يتعرض الإنسان في هذا العصر إلى كم هائل من المعلومات يصعب عليه في كثير من الأحيان التعامل معه. حاصرت المعلومات الإنسان ومازالت تحاصره بواسطة وسائل عدة ،ابتداء بالآلة الطابعة ، ومروراً بالتلفاز والمذياع ، وانتهاء بالحاسب الآلي والإنترنت. 
لقد أزداد الاعتماد على نظم المعلومات والاتصالات في آخر عقدين من القرن الماضي ازدياد مضطرد حتى أصبحت تلك النظم عاملاً رئيساً في إدارة جميع القطاعات المختلفة كالقطاع المصرفي والتجاري والأمني فضلاً عن المشاريع الحيوية والحساسة كتوليد ونقل الطاقة ووسائل المواصلات جوية كانت أو بحرية. 
إن مجرد تخيل تعطل تلك النظم أمراً يثير الرعب لدى الكثير ولو ليوم واحد ولعل مشكلة عام ألفين أكبر دليل على ذلك. إن تعطيل مثل هذه الخدمات يعني – في أفضل صوره وأدناها تشاؤم – تجميد للحياة المدنية. لذا فقد فتحت وسائل التقنية الحديثة مجالات أوسع وأخطر للحرب المعلوماتية.إن "حرب المعلومات" ليست حديثة ، فقد مارستها البشرية منذ نشأتها باستخدام نظم المعلومات المتوفرة لديها. فقد قام أحد القياصرة بتشفير بعض المعلومات الحساسة والمطلوب إرسالها إلى قادته خوفاً من كشف سرية هذه المعلومات من قبل أعدائه. وبعد اختراع المذياع ، بدأ استخدامها كوسيلة في الحرب حيث يقوم أحد الأطراف بضخ معلومات موجهه إلى الطرف الآخر تهدف إلى إحداث تأثيرات نفسيه لديه كنشر معلومات سريه أو مكذوبة عنه وذلك لزعزعة الثقة فيه .
ومع ظهور الحاسب الآلي واستخدام شبكات لربط أجهزة الحاسب وانتشار شبكة الإنترنت بشكل خاص واتساع استخدامها ، بدأت "حرب المعلومات" تأخذ بعداً جديد. فالتضخم الكبير في صناعة المعلومات جعل الاعتماد على نظمه الحديثة (الحاسب الآلي و الشبكات) أكبر وأكثر في إدارة أمور الحياة المختلفة ولذا فإن استخدام المعلومات كسلاح أصبح أكثر عنفاً و أشد تأثيراً. ومع ذلك فإن نظم المعلومات التقليدية كالطباعة و المذياع مازالت ضمن قائمة وسائل الحرب المعلوماتية ، ففي حرب الخليج الأخيرة تم استخدام وسائل تقليدية حيث أسقطت القوات المشتركة ما يقرب من 30 مليون نشرة داخل الأراضي العراقية بالإضافة إلى بث إذاعي موجه ، كان الهدف من ذلك كله إقناع أفراد الجيش العراقي بالاستسلام و أنهم لن ينالهم أذى من ذلك. تشير تقارير منظمة الصليب الأحمر الأمريكي إلى أن حوالي 90 ألف جندي عراقي قاموا بتسليم أنفسهم يحمل معظمهم بعض النشرات التي تم إسقاطها أو قصاصات منها مخفية في ملابسهم. وفي الحرب نفسها تم أيضاً استخدام وسائل حديثة في المعركة المعلوماتية حيث ُ استخدمت الأقمار الصناعية و طائرات التجسس المختلفة. وقد تزامن في نفس الفترة قيام مجموعة من "الهاكرز" هولنديي الجنسية من اختراق عدد كبير من أجهزة الحاسب الآلي تابعة للدفاع الأمريكي مرتبطة بشبكة الإنترنت. كانت هذه الأجهزة تحوي معلومات هامة عن الجيش الأمريكي . استطاع هؤلاء معرفة معلومات حساسة مثل مواقع الجيش و تفاصيل الأسلحة المختلفة الموجودة في كل موقع من هذه المواقع كان يمكن أن يستغلها النظام العراقي لصالحه. وعلاوة على استخدامها كعامل مساعد في الحروب التقليدية ، يمكن أن تكون "المعلوماتية" هي الساحة التي يتحارب فيها الأعداء ، و لعل أشهر مثال على ذلك "الحرب الهاكرية" بين مجموعات عربية و إسرائيلية التي استمرت عدة أشهر بين عامي 2000م و2001م حيث قام كل طرف بتعطيل أو تخريب مواقع للطرف لآخر، فقد تم في الشهر الأول لهذه المعركة (أكتوبر2000) .
