هآرتس : رشوة ثورات في السعودية
الخليفة معاوية بن أبي سفيان، الأموي الذي حكم في القرن السابع للميلاد هو المقصود في المصطلح السياسي 'شعرة معاوية'. يبدو في الظاهر ان استقرار الحكم متعلق بالصلة بين الحاكم وشعبه و' ثخانة الصلة كثخانة شعرة'؛ 'عندما يشد الناس أُرخي وعندما يُرخي الناس أشد فلا تنقطع الشعرة'، أوضح معاوية. يبدو ان عبد الله ملك السعودية يتبنى هذه النظرية. فقد أدرك في الاسبوع الماضي ان الشعب قد يقطع 'الشعرة' كما حدث في عدة دول عربية اخرى.
'أنا فخور بكم جدا'، قال الملك في خطبة في أبناء شعبه، 'لن تستطيع الكلمات والعبارات التعبير عن هذا. أقول هذا لأن التاريخ سيذكر والأقلام ستكتب. أنتم صمام الأمان الذي يحافظ على وحدة الشعب، وقد قضيتم على الغث بمساعدة الشيء الحقيقي وعلى الخيانة بالاخلاص'. اجل هذا كلام كالمهاميز من حاكم لرعاياه، نفس الحاكم الذي نشر قبل اسبوع فقط أكثر قوات أمنه لمنع مظاهرات على نظامه. وأرسل الملك شكرا خاصا ايضا الى الفقهاء السعوديين ـ الذين يحصلون على أجورهم من خزانة الدولة ـ لاسهامهم في منع المظاهرات بعد أن قضوا بأن المظاهرات محرمة بحسب الشرع.
لكن الكلمات غير كافية للشهادة على الشكر، وهذا يعرفه الملك جيدا. ولهذا بعد أن أنفق 36 مليار دولار قسمها على مواطنيه، استقر رأيه على زيادة 93 مليار دولار اخرى للاحسان الى الشعب المخلص. سيبني الملك 500 ألف وحدة سكنية لمن يعوزهم السكن وسيرتفع الحد الأدنى للأجور الى 800 دولار، وينشىء شبكة لمحاربة الفساد ومن اجل الأمن، وزاد 60 ألف وظيفة في وزارة الداخلية، أي في جهاز الامن الداخلي.
'ثورة اقتصادية'، هكذا توجت الصحيفة السعودية الدولية 'الشرق الاوسط' حملة استثمارات الملك الجديدة. يمكن أن نُسميها ايضا 'حملة شراء الشعب'، لانه سيستمتع بالأعداد التي تُدير الرؤوس. طلاب يدرسون في جامعات في السعودية والخارج ايضا، ونحو 900 ألف من الموظفين في خدمة الدولة الذين سيحصلون على زيادة راتب، وتغيير سلم الأجور وزيادة واضحة لمرتبات التقاعد، والجنود الذين هم المستمتعون الرئيسيون الذين ستكون طائفة الاحسانات التي سيحصلون عليها هي الكبرى بين فئات السكان في السعودية.
لكن المال من السماء الذي يسقط الآن على موظفي المملكة أصبح يثير غضبا شديدا عند عمال القطاع الخاص. لن يتمتع نحو 800 ألف العامل السعوديين هؤلاء ولو بإحسان واحد من هذا المطر كله ـ لا برفع الحد الأدنى للأجور ولا بزيادة غلاء المعيشة. لكن عددا من أرباب المال السعوديين تطوعوا لمنح عمالهم زيادة غلاء معيشة، لكن عمال القطاع الخاص عبّروا عن خيبة أملهم لانهم 'ما عادوا يُعدون من أبناء المملكة'، كما قال واحد منهم لصحيفة 'عرب نيوز'.
في اثناء ذلك تستطيع السعودية التي تهربت بلا ضرر تقريبا من موجة المظاهرات، أن تنفق هذه الاموال الضخمة على مواطنيها من غير ان تستجيب حتى لمطلب واحد من مطالب المعارضة. لا اقامة مملكة دستورية، ولا قطع العلاقة بين الأسرة المالكة وحكم الدولة الفعلي، ولا انشاء مجلس شعب ومنح النساء حقوقا اخرى.
