بقلم عبد الفتاح نيازي
كان انتظاري لخطاب الرئيس مرسي ـ ككل المصريين ـ انتظارا يشوبه الكثير من القلق ؛ فقد عشت منذ الإعلان عن خطابه الذي سيكشف فيه الكثير من الحقائق ، بين الخوف والرجاء ؛ الخوف من أن يأتي الخطاب مخيبا لآمال الأمة التي تأمل في الاستقرار من أجل اجتياز الأزمة الراهنة ، فنخرج بعد الخطاب صفر الأيدي ..
والرجاء أن يكون الرئيس قد استوعب حقيقة مايجري في الشارع المصري وعرف حجم مكانته في نفوس أبناء الأمة بعيدا عن طنطنة أنصاره الذين يملأون الدنيا صراخا وعويلا متهمين جميع الأطياف والفصائل المختلفة معهم بالكفر والخروج على شرع الله الذي يظنون أنهم يمثلونه ، وأنهم الوحيدون المسئولون عن تطبيقه ، ومؤكدين أن مخالفيهم مخربون لايريدون تحقيق النهضة لمصر ..
لكني أعترف وبكل صراحة أن حجم خوفي ومساحة رجائي كانت أقل بكثير جدا مما أثاره خطاب الرئيس ليس في نفسي وحدي ولكن في نفوس جميع المصريين ، ومنهم الكثير من أنصاره ؛ حيث خرج الأمر عن كافة الحدود المتعارف عليها في خطب الرؤساء لشعوبهم ، وخاصة في أوقات الأزمات ، والتي تمتاز غالبا بالتركيز الشديد على النقاط التي تقلق الشارع والجماهير ، ووضوح العبارات ، وتحاول الوصول إلى نقطة التقاء مع المعارضين من أجل بدء حوار وطني يخرج بالأمة من النفق المظلم إلى رحابة الأفق والقدرة على التفاهم ، وهو ما يتطلب سعة الصدر والكثير من الصبر على المخالفين وتفهم تخوفاتهم وشجاعة الاعتراف بالخطأ بل وحكمة الرجوع إلى الحق ..
جاء الخطاب خلوا من أي مضمون كان الشارع السياسي ينتظره ، وبعيدا في لغته عن أي بروتوكول متعارف عليه ؛ فهوَّمَ الرئيس في كل اتجاه إلا اتجاها واحدا كان الناس ينتظرونه ، وهو الإعلان عن تغيير وزاري يعيد الأمور إلى نصابها بإشراك فصائل الأمة المختلفة في حكومة إنقاذ وطني ، والنزول على رغبة الجماهير التي بدأت بالفعل النزول إلى الشوارع والميادين مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة ..
وبعيدا عن كل ماتناوله المحللون السياسيون والأدباء وعلماء النفس والاجتماع وغيرهم ؛ فقد رأيت الرئيس مرسي وقد أوقع نفسه وحزبه الذي ينتمي إليه وأنصاره ومحبيه والمستفيدين من بقائه في السلطة في بحر الرمال الساحبة التي كلما هَمَّ الواقع فيها بإخراج إحدى رجليه منها غاصت الأخرى ، وهكذا حتى يغيبه بحر الرمال ..
وللحق والحقيقة أقول إنني كنت أتمنى أن يعبر الرئيس مرسي بنفسه وحزبه وبمصر كلها من عنق الزجاجة ليسجل له التاريخ أنه أول رئيس مصري مدني ديمقراطي نزل على إرادة الشعب بدلا من التعنت والإصرار على الخطأ والخطيئة والتحصن خلف أسوار واهية أعلاها في نظره مؤيدوه من الأهل والعشيرة ..
رجوت ، وخاب رجائي ، أن ينظر الرئيس للدماء التي تسيل في الشوارع من أبناء مصر والأرواح التي تزهق بسبب تعنته وتعلقه بأحبال الهواء ، وللأسف فإنه رغم توجيهه الشكر والتحية لمحافظ الأقصر الذي استقال عندما اصطدم برفض الجماهير له ، وتأكيده أن استقالته جاءت لأنه فضل مصلحة البلاد والعباد على منصب زائل سيحاسب عليه أمام الله ، رغم ذلك فإن الرئيس لم يتخذ من الرجل قدوة وومن موقفه عبرة ، وهو الذي قال يوما قبل توليه إنه سينزل فورا على إرادة الأمة لو طالبه الناس بالتنحي عن الحكم ..
ولكن يبدو أن ملايين المصريين الرافضين لسياساته وسياسات حزبه وجماعته ، والدماء الزكية التي تسيل في شوارع مصر ، وأرواح المصريين التي تزهق سواء من مؤيديه أو معارضيه ، يبدو أن كل هذا لا يمثل له شيئا بالقياس إلى كرسي الحكم الذي يجلس عليه ، وهو لايدري أن قوائم الكرسي قد ساخت في رمال ساحبة ولا نجاة للأمة إلا بالقفز من فوق هذا الكرسي ليذهب ببريقه إلى الجحيم وليبقى الوطن سالما معافى ..
أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يقوي عزائمنا وأن يمنحنا الشجاعة لنعترف بإخطائنا وأن نتمثل قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي : "رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" .. اللهم نجنا ومصرنا من الفتن ماظهر منها وما بطن .. اللهم آمين ..
نشرت فى 23 أغسطس 2013 بواسطة NIAZIمرسي ـ الرمال ـ الساحبة ـ خطاب ـ المصريين ـ الأمة ـ الفصائلاحفظ
ساحة النقاش