مهارات التواصل فى العلاج النفسى(2)

إعادة الصياغة الحوراية:

أشرنا مسبقاً أننا لانقصد بالعلاج النفسى الفضفضة التى تدخل فى سياق التداعى الحر على طريقة فرويد فهذا الأسلوب فى العلاج يستهلك الوقت والجهد والمال حيث يترك المريض يتكلم بحرية فى أى فكرة تأتى برأسه بينما يجلس المعالج فى مقعد خلف المريض بحيث لايكون فى مجال رؤيته بحيث يركب ألة الزمن عائداً للوراء مبحراً فى ذكرياته المؤلمة التى دفنها فى رأسه منذ زمن بعيد لأنه لايقوى على رؤيتها ومواجهتها ومن وقت لأخر تهدده هذه الذكريات بالخروج من حيز اللاوعى فيعمل العقل بكل ما أوتى من قوة على إعادة دفنها من خلال ما نسميه الحيل العقلية -والتى سيرد شرحها فيما بعد -ومع زيادة حدة الحيل العقلية لإخفاء الحقائق المؤلمة تنتج الأعراض النفسية ومن ثم فإن التداعى الحر هو طريقة قديمة تهدف إلى إنطلاق الحقيقة من اللاوعى إلى العقل الواعى بحيث يراها المريض وينتج عن ذلك الخبرة الشعورية المؤلمة التى من شأنها أن تعمل على الشفاء بشكل تلقائى وهكذا يكون دور المعالج سلبياً إلى حد كبير لكن الأن ومع استخدام أليات متعددة فى العلاج النفسى أصبح للمعالج دور نشط وإيجابى أثناء الجلسات العلاجية وهنا أود أن أذكركم بمعلومة هامة وهى أننا لاننكر دور التحليل النفسى وفهمه واستيعابه حتى نفهم الأبعاد الدينامية التى أدت لظهور الأعراض لكننا نستعمل طرقاً علاجية أكثر إيجابية وتفاعلاً مع المريض لنساعده على مواجهة مايراه وكيف يغير مارأى من خلال تقوية وتدعيم الذات.لذا سنتكلم هنا عن أول ما يجب أن يتعلمه المعالج النفسى عن دوره النشط والفعال أثناء الجلسات النفسية وهو إعادة الصياغة الحوارية أثناء الجلسة.لكن ما هو المقصود بإعادة الصياغة الحوراية؟

حينما يأتى المريض للجلسات النفسية فإنه يأتى إلينا بالأعراض من قلق واكتئاب وما يصاحبها من خلل فى العلاقات الإجتماعية والنجاح الأكاديمى أو التقدم الوظيفى وصعوبة التكيف بوجه عام وهنا لايدرك المريض حقيقة الأفكار أو المفاهيم القابعة فى اللاشعور والتى نجح العقل فى كبتها من خلال الحيل العقلية وبالتالى حينما يبدأ فى الحديث عما ألم به وطلب من أجله المساعدة فإنه يتحدث فى الأعراض الظاهرة أو ما يترتب عليها من مشكلات خاصة بالتكيف الإجتماعى وقد يأتى حديثه مسهباً غير واضح المعالم فلايشير إلى نقطة بذاتها فهو غير مرتب والأفكار تبدو وكأنها تتلاحق بطريقة عشوائية لاتصيب الهدف ولاندرك من خلالها ما نسميه بالفكرة المحورية التى نسعى دائماً لأن نجعل المريض قادراً على تحديدها بحيث أنه لو أدركها لاستنتج بعد ذلك ما يترتب على هذه الفكرة من أفكار تابعة ومشاعر سلبية تزيد من حدة الأعراض وتؤدى إلى مزيد من الأفكار السلبية وهكذا...إذن مانقصده بإعادة الصياغة الحوراية فى الجلسة هو أن يلتقط المعالج أهم العبارات; والتفاصيل التى يراها ذات دلالة فى حوار المريض ويصيغها بشكل منطقى ومترابط ومحدد الهدف بحيث يساعد المريض على إعادة ترتيب الأفكار بشكل يحدد الفكرة الأساسية التى أنتجت مشاعراً سلبية ومزيداً من الأفكار السلبية أيضاً..إنها عملية تحتاج لما نسميه بالإستماع النشط...إنه الإنصات الجيد الذى يعد أهم مهارة فى التواصل مع المريض النفسى ...إنك تسمع وتحلل وتلتقط الأفكار وتعيد الصياغة فيدرك المريض ماوراء الأعراض....والأن فلنعرض بعضاً من الأمثلة التى تشير إلى كيفية إعادة الصياغة الحوارية فى الجلسات