ومما لا داعي له ايضا توقع ان يحث رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما، أو رئيس حكومة بريطانيا، ديفيد كامرون، الملك ابن السادسة والثمانين على إبقاء مجال أوسع لوسائل الاعلام السعودية أو بدء مسيرة تحول ديمقراطي. إن سلامة النظام هي سلامة الاقتصاد العالمي، واستقرار نسبي لأسعار النفط، وتعزيز السور الواقي من التأثير الايراني في المنطقة وسائر الخير للدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة، من النظام القديم الدكتاتوري في المملكة.
لكن مظاهر الاحتجاج في السعودية تجد لها قنوات اخرى للاندفاع الى المجال العام. في كل موقع أخبار في دول الخليج يظهر فيه نبأ عن الملك السعودي أو عن سياسة المملكة، يمكن ان نجد ايضا متحاورين يعرفون الاشارة الى مساوىء تلك السياسة. فعلى سبيل المثال كتب هذا الاسبوع حسين البحري في موقع 'العرب أون لاين': 'وقعت هذا الاسبوع مظاهرات في تونس ومصر وليبيا، وأيد جميع مُفتينا وفقهائنا المتظاهرين ولم يُفتوا بأن المظاهرات مُحرمة. وعندما بلغت المظاهرات السعودية فقط أفتوا بأن المظاهرات مُحرمة. على من تضحكون أيها المحترمون؟ العار والسُبّة على رؤوسكم'.
بالمناسبة يستطيع الكاتب ان يوجه هذه الدعوى ايضا على الفقيه ذي الشعبية الشيخ يوسف القرضاوي الذي أيد تأييدا كاملا المظاهرات في مصر وتونس، لكنه هاجم المظاهرات في السعودية ووصفها بأنها مظاهرات طائفية لانها مظاهرات شيعة، ولهذا فان هدفها كله زرع الانقسام والحرب الأهلية.
في اثناء هذا الجدل تجري ايضا معركة مهمة اخرى، بين نساء سعوديات يعملن على توسيع حقوق المرأة، وبين خصمهن من النساء اللاتي افتتحن موقعا خاصا على الانترنت عنوانه 'وكيلي يعرف شؤوني أفضل مني'. والقصد ان كل وكيل بدءا بالملك وانتهاء الى الزوج أو الأخ أفضل معرفة بحاجات المرأة. وهكذا في حين ان نشيطات حركة حقوق المرأة في السعودية ينشرن مقالات في الصحف الامريكية عن مكانة النساء الدنيا في السعودية، وان المرأة مُحتاجة الى رخصة من وكيلها لمغادرة حدود الدولة، وانه لا يحق لها ان تقود سيارة، تلوح النساء المحافظات بطاعتهن للملك ولأزواجهن. لا يمكن ان نجدهن في المظاهرات القادمة.
اسرائيل اليوم : حرب ليبيا ماذا تريد بريطانيا
كل من نظر بغضب كيف شوشت المعارضة البريطانية للحرب في العراق على الخط السياسي البريطاني والغربي امام الاسلام المتطرف ـ فان الحملة الحالية ضد ليبيا هي بالنسبة له تجربة تجريدية اخرى. رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون شرح بانه لا يمكنه ان يقف جانبا في الوقت الذي ينفذ القذافي فيه الفظائع ضد ابناء شعبه. ولكن بريطانيا بقيت بالفعل غير مكترثة تجاه طغاة آخرين ارتكبوا اعمالا فظيعة ضد شعوبهم. إذن ما الذي يجعل الحالة الليبية مختلفة؟
صحيح، في هذه الحالة الثوار في ليبيا طلبوا المساعدة من الغرب. ولكن من هم الثوار؟ ما هو موقفهم؟ ليس في بريطانيا أحد لديه فكرة اذا كانوا اصدقاء أم اعداء الغرب. القذافي يدعي بانهم يرتبطون بالقاعدة. كونه طاغية لا يعني أنه مخطىء. الامر المخيف هو ان احدا في الغرب على ما يبدو لا يعرف، او ان احدا لا يكترث.