-
وهي أعنف فترة لهذه الحرب غير المعلنة حتى الآن - تخريب 40 موقع إسرائيلي مقابل 15 موقع عربي. 
هناك ثلاثة عناصر أساسية للحرب المعلوماتية هي "المهاجم" و "المدافع" و "المعلومات وأنظمتها ". وبناءً على ذلك هناك نوعين من الحروب المعلوماتية هي "الحرب المعلوماتية الهجومية" و"الحرب المعلوماتية الدفاعية".
الحرب المعلوماتية الهجومية تستهدف الحرب المعلوماتية الهجومية معلومات معينة أو نظم معلومات عند الطرف المراد مهاجمته "المدافع" وذلك لزيادة قيمة تلك المعلومات أو نظمها بالنسبة للمهاجم أو تقليل قيمتها بالنسبة للمدافع أو بهما جميعاً. أما قيمة المعلومات ونظمها فهي مقياس لمقدار تحكم واستحواذ المهاجم (أوالمدافع) بالمعلومات ونظمها. إن ما يسعى للحصول عليه المهاجم في حربه المعلوماتية من أهداف قد تكون مالية كأن يقوم بسرقة وبيع سجلات لحسابات مصرفية ، وقد تكون الحرب المعلوماتية الهجومية لأهداف سياسية أو عسكرية ، أو لمجرد الإثارة و إظهار القدرات وهذا ما يحدث عادةً في مجتمعات "الهاكرز" . 
إن عمليات الحرب المعلوماتية المتعلقة بزيادة قيمة المعلومات ونظمها بالنسبة للمهاجم لها عدة أشكال. من أهم هذه العمليات هي التجسس على المدافع و ذلك لسرقة معلومات سرية عنه بغض النظر عن الأهداف فقد تكون هذه الأهداف تجارية بين شركات أو إستراتيجية وعسكرية بين دول. ومن تلك العمليات أيضاً التعدي على الملكية الفكرية وقرصنة المعلومات كسرقة البرامج الحاسوبية وتوزيع مواد مكتوبة أو مصورة بدون إذن المالك الشرعي لهذه المواد وهذا النوع من العمليات أنتشر بشكل كبير مع وجود الإنترنت نظراً لسهولة النشر و التوزيع على هذه الشبكة. انتحال شخصيات آخرين ُ تصنف كذلك ضمن عمليات الحرب المعلوماتية الهجومية حيث يقوم المهاجم بإستغلال هوية الغير إما لتشويه سمعته أو لسرقته. أما بالنسبة لعمليات الحرب المعلوماتية المتعلقة بتقليل قيمة المعلومات أو أنظمتها بالنسبة للمدافع فلها صورتان وهما إما تخريب أو تعطيل نظم المعلومات الخاصة بالمدافع (أجهزة الحاسب الآلي أو أنظمة الإتصالات) ، أو سرقة أو تشويه معلوماته. 
إن قيمة المعلومات ونظمها بالنسبة للمهاجم في الحرب المعلوماتية الهجومية تعتمد بشكل كبير على قدرات وإمكانيات المهاجم في الوصول إلى نظم المعلومات ، كما تعتمد قيمتها كذلك على أهمية تلك المعلومات ونظمها بالنسبة له .
