قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ
الخشوع أول درجات الفلاح .. والدافع أحد مفاتيح النجاح
ــــــــ
يشرح لنا فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله في كلمات ستشهد له إلى يوم الدين معنى كلمة الفلاح.. يقول رحمه الله رغم أنه ذهب إلى عالم الحق إلا أن كلماته لا زالت رنانة لكل من يقرأها وكأنه يسمعها باذنيه:
((اذا جئت بحبة وبللتها تجد أنها قد نبت لها ساق وجذور.. من أين جاء هذا النمو؟. من تكوين الحبة نفسه، والله تبارك وتعالى قد قدر في كل حبة من الغذاء ما يكفيها حتى تستطيع أن تتغذى من الأرض.. وعلى قدر كمية الغذاء المطلوبة يكون حجم الحبة.. وحين تضعها في الأرض فإنها تبدأ أولا بأن تغذي نفسها.. بحيث ينبت لها ساق وجذور وورقتان تتنفس منهما.. كل هذا لا دخل لك فيه ولا عمل لك فيه.. وتبدأ الحبة تأخذ غذاءها من الأرض والهواء.. لتنمو حتى تصبح شجرة كبيرة تنتج الثمر من نوع البذرة نفسه.
ومن هنا جاءت كلمة (المفلحون).. ليعطينا الحق جل جلاله من الأمور المادية المشهودة ما يعين عقولنا المحدودة على فهم الغيب.. فيشبه التكليف وجزاءه في الآخرة بالبذور والفلاحة.. أولا لأنك حين ترمي بذرة في الأرض تعطيك بذورا كثيرة)).
شرح وافي من فضيلته رحمه الله وجزاه عنا كل خير.. من هنا نستطيع أن نعرف شيئا عن أنفسنا.. ولكن قبل أن أخوض في هذا ساستعين بآيات في سورة الكهف، فتابعوني رحمكم الله ..
يقول الله تبارك وتعالى:
<!--((حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) ))
هم لا يكادون يفقهون قولا .. سنتابع معهم لنرى كيف سارت الأمور لعلنا نصل إلى تلك القدرات والمواهب الكبيرة المدفونة بداخلنا فنحقق غاية وجودنا في الحياة الدنيا لنسعد بذلك في حياتنا العليا.
<!--((قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)))
لقد استطاعوا ببراعة فائقة أن يصلوا إلى أتفاقية عظيمة أنقذتهم من هلاك مؤكد، فهم لم يطلبوا معونة بطريقة التسول أو الإستجداء .. ولكنهم أولا بينوا مصدر الفساد في الأرض والذي يشكل خطرا بالغا بالنسبة لهم، ثم عرضوا أن يعطوه مقابل مساعدته لهم... إنها اتفاقية بارعة من قوم لا يكادون يفقهون قولا.. وهذا يعني أن الإنسان رغم مظاهر ضعفه أو قوته قد آتاه الله أسباب استمرارية وجوده على أحسن وجه ممكن، فأعطاه عقل وقوة وطاقة عقلية وعاطفية وجسدية، ليصلح في الأرض.
<!--((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)))
الآن هو الذي يطلب منهم أن يعينوه بما لديهم من قوة.. فالقوة لديهم ولكنهم لم يفقهوا قولا، وبناء عليه لم يلتفتوا إلى ما لديهم لأنهم فقدوا وسيلة التفاهم بينهم.
(( وكذلك كل إنسان على وجه الأرض يملك بداخله القوة التى يحتاجها.. فقط عليه أن يدرك ذلك ويستخدمها الإستخدام السليم، فنحن عندما نخشع ونستسلم لله فإننا نرى كل شيء بوضوح تام لأننا في نور الله، من أجل هذا نجد عدو الله والإنسانية يحاول أن يشغلنا عما بداخلنا بالأوهام والمخاوف والوساوس، فلنستعذ بالله ولنبحث في أنفسنا عن النور الذي فطرنا الله عليه حتى نرى الحلول لكل مشكلة أو تحدي)).
<!--((آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)))
لديهم القوة .. قوة حمل كتل الحديد ثقيلة الوزن كبيرة الحجم .. ثم بعد ذلك لديهم قوة النفخ وهذه تحتاج لنفس طويل وصحة .. ثم بعد ذلك جلبوا له كتل النحاس وأشعلوا النار حتى أصبح سائلا .. لقد كان لديهم كل ما يحتاجونه لدرء الخطر ولكنهم لم يدركوا ذلك حتى أتاهم من يعلمهم أو يستخدمهم أو يوجههم ليكتشفوا أن لديهم كل ما يحتاجونه لمواجهة أي خطر وليستمروا في الحياة.
(( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ ))
إذا كل تحدي يواجهنا في الحياة سنجد له بداخلنا القوة اللازمة لمواجهته، وكل نجاح نريده سنجد مفاتيحه بداخلنا حتما بدليل (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ )).
ولكن هناك عقبات تحول بيننا وبين رؤية حقائق الأشياء، وهذه العقبات يكتسبها عقلنا الباطن من خلال ما يدور في أنفسنا من أفكار...
<!--عندما نستسلم للخوف من غير الله.
<!--عندما نستمع إلى السلبيات .. وأخطرها هي تلك التى تأتينا في صورة نصائح.
<!--بعض الفتاوي من غير المتخصصين.
<!--عندما نحتفظ بمشاعر سلبية تسببت في قطع علاقتنا مع بعضهم، فكل علاقة سيئة مع أي مخلوق هي عائق حقيقي في طريق تقدمنا، لذلك أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن نعفو عن الناس((الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))
<!--عندما نغفل عن ذكر الله ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ )).. إذا أردنا الفرج فعلينا بالذكر.
<!--عندما لا نتعلم من أخطاء الماضي الذي يعتبره العقلاء كنز ثمين يحتوي على الخبرة اللازمة لإتخاذ القرار السليم.
<!--عندما نتبع من لا خبرة له ولا دين.. (( لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)).
<!--عندما لا نأخذ أنفسنا في نزهة روحانية بأن نجعلها ترى ما أعد الله لها من خير ونعيم مقيم..(( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا )).
إذا كل ما سبق ذكره هو نفسه ما أكتشفته ووجدته في كل مرة أواجه أمرا من أمور الحياة .. التى لا تخرج أبدا عن كونها إبتلاء من الله .. وهذا في مشارق الأرض ومغاربها .. ولدينا الدليل القاطع في كتاب الله :
((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ))
هذا بلاغ فيه تحذير وتعميم لكل الناس من الجنة والناس... حتى نعرف كلنا أننا لله وأننا إليه راجعون.
ساحة النقاش