هآرتس:رأفت الهجان كان عميلاً للشاباك..وفر علينا دماً كثيراً
مساء أول أمس جرى في مركز التراث الاستخباري القاء محاضرة عن احدى عمليات الخداع الأنجح في تاريخ الاستخبارات الاسرائيلية: فقد جرى القبض على عميل أُدخل الى اسرائيل في الخمسينيات أرسلته الاستخبارات المصرية. وافق على التعاون مع اسرائيل، أي 'أصبح مزدوجا'، ونُقلت بواسطته الى المصريين معلومات كاذبة. كان الاسم الشيفري الذي أُعطي للعميل وعلى أثره العملية 'يَتيد'.
إن الشخص الأكثر مماهاة من كل واحد آخر مع العملية، والذي كان مدة ست سنين مُشغلا لـ 'يتيد' هو دافيد رونين الذي أصبح بعد ذلك نائب رئيس 'الشاباك'. لكن مما زاد المفاجأة انه لم يُلق المحاضرة. قال لي رونين أمس انه لا يعلم لماذا لم يُدع لإلقاء المحاضرة وانه لم يأت لاستماعها احتجاجا على ذلك.
قد يكون سبب تجاهله غضبا طويلا في 'الشاباك' لانه تجرأ قبل سنين على الايماء الى القضية. ففي التسعينيات نشر رونين رواية عنوانها 'لسعة النحلة (قصة عميل مزدوج)، فيها إيماء الى عملية 'يتيد'. وقبل خمس سنين كتب كتابا في هذا الموضوع، لكن 'الشاباك' والموساد ايضا يعوقان نشره طالبين أن تُدخل فيه تعديلات.
بدأت القصة بتجنيد رفعت الجمال للاستخبارات المصرية. تورط الجمال مع القانون وعُرض عليه مقابل عدم محاكمته أن يكون جاسوسا. وافق وجرت عليه سلسلة تدريبات اشتملت على زيارات كُنس من اجل معرفة الدين اليهودي. وبعد اعداده أُلصقت به هوية مختلقة ليهودي مصري اسمه 'جاك بيطون'.
في بداية 1955 أبحر الجمال/ بيطون من الاسكندرية الى ايطاليا. مكث في ايطاليا وقتا ما بل عمل فيها من اجل تعزيز أمر التغطية. وفي النهاية هاجر الى اسرائيل. على حسب خطة طموحة أعدها مُستعملوه كان يجب عليه ان يندمج في المجتمع الاسرائيلي. ومن اجل ذلك زودوه بمبلغ كبير من المال استثمره في شراكة في وكالة سفر ' سي تور' في شارع برنار في تل ابيب.
تحت غطاء السفر للعمل أكثر الجمال/ بيطون الخروج الى اوروبا للقاءات مع مستعمليه في الاستخبارات المصرية. أثارت هذه الأسفار شك شريكه، الدكتور ايمرا فريد، وهو من رجال جهاز الامن المتقاعدين؛ 'من أين لمهاجر جديد المال في حين أن عملنا لا يكسب ألبتة'، سأل اشتكى'للشاباك'. وُضع بيطون تحت المراقبة التي استمرت بمساعدة الموساد في الخارج ايضا حيث شوهد يلتقي مستخدمه المصري.
مع عودته الى اسرائيل قبض عليه رجال 'الشاباك' في المطار وخيّروه بين امكانين: إما المكوث في السجن عشرات السنين بسبب التجسس وإما الموافقة على ان يكون عميلا مزدوجا. واختار بيطون الخيار الثاني. كان مستخدمه الاول شلومو غولند، وبعد عدة شهور نُقل عمل الاستخدام الى رونين.
ومن اجل تثبيت الثقة به عند المصريين صور بيطون، تحت رقابة وثيقة من رجال 'الشاباك'، قواعد للجيش الاسرائيلي، وجنودا في محطات وشعارات وحدات ونقل المعلومات الى المصريين. بحسب قول رونين 'كانت المعلومات التي نُقلت غير سيئة البتة من وجهة نظر المصريين، في ظاهر الامر'، ولهذا رأوه أحد أفضل عملائهم. في 1963 في احدى زياراته الى اوروبا التقى امرأة المانية. تزوجا وولد لهما إبن.