مثال(1)

المريض/طالب المشورة:أنا بأتخانق مع بنتى وجوزى مش بيتكلم معايا ورئيسى فى الشغل حاططنى فى دماغه والأكثر من كده إن صاحبتى الأنتيم بقت تتهرب منى مش بترد على تليفوناتى:

المعالج:واضح إنك عندك العديد من المشكلات فى علاقتك بالأخرين.

(مثال 2):

مراتى علطول متضايقة منى ومش عاجبها أى حاجة بأعملهاومهما بأحاول هى برضه مش سعيدة... إمبارح ساعدتها فى المطبخ بس للأسف اتضايقت جداً بتقول إنى بهدلت الدنيا فى عيد جوازنا اشتريت لها فستان بصت كده وقالت شكراً وكل سنة وأنت طيب بس حسيت غنها مش مبسوطة بعد فترة قالت إن اللون ده مش بيعجبها مع انها بتلبسه وشفته فى هدوم عندها.حبيت أعزمها على العشا فى يوم الأسبوع اللى فات بعد مارحنا المطعم وده مطعم غالى قوى وفخم جداً لقيتها بعد ما قعدنا بتقول إنها مخنوقة ومش عايزة تقعد فى المكان ده.

المعالج:يبدو إنك مش عارف إزاى تسعد مراتك.

حوار بين المعالج وطالب المشورة/المريض لتوضيح استخدام الإستجابات المحدودة-وإعادة صياغة المحتوى:

:

المعالج: مدام (أ) حضرتك قلت لى إنك عايزة تتكلمى معايا فى موضوع...ياترى ممكن تقول لى إيه اللى مضايقك

مدام (أ): أنا زهقانة جداً من اللى بيحصل فى الشغل...أنا بقيت أحس بضغط نفسى شديد قوى وأنا هناك.

المعالج(تواصل بصرى)واستجابة:إم إم

مدام (أ): أنا بقيت أحس إنى غريبة فى وسط بعض الزملاء ورئيسى فى العمل أنا مش على نفس الموجة بتاعتهم.

المعالج:يعنى إنت مش أهل(لاتصلحى) للعمل المطلوب منك مثلاً؟

مدام (أ): لأ إطلاقاً...كل الموضوع إنى مش موافقة على السياسات اللى وضعتها الإدارة العليا بخصوص التعامل مع العملاء لأن ده مش ماشى خالص مع اللى اتعلمته واتدربت عليه واكتسبت فيه خبرة على مدار العشر سنين اللى فاتوا.

المعالج:تمام أو عظيم- أو نعم نعم.

مدام (أ):أنا بالطريقة دى هأغير طريقتى فى الشغل تماماً.

المعالج:يعنى عايزينك تشتغلى بطريقة لاتناسبك.

مدام (أ):بالضبط كده وعشان كده أنا بدأت أفكر بشكل تانى...إما إنى أستقيل أو أغير مبادئى والطريقة اللى أنا إتعودت عليها فى الشغل طول السنين اللى فاتت.

المعالج:اختيار صعب.

مدام (أ):فعلاً.

المعالج:صمت-تواصل بصرى وانتباه

مدام (أ):بس على فكرة أنا مش عارفة قرار الإستقالة ده صح واللا لأ...أنا وظيفتى كويسة ومرتبى كبير وبأحب شغلى ومش من السهل الواحد يلاقى شغل فى مكان تانى...المفروض إنى أعمل اللى أنا شايفاه يناسبنى وفى نفس الوقت ما أخسرش شغلى.

