت نفسه يحذرون الجميع من التعاون معها بأي نوع من أنواع التعاون، سواءٌ إيواؤهم في البيوت أو الفنادق أو الوكندات أو المساجد أو أي مرفق كان، فإن ذلك من إيواء المحدَثين الذي هو من أكبر الكبائر، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة:«من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً» [رواه البخاري ومسلم].

فكل من سكَّن أو أطعم أو تستَّر على مجرم وهو يعلم أنه مجرم؛ قد فعل جريمته، أو ينوي فعلها فهو داخل في هذا الوعيد الشديد، وكذلك يسهِّل لهم الطريق ويدلهم على أهدافهم؛ فإنه منهم وعليه مثل وزرهم، علاوة على خيانة أهله وبلاده، والخيانة من أكبر الكبائر، وأقبح الصفات، وفي مثلنا الحضرمي يقولون: (قتله الدليل) يعنون أن الخصمَ الأجنبي لا يستطيع أن يقتل إلا بواسطة خونة الأهل والأقارب وأبناء القبيلة، فعميل الخصم وجاسوسه هو الذي يقتل على الحقيقة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من دعا إلى ضلالة كان له من الوزر مثل أوزار من عمل بها إلى يوم القيام من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً» [رواه مسلم]. وقال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25] وعلى من اكتشف أحداً من هؤلاء، وتيقَّن أنه عازم على تنفيذ جريمته، أو شك في ذلك شكاً قوياً، أن يبلغ عنهم من يعتقد أنه قادر على إفشال مخططهم، والحيلولة بينهم وبين تنفيذ جرائمهم، وهذا من العمل المبرور وليس من التجسس المحذور؛ لأن الله فرَّق بين الأمرين فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].

المصدر: منبر علماء اليمن
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 162 مشاهدة
نشرت فى 17 إبريل 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

902,306

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.