شرح الحديث السادس من أحاديث الأربعين النووية بحول الله وقوته
للشيخ محمد صالح العثيمين غفر الله له ولنا وجزاه عنا خير الجزاء
عن أبي عبدِ اللهِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما قالَ:( سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: {إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ وإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُـهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وهِيَ الْقَلْبُ})رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
شرح الحديث
فقوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس معناه أن الحلال المحض بين لا اشتباه فيه، وكذلك الحرام المحض ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس هل هي من الحلال أم من الحرام
الحلال المحض فمثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وبهيمة الأنعام وشرب الأشربة الطيبة ولباس ما يحتاج إليه من القطن والكتان والصوف والشعر وكالنكاح والتسري وغير ذلك إذا كان اكتسابه بعقد صحيح كالبيع أو بميراث أو هبة أو غنيمة
والحرام المحض مثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر ونكاح المحارم ولباس الحرير للرجال ومثل الاكتساب المحرم كالربا والميسر وثمن مالًا يحل بيعه وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب ونحو ذلك
وأما المشتبه فمثل بعض ما اختلف في حله أو تحريمه إما من الأعيان كالخيل والبغال والحمير والضب وشرب ما اختلف في تحريمه من الأنبذة التي يسكر كثيرها ولبس ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السباع ونحوه
وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه))، اتقى الشبهات هذه الأمر المشبه عليك الذي لم يتبين ولم يتحرر لك أنه من النوع الأول أو من النوع الثاني عليك أن تتقيه استبراء للدين طلباً لبراءة دينك, وعرضك، ولا شك أن طلب البراءة لدين هذا أمر مطلوب
استبراء العرض يعني: أن الناس إذا رأوك تتناول هذه الأمور وتزاول هذه الأمور لاكتك ألسنتهم فمنهم من يقول: فلان يرتكب حرام، لأن ميله إلى أن هذا الأمر المشتبه من النوع الثاني ومنهم من يقول: يرتكب حلال، ومنهم من يقول: هذا لا يحتاط لدينه، فتبقى حديثاً للناس في مجالسهم ينالون من عرضك الذي هو محل المدح, أو الذم ما ينالون, فأنت عليك أن تطلب البارئة لعرضك
(كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه))، قد لا يستطيع منع هذه الدواب وهذه المواشي وقد يستطيع لكن لا يملك نفسه،
وقوله صلى الله عليه وسلم كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمي ألا وإن حمى الله محارمه هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمن وقع في الشبهات وأنه يقرب وقوعه في الحرام المحض وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سأضرب لكم مثلًا ثم ذكر هذا الكلام فجعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل المحرمات كالحمى الذي يحميه الملوك ويمنعون غيرهم من قربانه
لأن الحمى قد يكون بحق, ومباح إذا كان لمصالح المسلمين العامة, كإبل الصدقة, أو منع الحاكم من دخول هذه الأرض, لأنه ينوي فيها إقامة مشروع للعموم المسلمين, ينفعهم هذا له أن يحمي هذه الأرض، أما بغير حق كأن يحميها لأمواله الخاصة, فهذا لا يجوز
، ((ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه))، ألا وإن حمى الله محارمه، المحارم التي جاءت الأدلة بتحريمها هذه هي الحمى الذي لا يجوز أن يقترب منه, ولذا جاء النص على قوله تعلى: {فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [سورة البقرة:187] القرب من المحرم يوقع فيه لا محالة، ولذا جاءت الشريعة بسد الذرائع، جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة إلى المحرمات
((ألا وإن في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))،
رتب النبي صلى الله عليه وسلم الجزاء على الشرط،فمتى صلح القلب صلح الجسد،وإذا فسدت فسد الجسد كله.
وقد مثل بعض العلماء هذا بالملك،إذا صلح صلُحت رعيته،وإذا فسد فسدت.
أوصيكم بحفظ بحديث
اللهم أني احتسب عملي هذا لوجهك الكريم فتقبله مني وممن اقدم عليه بإحسان الى يوم الدين
اسأل الله ان يختم بالصالحات اعمالنا
اختكم في الله .. ليالِ الرسول