حيفا تلتقي المناضل الأديب العربي د.محمد ناصر الخوالدة 
د.محمد ناصر لحيــفا: لا أستطيع الانفكاك من الموضوع الفلسطيني بكافة أوجهه...
حوار: رئيس التحرير
نشر في الاثنين ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩




حيفا: كيف يقدم د.ناصر نفسه للقاريء العزيز، وهل يفضّل الناحية الأكاديمية أم الناحية الإنتاجية في الكتابة مدخلاً لهذا التقديم ؟ 

أكتب عن الإعلام وسياسته , مهتم بمتابعة الدور الاجتماعي والسياسي لوسائل الاتصال الجماهيري , لي دراسات متعددة حول دور الإعلام في الحياة المعاصرة . 

وأفضل الناحية الأكاديمية بالرغم من أن كتاباتي متنوعة ، انطلاقاً من رؤيتي لدور الأكاديمي الذي يجب أن لا ينحصر في التخصص وأن عليه واجب تجاه أفراد المجتمع يجب أن يقوم به . 

حيفا: في البحث والكتابة البحثية، لديكم عدة أبحاث جرى نشرها، بعضها نشرته حيفا على امتداد عدة أعداد تناولت الإذاعة الثورية الفلسطينية، هل هي التجربة التي دفعت إلى الكتابة، أم هي أهمية الموضوع الفريد من نوعه ؟ 

التجربة تساعد على تقديم الموضوع المطروح، ولكن أهمية الموضوع هي التي يجب أن ينطلق من خلالها الكاتب. 

بالنسبة لموضوع الإذاعة الفلسطينية يمكنني القول أن أهمية الموضوع والتجربة التي مرت بها الإذاعة الفلسطينية هي الحافز الذي أدى بي أن أختار هذا الموضوع ، مع العلم أنني لم أعمل بالإذاعة ولكنني عاصرتها وكنت قريباً منها ومن العاملين فيها . وكنت أرى بأنني من خلال الكتابة عن الإذاعة أستطيع أن أساعد في كتابة التجربة النضالية المعاصرة للمقاومة الفلسطينية وأقدم جزء هام من محطات النضال الفلسطيني. 

حيفا: بخصوص موضوع البحث الأم لديك في الاتصال الجماهيري للحصول على شهادة الدكتوراة، ونظن القاريء محتاجا لمعرفة مبسّطة حول هذا التخصص النادر، ترى ما هي حدود هذا الاختصاص وطبيعته وتوظيفه؟ 

يتناول تخصص الاتصال الجماهيري ، دوره في المجتمع ، ويتيح فهم عملية الاتصال ودراسة تأثيرات وسائل الاتصال واستخداماتها في المجتمع ، وكذلك دراسة نظريات تأثير وسائل الإعلام في المجتمع وتقدمها وتأثيرها في الرأي العام . ودراسة وسائل الإعلام دراسة نقدية من خلال فهم أشكال الاتصال الاقناعي كالإعلان والدعاية والعلاقات العامة ودورها في المجتمعات المعاصرة والمسئولية الاجتماعية لوسائل الإعلام . 

والهدف من دراسة هذا التخصص التعريف بعلم الاتصال والإعلام بوجه عام من حيث فهم عمليات الاتصال وفهم وظائف وسائل الإعلام وتأثيراتها في المجتمع المعاصر. ودراسة وسائل الإعلام مع التركيز على خصائص وتأثير كل وسيلة والأسلوب العملي للتعامل مع وسائل الإعلام . والتعرف بنظريات تأثير وسائل الإعلام، ونماذج الاتصال الجماهيري. ويفترض بالدارس لهذا التخصص أن يكون قادرا على: 

1- أن يستوعب العلاقة بين الاتصال/التواصل والمجتمع والواقع الذي يعيش فيه. 

2- أن يتعرف على دور التواصل الجماهيري 

3- تأثير وسائل الاتصال على المجتمع 

4- علاقة الرأي العام بوسائل التواصل الجماهيري . 

يمكن تعريف الاتصال الجماهيري – الاتصال - : بأنه بث رسائل واقعية أو خيالية موحدة على أعداد كبيرة من الناس ، يختلفون فيما بينهم من النواحي الاقتصادية والثقافية والسياسية وينتشرون في مناطق متفرقة ، ووسائل الإعلام هي تلك الوسائط التي تستخدم لنقل الرسائل ، والتي تمكن مصدراً معيناً كفرد أو عدة أفراد من الاتصال بالجماهير العريضة . 

وتؤدي وسائل الإعلام الجماهيري وظيفة مهمة في إفهام أفراد المجتمع لمهامهم واحتياجاتهم، وفي التربية على الإعداد النفسي للعمل والحركة، كما تقوم بدور خاص في العمليات الاجتماعية – السيكولوجية لتراص ووحدة الذات الاجتماعية للنشاط الاتصالي. إن الآلية الاجتماعية – السيكولوجية لتشكيل وتكوين الذات وفاعليتها الاجتماعية لا يمكن حصرها في الآلية السيكولوجية التي تجري على أساس عمليات التفاعل، وفي هذا الحال تكمن الوسيلة الاتصالية الهامة لتحقيق الاتفاق في التواصل المباشر بين الأفراد والذي يحدث في أثناء تبادل النشاط الاتصالي والمعلومات وتحقق المستوى الضروري من التفاهم المتبادل والاتفاق بين الأفراد الذين ينجزون عملية الاتصال. 

ففي الإعلام يوجد دائماً وسيط هو المطبعة أو المحطة الإذاعية أو القناة التلفزيونية أو استديو السينما أو شبكة الإنترنت الذي يربط المرسل بالمستقبلين من الجماهير . 

حيفا: اليوم يوجد ما هو فوق الإعلام الصوتي الذي كان جزءا من معركة القضية الوطنية الفلسطينية، هل برأيكم حقق هذا الجديد أية إضافات وهل سد أية ثغور في نواقص الإعلام الصوتي ؟ 

يعتبر الإعلام متعدد الوسائط Edia Multim هو عنوان الثورة الإعلامية التي نشهدها في العصر الحالي، إذ يمزج بين مختلف أنواع الإعلام والتكنولوجيا، فنجد الصوت والصورة والرسم والعمارة والنص الأدبي والمهارة اللغوية والتقنيات التكنولوجية، والبث الرقمي، واستخدام الكومبيوتر والإنترنت، كل ذلك يتحالف معاً لإنتاج إعلام بالغ التعقيد والكثافة والإبهار. وهذا المزج لوسائط إعلامية كانت في ما مضى مفصلة عن بعضها البعض، أو يشتغل عدد محدود منها معاً في أحسن الحالات، هو الذي يمثل المعلم الأبرز لتلك «الثورة». 

