د .محمد ناصر
من أولويات اليهود تاريخياً إخراج المسلمين عن دينهم لضمان الغلبة عليهم.. ومحاولات إخراج المسلمين عن دينهم، أخذت أشكالاً متعددة ومتنوعة، من محاولات التسلل إلى النص الديني وتأويله من خلال إشاعة الروايات الإسرائيلية التي شحنت بها الكثير من كتب التراث، أو من خلال التسلل إلى الصف الإسلامي وصناعة النفاق، أو من التظاهر بالإيمان لفترة، لتخريب الداخل الإسلامي وتفجيره، وتشكيك أتباعه، قال تعالى: (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره، لعلهم يرجعون )(آل عمران:72).
وقضية تسلل اليهود إلى الأديان، والأفكار، والأحزاب، والعقائد، والتنظيمات، والجماعات، والتنظير لها، والحماسة لأهدافها، وتوزع المواقع والأدوار، والمراهنة عليها جميعاً في وقت واحد، لا تحتاج إلى دليل وشاهد، وقد لا نأتي بجديد إذا ذكَّرنا بدورهم في تخريب النصرانية، وبقصة بولس (شاول)، الذي كان من أشد الناس عداوة للنصرانية وهو لم ير عيسى عليه السلام، ولم يسمعه، وكان من أبرز وأنشط المضطهدين للحواريين، فانقلب فجأة إلى أشد المتحمسين لها، وادعى أن المسيح ظهر له، وطلب إليه إيصال تعاليمه الجديدة إلى النصارى، فأصبح (بولس الرسول)، أو (القديس بولس) الذي يشرّع للنصارى دينهم!
وإذا عرفنا أيضاً أن (كالفين)، رائد حركة الإصلاح الديني في أوربا، كان يهودي الأصل، وأن "مارتن لوثر" صاحب حركة الإصلاح الديني، كان يتصرف من خلال إيحاءات أصدقائه اليهود! وأن 60% تقريباً من الأميركيين هم بروتستانت و أن 15% تقريباً من قسس البروتستانت الذين يمارسون الوعظ يوم الأحد في الكنائس النصرانية من اليهود! وأن البروتستانت يستعملون في صلواتهم التوراة (العهد القديم)! وأنهم يؤمنون بفكرة أرض الميعاد، وإعادة بناء الهيكل، والوعد الإلهي لإسرائيل!
وأنهم -أي اليهود- وصلوا في الإطار الكاثوليكي أيضاً إلى وثيقة التبرئة المشهورة: تبرئة اليهود من دم المسيح، وإبطال العقيدة والعبادة النصرانية في ذلك الموضوع لقرون طويلة! إذا عرفنا ذلك، أدركنا البعد الديني الذي يتحرك فيه يهود عالمياً، سواءً في أميركا، أو في بريطانيا، أو في غيرهما من دول أوروبا بعامة (راجع كتاب الأصولية الإنجيلية).
حتى أننا لنجد الكثير من تصريحات الزعماء والقادة السياسيين الأميركيين، والغربيين بشكل عام، ومواقفهم، محكومة بالرؤية الدينية التوراتية.. وقد لا يكون المطلوب هنا الاستقصاء لتلك التصريحات والمواقف، ولكنها نماذج يمكن أن تشكل نافذة كافية، وإثارة مطلوبة من خلال المساحة المتاحة. ويبقى الموضوع مطروحاً للاستقصاء والتتبع، وإدراك مدى أهمية التعرف على الخلفية الفكرية والثقافية للعالم الذي نتعامل معه: يقول الرئيس الأميركي السابق "رونالد ريغان" لأحد أعضاء اللوبي اليهودي الأميركي: إنني أعود إلى نبوءاتكم القديمة في التوراة، حيث تخبرني الإشارات بأن المعركة الفاصلة بين ا لخير والشر مقبلة.. وأجد نفسي أتساءل: إذا ما كنا الجيل الذي سيشهد وقوع ذلك، إنني لا أعرف إذا ما كنت أنت قد لاحظت هذه النبوءات مؤخراً.. ولكن صدقني أنها تصف الأوقات التي نجتازها الآن.. (مجلة الأمة، العدد 58، 1985م).
