سوسن البرغوتي


لم يشهد التاريخ ثورات شعبية كما يحدث الآن في وطننا العربي، وقد تخطت جميعها حاجز الرعب من أنظمة فاشية، اتضح أنها قائمة على عصابات أمنية تحميها من خلال الفتك بالشعب، ومدعومة بقانون الطوارئ.

وها هي الآن تلك العصابات الآفلة، تشن هجماتها من حمأة الموت المحتوم لها، وهي أشبه بمن يرقصون رقصة الموت، لينشروا رائحة الدم، كسياسة معتمدة لديهم منذ نشأة نظام العصابات، إذ لا وجود لنظام دولة يحترم حقوق المواطنين وتعزيز كرامتهم، وحريتهم ويعمل على التنمية والتطوير.. كما صعدت عصابات مالية من رحم ذاك النظام، على حساب تطوير الاقتصاد وبناء دولة مستقلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ناهيك عن التحالف مع الكيان الصهيوني، لتقويض حق الشعب الفلسطيني باسترجاع أرضه، وطرد الغزاة الصهاينة.

رغم أن المخاض عسير في ليبيا، إلا أن الثورة اتخذت منحى مقاومة الاحتلال الداخلي المتمثل بالمتشبثين بكل الامتيازات على حساب دماء وأشلاء الشعب المتناثرة، فالقذافي يرهن الشعب ونفطه، مقابل أمن واستقرار الغرب و"إسرائيل"، حسبما صرح به هو نفسه مؤخراً. وبذلك الرجل يخوّن سلطته، ويضعها في موقع مشبوه، فقد حرص في السابق على منع الهجرات إلى أوروبا، دون تقديم البديل لتشغيل الهاربين من جحيم البطالة، وها هو اليوم، ينطق بملء فيه، أنه يحمي الدول الإمبريالية والصهيونية في فلسطين المحتلة!.

المشهد في ليبيا اليوم، حدث بتفاصيله بقطاع غزة عام 2006، وطرد التنظيم الأمني المنسق مع العدو، وتطهير القطاع من الخونة ومرتزقة الاحتلال، فما كان إلا أن عُوقب القطاع، وحُوصر أهله، ومن ثم تم الاعتداء عليه، بمشاركة أو تواطؤ وصمت معظم الأنظمة العربية. تلتها ثورة 2008 بلبنان للدفاع عن سلاح المقاومة، وكانت ضد تلك الأجهزة الأمنية، التي تجسست على المقاومة، بهدف القضاء عليها..

وبالمحصلة الثورات بالوطن العربي، هي على مسار الثورتين في القطاع ولبنان، وتعتبر ثورة القساميين أول ثورة عربية في فلسطين، وعلى الرغم من اختلاف ظروف وخصوصيات كل منها، إلا أنها اعتمدت القضاء على الأطراف بداية، للإجهاز على الرأس في محمية رام الله، للتفرغ إلى مواجهة الاحتلال، إلا أنه من الخزي والعار، أن الكثير من العرب وتنظيمات فلسطينية، كالوا التهم وعوقوا مسيرة نجاح ثورة حقيقية ضد الفساد والأمن المصنع على مقاس مصلحة وأمن الاحتلال!.

ومن عبر ودروس الثورة العربية، أن أنظمة الرعب والسرقة، سقطت شرعيتها، وانتهت بفعل الكم الهائل من تجاهل وتجهيل وتهميش الشعب، فانقلب السحر على الساحر، كما أنها لا تتبع قائداً واحداً، فهذا العنصر أيضا أصبح من الماضي، والتشكيلات الوطنية المتعددة فكرياً وسياسياً، لا بد ستفرز قيادات متخصصة وكفوءة للنهوض بالبلد مجدداً.

والإبداعات الثورية الجديدة تبرز على جميع الأصعدة إيجابياً من أجل عملية البناء، وتفتح آفاقاً للمساهمة ببناء صرح دولة يلتقي الجميع حول قاسم واحد، وهو الانتماء والوفاء للوطن.