وإذا كانت الإذاعة حاجة ملحة للجماهير فأنها بالنسبة للشعب الفلسطيني أكثر إلحاحا, والصوتي يلعب دور مهم في حياة الشعب الفلسطيني, وخلال الأزمات والحروب تعاظم هذا الدور بتحول الإذاعة الفلسطينية إلى الخدمة القتالية فلا تقل أهمية عن حملة السلاح من المقاتلين والنافذة التي تطل منها الجماهير على الوضع العربي والدولي وعلى الوضع الخاص في ساحتها الساخنة. 

ونضال الشعب الفلسطيني يمثل حالة فريدة بين الحالات النضالية وساحتها بالضبط ليست من صفها وحدها ولا هي من صنع الديالكتيك الطبيعي الذي يقوم بين الخصم والخصم وينتج عنه تركيب معين يكون لكل من الطرفين نصيب واضح في تحديده بل تدخل في صنعه عوامل متضاربة عربية ودولية وصهيونية , وقد عبرت عن ذلك أدبيات الثورة الفلسطينية بأنها ثورة فلسطينية الوجه , عربية العمق , عالمية الامتداد والجذور. 

حيفا: بصراحة هل ترى الإعلام الوطني الفلسطيني اليوم فاعلاً رغم عشرات المنافذ وتطوّر الأدوات كميا ونوعيا ؟ أم أنه كما يقال لا إعلام وطني بل إعلام فصائلي ! ثم ما رأيك في المعادلة الإعلامية اليوم فلسطينياً، هل تعتبرها قادرة على القيام بواجبات إعلام القضية الوطنية؟ وما هي النقائص! 

الإعلام الفلسطيني : 

يحاول الإعلام الفلسطيني بكل إلحاح نشر رسالته، ليس على ساحة فلسطين فحسب، بل وعلى مساحة واسعة في شتى بقاع العالم،…فضلا عن ساحات الأعداء داخل فلسطين وخارجها. وهناك بعض الحقائق على الإعلام الفلسطيني يجب استعراضها . 

1) أن الإعلام الفلسطيني، جزء من الإعلام العربي، ولا سبيل لفصله من دائرته، وعلى الرغم من أن القاسم المشترك الذي يجمع بين إعلام الدول العربية هو تحرير الأرض الفلسطينية، بيد أن أساليب التحرير مختلفة، باختلاف الأيديولوجيات السائدة في الوطن العربي فكانت مهمة الإعلام الفلسطيني، ومازالت في غاية التعقيد… 

2) أن الإعلام العربي، والإعلام الفلسطيني جزء منه، لم يثبت فعاليته على الساحة الدولية بالأداء المطلوب منه، ذلك أنه يفتقر إلى التخطيط الإعلامي الشامل، وقع أنه سجل بعض الانتصارات هنا وهناك إلا أنه يبقى دون الحد المطلوب فلسطينيا. 

3) أن الإعلام العربي، والإعلام الفلسطيني جزء منه، مطلوب منه أن يواجه الهجمة الإعلامية الصهيونية، ولما تنفقه وسائل الإعلام الإسرائيلية، عالميا، فقد أدركت إسرائيل، خطورة وسائل الإعلام على ممارساتها وخططها، لذا عمدت إلى إغلاق الأرض الفلسطينية إعلاميا،بعد أن تعرضت صورتها إلى هزة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. 

4) وهنا كان لابد للفلسطينيين أن يجدوا طريقه، ليست موجودة، على الساحة الفلسطينية في فلسطين كلها، ممثلا بالصحافة، ودور النشر، والمؤسسات الإعلامية وعلى الساحة العربية، الأجنبية على حد سواء، ممثلا بالإذاعة، والتلفزيون ووكالة الأنباء، النشرات والكتب وغيرها . 

ولعل ما يلاحظ حديثا دخول الإعلام الفلسطيني مرحلة جديدة ومحاولة نشر وإنشاء عديد الصحف والمواقع على شبكة الإنترنت العالمية، والتي تعتبر نقلة نوعية تساهم في التعريف بالإعلام الفلسطيني بالنص والصورة، وعالميا وهذا ما يميزها عن لصحافة التقليدية التي تكاد تتعدى حتى الدول المجاورة بحكم الظروف السياسية التي يعاني منها الإعلام الفلسطيني. 

وبالرغم من الإدراك المبكر لأهمية الحقائق التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقه وأرضه إزاء تأثير الإعلام الغربي والإسرائيلي خاصة، ضد الإعلام الفلسطيني والثورة الفلسطينية، ولقد استطاع الإعلام الإسرائيلي أن يؤلب الرأي العام الغربي ضد المقاومة الفلسطينية، مثلما حدث من 1985 عند وصف المقاومة، "بالإرهاب " وهناك العديد من الأمثلة التي تشهد على ذلك حتى يومنا هذا. 

ويجب أن تكون أهداف الإعلام الفلسطيني تتمثل بالتالي : 

1) الإعلام : هو جزء من النظام السياسي ويعبر عن الفلسفة الإيديولوجية لحركة الثورة الفلسطينية ويشكل مع مجموعة الأفكار والقيم والآراء المختلفة الإطار الفكري لفلسفة الثورة الفلسطينية. 

2) مضمون الإعلام : الفكر النابع من حركة الجماهير وطموحاتها، وتضحياتها واستعدادها الدائم للعطاء، وهو نبض للثقافة الوطنية والقومية وأساسه الرصاصة المسيسة المعبرة عن آمال الشعب وآلامه. 

3) وظيفته : التعبئة والتوجيه داخليا وخارجيا، يسهم في تعبئة الجماهير و دعوتها للعطاء و التضحية، وتوجيهها نحو الأهداف المنشودة، وعلى النطاق الخارجي، شرح أهداف الثورة وغاياتها واستمالة الرأي العام نحوها، وتفيد ادعاءات العدو وتصحيح مقولات الدعاية المضادة. 

4) منهجيته : الموضوعية في العرض، والصدق في التعبير، والتحليل الموضوعي لاتجاهات و أهداف الثورة والابتعاد عن أسلوب التجريح والاتهام والحديث بلغة واحدة وإطار واحد. 