ويقول وزير خارجية أميركا السابق (جيمس بيكر) في معرض سرده لقصة تنشئته الدينية في تكساس: لقد احتلت دولتان على نحو خاص مكاناً في ضميرنا، وهما الولايات المتحدة حيث نعيش، وإسرائيل القديمة التي شهدت مولد الديانة المسيحية، ولذا فإن إسرائيل تمثل جزءاً من القيم التي أعتز بها (جريدة الخليج، 21/3/1991م).
أما موضوع المنظمات اليهودية الأميركية، ونشاطاتها المتنوعة تحت شعارات متعددة، فأكثر من أن تُحصى أو يحاط بها، حيث يوجد أكثر من مائتي منظمة قومية يهودية في أميركا، مما يجعل اليهود أكثر الأقليات الأميركية تنظيماً، وتأثيراً، فلديهم كنس، ومراكز للشبان، ووكالات للعلاقات الطائفية، واتحادات، ومنظمات تمويل، ومجموعات ثقافية وتعليمية، ومحافل أخوية، وجمعيات صداقة، وتنظيمات خيرية، بحيث استطاع اليهود الاندماج في المجتمع الأميركي، والوصول إلى مراكز التأثير والفاعلية فيه، وتشكيل النخبة العالمة والمتحكمة، والتي يصعب معها على أميركا الخروج عن رغبة يهود..
والاندماج الذي نعنيه هنا، لا يعني الذوبان وفقدان الهوية، وإنما يعني الدخول في النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وتوظيفه لخدمة أهدافهم.
أما اليهود في روسيا وأوروبا الشرقية، فحسبنا أن نعلم أن روّاد الشيوعية ومنظريها، ومفكريها، معظمهم كانوا من اليهود، أو ممن وقعوا تحت تأثيرهم -واليهود لا يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين تقريباً- وعلى الرغم من ذلك، كانوا يحتلون سبعة مقاعد من أربعة عشر مقعداً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (اعتباراً من عام 1917م)، وأن معظم قادة إسرائيل، وعمقها البشري الذي شكل الاستعمار الاستيطاني، هم من يهود الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، وأنهم الطائفة الوحيدة التي استطاعت الرهان على الشرق والغرب معاً، وحسن التعامل مع الماركسية والفوز بالنصيب الأوفر منها، حيث المراهنة دائماً على حصانيّ السابق.
نعود إلى القول: إن اليهود كانوا الأقدر على التسلل إلى الأديان، والعقائد، والأفكار، والتنظيمات، والجماعات، والمراهنة على أكثر من صيد، وتبادل الأدوار، وأن ذلك هو ديدنهم تاريخياً، وأن المسلمين لم ينجوا منهم بإطلاق.. فمنذ اللحظات الأولى للنبوة، وتحول القيادة الدينية إلى العرب، اتخذ اليهود موقفاً من النبوة، على الرغم مما كانوا يستفتحون به على الذين كفروا. يقول تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )(البقرة:89). ولما لم يستطيعوا مواجهة المسلمين، عمدوا إلى التسلل والتستر، وصناعة النفاق، وكان اليهود هم شياطين المنافقين الذين ينظمون لهم خططهم، ومن ثم تمذهب النفاق، وجاءت كل الفرق الباطنية التي تعيش في الجسد الإسلامي كألغام حاضرة للانفجار في كل وقت، والتي ترجع في جذورها إلى النفاق.
كما أنهم لما لم يستطيعوا أن يتسللوا إلى النص الديني المحفوظ والمنقول بالتواتر (القرآن)، حاولوا التأويل والتحريف، وشحن هوامش النصوص الدينية بالقصص الخرافية والإسرائيليات، إضافة إلى ما وجدوه مجالاً خصباً في نطاق وضع الحديث النبوي، الأمر الذي استفز المسلمين لوضع ضوابط وتدوين الحديث الصحيح.. هذا بالنسبة للتراث الفكري الإسلامي. أما في المجال السياسي والاقتصادي فالأمر يطول ذكره، وحسبنا أن نعلم أن تسلل اليهود إلى دولة الخلافة، وإعلان الإسلام ظاهراً كوسيلة مرور، ومن ثم العمل على تقويضها من الداخل -ما فعله يهود الدونمة- ساهم إلى حد بعيد بسقوطها.. حتى لقد وصل اليهود إلى بعض المراكز الدينية الإسلامية في أكثر من بلد إسلامي، تحت ستار اعتناق الإسلام والتفقه في الدين، ولعل قصة (موسى بن ميمون) الذي حفظ القرآن، وتفقه بالمالكية في الأندلس، وعلاقته بالحكام، ومن ثم عودته إلى مصر وإشهار يهوديته، واستمراره ثلاثين سنة المسؤول الروحي لليهود في مصر، ووصوله إلى البلاط الأيوبي ليكون طبيباً لعلاج صلاح الدين رحمه الله، فيها الكثير من العبر والعظات..
