تغييب الفلسطيني في الأدب الإسرائيلي بقلم: خيري حمدانتاريخ النشر : 2011-05-15 


تغييب الفلسطيني في الأدب الإسرائيلي

خيري حمدان
طالب الكاتب الإسرائيلي سامي ميخائيل وهو من أصول عراقية قبل سنوات حذف عنوان رواية غسان كنفاني الشهيرة "عائد إلى حيفا" الصادرة عام 1969 من الأوساط الإعلامية والمواقع الأدبية المعنية، بعد أن تبين بأن روايته "حمائم في ترافلغار" هي سرقة في وضح النهار لرواية كنفاني حتى في أدقّ التفاصيل الصغيرة. سامي ميخائيل يعتبر من أهم الكتاب المعاصرين وهو في طريقه للحصول على جائزة نوبل للآداب. وفي محاولة لتبرير سطوه على معظم ما جاء في رواية كنفاني قال ميخائيل بأنه أحيانًا ما يتأثر الإنسان بلحن ما لينطلق في كتابة موسيقى والأمر سيان في كتابة الرواية، أضاف بان عالم الرواية "عائد إلى حيفا رجولي لهذا جاء بطل روايته امرأة أم، وأسقط الحدث على الواقع الإسرائيلي، حيث أقدمت أم إسرائيلية على تبني طفل فلسطيني في محاولة لدغدغة المشاعر الإنسانية واستخدام حدث المحرقة في هذا الشأن لتبرير القسوة والعنف غير المسبوق الذي استخدمته الصهيونية ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل حتى وقتنا هذا. كما حاول ميخائيل الولوج إلى الوعي الفلسطيني موضحًا بأن الفلسطيني والإسرائيلي هما ضحيتان في أزمة الشرق الأوسط وليس كما جاء في أحداث رواية كنفاني، فالإسرائيلي بات ينافس المواطن الفلسطيني ويزاحمه للحصول على جزء من المعاناة والألم ومخاض الدولة. وقد امتدح سامي ميخائيل المواطن الفلسطيني باعتباره حالة متميزة من الوعي والثقافة في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا المديح جاء متزامنًا مع التقليل من شأن العربي الآخر الذي يمارس حياة سلبية ويقف على هامش الحياة. 
لا شك بأن الأحداث الأخيرة التي اشتعلت في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أثبتت عكس ذلك، بل فاجأت إسرائيل حين رأت هذا الانقلاب الكبير في وعي وسلوك المواطن الربي خلافًا لما صرح به سامي ميخائيل. لكن نسي السيد ميخائيل حقيقة في منتهى الأهمية وهي أن العربي عامة والفلسطيني خاصة لا شأن له من قريب أو بعيد بمحرقة النازية، وجاءت معاناة الفلسطيني مضاعفة لأنها تمت على أيدي ضحايا هذه المحرقة. وهنا يجب أن نذكر اسم الأستاذ حسين سراج الباحث في الشأن الإسرائيلي ورئيس تحرير مجلة أكتوبر المصرية الذي تناول تأثر الكتاب الإسرائيليين بالكتاب الفلسطينيين، وذلك في العدد الصادر بتاريخ 04.06.2005 من مجلة أكتوبر. زيادة على ذلك أرى بأنه من الوقاحة في مكان أن يعمل كاتب إسرائيلي على اقتباس فكرة كنفاني وسرقتها واتهام الكاتب الفلسطيني بسوء كتابة الرواية وضرورة تعديلها وإكمالها، ربما كان على سامي ميخائيل الاتصال بغسان كنفاني في الأبدية ليطلب منه تصريحًا بتعديل أدبه عدا عن الاعتذار عن تفجيره وابنة أخته في بيروت! 
كما ترون فإن محاولة سلب الإسرائيليين لكلّ ما يملكه الفلسطينيون مبرّر، بل ويعتبره الكتاب الإسرائيليون محاولة لتحسين هذا الإرث الحضاري والأدبي دون ذكر المرجع حين القيام بفعل الكتابة والتأليف. 