5- هدفه : خدمة القضية الفلسطينية وكسب الأصدقاء وبيان واقع الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وأرضه ومواجهة الدعاية الصهيونية، والعمل على نشر الأفكار السياسية للشعب في كل دوائر الصراع مع العدو. وبدأ الإعلام الفلسطيني يأخذ شكلا جديد مواكبة للحداثة بدخوله إلى شبكة الإنترنت، فقد تطلبت الحاجة إلى ظهور مواقع إعلامية فلسطينية على شبكة الإنترنت. 

وهذا ما دفع الإعلاميين وأصحاب المؤسسات الصحفية إلى تأسيس مواقع لمؤسساتهم الصحفية في الإنترنت لإيصال رسالتها الإعلامية، وفي عام 1996 بدأت المواقع الإعلامية الفلسطينية في الظهور على شبكة الإنترنت. 

- ملامح الإعلام الفلسطيني في الإنترنت 

لقد ظن البعض أن إعلام عصر المعلومات، ما هو إلا مجرد طغيان الوسيط الإلكتروني "الإنترنت" على باقي وسائط الاتصال الأخرى لكنه في حقيقة الأمر هو أخطر من ذلك، فالأهم هنا هو طبيعة الرسائل التي تتدفق من خلال هذا الوسيط الاتصال الجديد، وسرعة تدفقها وطرق توزيعها واستقبالها.وطبيعة الجمهور الذي تصل إليه. 

فعندما ننظر للمواقع الإعلامية الفلسطينية الإلكترونية ، الرسمية، الخاصة، والتنظيمية، والحزبية… فنلاحظ أنها تركز في محتواها ومضمونها العام على نشر الأخبار والتحاليل وكذلك الصور عن كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومواكبة الأحداث في فلسطين، وعن تطورات الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي الشيء الذي يجعل وجود مواقع إعلامية أمرا ضروريا، خاصة وأن إسرائيل تسعى دائما لتشويه صورة الإعلام الفلسطيني على الشبكة، تفوقها الحالي في تكنولوجيا المعلومات . 

وإذا قمنا بالبحث و برصد بعض المواقع الفلسطينية المختلفة ووسائل الإعلام الفلسطينية من مواقع، إذاعة، وتلفزة، صحافة مكتوبة. سوف لا نجد أن ذلك يفي بالحاجة المطلوبة مقارنة بإسرائيل، التي رغم قلة عدد سكانها النسبي، فإنها تأتي في المرتبة العشرين عالميا فيما يخص عدد المواقع على الشبكة الذي يضاهي إجمالي مواقع الدول العربية مجتمعة. 

لكن هذا لا يمنع من وجود بعض المواقع المتميزة على شبكة الإنترنت التي تعتبر من المواقع الإعلامية الشاملة والمتنوعة، التي تحتوى على دليل كامل لفلسطين وكذلك بعض الدول العربية. 

أما مستوى المضمون فإننا نلاحظ أن معظم المواقع تقدم في جانب كبير منهما أخبار وتقارير عديدة ففي الصفحات الرئيسية للكثير من المواقع التي تم الإطلاع عليها نجد تفاوت في ترتيب المواد فقد نجد في بعضها ،على طول الصفحة في الوسط عناوين أخبار فالخبر الأول يحتوي على صورة متعلقة بآخر الأحداث على الساحة الفلسطينية مع تفصيل لكل خبر بطريقة الوصلة الفائقة، بالإضافة إلى بعض الأخبار العربية وأحيانا العالمية و يأتي هذا الموقع في صدارة المواقع الإعلامية المتنوعة. وهناك إعلام ورقي ، فقد يهتم في جانب منه بالأخبار و الأحداث الفلسطينية لكنه يقدم أخبار أقل من التي في موقع آخر ونلاحظ أن البعض من هذه المواقع تمكن من إرسال بعض الأخبار وتبادلها عبر البريد الإلكتروني، ونجد أن هناك مواقع فلسطينية ،بمثابة دليل فلسطيني إلكتروني شامل على شبكة الإنترنت، والذي إلى جانب وصلة تحتوي أقوال الصحف : القدس، الأيام، الحياة الجديدة وكذلك وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا " وبعض الصحف الحزبية والتنظيمية الرسمية و الغير رسمية . 

وعند الإشارة إلى بعض المواقع الحزبية هناك ما تندرج تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" أما من حيث المضمون فهي لا تختلف كثيرا عن سابقاتها، مع إضافة بعض الوصلات الخاصة بالحركة مثل أعمالها، نشاطاتها، مكاتبها… هذا إلى جانب وجود مواقع حزبية أخرى كالمركز الفلسطيني للإعلام الذي يتحدث بلسان حركة حماس الفلسطينية، كما أنه مدعم في جانب كبير منه بالصور المتعلقة بالأحداث الفلسطينية عن طريق وجود أرشيف كامل للصور والأخبار أيضا. ونلاحظ أيضا أن هناك عديد المواقع الفلسطينية التي ظهرت حديثا على شبكة الإنترنت، " وتهدف هذه المواقع بالأساس بنقل كل ما يتعلق بنشاطات الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والفعاليات المتعلقة بالوضع الفلسطيني الداخلي-خاصة. 

وهدا ليس بالأمر الغريب، خاصة أمام المنافسة الشديدة من قبل الإعلام الإسرائيلي فهي تتحرش – أي إسرائيل بالتشويه للمواقع الفلسطينية والعربية عبر الإنترنت، وقد نجحت في إقامة شبكة ممتدة من التحالف الثقافي والديني و لإعلامي ضد العرب والمسلمين، تشير دلائل عديدة إلى نية إسرائيل في استخدم التكنولوجيا الحديثة لتشويه الحقائق من قريب أو بعيد. هناك ملاحظة هامة حول اللغة، فنجد بعض المواقع تقدم موادها الإعلامية باللغتين العربية والإنكليزية : كموقع إسلام ون لاين وكالة الأنباء الفلسطينية، غزة نت، فقط موقف صحيفة " Palestine daily "، "the jerusalem times " بينما تستخدم النسبة الأكبر من المواقع الفلسطينية اللغة العربية. يكمن المشكل الأساسي في كون أغلب المواقع تقدم وثائقها الإعلامية على طريقة تقنية الصورة "Image" تحتاج إلى مساحة نطاق أكبر مما يحتاجه النص ما يعرف " تقنية النص" مما يجعل مستخدم الإنترنت بحاجة إلى وقت أطول للحصول على المادة التي يريدها، هذا ما يعرقل وجود محرك بحث في الموقع ويجعله بطي. 

