في كل صباح تلقي مادلين شبكة الصيد من على متن قاربها الصغير في
عمق بحر غزة، لتكون أول فتاة تحترف صيد الاسماك في القطاع لتشارك في اعالة عائلتها الفقيرة.

وفي حوالى السادسة صباحا من كل صباح يوم تستقل مادلين كلاب (16 عاما) برفقة شقيقتها ريم (13 عاما) وشقيقها كايد (14 عاما) قاربا صغيرا (حسكة) قاصدة الصيد على مسافة كيلومترين من الشاطىء في منطقة السودانية شمال غزة حيث تلقي شباكها وتغطس في الماء مرارا لتراقب صيدها.

وتحرص الفتاة النحيفة وطويلة القامة على غطاء الرأس وارتداء بنطال جينز وفانيلا (تي شيرت) اثناء السباحة والصيد في اطار تقاليد اسرتها .

ولا خيار بالنسبة لمادلين سوى الصيد وتتساءل "كيف يمكن ان نعيش من دون صيد الاسماك ؟ ابي اصيب بشلل في القدمين ولا يقدر على العمل..الحياة قاسية تفرض على فتاة مثلي العمل في الصيد رغم خطورته" وتتابع "لكني سعيدة لمساعدة اسرتي".



وتأمل م
ادلين التي انهت للتو تدريبا في مركز اتحاد الكنائس بغزة لتصبح مصممة ازياء الحصول على "وظيفة لاستريح من الصيد رغم انني اعشق البحر".

ولا تسطيع قوارب الصيد الصغيرة الابتعاد اكثر من كيلومترين عن الشاطىء، في حين تتعرض قوارب الصيد الكبيرة لمطاردات متكررة من القوات الاسرائيلية كلما ابتعدت اكثر عن الشاطىء.

ويعاني صيادو غزة البالغ عددهم نحو 3000 صياد انحسارا كبيرا في مهنتهم بسبب الحصار الاسرائيلي وشح الامكانات.

وفي خيمة صغيرة مغطى سقفها بعسف النخيل تنتصب فوق تلة رملية على الشاطئ تنشغل ريم بانتزاع اسماك مختلفة من بين ثنايا خيوط الشبكة الصغيرة وتجمعها في إناء، قبل بيعها او ارسالها الى البيت لتكون غذاء للعائلة.

ويصل متوسط صيد الفتاتين الى نحو ثلاثة كيلوغرامات من الاسماك يوميا تباع ب30 شيكلا (حوالى 8 دولارات).

ويشرح
محمد كلاب (52 عاما) المتحدرة عائلته من قرية حمامة الساحلية قرب مدينة المجدل (اشكلون) والذي توارث مهنة الصيد عن ابيه واجداده، معاناته عندما اصيب بشلل اقعده عن الصيد قبل عشر سنوات "علمت ابنتي مادلين وريم السباحة والصيد ليعتمدا على نفسيهما..اولويتي كانت اكمال تعليمهما لكن ما باليد حيلة".

وتعمل مادلين وريم اربع ساعات يوميا في الصيد صباحا واحيانا لساعة في المساء.

وتوضح ريم وهي متفوقة في الدراسة "اعمل لساعة او ساعتين ثم اتوجه الى مدرستي..دائما اجهز ملابسي وحقيبتي المدرسية معي ل
اكون جاهزة للتوجه للمدرسة".

ويؤكد الوالد محمد ان قاربه الصغير دمر في الحرب وانه يملك قارب صيد متوسطا توقف عن استخدامه لانه بحاجة الى خمسة الاف دولار لاصلاحه "انتظر ان يشب اولادي لاتمكن ربما من اعادة تشغيله".

وتحلم
ريم ،التي تجيد السباحة منذ ثلاث سنوات وهي تستعد لدخول الصف الثامن، ان تصبح صحافية "لانقل معاناة الناس ..الحياة تظلمنا".

وتتلقى عائلة كلاب مثلها مثل 850 الف لاجئ في القطاع مساعدات تموينية واحيانا مالية بسيطة من وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانروا).


ويقول صيام "لا خيار للشباب..ابي عاطل عن العمل وهو ما اضطرني قبل خمس سنوات الى الاعتماد على الصيد البحري لاعالة اسرتي ولو بالحد الادنى".

وتقول ريم "ربما لا يوجد قبول لعمل فتاة في الصيد او السباحة لكنني مرتاحة لانني اساعد ابي" وتتابع "سبق وان انقذت فتاة وطفلا من الغرق".

محمد جحجوح (19 عاما) من مخيم الشاطئ يملك قاربا صغيرا للصيد ويفخر بعلاقته بعائلة محمد كلاب. ويقول "الشغل ليس عيبا..نعيش بكرامة افضل من التسول" ويتابع "لا زلت احلم باكمال دراستي وتحسين اوضاعنا المعيشية".

ولا يملك محمد كلاب الا الدعاء وهو يجلس على رمال الشاطئ ينتظر عو
دة صغاره "سالمين اولا انهم كل ما املك" مع حصاد صيدهم.

ولا تخلو مهنة الصيد في غزة من المخاطر فالرصاص والقذائف التي تطلقها بشكل متكرر القوات الاسرائيلية تضطر مادلين وريم احيانا لترك شباك الصيد مسرعين نحو الشاطئ .



ولا تزال
ريم  تتذكر عندما اصيب صيادون في منطقتهم برصاص الجيش الاسرائيلي بينما كانت على متن قاربها تحاول جر صيدها في الشبكة "طبعا اخاف كثيرا".

وتشير انها "تضطر للغوص في عمق المياه واحيانا المجازفة في حال اصيب القارب باي عطل او تعرقلت الشباك".

لكن الفتاة الصغيرة تعبر عن فخرها لاحتراف السباحة والصيد "لا اخجل من صديقاتي في
المدرسة لانني اساعد ابي واخوتي واحاول تخفيف العبء عن امي".


أعدته للنشر على الموقع/ أمانى إسماعيل

MedSea

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

921,305