بقلم / عدلي صادق
بعد أن يُزال عن صدر الأشقاء الليبيين، كابوس القذافي وأولاده وأعوانه، ستظل هناك، ولسنوات طويلة، ذكرى مريرة وألم مديد وسؤال مطروح، إذ كيف ولماذا عاشت ملايين الناس في هذا البلد، كل هذه العقود، تحت حكم مجموعة من المعتوهين الفاسدين المسكونين بنزعات اجرامية، لا تكترث بأرواح الناس ولا كراماتها، ولا يكف كبيرها عن التحذلق بالألفاظ، وبكل ما يخطر له على بال من رميم الفكر وخواطر العُصاب!ففي الساعات الأخيرة، كأنما استنفد خطاب الحاكم المستبد الكذوب، مخزون أقراص الهلوسة، ولم تعد تسعفه توصيفاته لثورة الشيوخ والنخبة من العسكريين والمدنيين والشخصيات المحترمة، باعتبارها حركة شباب 'مُغرراً بهم' ثم مؤامرة حيكت في كهوف الجماعات الإسلامية المتطرفة. فقد استقرت الذهنية المضطربة، على الجزم مع تكرار الاتهام بأن ما يجري في ليبيا هو من صُنع تنظيم 'القاعدة'. وفي حواشي هذا القول السخيف، حاول القذافي إخافة أوروبا بأن الليبيين سيتدفقون على الضفة الشمالية للمتوسط كمهاجرين، وبدا هذا القول القاصر مثيراً للسخرية، إذ كيف سيصبح شعب يمتلك ثروات نفطية هائلة، راغباً في ملاذ أوروبي، إن استعاد حريته وكرامته، وبعد أن يتوافق على الديموقراطية، وبعد أن يتحكم في ثرواته التي كانت تبددها أيدي المسكونين بكل الغرائز الجامحة، ممن ظلوا يدفعون الملايين من أموال الشعب الليبيي، للمرتزقة، ولأنظمة أفريقية فاسدة، ولمطربات وراقصات يُحيين حفلات خاصة وماجنة في المنازل، ولأخريات من منشدات أغاني المديح. فالشعب الليبي حينما يستعيد ثروته وحريته، لن يواجه شبح الفاقة التي واجهها شعب الصومال، لذا فإن محاولة القذافي إخافة أوروبا بمهاجرين ليبيين، قوبلت بالسخرية، لأن الأوروبيين يعلمون أن ما سيحدث بالنسبة لليبيين هو العكس تماماً، إذ سيجتمع شمل العائلات على أرض وطنها، وسيعود المغتربون للتمتع بالحياة على شواطي الضفة الجنوبية من المتوسط!
* * *
الآن، نفد مخزون الاتهامات القذافية لثورة الليبيين. وتفاقمت هلوسة 'القائد ـ المعجزة' وقوبلت اللقطات الخارجة من 'العزبزية' باستنكار المشاهدين في أربع جهات الأرض. ومع تقهقر قوات المرتزقة والمتنفعين الذين يخشون الموت بحكم الطابع الوظيفي لمهامهم؛ كان ظهور الأبناء القذافيين مثيراً للدهشة.
يخرج ولد معتوه، كالساعدي، بلباس من سترة عصرية فوق جلباب أبيض مع لحية 'قاعدية' فيتقمص ثوب الحكمة والدراية، مُفضياً بحديث مؤداه أن الشعب الليبي والمتعاطفين مع الشعب الليبي، هم مجرد مضللين، وأن الثوار متمردون ومارقون، يعاندون الرُشد والاستقامة، ويؤسسون لحرب أهلية، إذ لا ضمانة لحياة الناس ووئامها سوى أبيه 'القائد'!
ينبغي أن يقف العرب موحدين، الى جانب شعب ليبيا الشقيق. وليعلم المترددون والمتآمرون على ثورة شعب ليبيا، أنهم سيدفعون ثمناً كبيراً من الصدقية الضئيلة لأنظمتهم. هناك بعض الأدلة على مشاركة طيارين أرسلهم النظام السوري لقصف الليبيين. وعلى الرغم من نفي الحكم في دمشق لهذه الشائنة عن نفسه، فمن المهم القول أن أية أدلة ستؤكد على وقوع مشاركة من هذا النوع القذر، ستكون من بين الأسباب التي ستطلق شرارة الثورة في سورية لتغيير النظام الطائفي الفاسد المستبد!
ندعو مجلس الجامعة العربية الذي سيلتئم غداً على المستوى الوزاري، بدعوة من دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، أن يقرر خطوات عربية عملية لمساندة ثورة الشعب الليبي. فمن الضروري أن لا يخيّب العرب آمال الليبيين، وأن لا يتركوا الأمريكيين يفتحون أبواب الأمل لشعب كريم شقيق طيب، يتطلع الى الانعتاق!
ساحة النقاش