وهناك العديد من المواقع غير المتخصصة في مجال الإعلام ويصعب علينا تحديد مفهوم "الموقع الإعلامي" إلا أننا يمكن أن نجد العديد من المواقع الخاصة بشركات ومواقع أخرى شخصية، وتجارية وقد تم استثناء المواقع الشخصية الموجودة بكثرة وان كان بعضها يقدم خدمات إعلامية وذلك يمكن أن نلاحظ توجهاته وانتماءاته وأهوائه الشخصية مما يجعلها تخرج عن إطار الصحفي " الموضوعية والجدير بالذكر أن عدد المواقع الشخصية الفلسطينية يزداد خاصة أن معظم المواقع الكبرى أصبحت تعطي حق امتلاك موقع مجاني ولا يمكننا أن ننسى المواقع التجارية لاعتبار أن هدفها هو تجاري اقتصادي بحت ولكنها أيضاً تساهم في تقديم المعلومات المتعلقة بالحركة الاقتصادية للشعب الفلسطيني .. 

حيفا: هل يمكن اعتبار الانترنت وشبكته التي غزت العالم في هذا العصر بديلا يكمل ما سقط من واجبات الإعلام الورقي أو الصوتي- الصوري ؟ 

لقد حدثت تغييرات كثيرة جدا" لم تكن في الحسبان، وذلك بسبب ظهور الانترنت وقنوات التلفزيون الفضائية والرقمية. ومن دون شك، سيكون لهذه الظاهرة أثر جوهري على وسائل إعلامنا القائمة وعلى الذين يستخدمونها على مستقبل العالم، أي- بعبارة أخرى- سنتأثر كلنا بها. الحقيقة الأكيدة، ونحن في بداية الألفية الجديدة، هي أن هناك كمية هائلة من المعلومات متوافرة لكل واحد منا أكثر من أي وقت مضى، ونحن جميعا" نغرق في وفرة المعلومات. يعتقد البعض أن هذا يعني نهاية الصحافة المطبوعة، وأنا لست واثقا" من ذلك؛ فقد نجت بقليل من الإبداع والتصميم-وبخلاف الكثير من آراء الخبراء- من هجوم الإذاعة والتلفزيون. لقد نجت الصحافة لأنها تعرف أسواقها ولأن شيئا" لم يحتل مكانها بعد؛ فشبكات توزيعها منظمة بصورة قريبة من قاعدة عملائها وزبائنها، كما أن محتواها يستهدف أولئك العملاء والزبائن. وأعتقد أن الصحافة بدأت بقبول أنها يجب أن تتعايش معها. 

ثمة أسئلة رئيسية ثلاثة تحوم بشأن الكلمة المطبوعة في العصر الرقمي، وهي قابليتها للحمل والمحتوى والعائد الدائم.إن الخدمات الصحفية تقتضي الآن جوهر توزيع الصحافة؛ فالإنترنت سهلة الاستخدام، وسريعة البث والنشر لأحداث الأخبار، كما تتمتع بقدرة وصول عالمية. 

تتميز الصحيفة بخفتها ومرونتها العالية على الحمل والنقل، والمرء لا يحتاج إلى مزود كهرباء أو جهاز لاقط (مودم) لقراءتها. غير أن هذه المزايا تتضاءل عندما نشرع في الحديث. فقد أخذ النفاذ إلى الإنترنت في التوافر بصورة متزايدة عبر أجهزة مثل الهواتف الخليوية التي يمكنها بث الخدمات الإخبارية ونشرها. فهل نواصل شراء الصحف بينما يمكننا التجول في الإنترنت من كف اليد؟؟ 

وهناك أيضا" مزايا بعينها في قراءة الأخبار الموجودة على الإنترنت؛ إذ يمكن على سبيل المثال أن يكون لك مزوّد الأخبار الخاص بك الذي يوفر لك المعلومات ذات الأهمية الخاصة فقط بالنسبة إليك؛ كما يجري تحديث الخدمات الصحفية المتاحة عبر الإنترنت بانتظام. ولا يمكن لأي صحيفة أن تحافظ على تقدمها فيما يتعلق بالأخبار الصحفية العاجلة. وتحاول الصحف نفسها –وعلى نحو متزايد- جاهدة أن تتأكد من أن "نسخها الإلكترونية" تلبي احتياجات المنافسة المباشرة. والعديد من الصحف تنظر في المقام الأول إلى نسخها المنشورة عبر الإنترنت باعتبارها إصدارات مخففة من الإصدارات المطبوعة، لأنها تريد من زبائنها وعملائها متابعة شرائها، ثم أدركت لاحقا" أن الإنترنت تتيح توزيعا" على مستوى العالم. 

الأمر الخطير هو أن الصحف ربما تشهد تسربا" "لقوام حياتها"، ليس من جراء انخفاض التوزيع ولكن بسبب التهديد الناجم عن انخفاض عوائدها الإعلانية، وبخاصة الإعلانات المبوبة التي تشكل الأساس المالي الوطيد لمعظم الصحف. ويعتبر نشر إعلانات مبوبة على الانترنت أسهل وأسرع وأرخص. 

ومع ذلك، أعتقد أن الناس ما زالوا يريدون شراء الصحف، وهناك شيء يدعو إلى المواساة والطمأنة بشأن الصحف اليومية. فتكلفتها المنخفضة نسبيا" سوف تعطي القارئ على الدوام الفرصة لمعرفة ما يحدث في مدينتهم أو داخل الموضوعات أو الرسائل التي تهمك. 

إن الطباعات الالكترونيات هي إضافة، فهي تحافظ على الصحيفة في أعين الجمهور وتروج لها بصورة غير مباشرة، ولكنها لن تحل محلها. 

على أي حال، على الصحافة أن تتغيّر مع تقلص سوقها، إذ يتوقع القراء مقالات ذات تغطية وإحاطة إخبارية أكبر وأفضل ونقاشات أكثر حفزا"ً،سواء كان ذلك في السياسة أو الترفيه أو الرياضة. وسوف تظل الموضوعات الرئيسية موجودة، غير أنها ستحتل مساحة أقل لأن الصحف لن تتمكن من منافسة الانترنت في مجال موضوعات الأحداث الجارية. أما الطلب على الأخبار الدقيقة والمكتوبة بصورة جيدة، ناهيك عن التحليلات فسوف يتنامى. وأشك فيما إذا كانت الانترنت ستقدم التغطية ذاتها للأخبار المحلية. بالإضافة إلى ذلك، ما تزال التكاليف الرأسمالية وتكاليف التشغيل للشبكة مرتفعة بالنسبة إلى اللاعبين الإقليميين. ومن هنا فإن الصحف المحلية ستحافظ على وجودها. 