المعالج:كده تقريباً إنت أميل لقرار البقاء فى شغلك.

مدام (أ):تقريباً بس كده لازم أفكر فى إيه اللى محتاجة أعمله علشان أقدر أستمر فى شغلى.

المعالج:ام ام

مدام (أ):لو استمريت فى شغلى بالطريقة اللى أنا مقتنعة بيها حا أكون مستريحة بس ده حيسبب لى مشاكل مع الإدارة لأنى مش بأتبع اللوائح الجديدة أعتقد إنى لازم أبدأ أغير شوية طريقتى أو أسلوبى علشان أقدر أستمر من غير مشاكل .

المعالج:إنت محتاجة ترضى المدير والإدارة عموماً وفى نفس الوقت إنت تكونى مقتنعة ومستريحة.

مدام(أ): فعلاً أنا محتاجة ده....علشان جو الشغل ما يبقاش نكد زى ما أنا بأحسه دلوقت وده اللى بيخلينى بأحس بضغط نفسى فظيع وأنا فى الشغل...متهيألى إنى عنيدة شوية وبأقاوم التغيير أو بأخاف منه مش عارفة...

المعالج:إم إم

مدام(أ):تقريباً فعلاً هو ده الموضوع الأساسى أنا بأخاف أو مش بأحب التغيير وده معناه إنى أفضل فى شغلى أنا لو غيرت بعض أساليبى فى الشغل أكيد حيكون أرحم بكتير من إنى أغير شغلى كله.

المعالج:التغيير شئ صعب بالنسبة لك؟

مدام (أ):فعلاً بس لازم أعمل ده وده معناه إنى أوافق إنى أخد تدريب علشان أقدر أشتغل بالطريقة الجديدة ....أنا لو فهمت طريقة الشغل الجديدة ده حيدينى ثقة اكتر بنفسى بس أنا مش حابة فكرة إنى أكون بعد السنين دى بأخد تدريبات مع ناس صغيرة وأكون قدامهم محتاجة تدريب بعد كل سنين الخبرة اللى فاتت.

المعالج:أه أهه.

مدام (أ):هو ده الواقع اللى أنا مش قادرة أقبله إنى علشان أشتغل بالطريقة الجديدة أنا محتاجة تدريب.

المعالج:إنت حاسة إن الناس اللى حواليك لازم يقدروا خبرتك؟

مدام (أ):بعد السنين دى حاسة إنى كأنى بقيت كائن منقرض ...خبرتى بقت كلام قديم وأنا بقيت ستايل قديم وفكرى متحجر من وجهة نظرهم.

المعالج:أهه...شايفين إنك ما عندكيش قدرة على التطوير والتكيف مع الجديد.

مدام (أ):بالضبط...أنا يمكن تكون خبراتى قديمة لكن أنا عندى مرونة وأقدر أغير وأقدر أتعلم وحاأوريهم إزاى إنى مش من العصر الحجرى وإنى أقدر أتعلم حاجات جديدة.

المعالج:قررت إنك تقبلى التحدى؟

مدام (أ):لازم أعمل كده مش عايزاهم يقولوا على إنى من العصور الوسطى زى ماسمعت من واحد من زمايلى لأنى فعلاً أقدر أطور نفسى

المعالج:أعتقد إنك كده استنتجت اللى المفروض تعمليه

مدام(أ):فعلاً أنا متشكرة جداً.

المصدر: practical councelling skills
  • Currently 140/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 1912 مشاهدة

ساحة النقاش

د.نهلة نور الدين حافظ

Mostasharnafsi
موقع يهدف لنشر الوعى بالصحة النفسية والتدريب على مهارات تطوير الذات من خلال برامج العلاج المعرفى السلوكى السيرة الذاتية: الاسم: نهلة نور الدين حافظ الجنسية: مصرية الحالة الاجتماعية: متزوجة وأم لطفلين المؤهلات الدراسية: ◊ بكالوريوس الطب والجراحة-قصر العيني- دفعة ديسمبر 1993-تقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف. ◊ ماجستير الطب النفسي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

357,344