فضلا عن ذلك، ليس واضحا بالضبط ماذا يريد كاميرون تحقيقه في الحملة. فهو يقول ان الحملة ترمي الى فرض منطقة حظر طيران منعا للقذافي من قصف شعبه من الجو. ولكن وزير الدفاع البريطاني، د. ليام فوكس، طرح امكانية ان يسعى البريطانيون الى تصفية القذافي وبالتالي، فان الهدف عمليا هو تغيير النظام في ليبيا. من جهة ثالثة، الجنرال ريتشاردس ديفز صرح بحزم بان مثل هذا الهدف لم تقره الامم المتحدة. الجميع مشوشون.
ينبغي ان نفهم بانه لم يكن لكاميرون أي ضغط جماهيري للتدخل في ليبيا. هناك عدم ارتياح بشأن الحملة بين البريطانيين، والتخوف هو ان القوات البرية ايضا ستضطر الى التدخل والوضع من شأنه أن يتعقد. وكل هذا يجري بينما بريطانيا تسعى الى تقليص تواجدها العسكري في افغانستان. الآن كاميرون يتصدى ايضا لانتقاد من اليسار، الذي يؤمن بانه لا يمكن تبرير أي حرب بالدفاع عن المصالح الغربية الا اذا كانت الحرب هي في صالح 'ضحايا' العالم الغربي في عالم الدول غير المتطورة.
على أي حال، مشكلة نتيجة العملية في ليبيا هي انه يحتمل جدا أن يسقط القذافي ولكنه سيستبدل بنظام اسلامي اكثر عداء للغرب. غير أنه يبدو ان الحكومة البريطانية غير قادرة على أن تتخيل مثل هذه النتيجة، وذلك، ضمن امور اخرى، بسبب الميل المغرور في فهم العالم عبر منطلقات غربية.
المنطلق الاساسي يكمن في الايمان بان الديمقراطية وحقوق الانسان هي تطلعات كونية. وعليه فان البريطانيين يؤمنون بانه اذا طرد طاغية فان الديمقراطية ستحل محله. اما في العالم العربي والاسلامي فالبديل قد يكون اسوأ من الطغيان ـ حكم الدين.
الحرب في ليبيا تخلق ايضا سابقة مقلقة. بينما الحرب في العراق جرت عن حق وحقيق من أجل الدفاع عن الغرب، حتى وان كانت اديرت على نحو غير سليم ـ فان الحرب في ليبيا هي هجوم عدواني على سيادة دولة اخرى تدير في داخلها صراعا داخليا.
اوباما تجاوز الكونغرس كي ينطلق الى الحملة. ولكن الهجوم على دولة سيادية فقط بسبب تحفظات على سياستها يمكن أن يؤدي الى ان تتجاوز الادارة في ولايتها الثانية الكونغرس كي تؤيد دولا معادية لاسرائيل. واذا اخذنا بالحسبان العداء لاسرائيل في الدائرة الداخلية لاوباما والموقف من اسرائيل في بريطانيا وفي اوروبا بشكل عام، من شأن الحرب في ليبيا أن تفتح صندوق مفاسد بالنسبة لنا.
هآرتس : الوداع للسلام في سورية وفلسطين
قولوا وداعاً جميلا ً للسلام مع سورية. حتى من يؤمن بحيوية الجولان مقابل السلام، مثل كاتب هذه السطور، لا يستطيع أن يغمض عينيه عما يحدث. عندما تهدد الثورة العربية الكبرى سلطة بشار الاسد فلا احتمال ان يختار السلام. وعندما تثور عليه الجماهير السورية فلا احتمال ان يقامر بشار الاسد على السلام. ليس للاسد 2011 ما يكفي من الشرعية لصنع سلام. وليس للاسد 2011 حاشية الأمن في الحد الأدنى المطلوبة للسلام. حتى لو كان الاسد الشاب قد اراد السلام جدا فقد أصبح ذلك متأخرا جدا الآن. في السنة أو السنتين القريبتين لا يوجد أي احتمال لأن يفعل الطاغية السوري فعل السادات.
