قطعة القماش بيضاء رغم أنف الساحر- حكاية -بقلم: د . محمد ناصر

تاريخ النشر : 2012-05-14
___________
جاء في اسطورة قديمة أن ملكاً طاغية طلب من كبير وزرائه مرة أن يجمع له في قصره كل حيوانات الأرض قديمها ومعاصريها ، ما يعيش منها فوق الأرض أو تحتها وفي الهواء أو تحت سطح ال
ماء . وأمهله أياماً معدودات وهدده بقطع رقبته إن فشل في تحقيق تلك الرغبة السامية . 
وقدر كبير الوزراء استحالة الأمر وعرف مقدماً مصيره . ولكن ساحراً ماكراً دجالاً أنقذه من ورطته ... فلا يعرف طريق الطغاة إلا السحرة الدجالون . وفي الموعد المحدد دخل رئيس الوزراء ، يتبعه الساحر الدجال وهو يحمل وعاء مغطى ، على الملك الذي كان يترأس مجلسا ضخما يضم الوزراء والقواد ووجوه المملكة .. 




قال رئيس الوزراء : 
- سيدي صاحب الجلالة . لقد استطعنا بعد جهد جهيد أن نلبي رغبتكم السامية . فكل الحيوانات التي تعيش في عالمنا من دواب وهوام وطيور واسماك وحشرات موجودة داخل هذا الوعاء .
وذهل الملك ووجم القوم من غرابة الامر .. ورفع الساحر غطاء الوعاء فأخرج منه قطعة قماش بيضاء صغيرة .. واستمر كبير الوزراء يقول : 
- كل حيوانات العالم منقوشة على قطعة القماش المسحورة هذه . فإذا ما أردت يا سيدي أن تسري عن نفسك فيكفي أن تفرش هذه القطعة أمامك وتنظر إليها ، فستجد الحيوانات كلها حية تجري وتدبّ وتطير وتسبح وتلهو ... ويفترس بعضها بعضاً ، في غابات وصحار وبحار وأجواء . على أن هناك شرطاً بسيطاً جداً يا مولاي لا بد أن يتوفر في الناظر لقطعة القماش ليرى حديقة الحيونات العجيبة هذه ... الشرط أن يكون " عرضه " نظيفاً سليماً إلى مدى سبعين جيلاً . 
فأن كان في " عرض " الناظر للقماش أبسط عيب أو أقل لطخة سوداء فأنه لن يرى في القماش أي حيوان ، وستبدو القطعة المسحورة لعينيه بيضاء خالصة .
وفكر الملك ... وفكر معه الوزراء والقادة ووجوه المملكة ... المسالة اختيار أحد أمرين ، إما أن يخضعوا للأمر الواقع ويقبلوا لعبة الساحر الدجال أو يطعنوا هم أنفسهم بأعراضهم ، و ... " العرض عزيز " طبعاً !!! وأمر الملك الطاغية الساحر الدجال أن يفرش قماشه . وسرعان ما تسابق الوزراء والقادة والوجوه المساكين يحملقون في قطعة القماش البيضاء وهم يتصايحون ويؤشرون متظاهرين بالعجب والدهشة : 
- مولانا هذه حيوانات رائعة ، - شوف الفيل كم هو طويل خرطومه ، - شوف الأسد ما أكبره ، هذه أرانب حلوة ... وما أجمل هذه الغزلان ... 


وأخذ الساحر الماكر يشير بأصبعه إلى أماكن من القماش وهو يقول للملك :
- شوف الحمام الجميل يا مولاي ... وهالحياية السامة ... وهذي عقارب قتالة يا صاحب الجلالة الملك ... وهذا دب قطبي وديع مسالم !..
وأبدى الملك أول الأمر انه يرى الحيوانات فحسب ... ولكنه سرعان ما انفك ان ) نزل للخطة ) وصار يقول :
- حيوانات بديعة للغاية ! أنا معجب أشد الأعجاب بهذه الحشرات ... وارتاح كثيرا لمنظر هذه القردة ... ما أجمل منظر الكلاب هذه الجرباء السائبة ؟ ...
ثم استمر الملك والساحر يدل أحدهما الآخر على عجائب تلك الحديقة الموهومة التي جمعت حيوانات الأرض وطيور السماء وأسماك البحار . ولكن شيخاً من القوم اكتفى بالقاء نظرة خاطفة سريعة على القماش ثم انتحى بعيدة في المجلس وأطرق صامتاً ... ولاحظ الملك ذلك الشيخ فسأله عن أمره وعن رأيه في حديقة الحيوانات . فلم يجب . فلما ألح الملك عليه قال الشيخ بهدوء وشجاعة :
- مولانا أنا عرضي غير سليم ) ساقط ) كل نساء أهلي وعشيرتي من هنا لسبعين ظهر فاجرات وساقطات ... ولكن القماش أبيض ... ما فيه ولا جرذون . أبيض غصباً عن أنف الساحر الدجال .


تذكرت هذه الاسطورة وأنا أفكر في هذا السجال الحاصل داخل الساحة الفلسطينية والعربية بالذات .
لقد سلك عديد القادة والأعضاء من الحكومات العربية و التنظيمات الفلسطينية والقادة الوطنيين من الشعب الفلسطيني مسلك وزراء ووجوه الأسطورة ، فأنساقوا ورقصووصفقوا وأيدوا وشجبوا وساروا في المسيرات والجنازات وحملوا اللافتات ، ولبسوا لبس الدفاع عن فلسطين وحق العودة والثوابت الفلسطينية والمقاومة والتفاوض وفعلوا ما فعلوا... ولكن فلسطين ، وفي احلك أيامها التي تعيشها الأن لم تعدم ، رجالاً من طراز الشيخ الذي رضي أن يقال عن عرضه ما يقال ، ولكنه أصر على أن قطعة القماش بيضاء رغم أنف الساحر الدجال .... 


واليوم ... لقد بدا القماش أبيض في عيون كثير ممن أدعوا في هذا العام الذي سينصرف انهم رأوا فيه فيلة ضخمة ودببة مفترسة وحمامات مرفرفة وحياّية رقطاء ... وكل ما نرجوه ونأمله الآن أن يجمع من يرى القماش أبيض أطراف شجاعته فيكف عن التغزل بالحيوانات الوهمية ، ويقول بصراحة وشجاعة .... إنها أسطورة !!

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 497 مشاهدة
نشرت فى 14 مايو 2012 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

357,059