ثمة خطر أكبر وأكثر جدية يكمن في إستخدام الإنترنت بسبب نية العقول الشريرة بشأن استغلالها لزيادة غاياتهم الوهمية والشريرة الخاصة . فهؤلاء سوف يتمتعون بصورة جيدة بالذكاء والموارد .ومن السهل توقع حدوث ذلك ،كما يماثله سهولة توقع إمكانية الرد الحكومي العنيف ،وذلك بوضع ضوابط رقابية على الشبكة،معززة بعقوبات مشددة ،وهذا بحد ذاته قد يثير ردة فعل قوية . ومع ذلك ،فإن ما سهل اجتياح جدار برلين هو موجة الرأي الشعبي التي إجتاحت أوروبا . وما سهل وجود الكيان العنصري الصهيوني هو التركيز على الإعلام الموجه والدعاية التي توجه بها نحو شعوب العالم . 



حيفا: لديك أيضا كتابات شتى بعضها في النثر الأدبي والمقالة، واللافت أن بعضها ياتي شعراً ، هل من فسحة لنقف على هذه الزاوية ؟ 

- نعم أحاول الجمع بين أشكال الكتابة وأدواتها ، وهي بالفعل متنوعة ولكنها جامعة بحيث تدور في معظمها حول الشأن السياسي والاجتماعي العربي وبالخصوص الفلسطيني منه . 

فأنا لست شاعراً ولا أستطيع أن أقول بأنني أديب أو أصنف نفسي تحت هذه المسميات . أنا قد أكون شويعر أو ناظم شعر ، وأكتب الشعر بدون تخطيط ولا حتى إلمام بأدوات الشعر ، ولكنني قد أنجح أحيانا بالتعبير عن حدث ما من خلال ما يقال عنه شعر . وبالمناسبة لا أراجع ما أكتبه شعراً أن صح التعبير ولذلك أكتشف أنني أرتكب الكثير من الهفوات التي تضر بالقصيدة التي أكتبها، لكنني أصر على إيصال ما أريد إيصاله للقارئ. وخصوصاً إذا تعلق الأمر بالموضوع الفلسطيني. أما النثر فمعظمه وجهة نظر قد تكون نقدية ولكنني لا أقصد موضوع النقد بذاته حين الكتابة بقدر التعبير عما أجده من وجهة نظري وجهة نظر خاصة بي . 

لكنني بالمحصلة أعتبر نفسي ، أكاديمي وكاتب سياسي . ولا أستطيع الانفكاك من الموضوع الفلسطيني بكافة أوجهه. وهذا ما يخلق لي مشاكل كثيرة في الأوساط السياسية الفلسطينية والعربية ولكنني أصر على التزمي بالكتابة بالموضوع الفلسطيني أياً كانت أنواع الكتابة التي من خلالها أعبر عن نفسي وواجبي . 

حيفا: كيف ترى الواقع الثقافي العربي بشكل عام، هل لا زالت شماعة الإعلام والانتشار كسبب لعدم فاعليته عند البعض قائمة ومنطقية؟ أم أنها أسباب تتخطى الذرائع السهلة وتغوص فيما هو أبعد؟ 

التقدم والنمو ظاهرة شاملة للجميع، لكن التقدم العلمي والثقافي يتحقق بعيدا عن التقدم الفكري والمعنوي، ومن الدلائل المهمة للتقدم الفكري والمعنوي هو إصدار الكتب. 

إنّ التقدم الثقافي في العالم العربي لم يبلغ الحد الذي يكون فيه ركيزة قوية للنشاطات العلمية والفنية والصناعية وغيرها . 

إن معظم الأنظمة السياسية العربية لم تهتم فيما مضى كثيرا بالثقافة ولذلك لم تعط الفرصة الكاملة للفكر للمفكرين وهمشت الثقافة واعتبرتها تابعة أو هامشية وكما استوردت السلع فقد سمحت باستيراد الثقافة أيضا لكونها نظما تعيد إنتاج التبعية و تقيم فروعا محلية لمراكز غربية بدل أن تقيم مراكز أبحاث ناشطة بعقول عربية وأفكار وطنية 00 

الوقع الثقافي العربي يعيش صدمة إعلامية على مختلف المستويات : السياسية، التنظيمية والفنية، فليس الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وأحداث المطابع الصحفية وحدها تجيد الاتصال في عصر المعلومات، وعلينا أن نقر بأن الوضع الثقافي العربي محوره و أضحى مكبلا بقيود ارتباطه الوثيق بالسلطة، تائها بين التبعية و التنافس السلبي على سوق إعلامية إعلانية محدودة،وكان نتيجة ذلك أن أصبح رهن الإعلان من جهة، ودليل الدعم الحكومي من جهة أخرى . 

يواجه الثقافي العربي عصر التكتلات مشتتا، عازفا عن المشاركة في الموارد يعاني من ضمور الإنتاج وشح الإبداع، حتى كاد وهو المرسل بطبيعته أن يصبح هو نفسه مستقبلا للثقافة المستورد ليعيد بثه إلى جماهيره. هناك من يفسر ذلك بغياب مناخ الحرية والاستقرار في هذه البلاد لأن شرط الحرية والتعبير عن الرأي من الشروط الأساسية لوجود إعلام ناجح ومتطور، ورأي أخر يقول أن هناك رغبة من هذه الوسائل بالتواجد في أماكن صناعة الخبر حيث المسائل السريعة و الحديثة، و حيث الخبرات والكوادر الفنية وأحداث وسائل التقنية المتطورة . وهناك من يبرر ويقدم الحجج الواهية التي يبرر من خلالها التصاقه بالأنظمة الحاكمة تبعاً لمصالحة. 

" المثقف الثوري العربي قد مل الركض من حول الغاية فراح يطالب بحرقها " ذلك أن من يطالب ب (الموت) و (حرق الغابة ) هو جزء ، أو نتاج لهذا المجتمع ، ولهذه الغابة وليس بوسعه الانسلاخ عنه ، لأنه إذا فعل هذا وقطع جذره ، صار هجيناً وعرضة للسقوط والانهيار مع هبة أول ريح تواجهه. 

