جمعية البيئة اللبنانية النموذجية

تشجيع المجتمع المحلي لحماية البيئة والسياحة البيئية والتنمية المحلية المستدامة

سمار جبيل

 حكايات التاريخ والعظمة والقداسة

  في نواحيها حكايات عظمة وتاريخ وقداسة... سمار جبيل هي واحدة من أقدم البلدات اللبنانية. وهي تحتضن تراثاً تاريخياً ضخماً من أبرز معالمه الباقية، قلعة شهيرة وكنيسة أثرية. أما مدينتها الكشفية الحديثة نسبياً فأشهر من أن تعرّف. في هذا التحقيق خلاصة جولة في البلدة التي تدل الآثار على دور عظيم كان لها في الأيام الغابرة. واليوم يسعى أبناء سمار جبيل الى إعادة تسليط الضوء على تراث بلدتهم، والى جعلها واحداً من المراكز السياحية المشعة في المنطقة.

  من أقدم البلدات تقع بلدة سمار جبيل في قضاء البترون، على علو

 450 متراً عن سطح البحر، ويحدها من الشمال بلدة مراح شديد ومن البحر كفر عبيدا، أما من الجنوب فحدودها تحوم وراشانا، ومن الشرق جران ومراح الزيات. تعد البلدة من أقدم البلدات اللبنانية حسب ما يقول مختارها جورج فارس. وقد شقّت طريقها على الخريطة السياحية إنطلاقاً من الأوتوستراد الذي يمر في وسطها والمعروف بطريق القديسين رفقا والحرديني. فازدادت فيها عدد المحال التجارية واتسعت رقعة المقاهي والمطاعم والفنادق. ويتطلع أهالي البلدة الى مستقبل لبلدتهم من خلال ترميم قلعتها الأثرية. أشجار التين والزيتون واللوز وكروم العنب جعلت من سمار جبيل بلدة يحلو فيها العيش الهني في طبيعة خلاّبة ومعطاء. وقد استغل الأهالي موارد الطبيعة هذه لتحضير أصناف “المونة” اللبنانية. يرجح أن كلمة سمار جبيل تحريف لفظ فينيقي قديم (Shemer) يعني الحارس والمراقب، فيكون بذلك معنى سمار جبيل حارس جبيل. وثمة احتمال آخر أن يكون الإسم مؤلفاً من 3 ألفاظ فينيقية وهي سيم: قبر، مار: أسياد، وجبيل، ومعناها قبور ملوك جبيل. يعتبر أساس القرية فينيقياً حيث توجد رسوم محفورة على الصخور فيها تدل على أن أحد الملوك الفينيقيين أدّى الطاعة جاثياً لملك آشور للجهة الشمالية. القلعة وآثار البلدة على تلة مشرفة في البلدة ترتفع قلعة عسكرية حصينة تحوي آثار تقسيمات وتحصينات دفاعية. وتعلو القلعة حوالى 500 متر عن سطح البحر ويعود تاريخ بنائها الى ملوك جبيل الفينيقيين الذين اشتهروا بالقصور والقلاع المنحوتة بالصخر، ثم سكنها ملك بابل “بختنصر” الذي نحت على حائطها الشمالي رسماً له وللملكة. وثمة تماثيل رومانية بأوشحتها المعروفة تدل على أن الرومان احتلوها وبنوا فيها هيكلاً بأعمدة ضخمة بقاياها مشتتة في نواح عدة من سمار جبيل، وفي الحائط الجنوبي لكنيستها الأثرية. وقد بنى فيها الرومان أيضاً مسرحاً يدعى الرامية، وهو مفروش بالإسمنت القديم، كما بنوا معاصر موجودة في الجنوب الغربي من القلعة. في القلعة خندق منحوت في الصخر يملأ بالمياه لمنع دخول الغزاة، وبرج مراقبة وطاقات لفوانيس تضيء القلعة. وفيها أيضاً آبار يبلغ عددها 365 بئراً من المياه لحاشيته وللأحصنة. وينقل الأهالي عن آبائهم أن في القلعة دهاليز أحدها يصل الى البحر عند جسر المدفون وآخر يصل قلعة جبيل، وقد كان المسنون من أبناء البلدة يدخلون الى هذه الدهاليز حاملين الشموع فيقطعون مسافة، وعندما تنطفئ يعودون.

 كانت قلعة سمار جبيل محصنة تحصيناً قوياً، فمن جهتها الجنوبية كان يقع ما يسمى المزحلق (Glacis)، أما لجهة الشرق فكان لها خندق،

 على جداره الشرقي طاقات توضع فيها الفوانيس ليلاً للسهر على الخندق، الذي يحوي في منتصفه قطعة حجرية ضخمة تسند جسراً متحركاً. أما لجهة الشمال فصخر القلعة عاصٍ جداً وعليه تماثيل، وفي جوفه مقابر لأمراء القلعة، بينما كانت المقابر العمومية تحت الطريق العام عند أسفل القلعة. البيوت المحيطة بالقلعة آنذاك كانت مبنية على غرار بيوت جبيل القديمة، أي بيت مربع مع باب صغير ونافذتين. الأهالي الذين يسكنون في محيط القلعة كانوا يلجأون إليها عندما يصيبهم الذعر لأي سبب من الأسباب. ولهذا الغرض كان للقلعة 3 سلالم: أولها للجهة الجنوبية ولا يزال محفوظاً حتى اليوم، أما الثاني فقد هدم وتناثرت حجارته وهو شمالي بئر مار يوحنا، أما السلم الثالث فكان لجهة الغرب ولم يبق منه أثر. وتقول رواية أخرى أنه في العام 555 ق. م. قام الفرس بقيادة الملك قورتش ببناء هـذه القلعة، كما أقام فيها المردة، إلا أن الاسكندر المقدوني قام باحتلالها في العام 331 ق. م. ومثله فعل الملك بمبيوس الذي خرّبها انتقاماً عند فتحه بلاد الشام. بعد سقوط الامبراطورية البيزنطية على يد العثمانيين، تعاقب على القلعة العرب والصليبيون الذين هدموا أجزاء منها وبنوا لهم في أحد زواياها حصناً دُعي “شاتو فور”، وأتى بعدهم المماليك ثم العثمانيون. الحكام اللبنانيون قديماً كان لهم نصيب في هذه القلعة، حيث سكنها الشيخ أبو نادر الخازن الذي ولاّه الأمير فخر الدين على مقدمي البلاد لطـرد أتباع بني سيـفا وأشـرك معـه عـمه الشيخ أبــا صـافـي ربـاح.