قولوا وداعاً جميلا ً للسلام مع فلسطين. إن من يؤمن ايضا بضرورية حل الدولتين، ككاتب هذه السطور، لا يستطيع ان يغمض عينيه عما يجري. عندما تجر الثورة العربية الكبرى ابو مازن فلا يوجد أي احتمال لأن يدفع ثمن السلام. وعندما تملأ الجماهير العربية الشوارع، لا يستطيع أبو مازن أن يقول لثلاثة ملايين لاجىء فلسطيني انه صالح في حق العودة. وعندما تكون الشعوب العربية في فوران لا يستطيع أبو مازن ان يقول لهم انه صالح على القدس. لا يوجد لابو مازن 2011 ما يكفي من الشرعية لصنع السلام. ولا يوجد لأبو مازن 2011 حاشية الأمن في الحد الأدنى المطلوب للسلام. حتى لو كان أبو مازن قد أراد السلام جدا فقد أصبح ذلك متأخرا جدا الآن. في السنة أو السنتين القريبتين لا يوجد أي احتمال لأن يفعل زعيم فلسطيني معتدل فعل السادات. قولوا وداعاً جميلا ً للهدوء. حتى من استمتع جدا بالهدوء لا يستطيع ان يغمض عينيه عما يجري. ما تزال الثورة العربية الكبرى لم تتغلغل الى المناطق المحتلة لثلاثة اسباب: بسبب صدمة تولي حماس السلطة في غزة، وبسبب النماء الاقتصادي لسلام فياض وبسبب توقعات ان تنشأ في أيلول (سبتمبر) دولة فلسطينية. لكن المنعة لن تبقى الى الأبد. فالثورة العربية ستبلغ المناطق إن عاجلا أو آجلا. عندما يتحطم توقع الدولة في أيلول ( سبتمبر)فان النماء الاقتصادي ايضا لن يمنع التسونامي. لا يمكن أن نعلم هل سيكون السيناريو هو سيناريو تونس أو سيناريو مصر أو سيناريو الانتفاضة الاولى. إن الهدوء الذي نتمتع به الآن آخذ في الانتقاض. سيضرب طوفان الانتفاضة اسرائيل.
قولوا وداعاً جميلا ً لكل ما اعتقدتموه حتى كانون الثاني (يناير) 2011. فالشرق الاوسط تغير من الأساس. الواقع واقع جديد سيّال ثوري. ما عادت توجد قاعدة صلبة للسلام في صورة مصر. وما عادت توجد دعائم قوية للسلام على صورة السعودية والاردن وامارات الخليج. وما عاد يوجد شركاء في السلام على صورة الاسد وأبي مازن. ومن جهة اخرى ما عاد يوجد امكان استعمال القوة في مجابهة جمهور ثائر. الاحتلال أصبح أخطر مما كان. وأصبحت المستوطنات أكثر هذيانا مما كانت. وأصبح الوضع الراهن شركا مشتعلا في حين أن جميع السبل المعروفة للخروج منه قد سُدّت.
يتحمل الرئيس باراك اوباما مسؤولية ما عن الوضع الذي نشأ. عندما قرر رئيس الولايات المتحدة ان يشارك مشاركة فاعلة في عزل رئيس مصر، لم يدرك انه سيضطر نتيجة ذلك بعد مرور شهر الى اطلاق صواريخ توماهوك على ليبيا. ولم يدرك انه يقوض النظام القديم للشرق الاوسط من غير ان ينشىء نظاما جديدا. ولم يدرك انه يصادر السلام الاسرائيلي ـ السوري ويصادر السلام الاسرائيلي ـ الفلسطيني ويُعرض السلام الاسرائيلي ـ المصري للخطر.