وللشللية لها دور في إغراق السوق الأدبي بالعديد من الأعمال التي تصدر عن جهات نشر معينة تنشر لمن تجد فيه يتوافق مع توجهاتها أو محسوباً عليها بشكل أو بآخر. وهنا تلعب المحسوبية دوراً يخلق جواً خانقاً وبعيداً كل البعد عن الحرية ، فضلاً عن عدم تصويب أو إلقاء الضوء على العمل الإبداعي ذاته . ولا يمكننا نسيان افتعال توزيع الجوائز والألقاب على أشخاص يفتقرون إلى الموهبة، وما يصاحب ذلك من تضخيم للجائزة، وتطبيل لمن منحت له. ولا ننسى ذاك المثقف الذي يحاول أن يفرض رؤيته وفكره على الناس ويتعالى عليهم ويرفض أن يشاركهم فكرهم وأحلامهم وآمالهم محكوم عليه بالفشل لأنه في حقيقته ليس مثقفاً حقيقياً بل هو بديل متسلط. والمثقف الذي يتقوقع على نفسه ويختار موقف الحياد والصمت من قضايا الجماهير ويركن إلى الاستقالة والعزلة . 

المثقفون الجادون والمخلصون في إيصال رسالتهم الإنسانية ، يحرصون بالتأكيد على نشر آرائهم ، مثلما يصغون إلى الآراء الأخرى . هذا التفاعل في الآراء هو الذي يشيع في الناس لغة الحوار والتفاهم والتكامل.. بعيداً عن الإلزام والإكراه وممارسة أسباب التعسف والإرهاب في فرض هذا الرأي أو ذلك. 

تحتل الثقافة أدنى درجات سلّم الأولويات في عالمنا العربي فالميزانيات التي ترصد فقيرة الأمر الذي لا يمكنها من وضع البرامج الثقافية الآنية أو الطويلة ، فضلاً عن أي برامج سنوية لها صفة الاستمرار إلا ما ندر وحسب ما يخدم الأنظمة في الدول العربية . وكذلك إهمال ثقافة الأطفال، واعتبار الثقافة عنصراً دعائياً فقط. وهناك خلط بين صفة المبدع كخالق لإبداع جديد، وبين المتخصصين في مجال ذلك النوع من العمل. ويمتد الخلط فيطال الصحافة، لتصبح المهنة الإعلامية، نوعا من الإبداع الثقافي، فيتردى المستوى المهني للصحافة، ولا تستفيد الثقافة. وهنا لا يمكننا أن ننسي طغيان المضمون السياسي، كشعار يتردد على الصفات الإبداعية في الأعمال الثقافية السائدة. وبذلك يتيح المضمون السياسي النبيل لكل عاطل عن الإبداع ، الإدعاء وإغراق المتلقي بشعارات مكررة بالمعنى ورديئة المبنى . ويعجز الناقد في هذه الحالات حتى لا يتهم في وطنيته . متخذاً من العمل الثقافي ترفاً وأداة للتسلية. ولعل أخطر هؤلاء جميعاً المثقف المهزوم المستلب الذي قبل أن يكون أداة طيعة في يد الآخرين ينفذ ما يمليه عليه وبوقاً يردد صوته ممرا لثقافة الهزيمة والاستسلام . أعتقد أن معظم المثقفين العرب يقرون بوجود أزمة في المنتج الثقافي في عالمنا العربي وهذا الحكم يأتي حول أشكال الإبداع الثقافي ذاتها. ويا حبذا لو أنهم يحاولون التساؤل عن أسباب الأزمة وعن أسباب ضعف المستوى كما يرونها ، لا الاكتفاء بالأحكام القطعية المريحة أو المتعالية ، فالتساؤل عن الأسباب سيؤدي حتماً إلى مقاربة لفهم حركة الواقع واختلاف المراحل ، وبالتالي اختلاف الأنماط الجمالية . .. 

حيفا: د. أحمد ، هل العرب أمة لا تقرأ إلا بسلطان ؟ أم أنها فقدت دوافع القراءة نتيجة مسلسل الاحباطات والهزائم ! 

اننا نعيش في عصر تسوده نظرية (التعليم المستمر) فالتطور العلمي، يتسارع بصورة (انقلابية) كل يوم.. ومن العلوم الإنسانية إلى الدراسات العلمية والعملية والتكنولوجية.. إلى آخره.. الكل يتأثر بهذا التغير العلمي الانقلابي، لا التطوري فحسب وبالتالي فمن الميكانيكي إلى المهندس إلى عالم الاجتماع.. الكل محتاج إلى أن يتعلم باستمرار، والتليفزيون يلعب دورا مهما في هذا كله: فمن آلة الحدادة والنجارة البسيطة التي يستخدمها العامل.. إلى الكمبيوتر، يظهر كل يوم جديد، وبالتالي فالتليفزيون يشرح هذا للملايين، بالصوت والصورة في مواعيد خاصة. الأمر الذي يجعل المجتمع كله في حالة (تعليم مستمر). في بلادنا.. من المحيط إلى الخليج.. مازال اهم برنامج تعليمي. واحيانا الوحيد ـ هو ركن الاسرة ـ تحت اسماء مختلفة ـ الذي يعلم ربة البيت طريقة طهي الملوخية والمقلوبة والمنسف على أنواعه والشركسية! 

وإذا شهد المرء ندوات سياسية مفتوحة للاحزاب، يجد النقاش على اشده، وتعدد الآراء يأخذ اقصى مداه، مهما كانت الظروف القائمة. 

ان الديموقراطية ليست حرية كتابة مقالات، ان الديمقراطية اساسا هي حق معرفة المعلومات. 

فالكاتب يأكل ويشرب ويتنفس لحساب سن القلم الصغير الذي يحمله في جيبه أو في قلبه اينما ذهب لا يستطيع أن ينسى همومه وشواغله ويسلم نفسه خالصة، إلى ساعة راحة مع رواية، أو متعة أمام مسرحية، او استنشاق هواء طبيعي نما في غابة شاسعة فانقى الهواء يختلط في رئتيه بغبار حياة بلاده وقضاياها وهمومها وطموحاتها. 

فما بالنا بالوقفات الكبيرة، التي يذهب الكاتب قاصدا اياها، متعمدا الوقوف عندها؟ 

بعد جولة في مكتبة الجامعة التي ادرس ، جلست على أول مقعد ، وفي ذهني رؤية ما هي العنواني التي يختارها رواد المكتبة الجامعية . 

فنحن نعرف أن هذا عصر ،إي شيء نقرأ وأي شيء نترك؟ .. ان ضخامة المكتبات وغزارة الكتب وتجددها اليومي، ليس جديدا ولا غريبا.. ورد الفعل السنوي المبهج الشارح للصدر المحرك للعقل، الشاحن للمهمة.. لم يتغير .. صحيح ان الإنسان يتقدم في السن، وتغلبه سنة الأيام على أمره.. فيقل نهمة، وتضعف شهيته، وتقل قوة معدته.. ويصبح كمن إصابته الإمراض فصار يقف أمام المائدة الشهية الحافلة، ولكنه لا يقوى على الأكل، إنما ربما على التذوق فقط. 