ونلاحظ أيضاً، تطور الثورة بوعي منقطع النظير، قياساً بالعمر الزمني لها، ومواجهة ما يُحاك لها بالخفاء، والإصرار على ملاحقة ومحاكمة المسؤولين عن كل الجرائم التي ارتكبوها ضد الدولة- أرضاً وشعباً-، بالوثائق والمستندات التي تدين هرم النظام من قاعدته إلى رأسه.

إن رسم السياسة الخارجية لم يحن وقته بعد، ولكن التصريحات المتناثرة هنا وهناك توضح التوجه الوطني القومي، وحين تستقر البلاد، ستكون خارطة العلاقات الخارجية، جاهزة للتنفيذ، وحتماً ستكون أهمية العلاقات العربية- العربية على سدة أولوياتها، وسيتم التعامل مع اتفاقية كامب- ديفيد المبرمة بين الكيان الصهيوني ومصر، من منظور مختلف كلية. وكذلك في البلاد العربية الأخرى التي شهدت ولادة أجمل فجر عربي جديد، والتي ستشهد تغييراً جوهرياً، سواء بثورة شاملة أو إصلاح شامل لكل مؤسسات الدولة. وستنشط مؤسسات المجتمع المدني، بحيث ترتقي إلى مستوى مسؤولية حماية البلد من أي مندسين أو مخترقين لوحدة الشعب، وستنبذ كل حاملي الأجندات الغربية، ومنها تلك المنظمات الدولية المدنية التي تدور في فلكها.. لذا فبناء مؤسسات وطنية خالصة هو أحد منجزات الثورة.

وبذات الوقت تراقب شعوب العالم بأسره وتتابع إنجازات الثورة على مدى ساحة وطننا العربي، وقياس خطوات قد تتسارع وقد تتباطأ حسب قوة ومكائد فلول النظام، حتى يتم التخلص منه بالكامل. مما يعني أنها ستكون المصدر الأول لتغيير الكثير من أنظمة تشابه الأنظمة العربية الساقطة، أو ستكون مختلفة جذرياً بأطروحاتها وتوجهاتها. فهل آن أوان لـ(الآفتار) أن يصحو وينتفض؟.. نعم آفتار، السكان الأصليون لأمريكا، وليس كما فهم الكثيرون من العرب، أن الشريط السينمائي موجه لنا، فلا نحن بدائيون ولسنا شعباً وثنياً. إنما يحاكي ويلامس وجع الهنود الحمر بأمريكا، والفيلة بالفيلم كناية عن الهنود، والمشاهد تدل على أرض ثرية وغنية بالأساطير والثروات الطبيعية وكنوز ذهبية حمراء وصفراء، كذلك اللون الأزرق لتلك المخلوقات، إنما يدل على الصدق وعمق الانتماء، الذي ذهب ضحية مجازر الغزاة الغربيين عدد منهم يفوق المائة مليون إنسان.

الثورة في أمريكا، لن تكون من منطلق عقدة السوبرمان، ولا تأنيب الضمير، وإنما لإعطاء الحق إلى أصحابه، خاصة أن كل ما قامت على أساسه الولايات المتحدة الأمريكية، ينهار.. فلا سوق حرة ولا قبول للتعددية، والاقتصاد متهاوٍ، والملايين مشردون بلا مأوى، والبطالة في ازدياد، والضرائب لدعم أمن "إسرائيل" ترهق الشعب الأمريكي، ولا توجد حرية حقيقية، إلا لمن يدعم السياسة الاستعمارية لأمريكا، التي سئم منها الشعب، وبدا بأعين الشعوب أنه قاتل مجرم، لا يأبه لدماء وحقوق الإنسان، بقدر ما يهمه جيبه لا غير. وبما أن هذا الجيب أصبح فارغاً، فلا شيء يدعو الشعب للصمت من مؤسسات وأجهزة أمنية تقبض على أنفاسه، وأخرى تفرغ خزانة الدولة على مراحل، لتضعها في جيوب بنوك ومؤسسات تسيطر عليها فئة معظمها من اليهود.. وهذا لا يعني أنهم يرفضون قوة دولتهم، إنما مع ظهور قوى وتكتلات سياسية واقتصادية في العالم سينهي عالم هيمنة القطب الأوحد، وستقر إدارتهم بالتعددية العالمية، إذعاناً لثورتهم ضد استغلال وجشع واستباحة دماء وأراضي الشعوب للنظام القائم..