كانت ذروة عملية 'يتيد' نقل معلومات كاذبة الى المصريين في 1967، قُبيل حرب الايام الستة. نقل بيطون الى المصريين انه بحسب خطة الحرب التي أحرزها من مصادره، ستبدؤها اسرائيل باجراءات برية. وكان هذا تضليلا من الطراز الاول، يمكن أن يساوي في قيمته 'عملية تقطيع' وهي خداع الاستخبارات البريطانية اللامع زمن الحرب العالمية الثانية، فيما يتعلق بمكان نزول قوات الحلفاء وقت غزو اوروبا في 1944.
إن المعلومات المضللة لبيطون كانت أحد اسباب ان مصر كانت وادعة جدا قُبيل الحرب وتركت طائراتها مكشوفة لأنظار الجميع على مساراتها في المطارات. لم يصعب على سلاح جو اسرائيل القضاء عليها في ثلاث ساعات وبهذا حُسمت المعركة بقدر كبير في واقع الامر. 'وفر علينا دما كثيرا، كان استعماله مساويا لقوة فرقة'، قال في زمانه ابراهام احيطوف الذي كان زمن استعمال بيطون رئيس الشعبة العربية في 'الشاباك' وأصبح بعد ذلك في الثمانينيات رئيس المنظمة.
لم تعد ثمة حاجة بعد الحرب الى بيطون؛ والى ذلك كان متعبا ايضا من التوتر اليومي لعمله السري، فأصبح عصبيا وأخذت تكبر مطالبه المالية من الدولة. استقر الرأي على قطع الصلة به واعادة تأهيله. رتب جهاز الامن دخوله في شراكة مع رجل اعمال ايطالي، مثّل شركة نفط نقبت قبل الحرب في سيناء وأصبحت اسرائيل الآن تسيطر على حقولها. لكن هذا لم يكن كافيا لبيطون وطلب ملايين الدولارات مقابل خدمته التي استمرت 12 سنة. وأخذت تتدهور علاقته بمستخدميه من 'الشاباك'.
بعد ذلك بوقت قصير أُصيب بالسرطان. عولج في مستشفى في اسرائيل لكنه ارتاب ان رجال 'الشاباك' سيحاولون تسميمه ولهذا طلب نقله للعلاج في اوروبا. استجاب 'الشاباك' لطلبه وعولج في مستشفى في المانيا ومات هناك. دُفن الجمال/ بيطون في مصر. بعد عشرين سنة من موته في 1988، نشر الأديب وكاتب السيناريو المصري صالح مرسي قصة جاسوس مصري جريء دخل عمق ارض 'العدو الصهيوني'. لم يكشف عن اسمه الحقيقي. ومن اجل التحقيق استعان مرسي بملفات أرشيف الاستخبارات المصرية. بعد ذلك تم تهيئة القصة لمسلسل تلفزيوني ذي شعبية، بُث في العالم العربي كله. اسم الجاسوس البطل في المسلسل 'رأفت الهجان'. بعد ذلك تم الكشف في مصر عن اسمه الحقيقي وسُمي أحد ميادين القاهرة باسمه.
في اسرائيل ظلوا يحافظون على صمت هادر. قال لي في مطلع التسعينيات رئيس الموساد و'الشاباك' سابقا إيسر هرئيل: 'ليفرحوا، وليظلوا يصدقون حكايتهم'.
يديعوت:جدول السلام/آذار 2011.. شهر انتفاضات
عصيان عربي؟ ليس عندنا. معظم الجمهور اليهودي (57 في المائة) يعتقد بان احتمال انتفاضة في الضفة مثل الصراعات في الدول العربية منخفض، 38 في المائة يعتقدون العكس اما الباقي فلا يعرفون. أغلبية أكبر (68 في المائة) تقدر بانه قليل الاحتمال لانتفاضة مشابهة في أوساط العرب مواطني اسرائيل، مقابل نحو ثلث يعتقدون بان الاحتمال كبير. نمط مشابه من التقديرات، ولكن بفوارق اكبر، وجد بين الجمهور العربي الاسرائيلي. بالنسبة للضفة، 68 في المائة يعتقدون بان احتمال الانتفاضة عال و 32 في المائة بانه متدن، اما بالنسبة للانتفاضة داخل اسرائيل، فـ 79 في المائة يقدرون بان الاحتمال متدن مقابل 18 في المائة يعتقدون بانه عال.
آثار الانتفاضات العربية على شعوب المنطقة؟ أغلبية الجمهور اليهودي (52 في المائة) يعتقدون بانها ايجابية، أقلية من 28 في المائة يقدرون بانها سلبية، أما الباقي فلا يعرفون.