إن المهاجم في الحرب المعلوماتية الهجومية قد يكون شخص يعمل بمفرده أو يكون ضمن منظومة بغض النظر عن هذه المنظومة فقد تكون تجارية أو سياسية أو عسكرية. تتعدد تصنيفات المهاجمين ، لكن من أهمها وأكثرها خطورة هو ذلك الشخص الذي يعمل داخل الجهة المراد مهاجمتها ، و تكمن خطورة هذا الشخص في قدرته على معرفة معلومات حساسة و خطيرة كونه يعمل داخل تلك الجهة. لذلك فإن حرب التجسس بين الدول التي تعتمد على عناصر يعملون داخل الجهة الأخرى تعد من أخطر أنواع التجسس حيث تفرض الدول أشد الأحكام صرامة على من يمارس ذلك و التي تصل إلى الإعدام في كثير من الدول. 
الحرب المعلوماتية الدفاعية تشمل الحرب المعلوماتية الدفاعية جميع الوسائل الوقائية المتوفرة "للحد" من أعمال التخريب التي قد تتعرض لها نظم المعلومات. بالطبع فإن هذه الوسائل الوقائية هي فقط "للحد" و "التقليل" من الأخطار فليس من المتوقع عملياً أن توجد وسائل "تمنع جميع" الأخطار. إن إتخاذ قرار بشأن إستخدام وسيلة من تلك الوسائل يعتمد على تكلفة تلك الوسيلة و علاقتها بحجم الخسارة التي يمكن أن تنتج في حالة عدم إستخدامها ، فمن غير المقبول و المعقول أن تكون قيمة هذه الوسيلة الوقائية المستخدمة أعلى من قيمة الخسارة التي تقوم تلك الوسيلة بالحماية منها. 
إن إزدهار صناعة تقنية المعلومات و إنتشارها في السنوات القليلة الماضية كان سبب في إزدهار وإنتشار صناعة أدوات التخريب المعلوماتية . فعن طريق مواقع كثيرة على شبكة الإنترنت ، يمكن للشخص قليل الخبرة الحصول على عدة أدوات تخريبية يمكن إستخدامها لشن هجوم على أجهزة حاسوبية مرتبطة بالشبكة و إحداث أشكال مختلفة من التخريب. و هنا يحسن بنا التنويه بأن التخريب الذي يمكن أن تتعرض له نظم المعلومات تختلف صوره و تتعدد أشكاله و الأضرار التي قد تنتج عنه ، فهناك أدوات تخريبية تقوم بحذف معلومات و أخرى تقوم بسرقة معلومات أو تغييرها ، كما تقوم أدوات تخريبية أخرى بإحداث بعض الأضرار على أجهزة نظم المعلومات. و هناك أدوات كثيرة أخرى لا تقوم بعملية تخريب و إنما يمكن إستخدامها بطريقة غير مباشرة لإحداث ضرر. لذا فإن الوسائل الدفاعية تختلف بإختلاف تلك الأدوات التخريبية و طبيعة الأضرار التي قد تحدثها.
يمكن تقسيم وسائل الدفاع إلى أربعة مجالات ، أول تلك المجالات هو المنع و الوقاية حيث تسعى الوسائل الدفاعية في هذا المجال إلى منع حدوث المخاطر من البداية و ذلك بحماية نظم المعلومات من وصول المهاجمين المحتملين إليها . تشمل هذه الوسائل إجراءات إخفاء المعلومات (Information Hiding) و تشفيرها كما تشمل كذلك إجراءات التحكم في الدخول على نظم المعلومات (Access Controls).
