8 مارس
هي ليست مجرد مناسبة لمجاملة النساء في العالم والكلام عن فضائل الأمهات والأخوات والزوجات وعن معاني انخراط المرأة المعاصرة في قضايا مجتمعها، بل هي محطة تذكير بقضية قائمة بالفعل ، حاولت الثقافة البرجوازية التقليدية أن تعطيها طابعا فلكلوريا وأن تصور المشكلة بصورة أحادية على أنها صراع امرأة ضد الرجل.
ليس الكلام عن قضية للمرأة ترفا ثقافيا ولا هو أمر منفصل عن سائر قضايا النضال الاجتماعي والسياسي التي تطرحها إشكالية التقدم والتحرر في المجتمعات العربية.
إن وجوه الاضطهاد المركب الذي تتعرض له النساء في مجتمعاتنا تتصل بعملية الصراع ضد الهيمنة الاستعمارية والأنظمة الرجعية القائمة على الاستغلال والقهر الاجتماعي والسياسي وكذلك هي تعبير عن أزمة منظومة القيم المرتبطة بالتخلف الاجتماعي والسياسي.
لعل البعض يسارع إلى الربط بين القيم والتقاليد الدينية وقضية المرأة وفي ذلك ظلم وتجن كبيرين لأن جميع الديانات بشرت بمبدأ المساواة كقيمة ناظمة للعلاقات الاجتماعية وهي أقامت مكانة خاصة ثقافية وأخلاقية للمرأة ودورها في المجتمع و كافحت الرسالات التوحيدية في الشرق ضد المظالم التي كانت لاحقة بالنساء في زمانها و أبشعها ظاهرة الوأد التي أجهز عليها الإسلام في الجزيرة العربية ، وقد بني دعاة التجديد الديني في الشرق على تلك القواعد مجموعة من الأحكام و الخلاصات التقدمية كما تفيد بذلك الوقائع المتضمنة في كثير من النتاجات الفكرية والقواعد الفقهية والاشتقاقات والاجتهادات التي قام بها رواد شجعان في الديانتين الإسلامية والمسيحية في منطقتنا، والدراسة الأمينة للتجارب الحية تفرض على أي باحث أن يلاحظ تقدما كبيرا في هذا المجال.
المرأة التي تقدمت ميادين العمل وانخرطت في نضال شعبها التحرري وظهرت في لبنان وفلسطين والعراق مقاومة وشهيدة، و برزت مؤخرا زعيمة و مفكرة و قيادية في الثورتين المصرية و التونسية ، هي تشق طريقها الواقعي في حركة المجتمع وتفرض معادلات جديدة في تكوين الأسرة العربية فتملي احترام إرادتها وتنشئ توازنا جديدا في واقع الأسرة وفي بنية المجتمع.
لكن ذلك التقدم يصطدم بحقيقة البنى الاقتصادية الاجتماعية التي تقيمها منظومة الهيمنة الأميركية في الشرق وبطبيعة القيم المتخلفة التي يتشكل منها مفهوم الهيمنة الذكورية الذي يسعى معتنقوه لتكريس دونية المرأة ومعاندة الاعتراف بحقوقها وبدورها بدءا من الوحدة الأصغر في المجتمع وهي العائلة إلى الصعيد الاجتماعي برمته بجميع مكوناته الحزبية والمؤسساتية.
التناقض الذي تعكسه أحوال نساء بلادنا بينما هو محقق فعلا في كفاح النساء الاجتماعي والسياسي وبين تركيبة المستويات القيادية في المجتمع على صعيد مشاركة المرأة وحضورها في المنظمات الأهلية و البنى الحزبية القيادية وفي تركيبة السلطة القائمة، هذا التناقض يجعل من هذه القضية حالة تستوجب النضال ولا يمكن قياس تقدمية أي جهة أو فرد خارج نطاق موقفه من هذه القضية و هو ما يعطي مشروعية لمبدأ الإعلان عن وجود قضية يتعذر إنكارها.
إن السواد الأعظم من النساء في بلادنا يشاركن في سوق العمل مثلهن مثل الرجال وتتحول أجورهن إلى عنصر رئيسي في تكوين مداخيل العائلات وهن كقوة إنتاج يخضعن لشروط الاستغلال والقهر نفسها التي تفرض على الرجال، ولكن يفرض الاستتباع الذكوري والتسلط على المرأة من خلال إنكار هذا الدور الرئيسي داخل العائلة وعبر اعتبار الرجال أن قوة إنتاج المرأة المنزلية هي حق مكتسب لهم ولأبنائهم لا يعترفون بفضله إلا في المناسبات العابرة كعيد الأم ويوم المرأة، فالنساء أمهات وبنات وأخوات يشكلن قوة إنتاج خفية لا يعترف بها المجتمع على الرغم من أنها تساهم في تكوين قوة الإنتاج الاجتماعية عبر العمل المنزلي بكل ما فيه وحيث تفرض القيم التقليدية على النساء داخل العائلات تولي جميع الأعمال بمفردهن بينما المجتمع في ظل أنظمة الاستغلال والقهر والتبعية لا يقدم أي بدائل عامة للخدمات التي تقدمها النساء داخل العائلات. رُب قائل إن المرأة غير العاملة تقدم العمل المنزلي كموجب شراكة في دخل العائلة لقاء تفرغ الرجال للإنتاج و إن كان في ذلك شيء من الصحة بالمعنى المادي المجرد، إلا أن التعبيرات الاجتماعية والثقافية عن دونية المرأة تتجسد في طبيعة العلاقات ضمن تلك العائلات وهو نموذج يتناقص وجوده في مجتمعنا لأن أحوال الغلاء والقهر والفقر تفرض انخراط النساء في سوق العمل أكثر فأكثر.
إن الوصول إلى مجتمع يحقق المساواة الفعلية بين النساء والرجال يمر بطريق التحرر الوطني من الهيمنة الأجنبية وشرطه إسقاط التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية القائمة على القهر والعبودية المعممة ، لكن الأكيد أن مجتمعاتنا تحتاج إلى ثورة ثقافية تقوم على قاعدة شراكة الرجال والنساء في تحرير الوطن والمجتمع معا ومن موقع الندية والاعتراف بالوزن النوعي لدور المرأة في تقدم المجتمع، وبعيدا عن محاولة تعميم فكرة خاطئة وتناحرية بين هذين العنصرين الحاسمين في النسيج الإنساني لبنية المجتمع .
يوم المرأة العالمي هو مناسبة لمعاينة القضية بعين ناقدة بعيدة عن الفولكلور وعن شكلية المشهد الاحتفالي الذي قد تقيمه الجمعيات النسائية في بلادنا وفي العالم ، فالمرأة التي تريد حريتها في المجتمع معنية أصلا بحرية بلادها وشعبها والرجل الذي يدعي التزاما بالحريتين عليه أن يدرك أن معيار صدق التزامه هو موقفه داخل عائلته وبيئته الاجتماعية من المرأة ومن دورها.
ساحة النقاش