قد يكون اوباما أصاب في فعله. وقد يُتذَكر آخر الامر بأنه المحرر الكبير للأمة العربية الكبيرة. لكن على الرئيس الامريكي ان يعترف بتأثيرات أفعاله. عليه ان يدرك ان وضعا تاريخيا جديدا يقتضي نظرية سياسية جديدة. فما كان صحيحا في 2010 لم يعد صحيحا في 2011. وعلى ذلك يجب على اوباما ان يؤجل الاختيار الذي لا أساس له بين الجمود المطلق والسلام المطلق. عليه ان يؤخر الاختيار بين مصالحة تاريخية واحتلال مُفسِد. عليه ان يقترح مسيرة سياسية من نوع جديد تكون قائمة على انسحاب اسرائيلي جزئي وعلى تقوية فياض. وكي لا تشعل ثورة تحرير القدس قريبا يجب على اوباما ان يرسم طريقا ثالثا على عجل.
الانسحاب من سيناء وليس خط بارليف
يديعوت : ارئيلا رينغل هوفمان
في أعقاب نار الصواريخ على جنوب البلاد، بما في ذلك صاروخا غراد على مدينة بئر السبع، عقد اجتماع عاجل للسباعية أنتج، كما هو دارج في مطارحنا، سلسلة من التصريحات اللازمة بالتأكيد، ولا تزال ممجوجة حتى التعب. ممجوجة لدرجة يخيل أنه فرغ تماما مخزون الكليشيهات ايضا. 'لن نحتمل النار'، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكأن أحدا يفكر بأنه لعله أفضل خلاف ذلك. 'الجيش الاسرائيلي يعمل وسيعمل ضد منظمات الارهاب في غزة وسيحمي بحزم وبتصميم المواطنين'، وعد، وكرر القول الذي علاه الغبار في أنه لا توجد أي دولة مستعدة لان تحتمل نار الصواريخ، وهكذا اسرائيل ايضا.
النائب الاول لرئيس الوزراء الوزير سلفان شالوم، اتخذ خطوة واحدة الى الامام وأوضح، بحرية محفوظة لمن لا حاجه له لان يوقع على القرار، بانه اذا ما استمر الوضع فلن يكون مفر من الشروع في حملة عسكرية واسعة، هدفها، هكذا بصياغته، اسقاط حكم حماس في غزة. واذا كانت تبقت علامة استفهام ما معلقة وحائمة فوق رؤوسنا، جاءت رئيسة المعارضة تسيبي ليفني ووضعت الامور في نصابها: 'عدت وقلت'، شددت امام سكان مدينة بئر السبع، 'اني أؤمن بانه حيال حماس التي تستخدم الارهاب من غزة، يجب انتهاج القوة'، واذا لم يكن هذا بكافٍ، فقد ربطت استخدام القوة بإعادة الردع.
باستثناء ان الحقيقة ايضا اكثر تعقيدا، اقل وضوحا، والاهم اقل بكثير تفاؤلا من التصريحات. اسرائيل ستتعرض لنار الصواريخ. في الايام القريبة القادمة وفي الاشهر القريبة القادمة، ولشدة الالم فان القول ان هذا سيحصل أيضا في السنوات القريبة القادمة هو أغلب الظن أدق من القول ان اسرائيل لن تتعرض لمثل هذه النار. كما انها لن تنجح في اسقاط حكم حماس. لا بالقوة ولا بمزيد من القوة. هذا لم ينجح في لبنان، وهو لن ينجح في غزة، ولن ينجح في أي مكان آخر رغم شدة ايدينا.
وبذلك لا ينتهي الامر. بأسف شديد سيكتب هنا أيضا ان السنوات الاخيرة دحضت نظريات الردع التي طورتها اسرائيل منذ حرب لبنان الثانية وحملة 'رصاص مصبوب' وعلى أي حال الدور الذي يؤديه في هذا الشأن الرد العسكري، مهما كان شديدا. الردع يفترض أن يعمل على الدافعية، وسلوك حماس في الجنوب، مثل حزب الله في الشمال، يدل على أن ليس الدافعية هي التي تضررت هناك بل القدرات، وهذا ايضا لزمن قصير فقط. اما الان فليس هذا سوى مسألة وقت وتزامن. في الجنوب وفي الشمال على حد سواء.
