خلافة معاوية بن أبي سفيان

 

عام الجماعة وخلافة معاوية

بعد استشهاد الإمام علي سنة 40هـ تم الصلح بين معاوية والحسن بن علي سنة 41هـ، حيث تنازل بمقتضاه الحسن عن الخلافة وبويع معاوية، ودخل الكوفة وبايعه الحسن والحسين سنة 41هـ، واستبشر المسلمون بهذه المصالحة التي وضعت حدًا لسفك الدماء والفتن، وسموا هذا العام عام الجماعة. وهذه إشارة واضحة لرضا الناس عن خلافة معاوية واستقبالها استقبالاً حسنًا، فقد تولى الخلافة ووراءه تجربة طويلة في الحكم والإدارة وسياسة الناس، فولايته على الشام قبل الخلافة لمدة تزيد على العشرين عامًا، أكسبته خبرة كبيرة هيأت له النجاح في خلافته. والحقيقة أن معاوية كان يتمتع بصفات عالية ترشحه لأن يكون رجل الدولة الأول، وتجعله خليقًا بهذا المنصب الخطير.

المناوئون يشهدون لمعاوية

يقول ابن الطقطقا: وأما معاوية كان عاقلاً في دنياه، لبيبًا عالمًا حاكمًا ملكًا قويًّا جيد السياسة، حسن التدبير لأمور الدنيا عاقلاً حكيمًا فصيحًا بليغًا، يحلم في موضع الحلم، ويشتد في موضع الشدة إلا أن الحلم كان أغلب عليه، وكان كريمًا باذلاً للمال محبًّا للرياسة شغوفًا بها، كان يَفْضُلُ على أشراف رعيته كثيرًا، فلا يزال أشراف قريش مثل: عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر الطيار، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأبان بن عثمان بن عفان، وناس من آل أبي طالب يفدون عليه بدمشق، فيكرم مثواهم، ويحسن قِرَاهم ويقضي حوائجهم، ولا يزالون يحدثونه أغلظ الحديث ويجبهونه أقبح الجَبَه، وهو يداعبهم تارة، ويتغافل عنهم أخرى، ولا يعدهم إلا بالجوائز السَّنِيَّة، والصلات الجمَّة... إلى أن يقول: واعلم أن معاوية كان مربي دول وسائس أمم، راعي ممالك، ابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه إليها أحد.

وأما اليعقوبي والمسعودي فقالا: "وكان لمعاوية حلم ودهاء ومكر ورأي وحزم في أمر دنياه، وجود بالمال".

وثناء هؤلاء الثلاثة من المؤرخين على معاوية وحسن سياسته وإدارته لشئون الدولة، أمر له مغزاه وأهميته لما عُرِف عنهم جميعًا من ميول شيعية ملموسة. وأما إعجاب ابن خلدون به فيتمثل في قوله: "وأقام في سلطانه وخلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة، التي لم يكن أحد من قومه أوفر فيها منه يدًا، من أهل الترشيح من وَلَدِ فاطمة وبني هاشم، وآل الزبير وأمثالهم".

علم غزير وقيادة حكيمة

ويروي ابن الأثير في أسد الغابة عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "ما رأيت أحدًا بعد رسول الله أسود من معاوية. فقيل له: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ فقال: كانوا -والله- خيرًا من معاوية وأفضل، ومعاوية أسود".

ويروي الطبري مرفوعًا إلى عبد الله بن عباس قوله: "ما رأيت أحدًا أخلق للملك من معاوية، إن كان ليرد الناس منه على أرجاء وادٍ رَحْب".

ويقول ابن تيمية: "فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، إذا نُسِبَتْ أيامه إلى أيام من بعده، أما إذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل".

وذُكِرَ عمر بن عبد العزيز عند الأعمش فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه، قال: لا والله، في عدله". وإليك شهادة الذهبي له، حيث يقول: "وحَسْبُك بمن يؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويُرضي الناس بسخائه وحلمه، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفَرْط حلمه وسعة نفسه، وقوه دهائه ورأيه".

وسُئِل عنه عبد الله بن المبارك ذات مرة أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد. فما بعد هذا؟ وبلفظ قريب منه عند الآجري في كتابه الشريعة.

وقد قال أبو زرعة الدمشقي عن دحيم عن الوليد عن الأوزاعي: قال: أدركت خلافة معاوية عدة من الصحابة منهم أسامة وسعد وجابر وابن عمر وزيد بن ثابت وسلمة بن مخلد وأبو سعيد ورافع بن حديج وأبو إمامة وأنس بن مالك، ورجال أكثر وأطيب ممن سمينا بأضعاف مضاعفة كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم، حضروا من الكتاب تنزيله ومن الدين جديده، وعرفوا من الإسلام ما لم يعرفه غيرهم وأخذوا عن رسول الله تأويل القرآن، ومن التابعين لهم بإحسان ما شاء الله، منهم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن محيريز، وفي أشباه لمن لم ينزعوا يدًا من جماعة في أمة محمد .

وقال عبد الملك بن مروان يومًا وذكر معاوية فقال: ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه. وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحدًا أعظم حلمًا ولا أكثر سؤددًا ولا أبعد أناة -أي حلم ورفق- ولا ألين مخرجًا ولا أرحب باعًا بالمعروف من معاوية.

وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلامًا سيئًا شديدًا، فقيل: لو سطوت عليه؟ فقال: إن لأستحيي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي. وفي رواية قال الرجل: يا أمير المؤمنين، ما أحلمك!! فقال: إني لأستحيي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي. وقال الأصمعي عن الثوري: قال معاوية: إن لأستحيي أن يكون ذنب أعظم من عفوي، أو جهل أكبر من حلمي، أو تكون عورة لا أوريها بستري.

وهكذا يكاد ينعقد إجماع علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم على الثناء على معاوية وجدارته بالخلافة، وحُسْنِ سياسته وعدله؛ مما مكَّن له في قلوب الناس، وجعلهم يجمعون على محبته، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وكانت سيرة معاوية في رعيته من خيار سير الولاة، وكانت رعيته تحبه". وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصلُّون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم".

وقد ورد كثير من الأخبار بدعاء النبي لمعاوية فقد روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه؛ فقالوا: كيف يتولى معاوية وفي الناس من هو خير مثل الحسن والحسين؟! فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة -هو أحد الصحابة-: لا تذكروه إلا بخير؛ فإني سمعت رسول الله يقول: "اللهم اجعله هاديًا مهديًا وَاهْدِ به".

وكانت صلاته أشبه بصلاة رسول الله ، فرُوي عن أبي الدرداء أنه قال: "ما رأيت أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا"؛ يعني معاوية.

كما ثبت في الصحيح أنه كان فقيهًا يعتد الصحابة بفقهه واجتهاده؛ فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب المناقب عن أبي مليكة قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس؛ فأتى ابن عباس فأخبره، فقال: دعه؛ فإنه قد صحب رسول الله . وفي رواية أخرى قيل لابن عباس: "هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة. قال: أصاب، إنه فقيه".

وهكذا يتبين لنا عظمة معاوية ؛ فقد كان جديرًا بالخلافة، قادرًا على تحمل تبعاتها، فقد شهد له القريب والبعيد، والأصدقاء والأعداء، والعلماء والحكماء، شهدوا بمكانته وجدارته وعلمه.

المصدر: قصة الاسلام
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 8 إبريل 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

906,345

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.