ولكن المسألة اكثر من ذلك، فالعالم عندما انكمش حجمه صار صغيرا بحكم وسائل الاتصال انعكس هذا على الثقافة كما انعكس على كل شيء. 

وبكل أسف أقول أن معظم العناوين التي كانت تحملها الكتب المتداولة لا تحمل في ذاتها أي فائدة قد يكتسبها القارئ . ؟ (الثورة المعلوماتية) ـ حتى في جانب الآداب والفنون والفكر ـ جعلت العالم كله واقفا على مسرح واحد.. في متناول يدك، ايا كان اختصاصك، لا عذر لك في عدم المعرفة، والمجهود المطلوب هائل..! 

ولكن وبكل أسف لا نرى أمامنا من يستكمل رحلة القراءة والمنفعة من القراءة .. وإن وجد من يبذل جهده.. في أن يبقى على سطح الموج الهائل.. بقدر ما تسمح له قدرته على السباحة في طلب القراءة ، لن يجد ذلك السلطان الذي يدفعه نحو الاستمرار في طلب القراءة . 

والحق في حرية الرأي والتعبير جاء في معظم الدراسات القانونية العربية مبتورا ، ومغفلا للجانب الاجتماعي والثقافي ، علما بأن المسألة لها ارتباط ايضأ ، بالأمراض السياسية والاجتماعية التي قد تؤدي الى شيوع قيم الطغيان وانتهاك الحقوق ولا تقتصر حرية الرأي والتعبير على الية صراع وحيدة قائمة على الدولة او السلطة التي تمنح الحقوق وتحجبها من جهة ومواطنين يطالبون بهذه الحقوق . وتتعدى المسألة هذا الآلية إلى آليات جديدة يدخل فيها عامل التطرف والتعصب الديني وكما قلتم مسلسل الهزائم المستمر وبكل أشكاله . . 

فالمجتمعات تتطور أكثر وتتضح أكثر بالمعرفة والشفافية في حين تنمو الشائعات والفساد والاضربات في ظل سياسة الأبواب المغلقة . إن المناقشات العلنية والقاسية أحيانا تمنع الاحتقان والانفجار المفاجئة .. وتنمو في ظلها حالة التعايش السلمي .. لأننا ببساطة نكون قادرين أكثر على رصدها وتشخيصها والبحث عن الحلول الآمنة لها !! كل ذلك يزيح من أمام المواطن العربي الدافع للقراءة . 

حيفا: يوجد محاولات فردية غير مؤسسية لتدارك الكثير من الفاقد في عدة مستويات، هل برأيك يمكن لهذه المحاولات أن تغني عن غياب الدور المؤسسي؟ وهل من وصفة تجعلها تعاظم في قوتها وقدرتها على تدارك الخلل فلا يؤتين من قبلها؟ 

المحاولات الفردية في تدارك الفاقد لن يغني عن دور المؤسسات ولكنه إضافة ودافع مساعد لنهوض المؤسسات في القيام بدورها . 

ولكن هناك الكثير من مسببات فشل قيام المؤسسات بدورها المناط بها ، منها البيروقراطية في عمل المؤسسات التي لن تمكنها من القيام بدورها ، في هذا المجال، فهي التي تقتل المواهب، وتعترض طريق الناجحين، ولا تقبل دخول العناصر المثقفة الواعية بمجتمعها داخل صفوفها، أو لا تضعها في مكانها الصحي وما هي البيروقراطية آخر الأمر؟ 

انها أداة كبيرة أو صغيرة، من الموظفين في كل مجال، وفي شتى الدرجات، يمارسون عملهم طبقا لقواعد موضوعة لهم من قبل، ولا يجوز لهم الخروج عنها، وإلا تعرضوا للمساءلة والعقاب. 

لذلك فانني اريد أن أصعد بالمسؤولية عن هذه الازمة في بلادنا العربية درجة اعلى من مستوى البيروقراطية.. أي إلى مستوى القيادة السياسية حيثما كانت، وكيفما كان لونها ومذهبها وطبيعة نشأتها. 

فيما يتعلق بالبيروقراطية.. فلو كان فيها داء متراكم عبر زمن طويل.. فانها مسؤولية القيادة السياسية في كل مكان، ان تحسن اختيار القائمين بالعمل، وأن تراجع اللوائح والاجراءات التي تحكم عملهم، وتعمل على تبسيطها، وتجعلها مناسبة لكل مرفق من المرافق. وليس هذا بالتأكيد مسئولية موظف كبير أو صغير، أو أشبه بمسمار أو ترس أو عجلة في آلة كبيرة. لا تستطيع تعديل عمله، انما يستطيع ذلك (المهندس) المشرف على هذه الآلة. 

فإذا نحينا ايضا هذا العنصر الجانبي عن القضية، عنصر البيروقراطية، نصل إلى بيت القصيد من هذا الحديث، وهو: العلاقة بين المثقفين والسلطة في البلاد العربية بوجه عام. 

فهي علاقة يحكمها الشك، وعدم الثقة، على الأقل، واحيانا يحكمها التناقض والعداء. 

ومن هنا يبقى دور المؤسسات مغيب ويغيب دور الأفراد . 

إن حرية الرأي وفتح الباب لتعدد الفكر هو المخرج، هو المخلص، هو صمام الأمان لكل أمة وكل شعب وكل مجتمع وكل نظام.. 

وقهر حرية الفكر قد يكون عمل فرد. كما كان يحدث قديما في بعض العصور الخالية. وقد يكون عمل آلاف الأفراد والصحف والميكروفانات والكتب والوسائل الإلكترونية، كما يحدث احيانا في أكثر المجتمعات تقدما.. والعاقبة في كلتا الحالتين وخيمة.. 

فاذا لم يكن حق التعبير وحق التفكير لهما ضرورة بل وقداسة في هذه المرحلة. 

واذا لم يتعلم الحكام والمحكومون هذه الكلمة الآن.. ففي أي وقت سنكون فيه أحوج اليها من وقتنا هذا في عالمنا هذا؟ فاذا اخذنا نموذج ديمقراطية برلمانية حديثة، هي الولايات المتحدة الامريكية، فاننا نجد انها سبقت زميلاتها في حل هذه المشكلة، او بمعنى أصح الاستفادة من العناصر المفكرة فيها. 