الثوار قادمون.. يشتركون بأجمل وأهم عامل ينقذ العالم من الفناء، من أجل الإنسانية جمعاء، وبإيمان المخلصين لعذابات البشر من همجية القوة الاستعمارية الاستبدادية الجشعة، ورفض الديكتاتورية مهما كانت وسائلها أو شعاراتها الزائفة، أليس ديكتاتورية النظام الأمريكي، تتجسد بإلغاء حقوق الشعوب وقتلها واستعبادها، والتحكم بثرواتها، واعتماد القتل وتقييد الحريات، منهجاً وسلوكاً؟!

العالم كله ينتظر نجاح الثورة العربية، وحصد إنجازاتها، حتى يأتي يوم ثورة الشعب الأمريكي، لتغير وجه العالم القبيح، بفعل آلة عسكرية لم يجنوا من جنون قوات غازية، إلا المزيد من الكره والاحتقار لماهية البشر، المحب للكرامة والحرية والاستقلال.

لا يظنن أحد أن العرب يعيشون على كوكب آخر أو بمعزل عن العالم، وقد أضرت وآذت الهيمنة الأمريكية والعولمة "المتأمركة" وطننا العربي، بزراعة هؤلاء العصابات الأمنية والساقطين ثقافياً، سياسياً، اقتصادياً، وحتى على مستوى تدجين وتخريب بعض عناصر وقيادات الجيش، فضلاً عن احتلال العراق ومشاركة ودعم الكيان الصهيوني بفلسطين، لقتل الشعب وطرده مما تبقى من أرضه، وإشاعة الفتن الطائفية والانفصالية.. ولكن الأمور بخواتيمها المثمرة، إن شاء الله، وبهمة أحرارنا ومقاومينا، وسيحقق العرب استرداد احترام العالم، لأمة لن تموت، وحقوقنا لا تسقط بالتقادم.

ستحرك ثورتنا العربية الأحرار في العالم، لرفض النظام الأخطبوطي الاستعماري وإسقاطه، ولهذا يبدو التردد والخوف بادياً على مواقف الإدارة الأمريكية، لأنها تدرك أن موجات البحر العربي العظيم، ستصير طوفاناً بأمريكا، والرهان دائماً على الشعوب الحرة وردة فعلها، التي قد تتأخر، ولكنها قادمة لا محالة، إن استطاع العرب، أن يقدموا أنموذجاً ناجحاً، وأن يتعاملوا مع الشعب الأمريكي بحكمة ودراسة معمقة لسيكولوجيته وظروفه وأزماته المستجدة.

المصدر: سوسن البرغوتي: العرب اونلاين
Khaled-now

((Yes we are here نَعم نحن هُنا))

  • Currently 19/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 296 مشاهدة
نشرت فى 11 مارس 2011 بواسطة Khaled-now

ساحة النقاش

Yes we are here نَعم نحن هُنا

Khaled-now
نحن صفحة إخبارية تعمل على مدار الساعة تهتم باخبار العرب من المُحيط الى الخليج...فمرحباً بكل العرب.. تاريخ تأسيس الصفحة : 5 مارس 2011 مُديرالصفحة : خالد عويضة »

كل الأخبار

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

202,846

نَعم نحنُ هُنا















bloguez.com
widgets
تحويل التاريخ
ميلادي إلى هجري هجري إلى ميلادي
اليوم: الشهر: السنة

مقالات/ نَعم نحن هُنا

↑ Grab this Headline Animator

Email me
Khaled M Ewaida

إنشاء شارتك الخاصة

.......................
free counters










........................................