إذن اسرائيل بالفعل لا يمكنها أن تسلم بالاصابة المتواصلة لمواطنيها. وهي لا يمكنها أن تسلم بنار الصواريخ على سديروت ولا بنار الغراد على بئر السبع. عدم التسليم هذا، على الاقل في المرحلة الاولى، يبدو أنه لن يكون مفرا من ايضاحه الا من خلال الجيش الاسرائيلي. ولكن الحل لا يوجد في الجيوش، ولا في اولئك الذين يندفعون الى الامام أو تلك التي تحوم في الهواء. الحل يوجد، مثلما يطيب للبدائل ان يقولوا، في المعالجة الهولستية. معالجة كل مجال وجودنا. في الحرب العنيدة لبلورة اتفاقات، في الكفاح الذي لا هوادة فيه للوصول الى تسويات، في الاستعداد الحقيقي لدفع الاثمان مقابل السلام ـ بارد، ساخن أو فاتر.
اذا كان هناك درس يمكن أن نتعلمه من العقود الاخيرة بسلوك حكومات اسرائيل فهو ان ليس خط بارليف هو الذي ضمن لنا الهدوء في الجبهة المصرية ـ رغم الاف اطنان التراب والحجارة التي سكبت هناك وملايين الدولارات التي استثمرت فيه ـ بل الانسحاب من سيناء. من كل سيناء. وليس غور الاردن يحمي حدودنا الشرقية بل الاتفاق مع الاردن. وأن من يفكر بان الجهد الاساسي هو في العثور على مطلقي القسام يضيع وقتا.
الجهد الاساسي يجب أن يكون على بناء سترة واقية هائلة، متعددة الجوانب، يشارك في بلورتها ويستمتع بثمارها الى جانب القدس، القاهرة وعمان، دمشق ايضا، السلطة الفلسطينية ايضا وبيروت ايضا. في الدفع الى الامام بعناد تلك المبادرات التي تستغل الرياح الجديدة التي تهب هنا وترى في ما يحصل حولنا فرصة رائعة وليس تهديدا. قد لا يبدو هذا مثيرا لحماسة ما، بل وكيف يقال انهزاميا بعض الشيء في محيط يسجد لقوة الحديد وصلابة الفولاذ، وهذا ايضا لن يحصل غدا، ولن يجلب، برمشة عين، ايام المسيح ـ ولكن هذه هي الفرصة الحقيقية، وكي تحصل يجب أن نبدأ منذ أمس.
هآرتس : لا لرصاص مصبوب 2
الهدوء الامني النسبي، الذي تمتعت به اسرائيل في السنتين الاخيرتين، وصل نهايته. في حدود قطاع غزة يبدو ملحوظا في الايام العشرة الاخيرة تصعيد في تبادل اطلاق النار بين حماس والجيش الاسرائيلي، وفي القدس انفجرت الاربعاء عبوة ناسفة بجانب حافلة باص، فيما أن التحقيق في القتل في ايتمار لا يزال في أوجه.
احتدام المواجهة في الجنوب يذكرنا بأحداث مشابهة في الماضي غير البعيد. فبعد فترة من تبادل اطلاق النار بمستوى منخفض نسبيا، اطلقت حماس خمسين قذيفة هاون نحو غربي النقب. ردت اسرائيل بسلسلة هجمات من الجو وبنار الهاون، والثلاثاء قتل بنار الجيش الاسرائيلي ثمانية فلسطينيين بينهم أربعة مدنيين. حماس ردت باطلاق صاروخي 'غراد' على بئر السبع.
ضرب عاصمة النقب أثار دعوات من اليمين لرد حاد، 'رصاص مصبوب 2'، لاقت دعمها في تعطل مؤسسات التعليم في بئر السبع وفي اسدود. العملية في القدس، بعد بضع ساعات من الغراد في الصباح، ستؤدي الى تشديد الضغط على الحكومة 'لتوجيه ضربة قاضية للارهاب'.
على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يهدىء التصعيد، بدلا من الانجرار الى حملة جديدة في غزة. حملة 'رصاص مصبوب' هي الاخرى لم تحقق الردع لزمن طويل. لا يوجد ما يجعل حملة استكمالية من ذات النوع أكثر نجاحا.