قال النائب محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في أثناء زيارته الأخيرة للعاصمة البلغارية صوفيا في شهر أبريل من العام 2011 بأن جلّ ما سُمِحَ به للسكان الأصليين في ما يسمى اليوم ظلمًا عرب 1948، هو الإدلاء بالرأي من على منبر البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" بالمقابل محاولة لكبح الحريات وتعطيل البناء وتطوير البنية التحتية في كافة مجالات الحياة. أخيرًا قال بركة جملته الشهيرة أعيدوا لنا أرضنا وخذوا ديمقراطيتكم! 
أود التوقف هنا لتناول بعض التوجهات الأدبية والفلسفية لكاتب إسرائيلي آخر. قام عاموز أوز بزيارة صوفيا عام 2009 للتوقيع على مجموعة من كتبه المترجمة للغة البلغارية وكان من ضمنها كتاب "الحياة والموت في قوافي" وقد اطلعت على بعض المقاطع في هذا الكتاب وهو عبارة عن محاولة لكتابة السيرة الذاتية للكاتب الذي حاول أن يكون نقيض والده اليميني بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى، لكنه وصل في نهاية المطاف إلى قناعة بأن كل محاولة للتمرد على الواقع أو الولادة مجددًا هي في الواقع دوران في نصف حلقة، ما يعني استحالة إكمال الدورة وفقًا لمفهومه الفلسفي للحياة. لكن أين الفلسطيني في كتابات أوز؟ يمكن في الواقع تحسس الشأن الفلسطيني لدى أوز، لكن يبقى المواطن الفلسطيني أسير مفهومه الخاص للذات والحاضر والماضي، أي أن الفلسطيني وقضيته باتا رهينة نتاج الدولة الإسرائيلية على الصعيد الإعلامي والأدبي. يقول أوز في كتابه "قالت جدتي: إذا جفت الدموع في مقلتيك لا تبكِ، حاول أن تضحك!. قالت ذلك لأرض يعتبر السلام فوقها لدقيقة واحدة ثروة كبيرة، تقارن بمفهوم الموت والحياة لأجيال عديدة من البشر. هناك حيث تتشابك أصابع الظلام والنور. إسرائيل أرض النزاعات، الجميع يتنازعون فوق هذه الأرض، النزاع متواصل على مدار الساعة، يبلغ عدد سكان البلاد 7 ملايين مواطن، لدينا 7 ملايين وزير، 7 ملايين نبي، لكل واحد منهم مفهومه الخاص للحياة. ((كما تلاحظون فإن الفلسطيني في هذا المونولوج مغيب وتصعب قراءته ضمن الملايين السبعة الذي تحدث عنهم أوز، لكن دعونا نكمل حتى لا نظلم الكاتب)) قبل 3 آلاف عام وضعت إسرائيل أسس مفهوم الذنب، بيد أن المسيحيين تمكنوا من القيام بحملة تسويق واسعة لمفهوم الذنب، وبقي الإحساس الكبير بالذنب لدى اليهودي لأنه اخترع مفهوم الذنب. تعلمت الكثير عن الحقد ورأيته بأم عيني عن قرب، أما بشأن إسرائيل وفلسطين فقد جاء الحقد وليد الصراع وليس العكس. أعتقد بأنه يمكن إيجاد طريقة لحلّ الصراع، أما الحقد فسيزول تدريجيًا، الحلّ الوحيد لهذا الصراع هو إقامة دولتين – إسرائيل وفلسطين." بشأن الثقافة قال أوز "الثقافة تعني محاولة تذكر ما نحاول جاهدين نسيانه، هذه المعركة على الصعيد العالمي حاليًا تدور رحاها ما بين الثقافة وغسل الدماغ". 
