الكتابة العلمية للاطفال .
ان تدعو الى حب وفهم العلم. من الواضح ان هناك قصورًا فى فهم العلم وطبيعته، مما ادى الى خوف واحيانا كراهية للعلم والعلوم. فكلنا نعلم جيدا النغمة التى تسود فى كثير من الاحيان عند اطفالنا وشبابنا فى العالم العربى: «انا لا احب العلوم»، «العلوم مادة صعبة»، «العلوم مادة مملة». وبلاشك، فهنا يكمن كل الخطر الذى يهدد مستقبل أمتنا العربية. ولهذا كان من الضرورى ان يكون من اهم اهداف وخصائص الكتابة العلمية هو ان تدعو ليس فقط الى فهم العلوم بل ايضا الى حب العلم، وذلك لان العلم ما هو الا وسيلة الانسان لفهم الكون والجمال الكامن فى هذا الكون العظيم. فهناك جمال كامن فى كل شىء من مكونات هذا الكون، هناك ابداع فى الذرة يتمثل فى النشاط الدائم والقوى الهائلة الكامنة بها وفى المكونات العديدة التى تسكن فيها وفى تفاعل هذه المكونات مع بعضها، على الرغم من ابعادها المتناهية فى الصغر. كما ان هناك ابداعا وجمالا كامنين فى الخلية الحية باعتبارها وحدة الكائنات الحية. ويتمثل هذا الابداع فى التفاعل الحى والبناء والمنظم والهادف بين كل مكونات الخلية صغيرها وكبيرها من اجل الحفاظ على بقاء الخلية الحية. فالجمال الكامن فى الخلية يجعلها تبدو لمن يتأملها وكانها مملكة يحكمها ملك عادل (الشريط الوراثى) ويعيش فيها سكان (البروتينات) يعملون فى كل ثانية فى تدبير شئونها والحفاظ على سلامتها. وهناك جمال يكمن فى الاشياء المتناهية فى الكبر مثل المجرات التى تسبح فى الفضاء المتناهى فى ابعاده، تسبح وفقا لقوانين كونية عظيمة وغاية فى الابداع. وفى سباحتها تبدو المجرة ككائن ينبض بالحياة يتفاعل كل مكوناته بكل ابداع ونظام. ولهذا كان من الضرورى على الكتابة العلمية ان تركز على العلم كأداة للتعرف على ورؤية الجمال الكامن فى كل شىء فى الكون، من اجل الوصول الى اجيال تحب العلم وتتخذ منه رفيقا فى جميع مراحل الحياة. كما ان على الكتابة العلمية الموجهة للاطفال التركيز على فهم العلم وطبيعته.
أن تحكى عن العلماء: يمثل العلم مسيرة محاولات بعض البشر، العلماء، الذين كرسوا حياتهم من أجل فهم الكون وظواهره. فالعلماء هم تلك النخبة المميزة من البشر فى سعيها لفهم الظواهر الطبيعية والقوانين التى تحكم هذا الكون الذى نعيش فيه. وفى سعيهم لفهم الكون، اتبع العلماء طريقة مميزة للوصول الى ذلك الفهم، وهذه هى طريقة التفكير العلمى النموذجية التى توحد بين كل العلماء على اختلاف جنسياتهم ومعتقداتهم. ولهذا كان من الضرورى ان تركز الكتابة العلمية الموجهه للاطفال على تناول سير وتاريخ العلماء الذين قامت على اكتافهم كل الاكتشافات العلمية التى نعرفها حتى الآن. فهؤلاء العلماء كانوا مثلا ونموذجا فى طلب العلم والسعى فى طريقه بإخلاص، فلقد كرسوا حياتهم فى البحث العلمى من اجل الوصول الى الحقيقة، دون النظر الى المكاسب المادية، وبهذا فهم نموذج يجب ان يحتذى به اطفالنا فى العمل باخلاص لتحقيق الهدف المراد دون النظر الى المكاسب المادية. ولهذا ويجب ان تركز الكتابة العلمية على ابراز العلماء كنموذج ومثل أعلى فى طلب العلم والسعى فى العمل العلمى بإخلاص وبأمانة من اجل بناء حياة افضل للبشرية.