صورة مشابهة بل وأكثر حدة، تنشأ لدى الجمهور العربي، حين يرى 65 في المائة التطورات كايجابية، مقابل 29 في المائة يعتقدون انها سلبية.
وما هي الاثار على اسرائيل؟ في هذه الحالة ايضا الميل السائد (47 في المائة) هو اعتبارها ايجابية، في الوقت الذي يرى فيه 30 في المائة سلبية وقرابة الربع لا يعرفون. التقديرات في الجمهور العربي تشبه السؤال السابق، تميل لان تكون اكثر ايجابية حين يرى 55.5 في المائة فيها ايجابية و 34 في المائة سلبية.
وماذا بشأن الاثار على احتمالات السلام؟ الرأي المتكرر (38 في المائة) هو أنه لن يكون للاحداث تأثير في المستقبل المنظور حين يكون بين من يعتقدون بانه سيكون هناك تأثير معدل البعض الذين يؤمنون بانه سيكون تأثيرا ايجابيا (22.5 في المائة) أدنى بقليل ممن يعتقدون بانه سيكون سلبيا (27.3 في المائة). اما في الجمهور العربي فالآراء معاكسة: اغلبية 48 في المائة يعتقدون بانه سيكون للتطورات في المنطقة تأثير ايجابي على احتمالات السلام، مقابل 31 في المائة يعتقدون بانه سيكون سلبيا. 18 في المائة فقط يعتقدون بانه لن يكون لها أي تأثير.
أخذ المبادرة أو القعود بصمت؟ أقلية بين الجمهور اليهودي (28 في المائة) يتفقون مع الادعاء بان التقلبات في الشرق الاوسط خلقت فرصا جديدة وأن على اسرائيل أن تستغل الوضع كي تصل الى سلام اقليمي، في الوقت الذي تقبل فيه الاغلبية الساحقة (70 في المائة) الزعم بانه في هذه اللحظة الوضع غير واضح وبالتالي من الافضل لاسرائيل أن تجلس بهدوء وألا تفعل شيئا. في اوساط العرب انقسمت الآراء على نحو معاكس، وان لم يكن قطبيا، حيث أن 58 في المائة يعتقدون بان على اسرائيل أن تتخذ مبادرة للسلام، و 40 في المائة يعتقدون بانه يجب أن تقعد جانبا.
تدخل الدول الغربية: 52 في المائة يؤيدون تدخلها في ليبيا الى جانب الثوار مقابل 43 في المائة يعتقدون العكس. في اوساط العرب الفارق بين المؤيدين (62 في المائة) والمعارضين (34 في المائة) اعلى. اما بالنسبة للتدخل المشابه في حالة اندلاع انتفاضة في الضفة، وادخال الجيش الاسرائيلي للقوات للعمل ضدها فاغلبية ساحقة (75 في المائة) بين الجمهور اليهودي يعتقدون بان الاحتمال متدن و 21.5 في المائة فقط بانه عال...نمط مشابه من التقديرات يوجد أيضا بين الجمهور العربي. ومع ذلك، بالنسبة لتشديد الضغوط على اسرائيل كي تتقدم في المسيرة السلمية مع الفلسطينيين، الآراء اكثر توازنا. 51 في المائة من اليهود مع الرأي بان الاحتمال عال و 44 في المائة بانه متدن. في اوساط العرب توزيع الآراء متشابه 47 في المائة مع الرأي بان الاحتمال عال ونحو هذا المعدل بانه متدن.
اسرائيل اليوم:الاسلاميون سيخطفون سورية وليبيا واليمن ومصر
أصبح الشرق الاوسط مثل قدر تفور بعد عشرات السنين من الجمود. اليكم استعراضا لمعنى التطورات في اربع دول رئيسية.
ليبيا: إن أكثر الامريكيين لا يفهمون هذا حقا، لكن دولتهم خرجت قبل اسبوعين لتحارب معمر القذافي. انها حرب بلا هدف واضح، بدأت عندما كان الرئيس ووزيرة خارجيته خارج الولايات المتحدة.
