محمود درويش شاعر بحجم النكبة بقلم:سميرسليمان ابو زيدتاريخ النشر : 2011-05-17
محمود درويش مناضل بحجم النكبة
بقلم:سميرسليمان ابو زيد
محمود درويش مناضل بحجم النكبة
بقلم : سمـــير ابو زيـــد
في التاسع من حزيران عام 67 والذي صادف اليوم الرابع لاحتلال الضفة الغربية اعتقلتني قوات حرس الحدود الاسرائيلية بينماكنت قادما من الجبال باتجاه بلدتنا قباطية لاحضار ما تيسر من الحليب والكعك واي مواد غذائيه في البلدة الخالية والتي هجرها السكان بسبب قصف الطائرات الاسرائيلية الا من بعض الطاعنين في السن مثل الحاجة ام النافع والتي تجاوزعمرها التسعين عاما والتي قضت جراء قصف احدى طائرات الميراج الاسرائيليه على البلدة مما جعل السكان بخرجون مع اطفالهم الى المغاور والجبال المحيطة كنت في الثامنة عشرة وتطوعت للذهاب الى البلدة اكثر من مرة لاحضار بعض المؤن لاطعام عشرات الاطفال الذين تزحوا مع ذويهم من مدينة جنين وقراها الى محيط بلدتنا وجبالها رغم القصف وعربدة الطاشرات الاسرائيلية التي كانت تقنص الدبابات الاردنية التي تصدت للزحف الاسرائيلي فوجئت برتل من سيارات حرس الحدود ووجدت نفسي محاطا باكثر من عشرة جنود اقتادوني الى معسكر قريب للجيش الاردني والذي حولته اسرائيل لاحقا الى كلية عسكرية باسم كلية بيزك وفي الليل خضعت للتحقيق والضرب المبرح حتى امتلأ فمي وانفي ووجهي بالدم والذي جف واغلق انفي وحنجرتي ولا مجال هنا لسرد باقي هذه الرحلة التعذيبية لاتها مجرد مقدمة كنت اعتقد في نفسي انني لجرأتي ربما اكون اول من لاقى صنوف التعذيب على ايدي الإسرائيليين ولم اكن اعرف ان هناك داخل ما يسمى بالخط الاخضر اي فلسطين 48 شعب يلاقي يوميا اقسى صنوف العذاب وان هناك كتاب وشعراء وادباء ومناضلون ومقاومون للاحتلال منذ بداياته وان هناك شعب اختار الصمود والبقاء على ارضه متحديا الاحتلال لقد كنت اهتم بالسياسة منذ صغري واقود المظاهرات لكنني كنت اسير الاعلام العربي القومي فكان جل وقتي امضبه بالاستماع لاذاعة صوت العرب والقاهرة وتعليقات احمد سعيد ومحمد عروق واذاعة فلسطين من دمشق وتعليقات فايز قنديل ولشد ما كنت اطرب له لازمة افتتاح اذاعة فلسطين من دمشق بصوت الاديب الكبير يوسف الخطيب : الى رافعي علم العودة على شواطيْ يافا و,ربى الكرمل اليكــــم اذاعة فلسطين من دمشق وكنت اطرب كثيرا لاغنية دلال الشمالي من قاسيون تطل يا وطني وارى دمشق تعانق السحب كما انبهرت باغنيات يا اهلا بالمعارك وصورة وبستان الاشتراكيه واحنا الشعب ولنا النصر ويا جمال يا حبيب الملايين كنت استمع ايضا لصوت الجنوب العربي وجبهة نحرير جنوب اليمن المحتل برئاسة عبدالقوي مكاوي الذي انتزع منه السلطه قحطان الشعبي بعد الاستقلال وما زلت اذكر انني استمعت من زنزانتي في احدى السجنات لراديو ترانزستر كان يحمله احد حراس الزنازين لاغنية سلامي الف للدولة وللعسكر من صوت الجنوب العربي كنا نستمع لقصائد صلاح جاهين واسماعيل الحبروك واحمد حمزة وبالكاد كنا نستمع لقصيدة فلسطين لعلي محمود طه او يتحدث لنا المعلم في حصة التاريخ عن قضية فلسطين باختصار ولكننا لم نكن نسمع بمحمود درويش او سميح القاسم او اميل حبيبي او سالم جبران او راشد حسين او توفيق زياد وتوالت ايام الاحتلال و ما كنت اخرج من سجن الاسرائيليين حتى اعود اليه ثانية ولم يكن عمري قد تجاوز الثامنة عشرة كنا قبل الاحتلال مشغولون بحرب اليمن والوحدة السورية المصرية وانقلابات سوريا والعدوان الثلاثي اما حيفا ويافا فكانت في عالم الغيب.