أن تبث روح البحث العلمى فى الاطفال. فالبحث العلمى هو محصلة الطرق المختلفة التى يستخدمها العلماء فى دراسة الطبيعة من حولنا وشرح الظواهر الطبيعية. وتتمثل هذه الطريقة فى ان العالم يلاحظ ظاهرة معينة، ويسوقه الفضول الفطرى فى نفسه الى صياغة سؤال عن هذه الظاهرة، ثم يقوم باعداد منهاج للبحث فى هذه الظاهرة من اجل الحصول على اجابة لسؤاله عن الظاهرة، ثم يحصل على النتائج الخاصة بالبحث ويحللها ويستنتج منها النتيجة النهائية والخلاصة لهذا البحث. ومن هنا نرى ان القائم بالبحث العلمى لا يتلقى المعلومات العلمية جاهزة ومعدة له، ولكنه يقوم بدافع الفضول وحب المعرفة للبحث فى الاشياء من حوله والوصول الى تفسيرات للظواهر التى يتساءل عنها. وهذا هو ما يجب ان تركز عليه الكتابة العلمية الموجهة للاطفال: ان تبث روح البحث العلمى فى نفوس الاطفال فى عالمنا العربى. فروح البحث العلمى تمثل إحدى الدعائم التى يقوم عليها التقدم العلمى فى اى بلد فى عالمنا هذا. فيمكن للكتابة العلمية ان تشمل قصصًا قائمة على اسس الحوار البناء بين اطراف الشخصيات فى القصة. وان يدعو هذا الحوار الاطفال بطريقة غير مباشرة الى النظر والتأمل والتساؤل فى الاشياء من حولهم، والى صياغة الاسئلة بالطريقة السليمة العلمية، والى عمل تجارب للتعرف على أسرار الطبيعة المشوقة والطريفة واختبار افكارهم ونظرياتهم، والى الوصول الى استنتاجات نهائية من ملاحظاتهم وتجاربهم، والى تعلم توصيل وشرح افكارهم ونتائج تجاربهم للآخرين من حولهم.
أن تعتمد على الخيال. حيث ان العلم يبحث فى حقائق الاشياء ومكنوناتها التى تكون فى كثير من الاحيان خفية عن العين المجردة، لهذا تكون المفاهيم العلمية صعبة بعض الشىء فى ادراكها من قبل الاطفال والصغار. ولتقريب هذه المفاهيم الى مستوى فكر الاطفال، يحتاج الامر الى استخدام درجة من الخيال. وكلما زادت قدرة الكتابة العلمية على استخدام الخيال بطريقة علمية ودقيقة، زادت قدرة هذه الكتابة على توصيل المفهوم العلمى الى اذهان الاطفال. ولهذا، يجب ان تعتمد الكتابة العلمية على استخدام الخيال والتشبيهات الخيالية لتقريب المفاهيم العلمية الى اذهان الاطفال. كما ان استخدام الخيال والتشبيهات الخيالية فى شرح المفاهيم العلمية للاطفال يكون له دور فى تنشيط ملكة الخيال لدى الاطفال، وهى ملكة ضرورية لاعداد الاطفال علميا ليصبحوا علماء المستقبل.
أن تعتمد على استخدام اسلوب سلس وواضح ومنطقى. فى حالة الكتابة العلمية للاطفال، يتطلب الامر التركيز على كيفية توصيل المعلومات العلمية للطفل بطريقة تجعله يفهمها بوضوح وبالطريقة الصحيحة. ولهذا كان من الضرورى استخدام اسلوب لغوى بسيط غير معقد، يعتمد على سرد الافكار بطريقة سلسة وواضحة ومنطقية يسهل استيعابها وادراكها. ومن إحدى الوسائل المهمة فى سرد الافكار العلمية، ان يتم استخدام جمل قصيرة محددة بحيث تخدم كل جملة فكرة معينة، وان يتم تحاشي الجمل الطويلة التى احيانا ما تتفرع الى افكار كثيرة يصعب الترابط فيما بينها. ويسبب هذا تشتت فى ذهن الطفل وعدم ادراك دقيق ومحدد للفكرة المراد توصيلها.