فبالنسبة للكونجرس الامريكي، ونظرا لامكانيات امريكا المالية الواسعة طبعا، نجد أن النظام هناك يعطي كل عضو في الكونجرس ميزانية سنوية ضخمة، يكوِّن بها جهازا فنيا مساعدا له، هم في الغالب من الخبراء الشبان، يعدون له الدراسات والمواقف المختلفة، وهم عادة شبان طموحون، اذكياء، مهتمون بالقضايا العامة لبلادهم. ولذلك فكثيرون منهم يبدأون من ذلك المكان حياتهم السياسية وتدريبهم لمراكز اهم مثل ليندون جونسون وروبرت كنيدي، وغيرهما كثيرون. وبالنسبة للرئيس الامريكي نفسه، نجد ان كل رئيس، الى جانب وزرائه، وكل الجهاز التنفيذي التابع له، يعمد إلى الاستعانة بالكثيرين من عالم الفكر بوجه عام وحتى العالم الاكاديمي نفسه. 

فحين تأتي المؤسسات بمستشارين ومفكرين من نفس مدرستها وتفكيرها، فكأنها تضع حولها مرايا لا ترى فيها الا نفسها، في حين المفروض ان توجد عناصر اخرى تثير الجدل والنقاش، ويجد من خلالها فرصة التعرف على شتى الآراء والتيارات في هذه المؤسسة حتى تجعل دورها يتعاظم .. 

المهم ان المحاولات الفردية في العالم العربي شبت عن الطوق، واستطاعت في حالات كثيرة التأثير في التفكير العام في بلادها ولكنها خرجت لكي تواجه عددا هائلا من الضغوط لا حصر له، القديم منها والجديد. 

الاختلاف بين الطبيعتين : 

شيوع الاستبداد السياسي والارهاب الفكري في كثير من المراحل في كثير من البلاد العربية في تاريخها الحديث.. انتشار الامية انتشارا مخيفا، ومازال قائما، الذي يجعل دور المحاولات الفرد في مستوياتها المختلفة بوجه عام مقتصرا على التأثير او مجرد الوصول إلى عدد قليل من أفراد المجتمع . 

ديماجوجية بعض الزعامات التي تستخدم سحرها لدى الجماهير، في اسكات الصوت المختلف وارهابه فكريا، بضغط الاغلبية المنساقة لها السلطة الرسمية. 

طغيان وسائل الاعلام ذات الانتشار الساحق، من صحافة واذاعة وتليفزيون، وهي وسائل تحتاج إلى استهلاك واسع من جهة، والى تلبية رغبات نسبة كبيرة من غير المتعلمين من جهة اخرى. صار ضجيجها الترفيهي يغطي تماما على صوت العقل المفكر في القضايا الأساسية لأي بلد، وهي محنة يعاني منها مفكرو العالم جميعا. 

عدم وجود المؤسسات التي تنطوي على طابع البحث والتفكير والدراسة في شتى الفروع، والتي قد يجد المثقف والباحث فيها ملاذا وملجأ ومجالا يفيد فيه. 

الشك القديم الذي يميز العلاقة بين السلطة وبين المثقفين بهذا المعنى. 

وجانب من هذه المشكلة، يكمن في اختلاف طبيعة كل من رجل العمل ورجل العمل. 

رجل العمل لابد ان يكون من طبيعته القدرة على الحسم. واتحاذ القرار السليم، وبالتالي فهو شخص مؤمن بما يفعل، مصمم على تنفيذه، لا يجوز ان يكون من طبيعته التردد، ولا وقت لديه للتأمل. 

هذا، بينما رجل الفكر والعلم لابد ان يكون من طبيعته الشك والتأمل. 

وحاجته إلى وقت طويل للوصول الى اقتناع ما، وادراكه لمزايا عمل ما وتخوفه في نفس الوقت من آثاره الجانبية. وازاء هذا الاختلاف بين الطبيعتين.. تتعمق روح الشك بين الاثنين.. فيزدري صاحب المنصب حديث المفكرين والخبراء ويعاديهم، وينطوي اصحاب الفكر والعلم على انفسهم، او يطلبون السلامة بالسكوت، ويصبحون معارضين ايجابيين في اسلوب معارضتهم او سلبيين، او يفعلون ما فعله مثقفو القرون الوسطى مما سبق ذكره، (يشترون سلامتهم بالاستسلام الفكري لغير ما يؤمنون به ويعتقدون فيه). 

ولذلك فان احدهما لا يصلح لأن يأخذ مكان الآخر،.. انما المطلوب أن تقوم بين الاثنين علاقة صحية سليمة. تفيد الأفراد في تأدية أدوارهم والمؤسسات يمكنها أن تلعب دوراً عظيماً إلى جانب دور الأفراد ، لأن العاملين عليها يدركون ويسهل عليهم التعرف على المشاكل الحقيقية. 

حيفا: هل من مشاريع إنتاج جديدة لديكم سواء أكانت أكاديمية أم إنتاجية ؟3 

هناك بعض من المشاريع التي أعمل عليها ، وتتعلق بدراسة – كتاب- حول الإعلام الأمني ، من حيث مفهومة وضرورته وأسسه ، لعله يفيد البعض من أفراد المجتمع . 

وكذلك أقوم بجمع كل ما كتبته عن الإذاعة الفلسطينية، كي تصدر في كتاب أحاول أن لا يكون ذو طابع أكاديمي كي يتم الاستفادة منه جماهيرياً . 

وعندي مخطوط معد للنشر تحت عنوان - فن الحديث والتعبير – وهو حصيلة مقالات كنت قد كتبتها في فترات سابقة . ولي مخطوط جاهز للنشر حول الصحافة الإذاعية . ومخطوط أيضاً جاهز للنشر يحمل عنوان - دراسة في أشكال التحرير الصحفي - . وعندي مشروع يتعلق بالكتابة عن بعض نماذج الصور البطولية لبعض المقاومين الفلسطينيين من خلال الإشارة إلى سرد بعض الحقائق حول عمليات المقاومة الفلسطينية منذ الستينيات والسبعينيات والعمليات الخاصة . 

حيفا: كلمة تحب أن تتواصل بها مع جماهير حيفا؟ 

أشكركم جميعاً في أسرة حيفا لنا ، وأتمنى لكم التقدم والنجاح في مسيرتكم الثابتة والملتزمة . وأشكركم على هذا اللقاء عبر الأثير الإلكتروني . 

الجهل ليس جهل القراءة والكتابة، ولا هو جهل العلم، ولا هو جهل المعرفة. 

انه جهل النفس… جهل الروح … جهل الوجدان . 

وشرّ المعرفة جهل يعتري النفس، فيسد عليها المسالك ويلبد افقها بالسحب.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 269 مشاهدة
نشرت فى 15 ديسمبر 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

366,287