أصبح القرار الذي تم اتخاذه بغير موافقة اعضاء مجلس النواب يثير الغضب. قد يكون اوباما ذا حظ وينهار القذافي سريعا لكن لا أحد يعلم من هم المتمردون، وقد يكون الجهد الحربي طويلا وباهظ الكلفة وغير شعبي من ناحية سياسية. اذا كان الامر كذلك فقد تصبح ليبيا عراق اوباما، أو اسوأ من ذلك اذا نجح الاسلاميون في السيطرة على الدولة. يريد اوباما ان تكون الولايات المتحدة في هذه الحرب 'واحدة من شريكات كثيرات'. أعترف بأنني اؤيد هذا التوجه شيئا ما. في أواخر التسعينيات اشتكيت من أن واشنطن تسارع الى تحمل المسؤولية عن أحداث في العالم واعتقدت انه يجب عليها ان تُشرك آخرين في الجهود ايضا. على كل حال، أخذ اوباما بهذا التوجه على نحو فظ وستؤثر النتائج في مستقبل سياسة الولايات المتحدة الدولية.
مصر: إن القوى التي تزداد قوة فيها تنتمي الى حركة الاخوان المسلمين والى بقايا حزب حسني مبارك السابق، أما الشباب العلمانيون الذين تظاهروا في ميدان التحرير فيُدفعون الى الخارج. صدّقت القيادة العسكرية الجديدة نيتها الاستمرار في التعاون مع الاسلاميين. كانت الريح التي هبت من الميدان صادقة ربما تنتصر في نهاية المسار، لكن الحكومة الآن بدعم من الجيش تواصل نهج مبارك المعروف مع اتجاه أكبر الى الاسلاميين.
سورية: أورث حافظ الاسد الأب الذي حكم الدولة ثلاثين سنة بقسوة لا شبيه لها، الرئاسة لابنه بشار الذي كان آنذاك في الرابعة والثلاثين، ونجح فقط في الاستمرار على القمع وعدم منع الفقر في الدولة. الآن بلغت سورية ريح التغيير ورد بشار المذعور بالعنف. اذا اجتُثت عائلة الاسد فستكون لهذا تأثيرات مدمرة على طائفة الأقلية العلوية؛ فاذا سيطر أهل السنّة فقد يقطعون العلاقات مع ايران وتكون لذلك تأثيرات في علاقة سورية بالغرب وباسرائيل.
اليمن: الاحتمال الأكبر أن يسيطر الاسلاميون على دولة عربية موجود هنا. كان الرئيس الداهية علي عبد الله صالح برغم علاقاته بعراق صدام حسين وبايران، يقيم علاقات جيدة مع الغرب وحارب القاعدة. اذا سقط (أخذ ضباط في الجيش الذي جاء هو نفسه منه يتنكرون له مؤخرا)، فقد تكون في اليمن فوضى اسلامية، مع الأخذ في الحسبان البنية القبلية للدولة، وانتشار السلاح وجغرافيتها الاشكالية.
والخلاصة أن ثمة للاسلاميين في ليبيا وسورية واليمن ومصر احتمال ان يقووا، لكن بقدر أقل في مصر. والسؤال كيف سينجح الرئيس الامريكي الذي أراد أن يُقوي جدا العلاقات المتبادلة بالدول العربية في حماية مصالح الغرب من هذا التهديد.
معاريف:الجزيرة تواطأت.. نهاية عصر الاكاذيب
كلما مر الوقت خفت الحماسة في أوساط المثقفين العرب من 'الديمقراطية المذابة' التي تتطلع اليها الثورات في تونس وفي مصر. ومع أن المتظاهرين يتوقعون العدالة الاجتماعية، الرزق الشريف والتعليم الجيد لاطفالهم، الا ان الهزات في هذه الانظمة لم تثبت بعد ان الحكام الجدد يسيرون في الطريق الصحيح.
بالمقابل، فان الاحتفالات في وسائل الاعلام بالشكل الديمقراطي الذي جرى فيه لاول مرة استفتاء شعبي في مصر على التعديلات الدستورية بعيدة عن الحقيقة. تكفي بضع حوادث في اثناء يوم الاستفتاء لتثبت بان الحكام الجدد ايضا ينتمون الى الجيل القديم؛ ان الحديث يدور عن ذات الامر مع تغيير الشكل. والدليل كما يشير مأمون فندي، في صحيفة 'الشرق الاوسط' الصادرة في لندن هو أن الطريقة القديمة من مظاهر الخداع في صناديق الاقتراع لا تزال ترافق الحملة الحالية. شهادات على ذلك وجدت في بطاقات التصويت الاصلية مع اشارة مسبقة امام مسجد رابعة العدوية في القاهرة. شهادات اخرى عرضت في مقاطع فيديو على اليوتيوب. لا يمكن اخفاء الشمس بالغربال.لا ريب في أن التكنولوجيا الرقمية التي غذت الثورات تواصل الكشف عن اكاذيب الانظمة الجديدة والقديمة بوسائل جد بسيطة مثل الهاتف الجوال، مجموعات الفيس بوك او مستخدمي التويتر. في العصر السابق، كانت وسائل الاعلام الرسمية تسيطر عمليا على نشر معلومات كاذبة تخدم الحكام. في سورية الاسد يستوعب هذه الحقيقة ببطء شديد وبشكل متأخر أيضا.