الوضع السياسي لاسرائيل يختلف جوهريا عن الوضع الذي ساد قبل سنتين. فاسرائيل معزولة في العالم بسبب رفضها الوصول الى حلول وسط مع الفلسطينيين وتمسكها بتنمية المستوطنات. ادارة اوباما لن تؤيد كسلفها استخدام القوة الوحشية في محيط مدني، واسرائيل لا يمكنها أن تعتمد اليوم على دعم الحكومات الغربية التي وفرت لها الاسناد في الماضي. في مثل هذه الظروف على نتنياهو أن يسعى الى التهدئة في الحدود الجنوبية والسماح لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس بتحقيق المصالحة مع حماس. فالوحدة الفلسطينية، مهما كانت هشة، ستمنح اسرائيل 'عنوانا' يمكنها منه أن تطالب بالمسؤولية عن الهدوء ومنع العمليات ـ مثلما تفعل السلطة في الضفة الغربية. اما الحماسة المتزلفة للجمهور لـ 'عملية عسكرية واسعة في غزة' فلن تؤدي باسرائيل الا الى التورط والتنديدات وتعميق العزلة.
حماس تمنع المواجهة والجهاد يصعد
هآرتس :عاموس هرئيل وآفي يسسخروف
هل توجد علاقة مباشرة بين القتل في ايتمار والتصعيد في قطاع غزة وصواريخ الكاتيوشا وغراد على بئر السبع والعملية التفجيرية في القدس؟ هذا أحد الاسئلة التي شغلت أمس المستوى السياسي وقادة أذرع الأمن. لم يتبين نهائيا حتى الآن هل الحديث عن تجمع عرضي للأحداث أم عن اجراء مخطط له عنصر فلسطيني أراد إشعال حريق واسع.
على هذا النحو ايضا، قطع انفجار الشحنة في القدس فترة هدوء دامت سنتين في العاصمة، منذ وقعت المجزرة في المعهد الديني 'مركاز هراف' وعمليتا الجرافة. هذا تحول ذو شأن الى اسوأ في المدينة، التي تخلصت بصعوبة وببطء من مخاوف الانتفاضة الثانية وتستعد هذا الاسبوع لماراثون القدس. استغل مُنفذو العملية كما يبدو التغيرات في الانتشار الاسرائيلي في الضفة والقدس التي نبعت من الهدوء الطويل. إن التفتيشات الأمنية ـ عند الجدار وفي الحواجز ومراكز المدن ـ تضاءلت جدا وتضاءل في نفس الوقت نشر قوات الجيش الاسرائيلي في المناطق. وتوجد ايضا صعوبة استخبارية لا يُكثرون الحديث عنها: لأن شبكات الارهاب القديمة تم القضاء عليها في أكثرها، والسلطة هي التي تقوم بأكثر الاعتقالات، فقد قلّت صلة الاستخبارات الاسرائيلية بالميدان. عندما كانت مطاردة المخربين تتم كل ليلة، تدفقت طوال الوقت معلومات جديدة مكّنت من اعتقالات واغتيالات اخرى. والآن، وقد أصبح الارهاب أقل مأسسة، يبدو ان الاستخبارات تتلمس طريقها في الظلام، بقدر ما.
مع ذلك، كانت قدرة منفذي العملية في القدس على التنفيذ محدودة ايضا. فبخلاف حالات سابقة لم يُستعمل مخرب منتحر وكانت الشحنة صغيرة نسبيا. تُذكر الحادثة بواقعة حدثت في جنوب المدينة قبل عدة اسابيع عندما أُصيب شخص بشحنة ناسفة. طراز العملية يختلف عما أخذت به حماس زمن العمليات الشديدة. قد يكون الحديث عن مبادرة محلية. حتى أمس لم تتحمل أي منظمة المسؤولية عن التفجير برغم ان الجهاد الاسلامي و'لجان المقاومة الشعبية' امتدحا منفذيها.