أن توضح اهمية تطبيق طريقة التفكير العلمى فى الحياة. يعتقد بعض الناس ان التفكير العلمى يقتصر على العلماء وعلى الانشطة العلمية فقط. وبلاشك ان هذه فكرة خاطئة وخطيرة ايضا. فيجب ان تركز الكتابة العلمية على ضرورة ان يكون التفكير العلمى اسلوب تفكير يتبعه جميع الناس فى شتى امور الحياة سواء كانت علمية او غير علمية. فطريقة التفكير العلمى هى العملية التى يتبعها العلماء للوصول الى صورة دقيقة توضح وتشرح الظواهر الطبيعية من حولنا. وتشمل هذه الطريقة اربع خطوات رئيسية. تتمثل الاولى فى عمل ملاحظات عن الظاهرة وعمل وصف لها وصياغة سؤال عن الظاهرة. والخطوة الثانية تتمثل فى صياغة افتراضية لشرح هذه الظاهرة ووضع اجابة للسؤال. والخطوة الثالثة تتمثل فى عمل تجربة لاختبار صحة الافتراض لمعرفة صحة او خطأ الافتراض الذى تم صياغته لشرح الظاهرة. والخطوة الرابعة هى تحليل المعلومات والنتائج التى وصلت اليها التجربة من اجل الوصول الى نتيجة وخلاصة نهائية (الافتراض كان صحيحًا أو كان خطأ ويجب وضع افتراض آخر). وتنبع اهمية طريقة التفكير العلمى من انها تصل الى النتائج بعد دراسة للامور وفحص وتحليل. وهذا هو ما نريد ان نعلمه لاطفالنا. ان طريقة التفكير العلمى يجب ان تكون طريقة تستخدم ليس فقط من قبل العلماء، بل من قبل كل الناس فى جميع نواحى الحياة المختلفة لحل المشاكل الحياتية، ولمنع حدوث مشاكل. فبتطبيق هذه الطريقة فى الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الناس يمكن ان تحل الكثير من المشاكل ويقل حدوث الكثير من المشاكل. فكثير من المشاكل بين الناس تنشأ من سوء الظن الذى يكون غالبا مبنيًا على شكوك ليس لها اى دليل مادى. فيقوم شخص ما بالوصول الى نتيجة وخلاصة عن شخص آخر بدون ان يقوم بدراسة لهذه النتيجة او ان يكون لديه بيانات كافية.
أن تركز على اخلاقيات العلم والتكنولوجيا. العلم سلاح ذو حدين: فالعلم يمكن ان يسخر فى تطبيقات مفيدة تعود على البشرية بالخير أو يسخر فى تطبيقات شريرة تضر بالمجتمع الانسانى. ولهذا كان من الضرورى ان تركز الكتابة العلمية على ضرورة توافر الاخلاقيات العلمية التى تمثل صمام الامان الذى يحكم مسيرة العلم ويوجهها نحو الخير دائما. من الضرورى ان يكون هناك ضوابط تحكم الانشطة العلمية وتوجهها نحو الخير. وتتمثل هذه الضوابط فى الاخلاقيات التى يجب ان تحكم انشطة العلماء وكل من يعمل فى المجالات العلمية والتكنولوجية.
أن توضح الدور الفعال للعلم والتكنولوجيا فى حياتنا. لعب العلم ومازال يلعب دورا كبيرا فى تشكيل حياة الانسان فى شتى المجالات الحياتية. ولكى يقدر الاطفال والشباب العلم وانجازاته، على الكتابة العلمية أن تركز فى توضيح الدور الفعال الذى يلعبه العلم والتكنولوجيا فى حياة الانسان، وأهمية الانجازات العلمية التى تحققت وشكلت حياة الانسان بصورة افضل. فالعلم والتكنولوجيا من القوى الكبيرة التي ساعدت فى بناء الحضارات، والتى مدت الانسان بقدرات استطاع بها تغيير العالم من حوله ليصبح عالم افضل. فالاطفال بحاجة الى معرفة هذه الادوار الفعالة للعلم والتكنولوجيا فى حياتنا لتقدير هذه الادوار، وأيضا لدراستها وتقييمها والمشاركة فى القرارات عندما يصلون الى مرحلة النضوج.
ساحة النقاش