'الجزيرة' التي لعبت دورا لا بأس به في تغذية نار الانتفاضات، ساهمت هي الاخرى في يقظة الجماهير. ولكن الى جانب هذه المساهمة يوجه المعقبون لها ايضا الانتقاد بسبب امتناعها عن التغطية المناسبة في سورية. المعقبون في مواقع الانترنت هاجموا مقابلة شاملة اجرتها الشبكة مع د. عزمي بشارة الذي فر من اسرائيل، وعني بالتطورات الاخيرة في المنطقة. فكيف قفزت الاسئلة عن الوضع في سورية؟ تساءلوا.
وجدت أيضا ردود فعل مستخفة بالتقدير السابق لبشارة عن ان النظام في سورية مستقر. على الاقل في حالة سورية يبدي الولاء. مشوق أن نشير الى ان توقعاته بالنسبة للانظمة الملكية مثل البحرين اكثر تفاؤلا. فبزعمه، حكام البحرين لديهم مساحة مناورة أكبر لان بوسعهم ان يغيروا الحكومات ويدخلوا الاصلاحات.
من ناحية اسرائيل انكشفت عورة الحكام العرب الذين حاولوا في العقود الماضية بيع الافيون للجماهير. فتحت ذريعة الصمود امام العدو الصهيوني والامبريالية، اهملوا رفاه شعوبهم في ظل ممارسة وسائل القمع. وحتى في الساعات الحرجة هذه، حين يحاول النظام السوري من خلال رزمة الاصلاحات مصالحة الجماهير التي ستة من كل عشرة منهم يعرفون كفقراء، فان الاسد يتمسك بهذا الخط. وهو يتهم مرة اخرى اسرائيل التي بزعمه تهيج الجماهير.
محاولة اخرى كانت في اثناء الانتفاضة في مصر: فقد أعلنت وسائل الاعلام على لسان مصادر رسمية بانه القي القبض على مشبوه بالتجسس تستخدمه اسرائيل والولايات المتحدة. وقد أجادت الشرق الاوسط في وصف ذلك بقولها: 'خبز عيش وكرامة المواطن العادي، من السعودية وحتى الجزائر عبر دمشق، ليس شتم اسرائيل من الصباح حتى المساء هذا خبز عيش المثقف الذي تتطلع عيونه الى الايديولوجيا'. كل ما يريده المواطن هو أن تعيش اسرته بكرامة وأن يدفع حساب الهاتف الجوال. توجد شهادات على ذلك ايضا في اوساط السكان في غزة الذين ملوا حكم حماس. لا يمكن خداع كل العالم كل الوقت.
هآرتس:هل نودع السلام مع مصر؟
ان مواطني اسرائيل مثل مواطنين في دول ديمقراطية اخرى يتابعون في اهتمام الاحداث في الشرق الاوسط ويأملون نجاح طالبي حقوق الانسان في الدول المجاورة. لكن لا يبدو أننا سنستطيع في المستقبل القريب اذا استطعنا أن نكون شركاء في سعادة الثائرين لتحقيق حقوقهم الاساسية.
برغم أنهم نجحوا في اسقاط نظم الحكم في عدد من الدول، وحتى لو نجحوا في فعل ذلك في بلدان اخرى، يبدو أن لكل حركات الاحتجاج قاسما مشتركا واحدا وهو أنها تعبر عن ارادة السكان حكما ديمقراطيا لكنها لا تنجح في اقامة قيادة سياسية وهي غير قادرة على ان تعرض قوة عسكرية تستطيع أن تواجه سلطة مصممة على الحفاظ على موقعها. لهذا اضطرت دول اوروبا الى التدخل في ليبيا في جهد لمنع ذبح المنتفضين. وقد يأخذ زعماء عرب آخرون مثل رئيس سوريا بشار الاسد خطوات مشابهة لتلك التي اخذ بها زعيم ليبيا معمر القذافي.