أما المجال الثاني من مجالات الحرب المعلوماتية الدفاعية فهو التحذير و التنبيه و الذي يسعى لتوقع حدوث هجوم قبل حصوله أو في مراحله الأولى. ويشابه هذا المجال الثالث و هو كشف الإختراقات والذي يعد من أشهر و أكثر وسائل الدفاع إستخداماً. حيث يشمل ذلك وسائل تقليدية كإستخدام كاميرات مراقبة للكشف عن دخول غير المصرح لهم للمبنى الذي يضم نظم المعلومات المطلوب حمايتها ، كما يشمل هذا المجال وسائل تقنية حاسوبية تتمثل في برامج و أجهزة تقوم بمراقبة العمليات التي تعمل نظم المعلومات على تنفيذها ، و ذلك للكشف عن عمليات غير مصرح بها تكون هذه العمليات مؤشراً لإختراقات تمت على تلك النظم. أما المجال الرابع من وسائل الدفاع في الحرب المعلوماتية الدفاعية هو ما يسمى بـ "التعامل مع الإختراقات" حيث تناقش هذه الوسائل الآليات الأزمة للتعامل مع الإختراقات بعد حدوثها مثل كيفية إعادة النظم إلى وضعها الطبيعي ، و تجميع الأدلة و البراهين التي يمكن عن طريقها معرفة هوية المخترق من ثم مقاضاته ، و توثيق الحادث و ذلك لتجنب تكرار حدوثه في المستقبل. 
كتب أحد الصحفيين الغربيين قائلاً، "أثبتت الحرب الدعائية داخل العراق أنها تُشَنّ من جانب واحد، ألا وهي المقاومة العراقية، الأمر الذي قاد فصائل المقاومة إلى تجنيد عراقيين عاديين بوسائل متعددة منها على سبيل المثال إسطوانات مدمجة تعرض لقطات مصورة لوحشية قوات الإحتلال الأمريكية في العراق. وقد أكدت لي تلك اللقطات المصورة أولاً أن قوات الإحتلال قد إستهانت بالمقاومة لأنها غير معروفة لهم لحد الآن، وثانياً أن المواطن العراقي العادي مهان ومحتقر من قبل قوات الإحتلال".
بالرغم من حقيقة إنتصار المقاومة دعائياً في الوسط الشعبي العراقي، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل نجحت المقاومة الوطنية العراقية في حربها الدعائية خارج العراق أيضاً ؟
الجواب بالتأكيد كلا. فالمقاومة الوطنية العراقية تواجه ماكنة إعلامية غربية متخصصة في إيصال ما تريده إلى المواطن الغربي، والأمريكي منه بالذات. كما أن «تقارير» وسائل الإعلام الأمريكية وأسلوبها ومحتواها، وخاصة اللغة التي تستعملها، تمثل صدىً لسابقيهم من النازيين وحاضرهم من الصهاينة. وحيث أن العالم أجمع قد شاهد وسمع سابقاً وشاهد وسمع اليوم، أن هناك جيوشاً بربرية لغزو الدول وتسوية المدن بالأرض وذبح المدنيين، في حين أن وسائل الإعلام من أذيال السلطة والمرتبطة بها بشكل أو بآخر قد حرفت تلك الحقيقة وساعدت بل وشاركت بشكل فعال في إقناع المواطن العادي بعدالة تلك الحروب على الشعوب التي شنتها ألمانيا النازية والصهيونية العالمية وأمريكا الإمبريالية. 
وكما هو الحال في وسائل الإعلام النازية، لم تعلن الصحافة وشبكات الراديو والتلفزيون الرئيسية في الولايات المتحدة إلا عما يطلقون عليه «خسائر عسكرية»، وأنها لم تعلن عن قتل المدنيين الأبرياء منذ بدء الحرب على العراق وإحتلاله ولم تعلن عن آلاف القتلى والجرحى من الشيوخ والنساء والأطفال منذ بدء الهجوم على مدينة الفلوجة، على سبيل المثال. كما تبرز وسائل الإعلام الأمريكية تقاريراً تطلق عليها عبارة «غير مؤكدة» ترد إليها من الجيش الأمريكي حول عمليات قتل وإعدام وإختطاف تقوم بها، حسب إدعائهم، «منظمات إرهابية»، كما تظهر وسائل الإعلام تلك دعمها غير المحدود حيال عمليات القتل للمدنيين الآمنين في تقاريرهم عن القصف الأمريكي الجماعي للعديد من المناطق والمدن العراقية. فمثلاُ بالنسبة لشبكة NBC الأمريكية، كان الهدف من إسقاط قنابل من زنة 500 رطل على مدينة الفلوجة هو استهداف «شبكة أنفاق للمتمردين بالمدينة». ولكن المنازل والأسواق والمحلات التجارية والأمهات والأطفال والشيوخ الذين كانوا يسكنون فوق تلك الأنفاق المزعومة قد تبخروا وأصبحوا «ضباباً»، ولم يقر بوجودهم المراسلون والإعلاميون المرتبطون مباشرة بقوات الإحتلال الأمريكية. 