لم تجر مظاهرة واحدة احتجاجا على مجزرة كفر قاسم التى ارتكبت في 29/اكتوبر /56 بنفس اليوم الذي وقع فيه العدوان الثلاثي والذي بدأته اسرائيل ايضا والتي لم يسمع بها العرب الا بعد عدة سنوات لقد ارتكب العرب زعماء ومثقفين كتابا وشعراء اكبر جريمة في تاريخ العرب والذين اداروا ظهرهم لفلسطين ولعرب فلسطين الداخل على الخصوص وركزوا جل اهتماهم برفع شعارات الوحدة العربية حتي يفكروا بعد ذلك برفع شعار تحرير فلسطين واختلفوا هل الوحدة قبل التحرير ام التحرير قبل الوحدة نحن كعرب تركنا اسرائيل تترعرع وتكبر وتصادر الاراضي ولم تجد اسرائيل امامها الا عرب فلسطين كتابا وشعراء حملوا راية القضية بشعرهم الذي سما بالشعر العربي و بالقضية كما سما وارتفع وحلق بالشعر العربي الى العالمية وهكذا كان محمود درويش الذي ترجمت اشعاره الى اكثر من عشرين لغة تعكس حجم القضية التي تبناها واكب النكبة منذ نعومة اظفاره وبداياتها وصور الهدم والنسف والاعتقال والقتل والمصادرة بكل لغات العالم بينما كان اعلامنا العربي كله من المحيط الى الخليج يتحدث عن التمييز العنصري في جنوب افريقيا وروديسيا وامريكا اللاتينية بينما فلسطين وقضيتها في طي النسيان حتى ان احدهم سأل عن فلسطين هل هي وجه بحري ام وجه قبلي في بلد كان فيه الاعلام اقوى من اي بلد في العالم . كان على الجانب الآخر محمود درويش يسطر من زنازينه قصائد اقوى من القاهر والظافر تزلزل اركان الصهاينة وهو ابن الثانوية العامة وليد النكبة ومناضل كبير بحجم النكبة وفي الوقت الذي كان الكتاب العرب تشملهم برعايتها كل وسائل الدعاية واجهزة الاعلام للوصول الى جائزة نوبل والتي لم يحصل عليها محمود درويش رغم انه رشح لها اكثر من مرة لكن شاعرا ومناضلا مثل محمود لا يمكن ان يرضخ وهو لم يرضخ للنظرية الغربية ولم يكلف خاطره للاطلاع عليها اوحفظها لكي يحصل على جائزة نوبل ولا يمكن لكائن من كان ان يحصل على جائزة نوبل الا بعد ان يطبق هذه النظرية ((( بقدر ما تكون بعيدا عن القدس وفلسطين تكون قريبا من ستوكهولم ونوبل ))) وهذا هو السبب الذي من اجله لم يحصل درويش على جائزة نوبل .
