بقلم : عبـد الفتـاح نـيـازي
غريب أمر هؤلاء الذين يخلطون الأمور ويوجهونها لمصلحتهم الشخصية أو الحزبية ؛ يقولون الدستور ليس قرآنا لايمكن تعديله ، وفي نفس اللحظة يطالبون بتحصين المجالس النيابية ضد الحل ، يقولون كما قال من كان قبلهم : المجلس سيد قراره ..
ذكرني هذا الموقف بحكمة كانت أمي ـ رحمة الله عليها ـ ترددها كثيرا : "المتغطي بالدنيا عريان" ، وساءني أن أجد العريان هو من يطالب برفع الحصانة عن القضاة ، ويرفض أحكام القضاء ، ويطالب بتعديل الدستور ، وفي الوقت ذاته يطلب الحصانة للمجالس النيابية التي أشرف القضاة على انتخاب أعضائها ، والتي تشرع وتضع القوانين التي يحكم بها هؤلاء القضاة ، فوجدتني أقول : "المتغطي بالحصانة عريان" ؛ فعندما أساء السابقون لم تغن عنهم حصانتهم شيئا ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وهم الآن في طرة يقبعون ..
أليست هذه المجالس يُنتَخب أعضاؤها بناءً على ماقرره الدستور الذي يطالبون بتعديله ؟ فلماذا تكيلون بمكيالين أيها السادة ؟
يطالبون بعدم تحصين القضاة ، بل ويهينون القضاة والقضاء ويرفضون أحكاما نهائية لايمكن الاعتراض عليها أو وقف تنفيذها ، ويخرج منهم من يعلن بكل ثقة أن الرئيس لن يصدق على الحكم بحل الشورى ، ولو كانوا خارج هذا المجلس لدافعوا بكل قوة عن الحكم بحله وقالوا بضرورة احترام أحكام القضاء الشامخ ..
ليس في الدنيا شيئ صنعه بشر لايمكن تعديله أو نقده أو نقضه ، فلا رئيس ولا وزير ولا مجلس تشريعي ولا محكمة ولا قاض يجب أن تكون له حصانة ؛ فهذا الأمر أيها السادة هو أس البلاء في زماننا ..
فالرئيس محصن وقراراته محصنة ، وأتباع الرئيس يخطئون أخطاءً تمس أمن الوطن وأمن الأمة ثم يخرجون علينا باعتذار على موقع للتواصل الاجتماعي ، وكأنهم أخطأوا في حق فرد وأملت عليهم شفافيتهم وأخلاقهم السامية أن يقدموا الاعتذار ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد ، وكما يقولون : (نكفي عالخبر ماجور) ..
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو من هو عند الرب وعند العبد ـ لم يعط لنفسه ولا لقراراته حصانة ، ولم يجعل لأحد من صحابته ـ رضوان الله عليهم ـ ولا لأحب الناس إليه وقرة عينه (الزهراء) حصانة ؛ فكان ـ بأبي هو وأمي ـ يقول لها : "يافاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا" ، وهو الذي رفض بكل شدة أن يسامح الشريفة المخزومية التي سرقت ، وأعلنها مدوية تتردد على ألسنة العباد إلى يوم الدين : "والذي نفس محمد بيده ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها .. إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" ..
وصحابة الحبيب رضوان الله عليهم ما كان لأحدهم حصانة إذا أخطأ ، وكان القائد منهم يقول لرعيته : إن رأيتموني على الحق فأعينوني ، وإن رأيتموني على الباطل فقوموني .. أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم ..
فلماذا ـ يامن تدعون أنكم سدنة الدين وحماته دون غيركم ـ توظفون القوانين وتوجهون الأحداث لصالحكم الدنيوي الرخيص ؟
أنسيتم لقاء رب العالمين ؟ يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؟ أم غركم بالله الغرور فصوّر لكم أن الدنيا قد دانت لكم فقلتم كما قال القائل : "وما أظن أن تبيد هذه أبدا" ؟ ..
أيها الناس .. لاحصانة لبشر ، ولا حصانة لقانون أو دستور وضعه بشر ، ولا حصانة لمجلس ، ولا حجة فارغة (أن ما أتي به ومن أتى بهم الصندوق لا يذهب به أو بهم إلا الصندوق) ؛ فالشعب صاحب السلطات ، وهو الذي يختار ، فإن أحسن المختار فلنفسه ولأمته ، وإن أساء فعلى نفسه ، وللشعب أن يسحب الثقة منه وأن يعزله ..
لابد أن تنتهي قصة الحصانة ، وأن يقف الجميع على قدم المساواة ، وأن يحكم الجميع قانون واحد يطبق على الكبير قبل الصغير ، وبذا تكون الشفافية ويرضى الناس بحكم الحاكم ، فإن لم تفعلوا فإنما "على نفسها جنت براقش" ..
المصدر: هذا المقال منشور بجريدة "الرئيس" الإلكترونية ، بتاريخ 2013/6/4 في قسم "كتذضاب الرئيس ـ عبد الفتاح بيازي" ..
0 تصويتات / 29 قراءة
نشرت فى 23 أغسطس 2013 بواسطة NIAZIالمتغطي ـ الحصانة ـ عريان ـ المجالس ـ النيابية ـ القضاة
ساحة النقاش