وبالرغم من معرفة العالم بأجمعه أن العراقيين يرفضون الإحتلال والسلطات التي عينوها، إلا أننا نجد أن وسائل الإعلام الأمريكية تشير إلى الوطنيين العراقيين الذين يدافعون عن بلدهم ضد الغزاة المستعمرين بلفظ «المتمردين»، في محاولة للتقليل من شأن المقاومة العراقية الوطنية الشجاعة. ويتمثل إستخدام ألفاظ غير واقعية في الإشارة بإستمرار إلى قوات الإحتلال الأمريكية، إضافةً إلى المرتزقة من الجنود الخاضعين لتوجيه وسيطرة هذه القوات بـ «قوات التحالف» كأحد المظاهر الرئيسية للحملة الدعائية الأمريكية المقصود منها خداع الشعب العراقي بأن القوات الأمريكية هي «قوات متحالفة مع العراق» وليست قوات إحتلال له. 
لقد وصفت وسائل الإعلام الأمريكية على الدوام عمليات القصف الإجرامي للمنازل والمستشفيات والمساجد بواسطة مئات من الطائرات والمروحيات الحربية في الفلوجة، على سبيل المثال، بأنها «تأمين للمدينة لضمان حرية الانتخابات» !!!. وحسب الإعلام الأمريكي فإن جرائم القتل المنظم لأصدقاء وجيران وأقارب كل عراقي يسكن مدينة الفلوجة يسمى عملية «تحرير المدينة من المتمردين». كذلك، فإن قطع المياه والكهرباء والمساعدات الطبية عن 300000 (ثلاثمائة ألف) مواطن في المدينة وتعرّض عشرات الآلاف لتهديد الأوبئة والأمراض تعني عملية «تطويق المتمردين». 
كما أن عملية «إحلال السلام بالمدينة» تتضمن برأي الإعلام الأمريكي تحويلها إلى أنقاض مسممة معزولة تماماً.
فلماذا تلجأ واشنطن ووسائل الإعلام المرتبطة بالإدارة الأمريكية إلى إخفاء الحقائق وإلى الكذب المنظم ومحاولة إستخدام ألفاظ جميلة تخفي جرائمها ضد الإنسانية؟
إن الهدف الأساسي من ذلك هو تعزيز الدعم الإعلامي الداخلي لعمليات القتل الجماعي التي تتم في العراق على أيدي الجيش الأمريكي والقوات الأمنية العراقية المرتبطة بها، حيث تختلق وسائل الإعلام شبكة من الأكاذيب لتأمين بريق مشروعية الطرق الإرهابية والإجرامية حتى تتمكن قوات الجيش الأمريكي من متابعة عملية تدمير المدن العراقية في ظل حصانة ضد محاسبتها على ذلك.
والطريقة أعلاه التي أتقنها غوبلز في ألمانيا إتبعتها الولايات المتحدة قبل وبعد إحتلالها للعراق، حيث أنها تنطوي على الكذب المستمر ومحاولة إستخدام ألفاظ جميلة لجرائم مروعة يندى لها جبين الإنسانية حتى تصبح «حقائق» مقبولة ويتم تداولها في اللغة اليومية للمواطن الأمريكي. وقد تولت قوات الإحتلال الأمريكية في العراق بشرح الإهتمامات التكتيكية التي تهم قادة عمليات القتل والرعب والإرهاب الأمريكي في العراق أو ما يسمونه «إحلال الأمن» للمراسلين الإعلاميين المنساقين معها والمرتبطين بها وكذلك مراكز الأخبار المشهورة لكي يتداولها ملايين الأشخاص سواء بالإستماع إليها أو بمشاهدتها. ولقد تم توحيد الهدف بين وكالات القتل الإعلامي الجماعي والحياة العامة اليومية للأمريكيين من خلال «التقارير الإخبارية» وخصوصاً تلك التي يشاهد فيها المواطن الأمريكي الجنود الأمريكان يكتبون أسماء الزوجات والحبيبات على الدبابات والمدرعات التي تدمر مساكن العائلات العراقية وتحول مدينة كالفلوجة إلى أطلال. 