لم تتوقف محاولات يهود، ولن تتوقف، ولو توقفت لكان خلود الرؤية القرآنية محل شك بيقين.. لكن امتلاك القدرة على تغيير الأساليب، هي التي تغرر ببعض المسلمين. ولا شك اليوم أن المؤرق الوحيد لإسرائيل، هو الصحوة الإسلامية التي سوف تفسد عليها مخططاتها -إذا ما تحققت تماماً بالرؤية القرآنية- لذلك فهي تحاول محاصرتها على مختلف الأصعدة، وتغري بشل حركتها، ومحاربتها، وتوقع بينها وبين الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، وتخوفها منها، وتخوف العالم كله من عودة الأصولية، وخطرها على الحضارة العالمية، وتحاول الامتداد بذراعها لتطول كل عناصرها ومؤسساتها.. والذي يقرأ التاريخ، لا بد أن يدرك أن إسرائيل سوف لا تقتصر على ذلك، وقد بلغت في ذلك نجاحاً ملحوظاً، واستطاعت محاصرة الصحوة والإغراء بضربها إلى حدٍ بعيد، على يد بعض أبناء المسلمين، الذين أُعدُّوا لمثل هذه الأهداف، وإنما تفكر اليوم في كيفية التسلل إلى داخلها في محاولة لتخريبها من الداخل بعد أن كادت تُحكم الحصار حولها، وشل نشاطها من الخارج، لأنها تعلم أن ذلك حالة مؤقتة لا تقوى على الاستمرار.
ولعل القضية الأخطر في هذا الموضوع، ما نشرته جريدة القبس الكويتية في ملحق عددها رقم 6495، بتاريخ 7/6/1990م، تحت عنوان (قضايا القبس) : من أنها حصلت على معلومات من باريس تقول: "إن هناك إسرائيليين شرقيين يُتقنون اللغة العربية كأبنائها، كُلّفوا من قِبل الموساد بتشكيل مجموعات تزعم أنها أصولية، هدفها زعزعة البنى العقائدية والاجتماعية في الشرق الأوسط، خاصة وأن الأصولية الآن تبدوا كأنها الصرخة العقائدية الأخيرة في المنطقة، فلماذا لا يدخل اليهود في هذه الصرخة؟!".
وتتابع القبس القول: (والمعلومات التي وردت تدق ناقوس الخطر.. فهناك يهود في بلدان غربية يدعون الانتماء إلى دول إسلامية أو عربية، لا بل يحملون جوازات سفر (صادرة) عن هذه الدول، يقومون الآن بتشكيل مجموعات إسلامية، إما في الجامعات، أو في المصانع، أو في أي مكان آخر تتمركز فيه جالية إسلامية.. وهذه المجموعات المبرمجة تصل إليها الإمدادات المالية..).
وتقول المعلومات -والكلام ما يزال للقبس- : (إن الموساد استطاعت وخلال عقود من العمل في أوربا الغربية بشكل خاص، تجنيد مئات الأشخاص العرب للعمل لحسابها، وقد أعطيت التعليمات للعديد من هؤلاء لإطلاق لحاهم، ولمتابعة دورات في التثقيف الديني ليكونوا بمثابة القنابل البشرية التي يمكن أن تستخدم في الوقت المناسب. أي أننا أمام نوع جديد من القنابل التي تتمسح برداء الدين..)..
ولعل قدرة اليهود في إقناع العالم لإسقاط نوع الديانة من جوازات السفر، والوثائق المدنية عامة، مكن لهم المرور إلى معظم المواقع، تحت جنسيات شتى.. ورغم خطورة هذه المعلومات التي أوردتها جريدة القبس، وحساسيتها، وما يمكن أن تبثه من الشكوك والريب حول بعض العاملين في الحقل الإسلامي ، وبعض قياداته أيضاً، إلا أنه لا بد من الإتيان على ذكرها للحذر، والتحذير، ذلك أن الكثير من الانفجارات المسماة بالإسلامية، والمواجهات الهستيرية، تجعل الإنسان المسلم يقبل مجرد طرح مثل هذه القضية للحذر والتحذير، وللتأكيد من جديد على أهمية الانضباط بالمعيار الإسلامي، واليقظة الدائمة، وعدم الغفلة التي تمكن من تسلل بعض العناصر والأموال المشبوهة، كما تدعو إلى اعتماد وسائل أكثر تقدماً للمراقبة والحذر.