نرى مما جاء في بعض نصوص كتاب أوز بأن الفلسطيني هو نتيجة متأخرة لتأسيس إسرائيل. كما نجد بأن الكاتب سامي ميخائيل حاول في روايته الجديدة سرقة الواقع الفلسطيني المعاصر، المتمثل برواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" مع فارق كبير هو أن ميخائيل ركب القطار نحو نوبل والعالمية في الوقت الذي أُركب جسد كنفاني المعذب بالمرض والسكري قطار الموت ثمنًا للحضور الفلسطيني الذي قرأه العالم المندهش لظهور الفلسطيني المفاجئ، وكان من الضروري أن تكون قضيته مجرد قضية إنسانية يحتاج حلها لرعاية الأنروا من تقديم للأغطية والطعام والشراب. لكن في قراءتي لعاموز أوز أجد تغييبًا قد لا يكون متعمدًا للفلسطيني في أثناء الألفي عام، منذ ظهور مفهوم الذنب لدى اليهودي وتسويقه لدى المسيحي "وفقًا لكلماته"! لكن أين الفلسطيني الذين قطن الأراضي الفلسطينية طوال هذه الفترة الطويلة من الزمن؟ 
قد يكون من العبث البحث عن الفلسطيني في أدب أوز أو ميخائيل، الأول أدرك بأن الفلسطيني موجود في الجوار ويستحق أن يحصل على دولته ولكن من مفهومه الإسرائيلي الخاص، الآخر حاول أن يحتل دور الفلسطيني المعاني والمشرّد، وكسب التعاطف العالمي، وفقًا لما قاله أوز عن عقدة الذنب التي أوجدها اليهودي قبل ثلاثة آلاف عام. الكاتبان يمثلان شرائح معينة في المجتمع الإسرائيلي المعاصر، لكن على ما يبدو بأن الشريحة التي يمثلها ميخائيل تبدو أكبر من شريحة أوز الذي أبدى رغبته في رؤية القطب الآخر من الصراع عبر معاناته الوجدانية الخاصة ككاتب وجد نفسه يعيش في القدس المقسمة إلى عالمين مختلفين حدّ الانفجار. 
الحقائق السياسية مختلفة عن المفهوم الأدبي الذي تناولناه، وفرص تحقيق رغبة الفلسطينيين لحلم الدولة. الفكرة التي قرأتها لدى أوز المتمثلة ببناء دولتين فوق هذه الأرض المقدسة الغارقة بالدماء والصراع التاريخي تبدو بعيدة للغاية، فقد طالبت إسرائيل عبر وزير دفاعها إيهود باراك هذا العام 2011، بالحصول على 20 مليار دولار مقابل الشروع بقبول تأسيس دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، إضافة لمزيد من الأسلحة والترسانة العسكرية المرعبة وذلك وفقًا لمفهوم باراك "السلام مكلف ويجب دفع كامل فاتورته لإسرائيل. من جهة أخرى ما تزال ألمانيا تدفع تعويضات كبيرة مقابل الجرائم التي ارتكبتها ضدّ اليهود إبان الحرب العالمية الثانية. مع أن هذه المساعدات تأخذ فيما بعد شكل التقتيل والقمع وسلب الأراضي الفلسطينية ومنع أيّ تمويل ماليّ قد يخفف من عبء الحياة في المجتمع الفلسطيني، كما أن ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي الديمقراطية وتروج لها ليل نهار في وسائلها الإعلامية لا تتوقف هي الأخرى عن تقديم المساعدات العسكرية لدولة إسرائيل. العالم الغربي يدرك جميع هذه الحقائق، لكنها ماضية في تقديم كلّ ما يلزم للإبقاء على دولة الخوف والرعب والذرة في قلب العالم العربي، حيث يدفع الشعب الفلسطيني ثمن ذلك في أثناء ممارسته لحياته اليومية بشكل مباشر، من جهة أخرى وجدت الشعوب العربية نفسها أسيرة خوف أو تخويف حكوماتها من العدو القابع ليس بعيدًا عن حدودها، لكن جميع المعنيين فوجئوا حين شاهدوا الدبابات العربية تفتح نيرانها ضدّ شعوبها، حين حاولت هذه الشعوب استعادة كرامتها وحريتها وقدرتها على ممارسة حياة كريمة قابلة للتطور في زمن الفضاء المفتوح والعالم الذي لم يعد يعرف للقيود معنى. 