وبعيداً عن الإستثناءات، فإن وسائل الإعلام المرتبطة بالإدارة الأمريكية تتبع عدة أساليب، من أجل «تهدئة» روعة «ضمير» الجنود والمواطنين الأمريكيين. ويتمثل أحد هذه الأساليب في «خلط الأدوار» بحيث تُعزى الجرائم التي ترتكبتها قوات الإحتلال إلى الضحايا وعلى النحو التالي: الجنود الأمريكيون ليسوا هم المسؤولون عن تدمير المدينة، ولكن العائلات العراقية هي التي فعلت ذلك لقيامها «بحماية الإرهابيين» وبذلك «جلبوا لأنفسهم عمليات القصف»!!!.
أما الأسلوب الثاني فيتمثل في الإعلان فقط عن مقتل وإصابة الجنود الأمريكان من حاملي الجنسية الأمريكية التي تحدث نتيجة عمليات المقاومة الوطنية والتي يشاهدها مراسلون مستقلون أو مواطنون عراقيون، وبذلك لا يرد أي ذكر لمقتل وإصابة الجنود «الأمريكان» من حاملي «البطاقة الخضراء» المرشحين للحصول على الجنسية الأمريكية أو لآلاف القتلى من المواطنين العراقيين جراء القصف الأمريكي وإطلاق النار العشوائي. وكما في وسائل إعلام ألمانيا النازية نجد أن الإعلام الأمريكي يمتدح «بطولة» و«نجاح» قوات بلاده (قوات الشرطة الخاصة النازية والبحرية الأمريكية) في قتل «الإرهابيين» أو «المتمردين»، إذ أن قتل كل مدني يُبرر بأنه «متعاطف مع إرهابي مشتبه به».
وحول الشبه بين القوات النازية وقوات الإحتلال الأمريكية، فإن القوات الأمريكية تعتبر أن كل مبنى مدني هو عبارة عن «مخبأ» لـ «الإرهابيين» وهذا بالطبع يعد خرقاً كلياً وفاضحاً لكل قوانين الأرض ومنها قوانين جنيف الخاصة بالحروب، وأن تدمير تجمعات سكنية ومدن بأكملها من قبل كل من ألمانيا النازية والولايات المتحدة هو نفس الإجراء العسكري الذي تتبعه إسرائيل ضد الفلسطينيين. فقوات الإحتلال الأمريكية، على سبيل المثال، تمارس جرائم لا توصف بحق «المشتبه بهم» من السجناء العراقيين الذين يتم إلقاء القبض عليهم، وبالنسبة للعديد من عامة الأمريكيين، تعتبر هذه الإجراءات جزءاً من «قصة النجاح» الأمريكي حيث تعلن قوات الإحتلال لهم أن هؤلاء هم «الإرهابيون» الذين يريدون تفجير منازل الأمريكيين. كما أنه بالنسبة للغالبية من الشعب الأمريكي، فإن وسائل الإعلام قد أقنعتهم بأن عمليات إبادة آلاف المواطنين العراقيين تمت من أجلهم حيث يمكنهم الآن النوم في سكينة، طالما أن «أبنائنا» يقتلونهم «هناك». 