 وأقـام فيها أيضاً الشيخ نوفل الخازن، إلاّ أن حظه كان سيئاً فقد تعرّضت القلعة لسـقوط صاعـقة في العام 1630 أودت بحياة الشيخ نوفل ووالدته وإبنة الشيخ معتوق حبيش. وقصد القلعـة أول بطاركـة الطائفة المارونية القديس يوحنـا مارون يوم تعيينه أسقـفاً على البترون سنة 676، واختارهـا حصـناً له بعـد خراب دير مـار مارون في سوريا. ولما أصبـح بطريركـاً سنة 685 نقل مقـره الى كفرحي وبنى فيها ديراً. الآثار الرومانية ترك الرومان آثاراً عدة في البلدة، حيث توجد على بعض الروابي آثار محطات رومانية للبريد تدعى حتى اليوم الخانات، وثمة أنقاض لتلك الخانات على تل يدعى “ضهر الخان”, وبقربها آبار لجمع الماء المعد للاستعمال. كما عثر بالقرب من الكنيسة في أملاك راهبات عبرين على كميات من النقود المعدنية الرومانية والتي تحمل نقش “تيبيريوس” قيصر روما في ذلك الوقت. وتحتضن البلدة الى القلعة كنيسة أثرية هي كنيسة القديس نوهرا. ويقال أن الصليبيين رمّموا معبداً قديماً على اسم القديسين باسيليوس ونوهرا، علماً أنه وجد على واجهة الدهليز غربي الكنيسة صليب صليبي حفر على الحجارة. كما عثر داخل الكنيسة ومنذ نحو 50 سنة على مدفن صليبي على عمق مترين تحت الأرض. ويرجح أنه كان لأحد الأساقفة نظراً لأنه مزين بصليب ذهبي ثمين. والى الآن يوجد حجر في جدار الكنيسة الشرقي كتب عليه: “هنا دفن الكاهن نوهرا”.

 وبالقرب من الكنيسة معبد قديم

 في داخله آثار مذبح أثري، واسمه اليوم “كنيسة سيدة المعونات”، وقد نقش عليه في القديم صليب لتبريكه إلا أن حجارة سقفه تساقطت، وقامت في داخله شجرة سنديان معمّرة.

 عائلات البلدة

 يبلغ عدد سكان بلدة سمار جبيل نحو 5750 نسمة يتوزعون على العائلات التالية: باسيل، فارس، الجميّل، ناصيف، الديك، شديد، ملكان، أنطون، اسحاق، نهرا، سعد.

  بئر مار نوهرا

 قرب القلعة بئر يقال أن جثمان القديس نوهرا قد ألقي في داخله، ولا تزال أصابع القديس محفورة على فوهة البئر. ويأتي الأهالي من كل الأنحاء

 ليتباركوا من مياهه ويغسلوا عيونهم بها أملاً بالشفاء، علماً أن القديس نوهرا هو شفيع العيون يشفيها من أي علة تلم بها.

 

 

 أول كنيسة على اسم مار نوهرا

 عرفت سمار جبيل عبادة الأصنام التي كانت منتشرة في الشرق القديم.  وكانت كنيسة مار نهرا في الأساس واحداً من المعابد الوثنية، الى أن دخلها القديس نهرا (نهرا في السريانية تعني النور) وحطم الأصنام الموجودة فيها، والتي عثرعلى بقاياها إبان أعمال تنقيب في المنطقة. ويفيدنا الرائد توفيق يزبك نقلاً عن وثائق تاريخية أن هذه الكنيسة هي على الأرجح الأولى التي حملت اسم القديس نهرا الذي مات شهيداً في سمار جبيل.

 

 المدينة الكشفية

 من أبرز معالم سمار جبيل الحديثة، المدينة الكشفية التي تعتبر مركزاً

 فريداً من نوعه في لبنان. وقد افتتحت هذه المدينة في العام 1974 برعاية رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية الذي كان قد وضع حجر الأساس لها. اليوم تعرف المدينة الكشفية بثكنة نهرا الشالوحي. حيث تتمركز فيها قطع ووحدات الجيش اللبناني التابعة لموقع البترون.

 

 

المصدر: سياحة في الوطن. تحقيق: باسكال معوّض- تصوير: المجنّد الياس مرعب. www.lebarmy.gov.lb
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 142 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2015 بواسطة LTEO

ساحة النقاش

جمعية البيئة اللبنانية النموذجية

LTEO
لكل إنسان الحق ببيئة سليمة ومستقرة، ومن واجب كل مواطن العمل على حماية البيئة وتأمين حاجات الأجيال الحالية من دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة. لذلك، من خلال مبدأ التعاون، الذي يقضي بأن تتعاون السلطات العامة والمحلية والجمعيات والمواطنون على حماية البيئة على كل المستويات. نحن نعمل يداً بيد لحماية البيئة »

ابحث

عدد زيارات الموقع

12,376

تسجيل الدخول