في كل الدول العربية قوتان منظمتان منقسمتان على نفسيهما: الجيش الذي هو ذراع السلطة القديمة الكريهة؛ والاسلام المتطرف المنشق او المقسم احيانا الى فصائل ثانوية لكنه متحد على تصور فحواه أنه يجب تطبيق قوانين الاسلام على الدولة ومحاربة الكفار. ان نشاط المتظاهرين في كل واحدة من الدول يستنزف الجيش ويفضي الى انتقال وحدات الى صفوف المتمردين والى انشقاقه.
وعلى ذلك فان القوة الوحيدة القادرة على العمل في هذه الدول هي الاسلام المتطرف. سيكون وقت السيطرة الاسلامية على دول مفتاحية كمصر وتونس نتيجة تقدير تكتيكي لا نتيجة قرار استراتيجي. وفي صياغة واضحة نقول: في كل دولة عربية سقط فيها نظام الحكم القديم او سيسقط في المستقبل سيحل محله ان عاجلا أو آجلا نظام متطرف اسلامي. لا بديل عنه الان. وفي الوضع الحالي لا توجد معطيات تمكن حركات ديمقراطية من النشوء.
هذه القراءة المتشائمة لكن الواقعية تقتضي ان نفحص عن قريب عن المعاني الكامنة في الاجراءات التي تحدث في الدول العربية من وجهة نظر اسرائيلية. ان اسرائيل مثل أكثر الغرب متعلقة باربعة معابر استراتيجية في منطقتنا: مضايق البحر الاسود، التي تمكن من تحرك اسطول روسي الى البحر المتوسط ومنه السيد على هذه المضايق هو السلطة الاسلامية في تركيا؛ وقناة السويس والسيد هو النظام المؤقت في مصر الذي سيحل محله في شبه يقين نظام اسلامي متطرف؛ ومضايق باب المندب التي تصل البحر الاحمر بالمحيط الهندي وهي ليست بعيدة عن اليمن وهي الدولة التي سيحدث فيها سقوط النظام التالي في المنطقة؛ ومضيق هرمز منفذ الخليج الفارسي وهو معبر النفط الاهم في العالم ومنذ وقعت ثورة الخميني في 1989 وأحد جانبيه في يد النظام المتطرف في ايران.
ان عبور السفينتين الحربيتين الايرانيتين قناة السويس الشهر الماضي، وحقيقة أن الحصار البحري على اسرائيل في حرب يوم الغفران قد طبق في مضيق باب المندب، يقتضيان تفكيرا استراتيجيا جديدا من أجل الاستعداد لكل مجابهة ممكنة. حتى لو كان استهلاك النفط الاسرائيلي بالمفاهيم العالمية لا أهمية له فان اسرائيل التي تتمدح بكونها قاعدة متقدمة للغرب والديمقراطية في الشرق الاوسط ليست معفاة من اعداد خطط لاوضاع ممكنة، من أجل تأمين مسارات النفط في منطقتنا. والى ذلك ينبغي ان نفرض في جملة التقديرات ان النظام الاسلامي الذي سينشأ في مصر سيحاول أن يحظى بشرعية دولية. لهذا لن تعلن السلطة الجديدة هناك الغاء اتفاق السلام مع اسرائيل بل ستعمل فقط على اضعافه على نحو تقع المسؤولية فيه عن الغائه على اسرائيل. في هذه الظروف من الواجب على اسرائيل أن تستعمل سياسة معتدلة حذرة بان تغمض عينها عن نقض طفيف لاتفاق السلام وان تعبر علنا عن اهتمام باستمرار دور مصر وسيطة في اجراءات سياسية في منطقتنا؛ وينبغي في الان نفسه استكمال انشاء جدار حدودي بين الدولتين ومضاءلة مراكز الاحتكاك المحتملة.
حتى لو كان النظام الجديد في مصر مصمما على الغاء الاتفاق، فمن المناسب ان تكون اسرائيل ومواطنوها وكل جهة دولية معنية بما يجري في المنطقة على قناعة بان الخطوات التي ستأخذ بها اسرائيل لن يكون لها أي تأثير في قرار مصري سلبي اذا اتخذ. مهما تكن التطورات السياسية فمن الضروري ان نفهم ان المنطقة كلها تعمل الان بحسب قواعد سياسية جديدة غاية الجدة. يقتضي هذا الوضع اتخاذ قرارات وصوغ تفكير استراتيجي يستبق الاحداث. هذا هو وقت العمل على ذلك.
ساحة النقاش