وفوق كل ذلك، فإن وسائل الإعلام قد قامت بكل ما هو ممكن لمنع الوعي المقاوم لدى العراقيين. ففي كل يوم وبكل وسيلة ممكنه يتم الإشارة إلى الولاء الديني والهويات العرقية والطائفية والمسميات غير السياسية. والهدف من وراء كل ذلك هو تقسيم العراق، ليتم بعد ذلك إخراج عراق «فوضوي» مجزأ للعالم ليس به قوى متوحدة ومستقرة إلا النظام الاستعماري الأمريكي. والغرض من الهجمات الإجرامية المتوحشة والمسميات السياسية هو تدمير الفكر العربي وفكرة الوطن العراقي المستقل الموحد على أن يتم استبداله بمجموعة من الكيانات الصغيرة التي تتم إدارتها بواسطة ولاة مطيعين لواشنطن ومنفذين لسياستها. وهنا لا بد من الإشارة إلى الحرب النفسية الجديدة التي بداء الأمريكان استخدامها من خلال وزارة الدفاع الأمريكية والتي تتمثل بصراع الإرادات ، وتكمن في حرب نفسية المراد بها خلخلت الوحدة المتجسدة في فصائل المقاومة من خلال نشر المعلومات حول أجراء لقاءات ومفاوضات مع المقاومة ، والخطر هنا يكمن في التشديد على تقسيم المقاومة إلى إرهابيين ومسلحين عراقيين ، واللعب على هذا الوتر من أجل أيجاد خلل في التوجهات الأساسية في بنية المقاومة من خلال تقسيم الآراء حول عمل وطرق المقاومة التي يجب استخدامها . كذلك معرفة الأسس التنظيمية التي تدار بها المقاومة، والحصول على المعلومات المتعلقة بشخوص المقاومين وماهية القيادة التي تدير عمليات المقاومة.
وهنا لا بد من التأكيد على أن المقاومة استطاعت قطف الثمرة الأولى في مشروعها المقاوم، ألا وهو ا لاعتراف الأمريكي الخجول في وجود المقاومة العراقية الخالصة، وفعاليتها وقوة تنظيمها. وعلى المقاومين استغلال هذه المسالة والعمل على المزيد من المقاومة والعمل على العمليات النوعية التي تجبر قوات الاحتلال الانصياع الكامل لبرنامج المقاومة في والمتمثل في الانسحاب من الأراضي العراقية . 
من هنا يتبين أن المقاومة العراقية ، رغم نجاحها الدعائي داخل العراق لحد الآن، بحاجة إلى تفعيل حملتها الدعائية ليس فقط من أجل تجنيد مقاتلين في صفوفها، بل أيضاً من أجل توجيه ضربة قاصمة للدعاية المضادة التي تشنها عليها أجهزة الدعاية الأمريكية ووسائل الإعلام العراقية المرتبطة بها. 
المعلومات:
قد يعلم البعض أن هناك مكتباً تابعاً للبنتاغون يسمى «مكتب المعلومات الإستراتيجية»، والذي تم تغيير أسمه بعد أحداث 11/ 9 ليصبح «مكتب التأثير الإستراتيجي»، ولكن ما لا يعرفه القارئ هو مهمة هذا المكتب. فبالإضافة إلى الأخصائيين الإعلاميين العاملين فيه، أستأجر هذا المكتب شركات علاقات عامة يدفع لها الملايين من الدولارات من أجل مساعدة البنتاغون فيما يسمى بالدعاية «السوداء» أو باللغة العامية الدارجة «الكذب» لبثها إلى العالم، وعلى وجه الخصوص إلى المواطن الأمريكي، بالإضافة إلى العديد من وسائل الإعلام المرتبطة بصانعي القرار السياسي والعسكري وكذلك باللوبي الصهيوني. ومن بين شركات العلاقات العامة التي يتعامل معها البنتاغون هي مجموعة شركات «راندن» التي قامت بأعمال كبيرة للمخابرات المركزية الأمريكية ولمشايخ الكويت، إضافة إلى حزب الجلبي، المؤتمر الوطني. وقد شاركت هذه المجموعة من الشركات بحملات دعائية لحساب بعض الدول العربية، وكان أهم عمل قامت به إحدى الشركات التابعة لهذه المجموعة (شركة هيل ونولتن) هو لحساب الكويتيين حول ما سمي في حينه قصة حاضنات الأطفال، التي تم فضحها لاحقاً حين تبين أنها كانت كذبة رخيصة. 