برغم التصعيد، يبدو ان حماس ما تزال غير معنية بمواجهة واسعة. كان عند المنظمة خاصة اسباب جيدة خاصة بها لاعتقاد ان اسرائيل هي التي تُسخن الميدان. بدأ ذلك بالقصف قبل بضعة اسابيع الذي شوش على نقل مبلغ كبير من المال من مصر الى القطاع، ثم بعد ذلك الى التحقيق مع المهندس ورجل المنظمة ضرار السيسي في اسرائيل (وهي قضية ما تزال أكثر تفاصيلها غامضة حتى الآن)، ثم الى القصف في الاسبوع الماضي الذي قُتل به اثنان من نشطاء المنظمة في أنقاض نتساريم.
يحسن الانتباه الى ان حماس لم تطلق النار على اسرائيل في اليومين الاخيرين حتى بعد موت المواطنين الفلسطينيين الاربعة باطلاق قذائف الجيش الاسرائيلي خطأ أمس الأول. امتنعت المنظمة عن تصريحات حماسية بل عملت على ضبط اطلاق النار شيئا ما. أعلن مكتب رئيس حكومة حماس اسماعيل هنية، أن هنية هاتف الأمين العام للجهاد الاسلامي في دمشق، عبد الله رمضان شلح. ولم يكن الحديث بينهما مهذبا. زعم محللون في غزة ان هنية طلب الى شلح وقف التصعيد الذي الجهاد الاسلامي هو المسؤول الرئيسي عنه.
في ميزان القوى في غزة، سجل الجهاد لنفسه انجازا لا يُستهان به. اذا كان احتيج ذات مرة الى رشقات لا تُحصى من صواريخ القسام لتهديد اسرائيل فان تسلح الجهاد بكاتيوشا غراد من ايران غيّر القواعد. فقد كانت تكفي رشقات قليلة من صاروخ غراد في اليومين الاخيرين لاثارة الرعب في أسدود وبئر السبع. أصبح الجهاد يشعر فجأة بأنه لاعب ذو تأثير.
ندد رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض بالعملية بشدة. علّق متحدثون اسرائيليون إثم الارهاب بالتحريض الفلسطيني. لكن يبدو ان السلطة حائرة جدا من العمليات الاخيرة التي تُشكك في محاولاتها بأن تروج للنضال الفلسطيني باعتباره نضالا غير عنيف.
إن مجال الرد الاسرائيلي ايضا على العمليات محدود جدا. فبرغم تدهور الشعور بالأمن، لن تخرج اسرائيل في عملية على شريكها الفلسطيني في الضفة. يبدو انه مع عدم وجود عنوان للعمليتين في ايتمار والقدس، يوجد العنوان في غزة، باتهام حماس بالمسؤولية العامة عن الهجمات. ليس الحديث عن اجراء شامل، ولهذا يوصى بأن تُتلقى بحذر تصريحات مثل تصريح الوزير سلفان شالوم الذي زعم ان 'فترة ضبط النفس قد انتهت'.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خطب أمس خطبة صارمة لكنه في سنتي ولايته حذر حذرا شديدا من استعمال الجيش. شخص نتنياهو أمس الى روسيا، وسيصل اسرائيل اليوم وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس. إن برنامج عمل سياسيا كهذا يضائل سلفا القدرة الاسرائيلية على العمل. يجب ان نأخذ في الحسبان ايضا عطلة عيد الفصح: فالقيادة في البلاد تحذر على نحو عام من التصعيد في فترات الأعياد إلا اذا بلغ السيل الزُبى كما في عملية 'السور الواقي'.
يتحدث نتنياهو عن بضعة ايام من 'تبادل الضربات'. تبدو هذه حدود المعركة التي يرسمها الآن المستوى السياسي، في حين ان الطموح الاسرائيلي الى أن تضرب اسرائيل الضربة الأخيرة في الجولة وتعلن آنذاك وقفها. والخوف من ان يرفض الجهاد ان يلعب بحسب قواعد اسرائيل. يجب ان يُسأل هنا سؤال آخر وهو: هل هدف اسرائيل كله أن تعود الى قواعد اللعب التي كان معمولا بها في القطاع الى ما قبل عدة اسابيع؟ وكم من القوة تحتاج الى استعمالها للتوصل الى ذلك؟
ساحة النقاش