وقد لا يكون ذلك التسلل أمراً مستغرباً، بل المستغرب الغفلة عنه، التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم، بعيداً عن الرؤية القرآنية الخالدة، التي لم تكتف برصد تحركات يهود، وكشف أساليبهم تاريخياً، تلك الأساليب التي لم تتوقف في عهد النبوة، على الرغم من أن الوحي كان يعري هذه المواقف ويفضح تلك المؤامرات، ومع ذلك كان يحصل الاختراق، ويسقط بعض المسلمين في حبائلهم، إلى درجة القول: (إن لنا فيهم ولاية )، وذلك عندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعاقبهم على خياناتهم..
ولو لا أن هذه القولة: (إن لنا فيهم ولاية) قائمة في كل زمان، والاختراق محتمل في كل عصر، لما كان هناك أي معنى لخلود قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض… )(المائدة:51)، الذي جُعل قرآناً يُتلى على الزمن، وعلى الرغم من أنه لا علاقة للنصارى مباشرة بسبب النزول، لكن جاء النص لتحديد جهة الولاء الوحيدة بالنسبة للمسلم، واستمرار حالة الحذر الدائم.. والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما يقول علماء الأصول، وكما تقتضي صفة الخلود.
وعلينا أن لا ننسى اهتمام اليهود بمنابر الإعلام أو بالقضية الإعلامية، وإدراك أثرها في تشكيل الإنسان، وصناعة قناعاته، وتضليله الثقافي والسياسي، ليس بأقل شأناً من غيرها من القضايا الفاعلة، والمواقع المؤثرة، إن لم يكن أعظمها.. وحسبنا أن نعلم: أن العالم اليوم يعيش مرحلة الدولة الإعلامية الواحدة، التي ألغت الحدود، وأزالت السدود، واختزلت مسافات الزمان والمكان.. وأن لدى يهود 244 صحيفة أو يزيد، في الولايات المتحدة، منها 158 دورية.. وثلاثين دورية في كندا.. و118 صحيفة في أمريكا اللاتينية .. و 348 دورية ومجلة في أوروبا.. وأن كبار أصحاب الصحف ورجال الأعمال في مجال الصحافة والإعلام في العالم، من اليهود.. ولا بد أن نذكّر بالجهود الكبرى التي بذلوها لشراء صحف ومحطات إذاعة وتلفزيون في أوروبا الشرقية بعد السقوط الشيوعي، في محاولة لاستغلال مناخ الانفتاح السياسي والاقتصادي، وركون الموجة، واستثمار رؤوس الأموال، بهدف التأثير على سياسة وتوجهات الإعلام، وخلق آراء وقناعات محددة في تلك البلدان!
هذا وإذا تجاوزنا إلى دور اليهود في وكالات الأنباء العالمية، التي تنتقي الخبر، وتصوغه ، وتبثه، ليشكل المادة الإعلامية المسموعة، رأينا العجب العجاب.
ولعل إدراك اليهود، المبكر لخطورة فن السينما، وصناعتها، والوصول إلى المواقع المؤثرة في الإخراج، والإنتاج، والتمثيل، منحهم قدرات هائلة على احتلال وقت، وعقل، ومشاعر الناس، وصياغة وجدانهم، على مستوى العالم، انطلاقاً من هوليود، المركز العالمي للسينما، عدا عن الإنتاج الخاص، حيث تُنتج إسرائيل سنوياً من 160-170 فيلماً روائياً وتسجيلياً قصيراً، كما يوجد فيها 360 داراً للعرض.
لقد استطاع الإعلام الصهيوني عامة، وفن السينما خاصة، تحويل الضحية إلى قاتل، والقاتل إلى ضحية، ذلك أن السينما تُعتبر إلى حد بعيد، المدخل الثقافي والفني للجماهير، حتى أن بعضهم يرى أن عشرة سينمائيين مهرة، يعادل تأثيرهم مليون كتاب.
<!--
ساحة النقاش