ومن هنا لا يمكننا إلا القول بأن الدماء التي نزفت من الأبرياء في العراق وفي أنحاء أخرى من العالم على أيدي القوات الأمريكية تلوث أيدي القائمين على أجهزة الإعلام والدعاية تلك، إذ حتى لو نشرت وسائل الإعلام هذه نصف الحقيقة فهذا لا يعني إلا كذبة، وكذبة كبيرة جداً. إن المعروف في الإعلام والدعاية أن نصف الحقيقة يساوي كذبة كاملة، وأن هناك أشكال متعددة وكثيرة للكذب تمارسها جميعها كافة وسائل الإعلام وأجهزة الدعاية الرسمية والمخفية الأمريكية.
وهذا يؤكد أن الحكومة الأمريكية قد جعلت من دمج الدعاية ووسائل الإعلام جزءاً مهماً من تركيبة القيادة العسكرية للقوات الأمريكية المحتلة للعراق من خلال اعتبارهما أهم نوعين من أنواع «أسلحة المعلومات»، وبالطبع إضافة إلى استعمالهما سياسياً من قبل الخارجية الأمريكية. ويذكرنا ذلك بالتأكيد الأكاذيب «غير المتقنة» لوزير الخارجية الأمريكية، كولن باول، في حديثة الشهير أمام مجلس الأمن قبل العدوان على العراق والذي ثبت بعدئذ كذب جميع ما صرح به من ادعاءات عن العراق.
وحسبما صرح به الخبراء الأمريكان أن السيطرة على المعلومات تتكون من جانبين مهمين، أولهما «بناء وحماية المعلومات» من خلال مكاتب تسمى بمكاتب «عمليات المعلومات» حيث الغاية الرئيسية منها هو السيطرة على المعلومات التي تعتبر بنظر القادة العسكريين ذات أهمية تعادل أهمية الحماية الشخصية للجندي. ومن أهم ما قامت به تلك المكاتب هو جمع وبث المعلومات إلى المراسلين بالشكل والطريقة التي يريدونها والتي كان لها أكبر الأثر على المستمع والمشاهد الغربي.
والجانب الآخر هو العمل على إنكار المعلومات التي يبثها «العدو» والحط من قيمتها إضافة إلى تدمير وسائله الإعلامية من خلال إستهداف تلك الوسائل، حتى عسكرياً. وأفضل مثال على ذلك، حسبما صرح به أولئك الخبراء الأمريكان، هو إستهداف مكاتب الجزيرة في كابول بأفغانستان وفي بغداد والبصرة، وأن جميع تلك العمليات العسكرية ضد وسائل الإعلام التي تعتبر معادية بنظر الأمريكان جرى الإعداد لها حسبما يسمى بـ «خارطة طريق عمليات المعلومات» التي حددها مكتب عمليات المعلومات التابع لرئاسة الأركان الأمريكية، بحيث وصل الأمر بأحد القادة العسكريين الأمريكان للقول «أننا سنعاقب حتى أصدقائنا إذا وقفوا ضد ما نقوم به أو ما نريد القيام به». 
ومن هنا نرى أن إستهداف المعلومات المضادة للمحتلين يمثل مركز الأهمية بالنسبة لقوات الإحتلال لمرحلة ما بعد الإحتلال. وحسب وكالة مخابرات الجيش الأمريكية هناك الآن 15 مركزاً للسيطرة على المعلومات توجد في الولايات المتحدة والعراق والكويت وتعمل بدون كلل من أجل الحط من قدر المقاومة.
فهل ستستطيع المقاومة الوطنية الشجاعة ووسائل الإعلام المساندة لها من صد هذه الحملة ؟ ذلك ما يجب علينا جميعاً أن نتحمل وزره.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 173 مشاهدة
نشرت فى 12 أكتوبر 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

365,870