ان قصيدة سجل انا عربي والتي اجتمع من اجلها الكنيست الاسرائيلي ليناقش ظاهرة غريبة تدل ان هناك ما زال في دولة اسرائيل من يغذي روح العروبة ويتحدى كيان اسرائيل وهذا ما يهدد كيان الدولة وهنا نتساءل اركان اسرائيل يجتمعون من اجل قصيدة قالها محمود درويش واشغلت بالهم بينما لم يشغل بالهم الجحافل المجحفلة من الجيوش وترسانات الاسلحه التي كانت تكدس هنا وهناك كلمات رسخت في ذهن ابناء العروبة
تحت عنوان بطاقة هوية في ديوان اوراق الزيتون.
سجل انا عربي ورقم بطاقتي خمسون الفا ......واطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف فهل تغضب ؟
سجـــــــل
انا عربي
واعمل مع رفاق الكدح في محجر
واطفالي ثمانية
اسل لهم رغيف الخبز ,
والاثواب والدفتر
من الصخر .......
ولا اتوسل الصدقات من بابك
ولا اصغر
امام بلاط اعتابك
فهل تغضب
سجل
انا عربي
انا اسم بلا لقب ....... صبور في بلاد كل ما فيها .... يعيش بقوة الغضب .... جذوري ......
قبل ميلاد الزمان رست ... وقبل تفتح الحقب .......وقبل السرو والزيتون .... , وقبل ترعرع العشب ...الخ
في هذه القصيدة يتجلى محمود درويش العربي فهو الفلسطيني لا يدافع عن فلسطين فقط لان الخطر الصهيوني الذي داهم فلسطين عام 48 ولم يقم العرب بدورهم كما يجب او انه كان لهم دور في النكبة اعتقد الكثيرين منهم انهم ارتاحوا من قضية فلسطين لكن مع مرور السنين اكتوت الشعوب العربية من محيطها الى خليجها بجحيم الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والحبل على الجرار وبينما كان زعماء وقادة عرب يتفرجون على مآسي الفلسطينيين او يشاركون في صنعها او يتآمرون وبينما كان معظم كتاب العرب يتغنون بالتيجان المرصة وعباءات الحكام كان هناك خلف الحدود محمود درويش وصحبه يقف كالطود الشامخ عندما انهارت كل الاعمدة والضو الساطع بعد ان انطفأت كل الانوار .
وشاءت الاقدار ان يخرج محمود الى الفضاء الرحب ولاقى ما لاقى في البدايات حتى استطاع ان يتفاعل مع الواقع المؤلم والمرير والاكثر الما ومرارة مما هو تحت الاحتلال لكن تفاعل الجماهير العربية بعد ان شاهدت درويش عن قرب واستمعت اليه وجها لوجه عرفت تماما ان بين هذا الشعب ما يستطيع ن يحرك الهمم ويجسد الوطنية الصادقة والانتماء وروح التحدي وان على هذه الارض مايستحق الحياة كما قال محمود درويش واكبر دليل على ذلك امسياته الشعرية في الجزائر ودمشق وبيروت وغيرها واذكر ان قاعة ابن خلدون بالجزائر لم تتسع للحضور واغلقت شوارع العاصمة الجزائرية تلك الارض البعيدة آلاف الكيلومترات عن فلسطين لكنها اقرب على فلسطين من الرمش على الحاجب وهكذا كان في كل امسياته كما ان اشعاره التي حلقت الى العالميه بعد ترديدها من قبل الكثرير من المطربن وفي مقدمتهم صديق عمره مرسيل خليفة رائد الاغنية السياسية والذي رافق رفيق عمره طيلة رحلة مرضه كما رافق جثمانه على الطائرة الاماراتيه الخاصة من امريكا الى عمان حيث جرى له استقبال رسمي ومن ثم نقل على مروحية عسكرية اردنية الى رام الله واستقبله الشعب الفسطيني استقبال الابطال بما يليق به هذا هو محمود درويش الذي لا املك الا ان ارثيه بهذه الابيات المتواضعة :جميع الحقوق محفوظة لدنيا الرأي © 2003 - 2011
ساحة النقاش