في ظلّ الأحداث التي عصفت في العديد من الدول العربية ربيع العام 2011، يعتقد البعض بأن الرفض والنضال الفلسطيني أصبح متأخرًا مقارنة بما تقوم به الشعوب العربية من تمرد وثورات ضدّ الفقر وسلب الحريات. هذا صحيح للوهلة الأولى، لكن لا يمكن لشعب خوض انتفاضة مستمرة دائمة، هذا مستحيل من الناحية العملية، كما توجد استحقاقات سياسية تحتاج إلى وقت حتى يتم التأكد من جدواها، وأعتقد بأن السلطة الفلسطينية قد أدركت بأنه من الصعب للغاية الاستمرار بسياسة الموافقة على كافة بنود الأجندة الإسرائيلية مقابل وعود كاذبة بالسلام والدولة. مماطلة امتدت منذ أوسلو إلى ما شاء الله. وقد اعتبر بعض الخبراء الإسرائيليين بأن أوسلو كانت بمثابة وعد بلفور ثاني وانتصارًا يوازي في حجمه وأثره الانتصار الذي حققته إسرائيل عام 1948. 
أحسنت إسرائيل استخدام كافة الأوراق السياسية والعسكرية على حدّ سواء، خاضت حربًا إعلامية كان الهدف منها اجتذاب الكتاب والصحفيين من كافة دول العالم لزيارة إسرائيل والوقوف على الانجازات الكبيرة التي حققتها، مدعية بأن الصحراء التي كانت مهجورة هي جنّة الله في الأرض نتيجة لجهود المواطنين الإسرائيليين الذين عملوا على استصلاحها. كانت هذه أكبر المعارك التي هزمنا في رحاها، وفقدنا التعاطف حتى من قبل المفكرين والإعلاميين في المعسكر الاشتراكي السابق، الذي كان حليفًا تقليديًا لقضايا العرب والمستضعفين في الأرض. 
إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وإقامة دولته غير ممكنة دون التكامل مع باقي دول العالم العربي، ومناصرة الشعوب العربية، ومساعدة الأنظمة العربية في فهم حقائق قد تكون غائبة عنها أو مغيبة. إذا أدركت الأنظمة العربية بأن شعوبها هي الضمانة لاستقرارها وضمان أمنها عندها تكون قد قطعت نصف الطريق نحو التنمية، بعد أن قطعت معظم الطريق نحو التخلف الحضاري، وباتت الشعوب العربية لا تقرأ، لا تترجم من وإلى العربية، لا تأبه بكتّابها ومفكريها وعلمائها. باتت شعوبًا استهلاكية يصدر حكامها المواد الخام التي تنتجها الطبيعة بعد جهد استمر ملايين السنين لتخصيبه وتقديمه هدية ثمينة لهذه الشعوب، لتشتري بالمقابل آخر ما توصلت إليه التقنية الغربية بأثمان باهظة، ثمّ نعود لرهن عائدات النفط والمعادن في البنوك السويسرية والغربية المعرضة أحيانًا لإفلاس متعمد لحرق حسابات عربية كبيرة. تحتفل إسرائيل هذه الأيام بنكبتنا، تحتفل بهزيمتنا وفي الوقت الذي ترفع الكؤوس احتفاءً بتأسيس إسرائيل نتجرع نحن نكبتنا وألمنا ونبتهل لغدٍ أكثر إشراقًا وأرض تتسع لما يزيد عن قبورنا.جميع الحقوق محفوظة لدنيا الرأي © 2003 - 2011

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 135 مشاهدة
نشرت فى 19 مايو 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

357,472