بقلم الإعلامية - منى النشار
يعيش الإعلام المصرى على إرث ماضيه لكننا لم نحافظ على هذا الميراث العظيم فقد انطلق الإعلام بسرعة الصاروخ فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى حتى الآن فمنذ بدء إرسال الإذاعة المصرية عام 1934 تنبهت مصرلمكانتها فى العالم فبثت عبر الأثير أكثر من 36 لغة على مختلف الموجات القصيرة والطويلة والمتوسطة لتربط العالم أجمع بمصر، وكان للنيل نصيب الأسد نظرا لأهمية الدول الواقعة على ضفافه لمصر فجاء تخصيص جزء مستقل عبر الأثير للسودان سمى بإذاعة ركن السودان منذ عام 1949 نظرا لأهمية السودان بالنسبة لمصر ولكونها تمثل عمقا استراتيجيا لنا ويربطنا نهر واحد، ودين واحد، ولغة واحدة، وثقافة تاريخية مشتركة، وعادات إجتماعية.
وفى عام 1984 أصدرالمجلس الأعلى للتكامل قرارا رقم 34 بموجب بروتوكول موقع بين البلدين بإنشاء إذاعة وادى النيل لتكون إذاعة مستقلة بدأت تبث إرسالها فى البداية بواقع أربع ساعات يوميا على موجة مستقلة بعد أن كان يخصص لها جزء من إرسال صوت العرب ووصل إرسالها الآن إلى ست ساعات يوميا وكانت هذه النظرة بتطوير الإعلام والإلتفات إلى دوره الهام بربط مصر والسودان إعلاميا كما نرتبط بشريان الحياة نظرة متطورة ورؤية ثاقبة فى وقت مبكر وكان اختيار اسم إذاعة وادى النيل اختيارا أكثر من رائع لأنه ببساطة كما نشأنا بالفطرة نطلق عبارة أن السودان عمق استراتيجى لمصر فقد أدركنا مع الزمن أن عمقنا الإستراتيجى يمتد بعمق وادى النيل العظيم ليكون العمق الإستراتجى لمصر هى كافة الدول التى يحتضنها نهرالنيل. لقد تطلعت الأفكار الدولية لدور هذا النهر العظيم بربط شعوبه العشرة التى تقع على ضفافه فتلاعبت الأفكار فى عقول كل من لديه مصلحة ليستفيد من خيرات هذه البلاد ولإيجاد خلافات نغرق فيها جميعا ولا نستفيق منها أبدا. فاتخذوا من النيل سبيلا لإغراقنا ولتفكيك ترابطنا القدرى الذى جمعنا وألف بيننا بحب وعادات وتقاليد نستمدها بوجود نهر النيل.
انطلقت هذه الإذاعة بتجربتها الفريدة على مستوى العالم فهى الإذاعة المصرية الوحيدة التى تعبرعن ثقافة شعبين بلغة واحدة لأنها تمثل خصوصية وأزلية العلاقة بين مصر والسودان ولكن ظل السؤال قائما حتى الآن وماذا فعلت رغم تفردها !!!؟؟
ربما حتى لا يسمععنها الكثير ولا يعرفون لمن تبث ولا يجدونها على موجات الراديو. لقد انطلقت جميع الإذاعات عبر الطبق الفضائى تحمل رسالتها لمن يريد الإستماع وقتما يشاء وانطلقت معهم هذه الإذاعة المهملة مثل نيلها تماما إلاً أنه فى غفلة من الجميع وقعت مرة أخرى من حسابات وأجندات القيادات الإعلامية والحكومية بحجة أن الميزانية لاتسمح. إذا كان مصير مصر مرتبط بعلاقاتنا فى كافة المجالات مع هذه الدول فلمن تتاح الميزانية!!؟ إنها إذاعة ليست للترفيه بل لها دور سياسى واضح للجميع ويمكن تطويرها واستغلالها وإتساع دورها لأكبر مما كان الهدف منذ إنشائها مع السودان فقط فالأساس موجود ولن نحتاج لتكلفة مادية أخرى لإتساع دائرة الخدمة الإعلامية لنمتد بإرسالها إلى كل دول حوض النيل فلمن إذا تذاع قضايا دول حوض النيل؟
لقد أيقنت وزارةالخارجية المصرية بأهمية القارة الإفريقية ربما نميل الى التفاؤل ونقول ليس قبل فوات الآوان، وصرحت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية بأن مصرتتجه لأن يكون لها وزارة خاصة بالقارة الإفريقية تهتم بكافة شؤؤنها صحيا وإجتماعيا وسياسيا وإعلاميا فلماذا لاتكون إذاعة وادى النيل مساعدا لهذه الوزارة فى خدمة القارة الإفريقية وتطوير الخطاب الإعلامى بما يتماشى مع عصر جديد بكل توابعه نتبادل الدراما والبرامج والأغانى ولقاءات الجاليات هنا فى مصر والمصريين فى دول حوض النيل فللإعلام دور سحرى فى ربط الشعوب والتماذج بينهم.
لقد حلمنا بعد إنطلاق ثورة مصر العظيمة أن تصحح أخطاء الماضى ونلتفت لما يحدث من صراعات أصبحت متواجدة بالفعل على ساحة الصراع السياسى واستخدم النيل لإشعال هذا الصراع الذى كان دائما سببا للتجمع والوحدة فلنا أن نتصور إذا تحققت الوحدة الحقيقية لهذه الدول فأى مكاسب يمكن أن نجنيها من ورائها. ولكن يبدو ان كابوس الواقع السياسى أشد من الاحلام.
هل لنا أن نتصورأن للإعلام دوراً هاماً أكثر من الزيارات المتباعدة بين أطراف هذه الدول. نمتلك الآداة ولكن أين التخطيط لوصول الرسالة الإعلامية المصرية لتلك الدول مع الأخذ فى الإعتبارأن كل هذه الدول تملك مساحة حب كبيرة لمصر علينا فقط أن نبنى فوقها وأن نتواجد بينهم ننقل قضاياهم ورسالتهم ورسالتنا عبر الأثير السحرى نملك قلوبهم وعقولهم معنا.
يبقى التساؤل متى نعود لأحضان النهر لقد بح صوت إذاعة وادى النيل ولا أحد يسمع ولا أحد يرى وربما يكون صوته ضاع هباء فى هواء إعلام الدول الأخرى فهل إرتطم الإعلام المصرى بحائط منيع فتت قواه ولم تسعفه الحكومات المتواترة حتى الآن فهل هذا هو التكامل الذى نسعى إليه أم التجاهل الإعلامى ؟
منى النشار